بسم الله الرحمن الرحيم
المجموعة الثالثة:
س1: ما المقصود بأساليب التفسير؟
المراد بأساليب التفسير الطريقة المناسبة لإيصال معاني القران للمتلقين ومقام الحديث ، فالذي يناسب العامة يختلف عما يناسب طلبة العلم ، وكذا طالب العلمي المبتدي والمتوسط والمنتهي ، فلكل منهم المادة التي تناسبه ، فينبغي لطالب العلم أن يعلم أساليب العلماء في تأدية التفسير ، ويقتفي أثرهم ، فلكل مقام مقال ، فبذلك يصبح مؤهلا لتدريس التفسير ، وتبليغ القرآن.
س2: اذكر الأدلّة الدالة على بيان الله تعالى للقرآن.
الله تعالى أنزل كتابه ، وهو أعلم بمراده ، وتكفل ببيانه ، ويسره للذكر ، وأحكم آياته وفصلها ، وجعله تبيانا لكل شي ، مافرط في الكتاب من شيء ، وجعله هدى ورحمة للمؤمنين.
قال الله تعالى { ثم إن علينا بيانه }
وقوله تعالى { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }
وقوله تعالى { الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }
وقوله تعالى { وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلًا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين }
وقوله تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ }
وغير ذلك من الأدلة الكثيرة الدالة على بيان الله للقرآن.
س3: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم القرآن لأصحابه؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه تعليما يحفظون به القرآن ، ويفقهون به معانيه وبيانه ، فيعملون ويهتدون به.
لم تكن قراءة الصحابة قراءة مجردة عن الفهم والتدبر والعلم ، فروي عنهم أنهم تعلموا الإيمان قبل القرآن ، وأنهم كانوا لا يتجاوزون العشر الآيات حتى يفقهون مافيها من العلم والعمل.
ولم تُقبض روح النبي صلى الله عليه وسلم حتى حفض جماعة من أصحابه القرآن ، وعقلوا معانيه ، وفقهوا مراده ، وعلموا مافيه من الحلال والحرام.
ومن الآثار التي وردت في شأن تعلم القرآن وتعليمه:
1- ما رواه مسروق بن الأجدع الهمداني قال: ذُكر عبد الله بن مسعود عند عبد الله بن عمرو، فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «خذوا القرآن من أربعة من عبد الله بن مسعود - فبدأ به -، وسالم، مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب». متفق عليه.
2-ما رواه ابن جرير الطبري من طريق الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود، قال: «كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.
3-زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، قال: سمعت ابن عمر، يقول: «لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدثنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه ينثره نثر الدقل». ومنها: ما رواه الطحاوي والحاكم والبيهقي.
س4: ما هي طرق الصحابة رضي الله عنهم في تعلم التفسير وتعليمه؟
تلقى الصحابة القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم حفظا وفهما وتدبرا وعلما ، فأحسنوا تلقيه وآدائه ، فهم النجوم الذي يهتدى بهم من جاء بعدهم.
فكان للصحابة رضوان الله عليهم طرقا في تعليم القرآن وتعليمه منها:
1- طريقة الإقراء والتعليم:
كان الصحابة لا يتجاوزون العشر الآيات حتى يعقلون معانيها ، ويعرفون مافيها من العلم ، ومافيها من المواعظ والزواجر والآداب.
روى ابن ابي شيبة عن عطاء بن السائب عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ( كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن )
2-طريقة القراءة والتفسير:
كانو إذا اجتمعوا عند ابن مسعود نشروا مصاحفهم ، ففسر لهم ، كما جاء في الأثر.
3- طريقة السؤال والجواب:
كان العالم يسأل أصحابه ، فإذا أصابوا أقرهم على ذلك وإن أخطؤوا بين لهم الصواب.
ما رواه ابن جرير من طريق الأسود بن هلالٍ المحاربي، قال: قال أبو بكرٍ: " ما تقولون في هذه الآية: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} قال: فقالوا " ربنا الله ثم استقاموا من ذنبٍ، قال: فقال أبو بكرٍ: " لقد حملتم على غير المحمل، قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إلهٍ غيره ".
4-طريقة التدارس والتذاكر:
كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمون ويتدارسون القران ويتذاكرونه بينهم ، فيستثرون معانيه وعجائبه ، فقد يكون لأحد منهم علما دون الآخر.
قال شعبة: سمعت علي بن الحكم، يحدث عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدوا يتحدثون كان حديثهم الفقه، إلا أن يأمروا رجلا فيقرأ عليهم سورة، أو يقرأ رجل سورة من القرآن» رواه ابن سعد في الطبقات.
5- تصحيح الخطأ الشائع في فهم الآية:
ومن ذلك ماروي عن أبي بكر رضي الله عنه في تصحيحه للآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}،"سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه" رواه الإمام أحمد.
6-الرد على من تأول تأولا خاطئا في القران:
كما في القصة التي حدثت في خلافة عمر بن الخطاب ، وذلك أن قدامة ابن مظعون شرب الخمر متأولا في قوله تعالى: { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناحٌ، فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا، وعملوا الصالحات } وأنه من هؤلاء الأولين ، فأجابه ابن عباس " إنما أنزلها عذرًا لمن شربها من الماضين قبل أن تحرم وأنزل: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ} من عمل الشيطان، حجةٌ على الباقين" . الأثر
رواه النسائي في السنن الكبرى من حديث ابن عباس.
7-الدعوة بالقرآن:
كان الصحابة رضي الله عنهم يبينون للناس ما أنزل الله في القرآن ، فقد تلعموا من رسول الله الأساليب الحسنة في تعليم القرآن ، فقربوا لهم المعاني ، وماتحمل من العلم والمواعظ والزواجر والآداب ، وعملوا بقول الله تعالى {فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد}.
- قال مالك بن سعيد بن الحسن: حدثنا الأعمش، عن أبي وائل، قال:( حججت أنا وصاحب لي، وابن عباس على الحج، فجعل يقرأ سورة النور ويفسرها؛ فقال صاحبي: يا سبحان الله، ماذا يخرج من رأس هذا الرجل، لو سمعت هذا الترك لأسلمت). رواه الحاكم في المستدرك وصححه.
8-مناظرة المخالفين وكشف شبههم:
كما جاء في مناظرة ابن عباس للخوارج ، ورجعو كثير منهم إلى الحق.
9-إجابة السائلين عن التفسير:
قال عطاء بن أبي رباح: «ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس كانوا يجيئون أصحاب القرآن فيسألونه، ثم يجيء أهل العلم فيسألونه، ثم يجيء أصحاب الشعر فيسألونه» رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة.
10-اجتهاد الرأي:
كان من علماء الصحابة من يجنهد برأيه في القرآن عند الحاجة لذلك ، ولم يجد نصا ، وكانوا أقرب الأمة صوابا.
كما جاء عن أبي بكر في اجتهادة في تفسير الكلالة ، قال أبو بكر رضي الله عنه: «إني قد رأيت في الكلالة رأيا، فإن كان صوابا فمن الله وحده لا شريك له، وإن يكن خطأ فمني والشيطان، والله منه بريء؛ إن الكلالة ما خلا الولد والوالد»
وجاء ما يوافق رأيه في الصحيحن من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
فهذه من طرق تعليم وتعلم الصحابة في القرآن وتفسيره.
س5: بيّن أثر كتابات ابن تيمية في أصول التفسير على من جاء بعده.
كانت كتب و رسائل ابن تيمية في تفسير قيمة وثرية ، كتب مقدمة في التفسير ، و في الأصول ، وأنواع الخلاف ، وغيرها ، وله جملة من الرسائل المحررة تحريرا أثريا ولغويا وأصوليا.
اعتنى العلماء بمقدمته ورسائلة لما فيها من المنفعة ، واعتنوا بها تدريسا وشروحا إلى عصرنا الحاضر.
وجاء بعده تلميذه ابن القيم ، فسار على نهج شيخه ، فكانت رسائله أكثر نفعا ، وأحسنها ظبطا وتحريرا ، وأيظا له مؤلفات نافعة في هذا الفن.
وما تركه العالمان الجليلان من الأصول تحرير مسائل التفسير كان له أثر على من بعدهم من العلماء.
وجاء بعدهم تلميذهم عماد الدين ابن كثير ، فسار على طريقتهما ونهجهما.