1: جواب الأمر
الأصل فيه أن يكون مجزوماً كما في قول الله تعالى: {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم}، وقوله تعالى: {أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفرْ لكم من ذنوبكم ويجرْكم من عذاب أليم}، وقوله تعالى: {أرسله معنا غداً يرتعْ ويلعبْ}.
فالجزم يفيد تعلّق الجزاء بامتثال الأمر والاستجابة للطلب.
وقد يقترن جواب الأمر بالفاء كما في قول الله تعالى: {اهبطوا مصراً فإنّ لكم ما سألتم}.
وإذا كان الجواب غير مرادٍ؛ فإنَّ الفعل يرتفع، ورَفْعُه على أحد ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن تقع الجملة الفعلية موقع الحال، كما في قول الله تعالى:{خذ من أموالهم صدقة تطهرُهم وتزكّيهم بها}،أي: مطهّرةً لهم، وكذلك في قوله تعالى:{ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً}، وقوله تعالى:{قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}.
والوجه الثاني: أن تكون الجملة الفعلية نعتاً، ويُرفع الفعل على الابتداء، كما في قول الله تعالى فيما حكاه عن موسى عليه السلام أنه قال:{وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدّقُني} على قراءة عاصم وحمزة برفع الفعل {يصدّقُني}،أي: ردْءاً من صفته أنه يصدّقني، وقرأ بقيّة السبعة [يصدّقْني ] بالجزم على جواب الطلب.
وقال تعالى فيما حكاه عن زكريا عليه السلام أنه قال: {فهب لي من لدنك وليّا يرثُني ويرث من آل يعقوب} على قراءة الرفع، وهي قراءة الجمهور، وهو على الصفة أي وليّاً من صفته أنه يرثني، وقرأ أبو عمرو والكسائي [يرثْني ويرثْ] بالجزم جواباً للطلب.
وقال تعالى: {فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوى}.
قرأ الجمهور {لا نخلفُه} بضمّ الفاء، وقرأ أبو جعفر: [لا نخلفْه] بالجزم على جواب الطلب.
والوجه الثالث: أن يكون الرفع على الاستئناف، كما في قول الله تعالى:[قال نكروا لها عرشها ننظرُ أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ] على قراءة الرفع [ ننظرُ ] وهي قراءة ذكرها أبو القاسم الهذلي عن أبي حيوة، والرفع فيها محمول على الاستئناف لقطع ارتباط الفعل بالأمر.
وقرأ الجمهور {ننظرْ} على جواب الأمر.
وقد يجتمع في الآية الواحدة جزمُ الفعل على جواب الأمر ورفعه على الاستئناف كما في قول الله تعالى: {قاتلوهم يعذبْهم الله بأيديكم ويخزهم وينصرْكم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين . ويذهبْ غيظ قلوبهم ويتوبُ الله على من يشاء والله عليم حكيم}.
فهذه الأفعال "يعذبْهم" و"يخزِهم" و"ينصرْكم" و"يشفِ" و"يذهبْ" كلها مجزومة لوقوعها في جواب الطلب، وأما "يتوب" فهو فعل مضارع مرفوع بعد واو الاستئناف لقطع التعلق بفعل الأمر {قاتلوهم}.
وفعل الأمر تختلف أسماؤه باختلاف مصدره ومبلغه:
- فإذا كان موجهاً من الأعلى إلى من دونه فهو أمر.
- وإذا كان من الأدنى إلى الأعلى فهو طلب، والدعاء من الطلب.
- وإذا كان إلى مساوٍ فهو التماس على اختيار بعض أهل العلم ومنهم يسمّيه طلباً أيضاً.
وقد يقع الفعل المضارع مجزوماً في جواب أمرين أو أكثر؛ كما في قول الله تعالى: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} ، وقوله تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}.
ومما يلتحق بجواب الأمر جواب ما يدلّ على الأمر وهو على أنواع:
النوع الأول: اسم فعل الأمر، وهو الاسم أو شبه الجملة التي تدل على معنى الفعل وتعمل عمله، كما في قول الله تعالى: {عليكم أنفسَكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم}
{عليكم} اسم فعل أمر، بمعنى الزموا.
{لا يضرّكم} تحتمل وجهين في الإعراب:
أحدهما: الجزم لوقوعها في جواب اسم الفعل، والأصل "لا يضررْكم"، فأدغمت الراء الأولى في الثانية وحرّكت لالتقاء الساكنين، وتنصرها القراءة المروية عن إبراهيم النخعي والحسن البصري [ لا يضِرْكم ] بكسر الضاد وتخفيفها.
والآخر: الرفع على القطع، وتنصره القراءة المروية عن أبي حيوة، [لا يضيرُكُم ]
قال الفراء: ({لا يضرّكم} رفعٌ، ولو جُزِمَت كان صواباً).
ولا يُنصب الفعل المضارع الواقع في جواب اسم الفعل مطلقاً على الأرجح، وذهب ابن عصفور إلى جواز نصبه إذا كان اسم الفعل مشتقاً من المصدر.
والنوع الثاني: جواب الفعل المضارع المجزوم بلام الأمر؛ كما في قول الله تعالى: {فليلقه اليمّ بالساحل يأخذْه عدوّ لي وعدوّ له}.
{يأخذْه} فعل مضارع مجزوم لوقوعه في جواب {فليُلْقه}.
والنوع الثالث: جواب الخبر الذي يراد به الأمر، كما قيل في قول الله تعالى: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون . يغفرْ لكم ذنوبكم}.
{يغفرْ} مجزوم لوقوعه في جواب {تؤمنون} وهو خبر يراد به الأمر على أحد قولي النحاة.
وذهب سيبويه والمبرد والفراء إلى أنّ {يغفرْ} مجزوم لوقوعه في جواب الاستفهام {هل أدلّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}
ومن نصر القول الأول ذهب إلى أنّ المغفرة لا ترتبط بمجرد الدلالة، وإنما بالإيمان والجهاد.
واشتهر عند النحاة أثر ينسبه بعضهم لعمر بن الخطاب وينسبه بعضهم للحارث بن هشام: (اتقى الله امرؤ وفعل خيرًا يُثَبْ عليه). ولا أعلم له أصلاً عن عمر ولا عن غيره من الصحابة.