أوجه بيان فضل العلم:
1)العلم أصلُ بيانِ الهدى و بالهدى ينجو العبد من الشقاء و الضلال فى الدنيا و الآخرة
قال الله تعالى "فمن اتبع هداى فلا يضل و لا يشقى"
فالبعلمِ يتعرف العبد على أسباب رضوان الله تعالى و فضله و ثوابه فى الدنيا و الآخرة و يتعرف عل ما يسلم به من سخط الله و عقابه
2) العلم أصل كل عبادة و بيان ذلك أن كل عبادة يقوم بها العابد لا تُقبل إلا إذا كانت خالصةً لله تعالى و صوابًا عل سنة النبى صلى الله عليه و سلم ومعرفة ذلك تستدعى قدرًا من العلم وكذلك معرفة ما يحبه الله وما يكرهه إجمالًا وتفصيلًا لا تكون إلا بالعلم فتبين أن العبد لا يمكن أن يتقرب إلى الله عز وجل إلا أن يكون أصل تقربه هو العلم
3) العلم يُعرِّفُ العبد ما يدفع به كيد الشيطان وما يدفع به كيد أعدائه وما ينجو به من الفتن التى تأتيه فى يومه وليلته والفتن التى قد يضل بها من يضل إا لم يعتصم بما بيَّنه الله عز وجل من الهدى الذى لا يُعرف إلا بالعلم
4) يُعرِّفُ الأمة بسبيل رفعتها وعزتها
5) أن الله يحب العلم والعلماء وقد أثنى الله على العلماء وهذه المحبة لها آثارها ولوازمها
6) يُعرِّفُ العبد بربه وبأسمائه الحسن وصفاته العُلى وآثارها فى الخلق والأمر وهذه أعز المعارف وأغلاها وأعلاها وأرفعها شأنًا وهى لا تحصل للعبد إلا بالعلم النافع
7) يتعرف على صفات الله وجزائه من الأعمال فى الدنيا والآخرة بما بيَّنه الله تعالى وسبيل لك لا يكون إلا بالعلم
8) العلم رفعةٌ للعبد فى دينه ودنياه وتشريف له ومن أحسنَ التعلم ارتفع شأنه وعلا قدره
9) يدل المرء على شريف الخصال ومحاسن الآداب وسيئها فيصبح حريصًا على اكتساب الخصال الشريفة لما يعرف من فضلها وآثارها وثمرتها ويحرص أيضا على اجتناب الخصال السيئة الذميمة بما يعرف من سوء آثارها وقبح عاقبتها ويعرف أيضا بالعظات والعبر التى حلَّت بالسابقين
10) العلم من أفضل القربات إلى الله تعالى ويدل على ذلك ما رتَّبه الله على العلم من الأمور العظيمة والفضائل الجليلة حتى كان ما يُعلِّمه العبد لغيره يصيبه ثوابه وإن تسلسل
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا"
رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه
فكل من دعا إلى الهدى لا يدعو للهدى إلا بالعلم وله أجر من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا وإن تسلسل الأمر إلى أن تقوم الساعة
فكل ما يُحدّثه العلماء من أحاديث النبى وما يُعلّمونه من علمٍ نافعٍ يجرى لهم بإذن الله عز وجل أجرهم وحسناتهم بما علّموه من العلم النافع
وقد ذكر الإمام السعدىُّ-رحمه الله- فى فتاواه أن عالمًا كان فى بلده يُعلِّم العلم فمتى قرأه أحد تلاميذه فى المنام فقال له "أرأيتَ الفتوة التى أفتيتَ بها فى مسألة كذا وكذا لقد وصلنى أجرها"
وهذه فتوى أفتى بها أو قضية حكم بها تلميذه من بعده ووصل شيخه أجرُها بعد موته فالعلم النافع من أسباب الحصول على الأجور العظيمة الحسنات المتسلسلة التى لا تنقطع بإذن الله عز وجل وقد بيَّن النبى صلى الله عليه وسلم كما فى الحديث أن العلم النافع من الأعمال التى لا تنقطع "إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاث:...علمٌ يُنتفع به"
وقد تواترت الأدلة من الكتاب والسنة ببيان فضل العلم وأهله وفضل طلبه ورُتِّب على ذلك من الثواب العظيم فى القرءان الكريم والسنة النبوية ما يجعل المؤمن حريصًا على فضل هذا العلم العظيم مجتهدًا فى طلبه
قال الله تعالى "يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أُوتوا العلم درجات"
فأسند الرفع إليه جل وعلا وتكفل به والله تعالى لا يخلف وعده فمن طلب العلم بنيةٍ صالحةٍ حصل له من الرفعة بإذن الله تعالى بقدر ما أتاه الله من العلم
قال الله تعالى "إنما يخشى الله َ من عباده العلماءُ"
وقال تعالى "قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون"
بل أمر الله عز وجل نبيَّه أن يسأله الزيادة فى العلم
قال تعالى "وقل ربِّ زدنى علمًا"
وفى ذلك من التنبيه على فضل العلم وعظم شأنه ما هو ظاهرٌ وبيِّنٌ
فى الصحيحين من حديث معاوية بن أبى سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يُرد الله به خيرًا يفقه فى الدين"
والتفقه فى الدين يشمل جميع أبوابه فى الاعتقاد والأحكام والآداب والأخلاق والتزكية والجزاء وغيرها. فكل ذلك من الفقه فى الدين.
عن أبى هريرة رضى الله عنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة"
عن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثلُ ما بعثنى به الله من الهدى والعلم كمثل غيثٍ أصاب أرضًا فكانت منها طائفةٌ طيبةٌ قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هى قيعان لا تُمسك ماءًا ولا تُنبت كلأًا فذلك مثل من فقه فى دين الله ونفعه الله ونفعه ما بعثنى الله به فعلِم وعلَّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذى أُرْسِلْتُ" متفق عليه.
عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من سلك طريقًا يبتغى فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع وإن العالم ليستغفر له من فى السماوات والأرض حتى الحيتان فى الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافرٍ" رواه أبو داوود والترمذى
وهذا الحديث فيه بيان واضح لفضل العلم والحث على طلبه وقد ذكر ابن البر فى التمهيد أن استغفار الملائكة دليل أن الله يغفر له إن شاء الله وقال ألا ترى أن طلب العلم من أفضل الأعمال وإنما صار كذلك -والله أعلم- لأن الملائكة تضع أجنحتها له بالدعاء والاستغفار
وقد أدرك أئمة الهدى من علماء هذه الأمة هذه الحقيقة فاجتهدوا فى تعلم العلم وتعليمه وصبروا على ما أصابهم فى ذلك حتى تبوءوا المكانة التى رفع الله بها ذكرهم وأعلى شأنهم فكانوا أئمة الدين وأولياء رب العالمين وآثارهم فى فضل العلم مذكورةٌ مشكورةٌ.