الشيخ: كذلك أيضا مِنَ الأحكام أنه وقت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وقتا فجعل للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها , إذا كان يتوضأ ويغسل قدميه رُخص لَهُ أن يمسح ثلاثة أيام ؛ لأن السفر مظنة المشقة فزيد في الرخصة فجعل لَهُ ثلاثة أيام , واختلف متى تبدأ المدة , ولعل الأقرب أنها تبدأ مِن أول حدث بعد اللبس ؛ وذلك لأن بِه يستحق أن يمسح , فإذا أحدث ابتدأ اليوم والليلة مِنْ أول حدث , فإذا مثلا توضأت للفجر ولبست الخفين وصليت بطهارة ونمت بعد الصلاة انتقض وضوؤك فمِن ذلك الوقت يبدأ اليوم والليلة مِنْ حين نومك , فإذا كان من الغد تمت مدتها بعد الفجر أي وقت النوم , فلو قدر مثلا أنك لم تنم في اليوم الثاني وجلست في المسجد في حلقة أو نحوها فإنك لا تصلي بذلك الوضوء لكونه قد تمت مدته مِن حين الصلاة أي بعد الانتهاء مِنَ الصلاة .
كذلك يعني هذا هو القول الأقرب أنه يبدأ مِن أول حدث , وإذا ترخص أحد وجعله يبدأ من أول مسح فله ذلك, يعني لو قدر أنك لبسته في صباح السبت ولكن لم تمسح إلا في وقت الظهر فإن اليوم والليلة على هذا القول يبدأ من وقت الظهر الذي هو وقت مسحك , وبكل حال العمل على أنه يبدأ مِن أول حدث يوم وليلة .
ومِنَ الأحكام أنه متى مضت مدته انتقض وضوؤه , فلو مثلا أنك صليت بِهِ الظهر ثم انتقض وضوؤك بعد الظهر يوم السبت , ثم صليت بِه العصر غدا يوم الأحد ولم ينتقض وضوؤك بعد الظهر - فإنه لا يجوز أن تصلي بِهِ العصر ؛ وذلك لأنه انتقض الوضوء مِنْ حين انتهاء المدة , كأنه قد انتقض الوضوء وإن لمَ ينتقض , هذا هو الأقرب أن بانتهاء المدة يكون الإنسان عَلَيْهِ أن يجدد الوضوء ولو لم يكن محدثا , لا تقول مثلا: أنا لا أزال على طهارة الظهر , نقول: إنك طاهر ولكن كأنك ما غسلت قدميك.
قلنا: إنه على الصحيح ينتقض الوضوء بانقضاء المدة , وإن كان بعض العلماء يرى أنه يبقى على وضوئه حتى ينتقض, لكن الفتوى على أنه ينتقض ؛ وذلك لأنه غسل قدميه انتهى , لَهُ مدة , المسح لَهُ مدة انتهت , فكأنه إذن أتم اليوم والليلة كأنه على وضوء إلا قدمه.
ومِن الأحكام أن نعرف أن المسح خاص للحدث الأصغر , أما الحدث الأكبر الذي يوجب الغسل فلا يمسح فيه بل لابد مِنْ خلع الخفين وغسلهما في الحدث الأكبر , ولذلك في حديث صفوان قَالَ: أمرنا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كنا سفرا أن نمسح... ألا ننزع خفافنا إلا مِن جنابة لكن مِن بول وغائط ونوم . يعني مِنَ الأحداث فلا ننزع منها خفافنا ثلاثا يعني ثلاثة أيام للمسافر .
ثم مِنَ الأحكام أنك إذا سافرت فإن كنت قد بدأت بالمسح قبل السفر فلا تزد عَنْ يوم , وإن كنت لم تبدأ بالمسح فلك ثلاثة أيام , وإذا ابتدأت في السفر بالمسح ثم أقمت فلا تزد عَنْ يوم تغليبا لجانب الحضر , يعني حرصا على أن تأتي بالعبادة كاملة.
ومما يُلحق بالخف الجورب , الجورب هو ما ينسج مِنَ الصوف أو من القطن المتين أو مِنَ الكتان ونحو ذلك, يفصل على قدر القدم , ويعرف في هذه الأزمنة بالشراب . هذا فِيهِ خلاف هل يمسح عَلَيْهِ أو لا يمسح ؟
فذهب إلى جواز المسح عَلَيْه الإمام أحمد , وخالف في ذلك الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة ومالك والشافعي فقالوا: لا يمسح عَلَيْهِ ؛ وذلك لأنه يخرقه الماء فلا يكون ساترا للقدم ولأنه يبين صورة القدم يعني تُعرف منْهُ الأصابع والعقب والأخمص وظهر القدم , فكأنه لم يلبس عَلَيْهِ شيئا يستره بخلاف الخف , قالوا: والحديث الذي فِيهِ لم يثبت , الحديث الذي عَن المغيرة أنه مسح على الجوربين والنعلين , يقولون: إنه خطأ مِنَ الراوي وأن الصواب ما في رواية الباقين عَن المغيرة أنه مسح على الخفين , ليس فيه المسح على الجوربين .
ولكن الإمام أحمد ترجح عنده أنه يمسح على الجوربين وإن لم يثبت عنده الحديث , ولكن قد روي فِيهِ آثار عن الصحابة عَنْ جملة مِنَ الصحابة أنهم مسحوا على الجوارب فجاز ذلك اتباعا لهم ؛ فإنهم لا يفعلون إلا ما هو جائز أو مسنون ؛ ولأن في ذلك رخصة لأن الإنسان قد يحتاج إلى لبس هذه الجوارب لتدفئة القدمين سيما في وقت اشتداد البرد , فإذا لبسها رخص لَهُ أن يمسح عَلَيْها كما يمسح على الخفين .
كذلك لابد مِنْ شرط في هذه الجوارب وهو أن تكون ساترة , فإذا كان فيها خرق أو خروق فلا يمسح عليها؛ وذلك لأن الخلاف في الخف يعني الخلاف في الخف ليس كالخلاف في الجورب , فالرخصة التي في المخرق خاصة بالخف وأما الجورب فالراجح أنه لا يرخص في المخرق مِنْهُ لقوة الخلاف في الأثر , إذا كان الأئمة الثلاثة لا يستبيحون المسح عَلَيْهِ كلا فكيف بِهِ إذا كان مخرقا .
فيجتنب إذا كان مخرقا , فإذا كان مخرقا فإن عَليك أن تلبس فوقه ما يستر تلك الخروق وهي متيسرة , ولا بأس أن يلبس اثنين أو ثلاثة فيحصل بهما تدفئة ويحصل بهما ستر للقدم ونحو ذلك فيجتنب المسح على الجورب ...الشراب المخرق .
كذلك أيضا اشترطوا أن يكون الجورب صفيقا , الصفيق معناه الغليظ المتين الذي يستر البشرة ولا ترى مِنْ ورائه , فإذاكان خفيفا فلا يمسح عَلَيْهِ , يتساهل كثير من الناس فيمسحون مع أن جواربهم شفافة يُرى منها البشرة ونحوها .
نقول: إن كانت خفاف الصحابة مِنْ جلود وقد يكون فيها خروق أما جواربهم فإنها تنسج مِنَ الشعر , تنسج مِنَ الصوف ومن الشعر ويجعلون في أسفلها جلدة يمشون عليها وحدها , أو قد يمشون أو يلبسون تحتها نعلا , ولكن كثيرا ما يمشون على الجورب وحده , حيث يجعلون تحته رقعة تقيهم كما يقيهم النعل , فكانت جواربهم غليظة , غليظة جدا , بحيث أنها لا يخرقها الماء لقوتها , وأنها يمكن المشي فيها حتى في الرمضاء وفي الأرض المليئة بالحجارة يمكن لأحدهم أن يمشي فيها ؛ لقوتها ولغلظها ولأن تحتها تلك الجلدة.
فعلى هذا إذا كان الدليل الذي أبيح لنا فِيهِ المسح على الجوارب هو قصة الصحابة فلنقف على جواربهم لنعرف أن جواربهم كانت غليظة ليست شفافة , فهؤلاء الذين يلبسون جوارب شفافة بحيث يخرقها ا لبصر فضلا عَنِ الماء , نقول: لا يجوز المسح على مثل هذه لكونها خفيفة . العلماء اشترطوا الصفاقة والغلظ والمتانة . معلوم أنك ما لبستها إلا للتدفئة وإذا كانت خفيفة لا يحصل بها تدفئة ولا تحصل بها وقاية للقدم , مع أنه لا يمشى بها غالبا وحدها , فكل ذلك دليل على أنه لابد مِنَ التثبت في هذا .
أما صفة المسح , المسح على الخفين يراد بِهِ يعني مسحها باليدين , وصفته أنه بعدما ينتهي مِنْ مسح رأِسه يبل يديه ويمسح كل قدم بيد , ويكون المسح على أعلى الخف أو أعلى الجورب , يبتدأ مِنْ رؤوس الأصابع ويمر أصابعه على قدمه ..على ظاهر قدمه إلى ساقه فيمسح أعلاه ويمسح جانبيه بأصابعه ولا يمسح أسفله ولا يمسح مؤخره .
هكذا وردت صفة المسح , ولا يلزم أن يظهر البلل على الخف أو على الجورب , لا يلزم , بل قد روي أنه عليه السلام لما مسح الخفين يَقُولُ الراوي: كأني أنظر إلى أثر أصابعه خطوطا في الخف . يعني أن أصابعه قد أثرت بللا في الخف كمثل الخطوط مما يدل على أنه لا يلزم أن تبتل .
أما مسح أسفله فليس من السنة , ولهذا في حديث عن علي رضي الله قال: لوكان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح مِن أعلاه , ولقد رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على ظاهر خفيه .
ثم يلاحظ أن بعضا مِنَ الناس يمسح على الكنادل ثم يخلعها ويصلي في الشراب , فيبطل بذلك مسحه , فنقول: إذا كان عليك شراب وجعلت الخف كالنعل يخلع ويلبس فاجعل المسح على الأسفل الذي هو الشراب , بحيث إذا أردت الوضوء خلعت الخف أو الكنادل ومسحت الشراب ثم لبسته , وإذا دخلت المسجد خلعتها وصليت في الشراب وحده كما هو المعتاد , أما أن تمسح على الخف أي على الكنادل ثم تخلعه وتترك الشراب وحده فإنه يبطل مسحك ؛ لأنك مسحت على شيء وخلعته , ما بقي الممسوح معك , الممسوح قد خلعته .
يغلط كثير مِنَ الناس , تراهم مثلا عندما يتوضأ يمسح على ظاهر الكنادل وإذا دخل المسجد خلعها وترك عليه الشراب , انتبهوا لهذا ونبهوا له إخوانكم .