جزء تبارك
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (
سورة تبارك:
أقول: ظهر لي بعد الجهد: أنه لما ذكر آخر التحريم امرأتي نوح ولوط الكافرتين، وامرأة فرعون المؤمنة، افتتحت هذه السورة بقوله: {الّذي خلق الموت والحياة} "2" مرادًا بهما الكفر والإيمان في أحد الأقوال؛ للإشارة إلى أن الجميع بخلقه وقدرته؛ ولهذا كفرت امرأتا نوح ولوط، ولم ينفعهما اتصالهما بهذين النبيين الكريمين، وآمنت امرأة فرعون، ولم يضرها اتصالها بهذا الجبار العنيد، لما سبق في كل من القضاء والقدر.
[ثم ظهر لي] وجه آخر: وهو أن [أول] "تبارك" متصل بقوله في آخر الطلاق: {اللّه الّذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ} "الطلاق: 12"، فزاد ذلك بسطًا في هذه الآية: {الّذي خلق سبع سماواتٍ طباقًا ما ترى في خلق الرّحمن من تفاوتٍ فارجع البصر هل ترى من فطورٍ} إلى قوله: {ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح} "3-5"، وإنما فصلت بسورة التحريم؛ لأنها كالتتمة لسورة الطلاق.
سورة ن:
أقول: لما ذكر سبحانه في آخر [سورة] تبارك التهديد بتغوير الماء، استظهر عليه في هذه السورة بإذهاب ثمر أصحاب البستان في ليلة بطائف طاف عليه وهم نائمون، فأصبحوا لم يجدوا له أثرًا، حتى ظنوا أنهم ضلوا الطريق، وإذا كان هذا في الثمار وهي أجرام كثيفة، فالماء الذي هو لطيف رقيق أقرب إلى الإذهاب؛ ولهذا قال: {وهم نائمون، فأصبحت كالصّريم} "19، 20"، وقال هناك: {إن أصبح ماؤكم غورًا} "الملك: 30" إشارة إلى أنه يسري عليه في ليلة كما أسري على الثمرة في ليلة.
سورة الحاقة:
أقول: لما وقع في "ن" ذكر يوم القيامة مجملًا في قوله: {يوم يكشف عن ساقٍ} "القلم: 42" الآية، شرح ذلك في هذه السورة نبأ هذا اليوم، وشأنه العظيم.
سورة سأل:
أقول: هذه السورة كالتتمة لسورة الحاقة في بقية وصف يوم القيامة والنار.
و [قد] قال ابن عباس: إنها نزلت عقب سورة الحاقة، وذلك أيضًا من وجوه المناسبة في الوضع.
سورة نوح:
أقول: أكثر ما ظهر [لي] في وجه اتصالها بما قبلها بعد طول الفكر: أنه سبحانه لما قال في "سأل": {إنّا لقادرون، على أن نبدّل خيرًا منهم}"المعارج: 40، 41" عقبه بقصة قوم نوح، المشتملة على إغراقهم عن آخرهم؛ بحيث لم يبق منهم ديار وبدل خيرًا منهم [فوقعت موقع الاستدلال والاستظهار لتلك الدعوى، كما وقعت قصة أصحاب الجنة في سورة "ن" موقع الاستدلال والاستظهار] لما ختم به تبارك.
هذا مع تآخي مطلع السورتين في ذكر العذاب الموعد به الكافرين.
سورة الجن:
أقول: قد فكرت مدة في وجه اتصالها بما قبلها، فلم يظهر لي سوى أنه [سبحانه] قال في سورة نوح: {استغفروا ربّكم إنّه كان غفّارًا، يرسل السّماء عليكم مدرارًا} "نوح: 10، 11"، وقال في هذه السورة [لكفار مكة]: {وألّو استقاموا على الطّريقة لأسقيناهم ماءً غدقًا} "16"، وهذا وجه بيّن في الارتباط.
سورة المزمل:
أقول: لا يخفى وجه اتصال أولها: {قم اللّيل}"2" بقوله في آخر تلك: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه} "الجن: 19"، وبقوله: {وأنّ المساجد للّه} "الجن: 18".
سورة المدثر:
أقول: هده متآخية مع السورة التي قبلها في الافتتاح بخطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدر كليهما نازل في قصة واحدة.
وقد ذكر عن ابن عباس في ترتيب نزول السور: أن المدثر نزلت عقب المزمل [كذا] أخرجه ابن الضريس، وأخرجه غيره عن جابر بن زيد.
سورة القيامة:
أقول: لما قال سبحانه في آخر المدثر: {كلّا بل لا يخافون الآخرة} "المدثر: 53" بعد ذكر الجنة والنار، وكان عدم خوفهم إياها لإنكارهم البعث، ذكر في هذه السورة الدليل على البعث [من أوجه]، ووصف يوم القيامة، وأهواله، وأحواله، ثم ذكر من قبل ذلك [من خروج الروح من البدن ثم ما قبل ذلك] من مبدأ الخلق، فذكرت الأحوال [الثلاثة] في هذه السورة على عكس ما هي في الواقع.
سورة الإنسان:
أقول: وجه اتصالها بسورة القيامة في غاية الوضوح؛ فإنه تعالى ذكر في آخر تلك مبدأ خلق الإنسان من نطفة، ثم ذكر مثل ذلك في مطلع هذه السورة، مفتتحًا بخلق آدم أبي البشر.
ولما ذكر هناك خلقه [من نطفة] منهما، قال هنا: {فجعل منه الزّوجين الذّكر والأنثى} "القيامة: 39"، ولما ذكر هناك خلقه منهما، قال هنا: {فجعلناه سميعًا بصيرًا} "2"، فعلق به غير ما علق بالأول، ثم رتب عليه هداية السبيل، وتقسيمه إلى شاكر وكفور، ثم أخذ في جزاء كل.
ووجه آخر هو: أنه لما وصف حال يوم القيامة في تلك السورة، ولم يصف فيها حال النار والجنة؛ بل ذكرهما على سبيل الإجمال، فصلهما في هذه السورة، وأطنب في وصف الجنة، وذلك كله شرح لقوله تعالى هناك: {وجوهٌ يومئذٍ ناضرةٌ} "القيامة: 22"، وقوله هنا: {إنّا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالًا وسعيرًا}"14"، شرح لقوله هناك: {تظنّ أن يفعل بها فاقرةٌ} "القيامة: 25".
وقد ذكر هناك: {كلّا بل تحبّون العاجلة، وتذرون الآخرة} "القيامة: 20، 21"، وذكر هنا في هذه السورة: {إنّ هؤلاء يحبّون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلًا} "27"، وهذا من وجوه المناسبة.
سورة المرسلات:
أقول: وجه اتصالها بما قبلها: أنه تعالى لما أخبر في خاتمتها أنه {يدخل من يشاء في رحمته والظّالمين أعدّ لهم عذابًا أليمًا} "الإنسان: 31"، افتتح هذه بالقسم على أن ما يوعدون واقع، فكان ذلك تحقيقًا لما وعد به هناك المؤمنين، وأوعد الظالمين.
ثم ذكر وقته وأشراطه بقوله: {فإذا النّجوم طمست}"8" إلى آخره.
ويحتمل أن تكون الإشارة بما توعدون إلى جميع ما تضمنته السورة من وعيد للكافرين، ووعد للأبرار). [تناسق الدرر: ؟؟]