سورة النبأ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة النبأ
قوله تعالى: {لابثين فيها أحقاباً} [النبأ: 23].
تقدمّ وجه الجمع بينه هو والآيات المشابهة له، كقوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلاّ ما شاء ربّك}. [هود: 107]، مع الآيات المقتضية لدوام عذاب أهل النار بلا انقطاعٍ، كقوله: {خالدين فيها أبداً} في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى: {قال النّار مثواكم خالدين فيها إلاّ ما شاء الله} الآية [الأنعام: 128]، فقد بيّنّا هناك أن العذاب لا ينقطع عنهم، وبيّنّا وجه الاستثناء بالمشيئة.
وأمّا وجه الجمع بين الأحقاب المذكورة هنا مع الدوام الأبديّ الذي قدّمنا الآيات الدالّة عليه، فمن ثلاثة أوجهٍ:
الأول: -وهو الذي مال إليه ابن جريرٍ، وهو الأظهر عندي؛ لدلالة ظاهر القرآن عليه-، هو: أنّ قوله: {لابثين فيها أحقاباً}. متعلّقٌ بما بعده؛ أي: {لابثين فيها أحقاباً} في حال كونهم {لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً إلاّ حميماً وغسّاقاً}، فإذا انقضت تلك الأحقاب عذّبوا بأنواعٍ أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغسّاق.
ويدلّ لهذا تصريحه تعالى بأنّهم يعذّبون بأنواعٍ أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغسّاق في قوله: {هذا فليذوقوه حميمٌ وغسّاقٌ * وآخر من شكله أزواجٌ} [ص: 57-58].
وغاية ما يلزم على هذا القول تداخل الحال، وهو جائزٌ حتى عند من منع ترادف الحال كابن عصفورٍ ومن وافقه.
وإيضاحه: أنّ جملة: {لا يذوقون} حالٌ من ضمير المستكن، ونعني باسم الفاعل قوله: {لابثين} الذي هو حالٌ. ونظيره من إتيان جملة فعلٍ مضارعٍ منفيٍّ بـ«لا» حالاً في القرآن قوله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمّهاتكم لا تعلمون شيئاً} [النحل: 78] أي: في حال كونكم لا تعلمون.
الثاني: أنّ هذه الأحقاب لا تنقضي أبداً، رواه ابن جريرٍ عن قتادة والرّبيع بن أنسٍ، وقال: إنّه أصحّ من جعل الآية في عصاة المسلمين، كما ذهب إليه خالد بن معدان.
الثالث: أنّا لو سلّمنا دلالة قوله: {أحقاباً} على التّناهي والانقضاء، فإنّ ذلك إنّما فهم من مفهوم الظرف، والتأبيد مصرّحٍ به منطوقاً، والمنطوق مقدّمٌ على المفهوم، كما تقرّر في الأصول.
وقول خالد بن معدان: إنّ هذه الآية في عصاة المسلمين يردّه ظاهر القرآن؛ لأنّ الله قال: {وكذّبوا بآياتنا كذّاباً}. وهؤلاء الكفار). [دفع إيهام الاضطراب: 337-338]