دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 شوال 1440هـ/2-07-2019م, 06:19 PM
محمد العبد اللطيف محمد العبد اللطيف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 564
افتراضي

الاسلوب البياني :

تفسير قوله تعالى:

{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (22) الملك

الحمد لله رب العالمين، خلق الانسان، علمه البيان، أنزل كتابه العزيز معجزة خالدة الى يوم القيامة وأمر بتدبر آياته فقال سبحانه {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وآله وصحبه ومن اتبع سنته الى يوم الدين، وبعد، فهذه بعض تأملات في تفسير قوله تعالى:
{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وذلك بذكر بعض ما جاء فيها من حسن البيان وبديع النظم الدّال على المعنى المراد في وصف بديع وإيجاز بليغ ولقد ورد ذكر الامثال في القرآن في آيات متعددة وذلك لما للأمثال من الفوائد مثل تقريب المعنى الى افهام المخاطبين والترغيب والترهيب و قيل في سبب نزول هذه الآية انه مثل للمؤمنين والكافرين او انها نزلت في شخص معين فقيل المكب على وجهه أبو جهل والذي يمشي سوياً النبي صلى الله عليه وسلم او حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.

ولقد اختلف المفسرون بالمراد بهذا المثل الى قولين:
الأول: ان َمثل الكافر مثل الاعمى الذي يمشي في طريق معوج غير مستو فهو يتخبط فيه عن اليمين وعن الشمال يتعثر في مشيه ومَثل المؤمن مَثل المبصر الذي يمشي في طريق واضح المعالم قال ابن عباس اي يمشي في الضلالة أهدي، أم يمشي مهتدياً.
الثاني: ان هذا مثل للكافر والمؤمن يوم القيامة فيحُشر الكافر على وجهه وعن قتادة: الكافر أكب على معاصي الله تعالى فحشره الله يوم القيامة على وجهه قال معمر: قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم : كيف يمشون على وجوههم؟ قال: "إنَّ الَّذِي أمْشاهُم على أقْدَامِهمْ قادِرٌ عَلى أنْ يُمْشيَهُمْ عَلى وُجُوهِهِمْ". وعن معمر، عن قتادة ﴿يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ قال المؤمن عمل بطاعة الله، فيحشره الله على طاعته.

والفاء في اول الآية للتفريع على الدلائل والعبر من اول السورة والاستفهام تقريري والمكب اسم فاعل من أكب إذا صار ذا كب فالهَمْزَةُ فِيهِ أصْلُها لِإفادَةِ المَصِيرِ في الشَّيْءِ مِثْلُ هَمْزَةِ: أقْشَعَ السَّحابُ، إذا دَخَلَ في حالَةِ القَشْعِ، ومِنهُ قَوْلُهم: أنْفَضَ القَوْمُ إذا هَلَكَتْ مَواشِيهِمْ، وأرْمَلُواْ إذا فَنِيَ زادُهم، وهي أفْعالٌ قَلِيلَةٌ فِيما جاءَ فِيهِ المُجَرَّدُ مُتَعَدِّيًا والمَهْمُوزُ قاصِرًا و(أهْدى) مُشْتَقٌّ مِنَ الهُدى، وهو مَعْرِفَةُ الطَّرِيقِ وهو اسْمُ تَفْضِيلٍ مَسْلُوبُ المُفاضَلَةِ؛ لِأنَّ الَّذِي يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ لا شَيْءَ عِنْدَهُ مِنَ الاهْتِداءِ والسَّوِيُّ: الشَّدِيدُ الاسْتِواءِ فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ كما ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.

وقد ذكر بعض المفسرين ثلاثة تشبيهات تمثيلية في هذا الآية:
الأول: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا] حيث شبه الله تعالى حال الكافر والمؤمن بحال الماشي على طريقة مختلفة فالكافر كالأعمى الذي يمشي في طريق وعر غير مسلوك كلما مشى انكب على وجهه فلا هو يدري اين يمشي وهل طريقه يوصله الى مطلوبه ومثل المؤمن مثل المبصر الذي يمشي ويعلم اين يسير والى اين.

الثاني: في قوله تعالى {مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} حيث شبه الكافر في تردُده وتحيره بين الالهة والشك مثل الملتصق بالأرض يبحث فيها عن أي علامة او دليل يدله على الطريق وكلما مشى عاد الى الأرض يبحث فيها من جديد.

الثالث: في قوله تغالى {سَوِيًّا} حيث شبه المؤمن في مشيه وثقته بربه وتوكله عليه بالمستو قائما رافعاً رأسه فلا هو في شك من أمره ولا ينظر يمنة ويسرة.

وفيها تشبيه للدين بالطريق المسلوكة وذلك في قوله تعالى {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} حيث عُلم منها ان المُكب على وجهه يمشي على طريق غير هذا الصراط المستقيم وهذ ايجاز حذف حيث لم يصف طريق المكب على وجهه بالالتواء او الاعوجاج ولكنه هذا مفهوم من ذكر المقابلة بالصراط المستقيم.

والله أعلم.

المراجع:
١- التحرير والتنوير – ابن عاشور
٢- جامع البيان – ابن جرير الطبري
٣- تفسير ابن كثير – الحافظ ابن كثير
٤- الكشْاف – الزمخشري
٥- مفاتح الغيب – فخر الدين الرازي
٦- نظم الدرر - البقاعي

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 ذو القعدة 1440هـ/16-07-2019م, 04:01 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد العبد اللطيف مشاهدة المشاركة
الاسلوب البياني :

تفسير قوله تعالى:

{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (22) الملك

الحمد لله رب العالمين، خلق الانسان، علمه البيان، أنزل كتابه العزيز معجزة خالدة الى يوم القيامة وأمر بتدبر آياته فقال سبحانه {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وآله وصحبه ومن اتبع سنته الى يوم الدين، وبعد، فهذه بعض تأملات في تفسير قوله تعالى:
{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} وذلك بذكر بعض ما جاء فيها من حسن البيان وبديع النظم الدّال على المعنى المراد في وصف بديع وإيجاز بليغ ولقد ورد ذكر الامثال في القرآن في آيات متعددة وذلك لما للأمثال من الفوائد مثل تقريب المعنى الى افهام المخاطبين والترغيب والترهيب و قيل في سبب نزول هذه الآية انه مثل للمؤمنين والكافرين او انها نزلت في شخص معين فقيل المكب على وجهه أبو جهل والذي يمشي سوياً النبي صلى الله عليه وسلم او حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه.
ذكرك لسبب النزول يلزم إسناده وتخريجه.
ولقد اختلف المفسرون بالمراد بهذا المثل الى قولين:
الأول: ان َمثل الكافر مثل الاعمى الذي يمشي في طريق معوج غير مستو فهو يتخبط فيه عن اليمين وعن الشمال يتعثر في مشيه ومَثل المؤمن مَثل المبصر الذي يمشي في طريق واضح المعالم قال ابن عباس اي يمشي في الضلالة أهدي، أم يمشي مهتدياً.
الثاني: ان هذا مثل للكافر والمؤمن يوم القيامة فيحُشر الكافر على وجهه وعن قتادة: الكافر أكب على معاصي الله تعالى فحشره الله يوم القيامة على وجهه قال معمر: قيل للنبيّ صلى الله عليه وسلم : كيف يمشون على وجوههم؟ قال: "إنَّ الَّذِي أمْشاهُم على أقْدَامِهمْ قادِرٌ عَلى أنْ يُمْشيَهُمْ عَلى وُجُوهِهِمْ". وعن معمر، عن قتادة ﴿يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ قال المؤمن عمل بطاعة الله، فيحشره الله على طاعته.

والفاء في اول الآية للتفريع على الدلائل والعبر من اول السورة والاستفهام تقريري والمكب اسم فاعل من أكب إذا صار ذا كب فالهَمْزَةُ فِيهِ أصْلُها لِإفادَةِ المَصِيرِ في الشَّيْءِ مِثْلُ هَمْزَةِ: أقْشَعَ السَّحابُ، إذا دَخَلَ في حالَةِ القَشْعِ، ومِنهُ قَوْلُهم: أنْفَضَ القَوْمُ إذا هَلَكَتْ مَواشِيهِمْ، وأرْمَلُواْ إذا فَنِيَ زادُهم، وهي أفْعالٌ قَلِيلَةٌ فِيما جاءَ فِيهِ المُجَرَّدُ مُتَعَدِّيًا والمَهْمُوزُ قاصِرًا و(أهْدى) مُشْتَقٌّ مِنَ الهُدى، وهو مَعْرِفَةُ الطَّرِيقِ وهو اسْمُ تَفْضِيلٍ مَسْلُوبُ المُفاضَلَةِ؛ لِأنَّ الَّذِي يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وجْهِهِ لا شَيْءَ عِنْدَهُ مِنَ الاهْتِداءِ والسَّوِيُّ: الشَّدِيدُ الاسْتِواءِ فَعِيلٌ بِمَعْنى فاعِلٍ كما ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.

وقد ذكر بعض المفسرين ثلاثة تشبيهات تمثيلية في هذا الآية:
الأول: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا] حيث شبه الله تعالى حال الكافر والمؤمن بحال الماشي على طريقة مختلفة فالكافر كالأعمى الذي يمشي في طريق وعر غير مسلوك كلما مشى انكب على وجهه فلا هو يدري اين يمشي وهل طريقه يوصله الى مطلوبه ومثل المؤمن مثل المبصر الذي يمشي ويعلم اين يسير والى اين.

الثاني: في قوله تعالى {مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} حيث شبه الكافر في تردُده وتحيره بين الالهة والشك مثل الملتصق بالأرض يبحث فيها عن أي علامة او دليل يدله على الطريق وكلما مشى عاد الى الأرض يبحث فيها من جديد.

الثالث: في قوله تغالى {سَوِيًّا} حيث شبه المؤمن في مشيه وثقته بربه وتوكله عليه بالمستو قائما رافعاً رأسه فلا هو في شك من أمره ولا ينظر يمنة ويسرة.

وفيها تشبيه للدين بالطريق المسلوكة وذلك في قوله تعالى {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} حيث عُلم منها ان المُكب على وجهه يمشي على طريق غير هذا الصراط المستقيم وهذ ايجاز حذف حيث لم يصف طريق المكب على وجهه بالالتواء او الاعوجاج ولكنه هذا مفهوم من ذكر المقابلة بالصراط المستقيم.

والله أعلم.

المراجع:
١- التحرير والتنوير – ابن عاشور
٢- جامع البيان – ابن جرير الطبري
٣- تفسير ابن كثير – الحافظ ابن كثير
٤- الكشْاف – الزمخشري
٥- مفاتح الغيب – فخر الدين الرازي
٦- نظم الدرر - البقاعي
أحسنت بارك الله فيك.
الدرجة: ب+

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1440هـ/18-07-2019م, 10:19 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل عبد الرحمن مشاهدة المشاركة
تفسير سورة الكوثر ( الأسلوب البياني )

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
نزلت هذه السورة لتُسرّي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما هو فيه ، ولِتَعدَه بالخير ، ولأعدائه بالبتر وتوجّهه إلى طريق الشكر . حيث نال الرسول الأذى من المشركين، فهي صورة من رعاية الله المباشرة لرسوله ومن معه ، وتثبيتهم وتطمينهم ، بجميل وعده له ومرهوب وعيده لشانئه .
كما أن هذه السورة تمثل حقيقة الهدى والخير والإيمان ، من الكثرة والفيض والامتداد ، وحقيقة الضلال والشر والكفران ، من القلّة والانحسار والانبتار . وإن ظهر أول الأمر غير ذلك ، وظن الغافلون غير هذا .
فقد ورد أن سفهاء قريش كالعاص بن وائل وأبي لهب وغيرهم كانوا يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه أبتر ؛ لموت الذكور من ولده وذلك بعد وفاة ابنه القاسم ، وقال أحدهم : دعوه فإنه سيموت لا عقب وينتهي أمره . وكان لهذا الكلام رواجٌ في العرب الذين يتفاخرون ويتكاثرون بالأبناء ، ولعلها أوجعت قلب النبي الشريف ومسّته بالغم ؛ فأنزل الله هذه السورة تسلية وتقريرا لحقيقة بقاء الخير وامتداده ، وحقيقة انقطاع أعدائه وانبتارهم .
قال تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر )
( إنّا ) نا المتكلمين تارة تأتي للجمع وتارة تأتي للتعظيم . والله واحد فلا يمكن حملها على الجمع ، فتكون للتعظيم ؛ لبيان كبرياء الله وعظمته فهو المتفرد بالكبرياء والعظمة سبحانه . وقد صُدِّرت الآية بـ ( إنّا ) للتأكيد لأنها تجري مجرى القسم .
( أعطيناك ) وقرئت : ( أنطيناك ) بالنون بدل الهمزة ، وجاء الفعل بنون العظمة كذلك ؛ ليبيّن أن عطاء ذي الكبرياء والعظمة يتناسب مع كبريائه وعظمته سبحانه . فالمعطِي سبحانه عظيم ، والعطاء عظيم ، فهذا دليل على أن المعْطى ذو منزلة عظيمة عند ربه عز وجل .
وجاء الفعل بصيغة الماضي ( أعطيناك ) ولم يقل سنعطيك ؛ لإفادة أن هذا العطاء حاصل في الأزل ومكتوب في اللوح المحفوظ كما أن فيه إشارة إلى أن الإسعاد والإشقاء وغيرها من المطلوبات والمكروهات سبق حكم الله بها وليست أمرًا حادثا .
واختار لفظ أعطيناك دون لفظ آتيناك ؛ لأن الإيتاء يحتمل أن يكون مستحقًا فيكون واجبًا ويحتمل أن يكون تفضلا ، أما الإعطاء فإنه أقرب للتفضل . ومُشعِر بالدوام والتزايد .
وجاء بكاف الخطاب ولم يأتِ بغيره من الظمائر ؛ لأن فيه إشعار بقربه سبحانه من رسوله صلى الله عليه وسلم ولاسيما في مثل هذه الحال موت الابن وتسلط الأعداء بنعته بالأبتر . كما أنه مشعِرٌ بالخصوصية .
والكوثر على وزن فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة .
قيل لأعرابيّة رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك ؟ قالت : آب بكوثر . وقال شاعرهم : وأنت كثيرٌ يا ابن مروان طيّب *** وكان أبوك ابن العقائل كوثرا .
فالكوثر: الخير الكثير الكثير؛ وهو مطلق غير محدد ، فهو خير لا ممنوع ولا مبتور ، عكس الوصف الذي أطلقه هؤلاء السفهاء . ومن تتبع هذا الكوثر فإنه واجده حيث نظر أو تصوّر ، من النبوة والاتصال بالخالق الكبير ، ومن تنزيل القرآن الذي لا نهاية لبركته وخيره ، ومن صلاة الملأ الأعلى واقتران اسمه باسم الله في الأرض وفي السماء ، ومن سنته الممتدة على مدار القرون وفي أرجاء الأرض ، والملايين بعد الملايين السائرين على أثره الهاتفين باسمه المحبين له ولسيرته . و مظاهر وجود هذا الكوثر لا يمكن إحصاؤها . لذا جاءت الآية بلا تحديد ؛ ليشمل كل ما يكثر من الخير ويزيد .
وقيل: (الكوثر) نهر في الجنة. وهو المشهور عند السلف والخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأها حين أنزلت عليه فقال: «أتدرون ما الكوثر؟ إنه نهر في الجنة وعدنيه ربي، فيه خير كثير» . وعن ابن عباس أنه فسر الكوثر بالخير الكثير، فقال له سعيد بن جبير: إن ناساً يقولون: هو نهر في الجنة! فقال: هو من الخير الكثير. فهو كوثر من كوثر . وهذا الأنسب في هذا السياق .
قال تعالى : ( فصل لربك وانحر ) عن عطية: هي صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى. وقيل: صلاة العيد والتضحية. وقيل: هي جنس الصلاة. والنحر: وضع اليمين على الشمال .
والمعنى: بعد توكيد هذا العطاء الكثير الفائض الكثرة ، على غير ما أشاع أعداؤه من أنه أبتر ؛ إرجافًا وكيدًا . وجّه سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شكر هذا العطاء والنعم بأن يعبد الله بإخلاص وتجرّد لا شرك معه ، في الصلاة وذبح النسك ، تاركًا ما كان عليه المشركون من ذكر غير اسم الله على ذبائحهم . فالإسلام دين التوحيد الخالص المجرد الواضح ، فهو يخلّصُ الحياة ظهرها وباطنها من مظاهر الشرك ومكامنه ،ويطارده مطاردة عنيفة دقيقة .
قال تعالى : ( إن شانئك هو الأبتر ) شانئك : أبغضك من قومك لمخالفتك لهم . الأبتر : الذي لا عقب له ، ومنه الحمار الأبتر الذي لا ذَنَب له .
بعد أن بيّنت الآية الأولى بطلان ما زعم المشركون ، وأن الرسول صاحب الكوثر ، في هذه الآية يردّ الكيد على كائديه ؛ فيبيّن أن الأبتر هم شانئوه وكارهوه . وقد صدق فيهم وعيد الله في الدنيا قبل الآخرة ؛ فقد انقطع ذكرهم وانطوى . وهذا مَثَلٌ ناطق خالد للقاعدة العامة وهي : أن الإيمان والحقّ والخير والدعوة إلى الله وصاحب هذه الراية لا يمكن أن يكون أبترًا ؛ فهو ممتد الفروع عميق الجذور لأنه موصول بالله الحي الباقي الخالد ، وإنما الكفر والباطل والشرّ وحامل راياتها هو الأبتر مهما ترعرع وزها وتجبّر .



المراجع :
تفسير ابن كثير .
تفسير التحرير والتنوير .
تفسير الزمخشري .
تفسير القرطبي .
أحسنت بارك الله فيك.
- إسناد الأحاديث والأثار وبيان تخريجها لا يجب إغفاله نفع الله بك.
الدرجة:ب+

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir