النص الجامع في الأيمان :
قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ - وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ - لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 87 - 89]
ضابط الأيمان الجائزة :
أن لا تكون في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله , فإن ذلك كله من الاعتداء، ولهذا قال: {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87] بل يبغضهم ويمقتهم على ذلك.
ما يترتب على اليمين ,في تحريم ما أحل الله :
دلت الآية الكريمة أن العبد إذا حرم حلالا عليه من طعام وشراب وكسوة واستعمال وسرية ونحو ذلك، فإن هذا التحريم منه لا يحرم ذلك الحلال، لكن إذا فعله فعليه كفارة يمين، لأن التحريم يمين كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ - قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم: 1 - 2]
وهذا عام في تحريم كل طيب، إلا أن تحريم الزوجة يكون ظهارا فيه كفارة الظهار.
-حكم الامتناع عن المباحات من باب الغلو في الدين :
لا يحل للعبد ترك الطيبات والامتناع من أكلها ولو بلا حلف تنسكا وغلوا في الدين , بل تناولها مستعينا بها على طاعة ربه.
-المراد باليمين الغلول في قوله تعالى : {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89]:
هي الأيمان التي حلف بها العبد من غير نية ولا قصد، أو عقدها يظن صدق نفسه فبان بخلاف ذلك.
-ما اليمين المعقودة التي يترتب عليها الكفارة إذا حنث؟
هي التي في قوله {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] أي: بما عقدت عليه قلوبكم، كما قال في الآية الأخرى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]
فهي اليمين التي حلف بها العبد قاصدًا في قلبه .
-ما ذا يترتب على الحنث في اليمين المعقودة؟ يترتب على ذلك الكفارة.
-ماهي كفارة اليمين وما ضابطها ؟ وهل هي على الترتيب أو التخيير؟
خير في الكفارة بين :
1-إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم , وذلك يختلف باختلاف الناس والأوقات والأمكنة.
2-أو كسوتهم بما يعد كسوة، وقيد ذلك بكسوة تجزي في الصلاة.
3-أو تحرير رقبة صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، بشرط أن تكون الرقبة مؤمنة، كما في الآية المقيدة بالأيمان، وأن تكون تلك الرقبة سليمة من العيوب الضارة بالعمل، فمتى كفر بواحد من هذه الثلاثة انحلت يمينه.
-فمن لم يجد واحدا من هذه الثلاثة فعليه : صيام ثلاثة أيام، أي: متتابعة مع الإمكان، كما قيدت في قراءة بعض الصحابة.
إذًا كفارة اليمين تجمع بين التخيير والترتيب , فيخير في الثلاث الأول فإن لم يجد فيصوم ثلاثة أيام.
-معنى حفظ اليمين في قوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]:
1. حفظها عن الحلف كاذبًا.
2. حفظها من كثرة الحلف لا سيما عند البيع والشراء.
3. حفظها عن الحنث فيها، إلا إذا كان الحنث خيرا من المضي فيها.
4. حفظها بالكفارة إذا حنثتم .
-متى يستحب الحنث في اليمين ؟
إذا كان الحلف على ترك البر والتقوى والإصلاح كما قال تعالى : وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} [البقرة: 224] .
فصل في آيات في الأطعمة ونحوها والصيود وتوابعها
الأصل في الطعام والشراب الإباحة كما قال تعالى :
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 29]
{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119]
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]
وبعدها: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4]
{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]
{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145]
-من الخبائث المحرم أكلها :
1. الميتة :
هي كل ما مات حتف أنفه أو ذكي ذكاة غير شرعية , وهي محرمة إلا ميتة الجراد والسمك .
2. الدم المسفوح من المحرمات إلا ما اضطر إليه الإنسان , وما يبقى في اللحم والعروق بعد الذبح فإنه طيب حلال .
3. ما ذكي ذكاة غير شرعية , سواء كان:
1-ذبح لغير الله أو كان الذابح غير مسلم ولا كتابي , 3-أو ذبحها في غير محل الذبح مع قدرته عليها 4-أو ذبحها بغير ما ينهر الدم 5-وإما أن لا يقطع حلقومها ومريها.
4. لحم الخنزير
5. كل ذي ناب من السباع
6. كل ذي مخلب من الطير
7. الحشرات وخشاش الأرض وكل ما استخبث شرعا من فـأرة وحية ووزغ وغيرر ذلك .
8. ما أمر الشارع قتله أو نهى عن قتله.
وكل هذه محرمة في حال السعة , فإنه إذا اضطر إليها غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم، من رحمته أباح المحرمات في حال الضرورة.
-أنواع الميتة:
1. ما مات حتف أنفه
2. ما ذكي ذكاة غير شرعية
3. المنخنقة التي تخنق بالحبال او غيرها فتموت
4. الموقوذة التي تضرب بالحصى أو العصا حتى تموت أو إذا رمى صيدًا فأصاب بعرضه.
5. المتردية التي تسقط من موضع عال كسطح وجبل فتموت .
6. النطيحة التي تنطحها غيرها فتموت بذلك.
7. ما أكله ذئب أو غيره من السباع .
وكل هذه المذكورات إذا لم تدرك ذكاتها فهي ميتة محرمة وإن أدركت حية فذكيت حلت لقوله :(إلا ما ذكيتم(.
-ما يتعلق بالصيد وأحكامه :
1. يباح الصيد إذا جرح في أي موضع من بدنه.
2. ويباح صيد السهام إذا سمى الرامي عند رميها.
3. ويباح أيضا صيد الكلاب المعلمة والطيور المعلمة، والتعليم يختلف باختلاف الحيوانات.
-ضابط تعليم كلاب الصيد:
قال العلماء: تعليم الكلب أن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل من صيده لقوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] أي: عند إرسالها لقصد الصيد.
فصل في جوامع الحكم والقضايا في الأصول والفروع
-الأصل في هذا الباب هو قوله تعالى : {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]
{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]
{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 42]
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]
{يا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص: 26]
{وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]
{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115]
-الحكم بما أنزل الله هو الحكم بين الناس بالحق والقسط.
-معنى البيعة :اسم جامع لكل ما بين الحق.
-الأمور التي يتوصل بها إلى الحقيقة :
البيان مراتب :
1. بعضها يصل إلى درجة اليقين.
2. وبعضها كالقرائن، وشواهد الأحوال توصل إلى غلبة الظن، والترجيحات كثيرة جدا.
وعند تساوي الترجيحات ومقادير الأشياء وكمياتها بالتوسط بينها، إما بقسمتها متساوية وجعل الزيادة والنقص بحسب ذلك، وإلا بالقرعة إذا تعذرت القسمة، ومن أحكام الشارع العادلة إلغاؤه المعاملات الظالمة الجائرة: كأنواع الغرر والظلم والميل على أحد المتعاملين بغير حق.
-الأحكام الكلية التي تندرج تحت الأصل العظيم وهو الحكم بما يقتضي العدل والموافق للحق :
ذكر الشيخ عددًا كبيرًا من الأحكام الكلية في الشريعة سأذكر بعضًا منها :
1. إقرار من عليه الحق معتبر في القليل والكثير.
2. وحكم بأن البينة على المدعي لإثبات حق، أو المدعي براءة الذمة من الحقوق الثابتة، وأن اليمين على من أنكر.
= وهاتان القاعدتان عليهما مدار جمهور القضايا، اعتبار إقرار من عليه الحق إذا كان جايز التصرف، وتكليف المدعين كلهم بالبينات.
3. اعتباره التراضي بين المتعاملين في عقود المعاوضات، وفي عقود التبرعات.
4. منع الضرر والإضرار بغير حق في كل معاملة وخلطة وجوار واتصال.
5. أن على العمال تكميل أعمالهم بغير نقص، وعلى من عمل لهم تكميل أجورهم.
6. اعتبار المقاصد والنيات في أبواب المعاملات والأعمال، كما تعتبر في باب العبادات، وبهذا الأصل أبطل جميع الحيل التي يتوسل بها إلى فعل محرم، أو إسقاط حق مسلم ونحوها.
7. أن الشيء المشكوك فيه يرجع فيه إلى اليقين في العبادات والمعاملات.
8. وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل براءة الذمة حتى يتيقن اشتغالها، كما أن الأصل بقاء ما كان ثابتا في الذمة حتى يتيقن البراءة بوفاء أو إسقاط أو سقوط.
9. وجوب العدل بين الأولاد والزوجات، ووجوب العدل بين ذوي الحقوق الذي لا مزية لواحد منهم على الآخر.
10. الرجوع إلى العرف إذا تعذر التعيين شرعا ولفظًا.
-وبعد ذكره لما يزيد عن عشرين حكمًا كليًا من أحكام الشريعة قال رحمه الله:وأدلة هذه الأصول من الكتاب والسنة ظاهرة، وهي أصول جامعة عظيمة النفع، ينتفع بها الحاكم والمفتي وطالب العلم، وهي من محاسن الشريعة، ومن أكبر البراهين على أن ما جاء به الرسول حق من عند الله محكم الأصول، متناسب الفروع، عدل في معانيه، تابع للحكم والصلاح في مبانيه، فلنقتصر على هذه القواعد إذ غيرها تبع لها، وهي تغني عن غيرها، ولا يغني عنها سواها. . والله أعلم