دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب البيوع

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 04:12 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيْسِ، كَتَسْوِيدِ شَعْرِ الجَارِيَةِ، وَتَجْعِيدهِ، وَجمْع مَاءِ الرَّحَى، وَإِرسَالِهِ عِنْدَ عَرْضِهَا .
قوله: «الرابع: خيار التدليس» التدليس مأخوذ من الدُّلسة وهي الظلمة، ومعناه خيار الإخفاء؛ لأن الذي يخفي الشيء مدلس.
ولو صورتان:
الأولى : أن يظهر الشيء على وجه أكمل مما كان عليه.
الثانية : أن يظهر الشيء على وجه كامل وفيه عيب.
والفرق بينهما ظاهر، فالأولى ليس في المبيع عيب ولكنه يظهره على وجه أجود وأكمل، وفي الثانية فيه شيء ولكنه أخفاه وأظهره على وجه سليم.
أمثلة التدليس فعل الصحابي ـ عفا الله عنه ـ حين وضع الطعام السليم فوق الطعام الذي أصابته[(1)] السماء، فإن هذا تدليس.
ومنه أن يكون عند الإنسان بيت قديم فيليسه حتى يظهره، وكأنه جديد.
ومنه أن يكون عنده سيارة مخدشة فيضربها صبغاً حتى يظن الظان أنه ليس فيها شيء.
قوله: «كتسويد شعر الجارية» أي: عند بيعها، بأن يكون عنده جارية يريد أن يبيعها، وشعرها أبيض إما لآفة أو كبر فيسوِّده؛ ليظن الظان أنها شابة صغيرة، فهذا حرام، وفيه الخيار كما سيأتي.
قوله: «وتجعيده» بمعنى أن يدهنه بدهن يجعله مموجاً، لأنه إذا ظهر مجعداً دل ذلك على أنه قوي، وضده السَّبِط اللين الذي لا يكون له تجعيد، والأول أرغب عند الناس، فإذا كان الشعر قوياً متجعداً فهو أرغب من أن يكون ليناً سهلاً مسترسلاً، فهذا الرجل لما أراد أن يبيع الجارية جعد رأسها من أجل أن يزيد الثمن، فنقول: هذا حرام لا يجوز لأنه غش.
قوله: «وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها» هذان شيئان، لكنهما شيء واحد في الواقع، وذلك بأن يجمع ماء الرحى ثم يرسله عند عرضها للبيع، والرحى كيف يكون لها ماء؟.
هناك أرحية تدور على حسب جريان الماء، فيجعل صاحب الرحى سداً ينحبس به الماء، فإذا أراد بيعها فتح هذا السد ثم اندفع الماء بشدة وسرعة فتدور الرحى دوراناً سريعاً، فيظن المشتري أن هذا هو وصفها وأنها جيدة، وأن الماء يندفع بسرعة فيزيد الثمن، فهذا من التدليس؛ لأنه أظهر المبيع بمظهر مرغوب فيه، وهو خالٍ منه.
فإذا قال قائل: كيف يكون للرحى ماء وهي ستطحن الدقيق؟ وهذا يقتضي أن يكون الدقيق عجيناً؟.
نقول: تُجعل عجلة أي بكرة لها رِيَشٌ يضرب فيها الماء فتدور، ثم في هذه البكرة سير متصل بالرحى البعيدة عن الماء، وهذا السير هو الذي يدير هذه الرحى البعيدة، ويشبهه من بعض الوجوه جنزير العجلة (الدراجة)، فيظن الظان أن هذا هو ماؤها، وأن هذه قوتها فيزيد في ثمنها.
واقتصار المؤلف ـ رحمه الله ـ على هذه الأمثلة الثلاثة، تسويد شعر الجارية، وتجعيده، وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها، لا يعني أنه لا يثبت إلا في هذه فقط، بل هذه أمثلة.
والضابط ما ذكرناه، وهو إظهار المبيع بصفة مرغوب فيها وهو خالٍ منها، ومن ذلك:
تصرية اللبن في ضرع بهيمة الأنعام، أي: جمع اللبن في ضرع البهيمة، وهو محرم، قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا تصروا الإبل والغنم)) ، فيربط ضرع البهيمة ويجتمع اللبن في الضرع، فإذا جلبها في السوق ورآها المشتري ظن أن هذه عادتها، وأن لبنها كثير فيزيد في ثمنها، فإذا وقع هذا من البائع أعني هذا التدليس، نقول: أما التصرية فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حكم فيها بحكم الله ـ عزّ وجل ـ قال: ((ومن ابتاعها بَعْدُ ـ أي بعد التصرية ـ فهو بالخيار إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاً من تمر)) [(2)]، وفي رواية: ((هو بالخيار ثلاثة أيام)) [(3)]، أي: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل له الخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسك، وإن شاء رد، وجعل الثلاثة لأجل أن يستقر اللبن؛ لأنه ربما يستقر على هذه الكثرة، فإن شاء أمسكها بلا أرش؛ لأن الحديث ظاهر في ذلك، وإن شاء ردها، ورد معها صاعاً من تمر، وربما يمسكها ولو كان لبنها قليلاً؛ لأنه يريد عين هذه البهيمة، أو يرتفع السعر في أثناء هذه المدة فيختارها ولو كان لبنها قليلاً، لكن إذا قال: أنا أريد أن أردها، فنقول: لا بأس ردها ورد معها صاعاً من تمر، وحينئذٍ يرد علينا مسائل:
الأولى: هذا الصاع من التمر هل هو عوض عن اللبن الحادث بعد العقد، أو هو عوض عن اللبن الموجود حين العقد؟
الجواب: هذا الصاع عوض عن اللبن الموجود حين العقد؛ لأن اللبن الموجود حين العقد ملك للبائع، أما ما حدث بعد العقد فهو ملك للمشتري، وقد سبق أن نماء المبيع المنفصل للمشتري.
الثانية: لماذا قدره بصاع، وقد يساوي أكثر من صاع، وقد يساوي أقل؟.
الجواب: قدره النبي صلّى الله عليه وسلّم بصاع قطعاً للنزاع؛ لأنه ربما يتنازع المشتري والبائع، فيقول البائع: اللبن فيها كثير، والمشتري يقول: اللبن فيها قليل، فقطعاً للنزاع قدره النبي صلّى الله عليه وسلّم وقوَّمه للأمة إلى يوم القيامة.
الثالثة: لماذا لم يقل: صاعاً من طعام، وجعله كالفطرة من البر، أو الشعير، أو الزبيب، بل قال: صاعاً من تمر؟.
الجواب: لأن التمر أقرب ما يكون شبهاً إلى اللبن، ففي اللبن حلاوة، وغذاء، والتمر كذلك، فلو أنك أردت أن تشبه بين اللبن والخبز لوجدت الفرق أكثر، لكن اللبن والتمر متقارب، وكله يؤكل ويشرب طرياً بدون كلفة وبدون طبخ.
مسألة: إذا فقد التمر فما يقوم مقامه يجزئ عنه.
الرابعة: لو أراد المشتري أن يرد اللبن الذي حلبه، وقال للبائع: أنا حلبت صاعاً من اللبن أو نصف صاع من اللبن، وهو موجود الآن أرده عليك بعينه، فهل نقول: إنه يجب على البائع أن يقبله؛ لأنه رد عليه عين ملكه، أو نقول: إن الشرع ورد بتقديره من التمر، فلا نعدل عما جاء به الشرع؟.
الجواب: بعض العلماء قال: إذا رده بحاله لزم البائع أن يقبل؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل هذا عوضاً عنه؛ لأنه في الغالب أن المشتري إذا حلبه استهلكه.
وقال بعض العلماء: إنه لا يجبر على قبول اللبن؛ لأنه باع اللبن متصلاً بالبهيمة، وفصله المشتري، فكان عرضة للحموضة والفساد، والتمر جنس عيَّنه الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ فلا نتعداه.
وعندي أن هذا أقرب إلى الصواب لو لم يكن فيه إلا اتباع السنة لكان كافياً، فيقال: للمشتري إذ أراد أن يرد اللبن: يجب أن ترد صاعاً من تمر، كما أن البائع لو أراد الحليب، قال: أعطني الحليب الذي حلبته، وهو عندك الآن لم تشربه ولم تتصرف فيه، وقال المشتري: أبداً أعطيك صاعاً من التمر، أيهما يقبل؟.
الجواب: يقبل قول المشتري أن يرد الصاع من التمر، إذاً يقبل قول من قال: أرد الصاع؛ لأن البائع ربما يقول للمشتري: أعطني اللبن الذي حلبت وهو عندك الآن، واللبن يساوي ثلاثة آصع من التمر، والمشتري يقول: لا أعطيك إلا ما قدره النبي صلّى الله عليه وسلّم.
والخلاصة: أن كل من طلب ما قدَّره الرسول صلّى الله عليه وسلّم وعيَّنه فهو المقبول.
الخامسة: إذا كان اللبن لا قيمة له شرعاً، كما لو اشترى حمارة مصراة، فهل يرد صاعاً من تمر؟ وذلك إذا قال المشتري: أنا عندي أتان صغير، واللبن هذا وإن كان ليس له قيمة بالنسبة للآدمي؛ لأنه حرام. لكن بالنسبة للأتان الصغير له قيمة.
فيقال: إن هذا ليس له قيمة شرعاً فليس له عوض، لكن ما دام قد دلس عليك واشتريت حمارة مصراة، فلك الرد.



[1] سبق تخريجه ص(301).
[2] أخرجه البخاري في البيوع/ باب النهي للبائع أن لا يحفل الإبل... (2150)؛ ومسلم في البيوع/ باب تحريم بيع الرجل على بيع أخيه (1515) (11) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.
[3] أخرجها مسلم في البيوع/ باب حكم بيع المصراة (1524) (24) (25) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الرابع, خيار

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir