مقاصد مقّدمة تفسير ابن كثير
المقصد العام للمقدّمة: بيان جملة من المسائل المهمة في أصول التفسير وعلوم القرآن لتكون مقدّمة ينتفع بها من يقرأ التفسير.
المقاصد الفرعية:
أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير
ب: بيان فضل القرآن
ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف
د: نزول القرآن على سبعة أحرف
هـ: آداب تلاوة القرآن وأحكامها
و: ذكر فوائد متفرّقة
أ: بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير
- المقدمة :
افتتح العالم الجليل بن كثير كتابه بالحمد أسوة بافتتاح القرآن الكريم بالحمد لله رب العالمين ثم استرسل في ذكر مواضع الحمد
نبه الشيخ في مقدمته على أمور مهمىة وهي
* أمور عقائدية :
1- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل بهذا القرآن الكريم إلى الثقلين الجن والإنس كافة
2- أن كل من بلغه القرآن الكريم ولم يؤمن به كافر النار موعده كما قال الله تعالى ( ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده )
3- أمر الله تعالى عباده بتفهم القرآن الكريم وتدبره فقال تعالى ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبوا آياته وليتذكر أولوا الألباب )
4- ذم الله تعالى من لم يتدبر كتابه فقال ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )
* حكم علم التفسير وفضله :
1- الواجب على العلماء الكشف عن معاني القرآن وتفسيره وتعلم ذلك وتعليمه للناس
2- ذم الله تعالى العلماء المعرضون عن ذلك فقال تعالى ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون )
3- الإمتثال لأمر الله تعالى بتعلم كتاب الله وتعليمه وتفهمه وتفهيمه يوجب لصاحبه لين القلب والتوبة عن الذنوب والمعاصي وزيادة الإيمان والعمل الصالح
نسأل الله من فضله
- أحسن طرق التفسير :
أن يفسر القرآن بالقرآن فإن لم يجد المفسر فعليه بالسنة فهي شارحة للقرآن وكما قال الشافعي وغيره من الأئمة هي وحي من الله لرسوله ولكنها لا تتلى كالقرآن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ) يعنى السنة فإن لم يجد المفسر يبحث عن أقوال الصحابة رضوان الله عليهم لأنهم أدري بذلك
* ومن أعلام الصحابة الذين اشتهروا بفهمهم القرآن وتفسيره
عبد الله بن مسعود رضى الله عنه الذي قال ( والذي لا إله غيره، ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت )
وترجمان القرآن عبد الله بن عباس ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له حيث قال (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)
* حكم الاستشهاد بالأحاديث الإسرائيلية
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) رواه البخاري
وتلك الأحاديث على ثلاثة أقسام
1- ما نعلم بصحته مما وافق الكتاب والسنة
2- مما نعلم بكذبه لمخالفته الكتاب والسنة
3- ما هو مسكوت عنه فلا نؤمن به ولا نكذبه
* الواجب في المسائل الخلافية بالتفسير
أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن تنبه على الصحيح منها وتبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة فيه
* حكم الأخذ بأقوال التابعين في التفسير
إذا لم يجد المفسر التفسير في القرآن ولا في السنة ولا عن الصحابة فليرجع إلى أقوال التابعين وقد تذكر أقوالهم في الآية فيقع في عباراتهم تباين في الألفاظ، يحسبها من لا علم عنده اختلافا فيحكيها أقوالا وليس كذلك، فإن منهم من يعبر عن الشيء بلازمه أو بنظيره، ومنهم من ينص على الشيء بعينه، والكل بمعنى واحد في كثير من الأماكن فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، ولا على من بعدهم، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة
* أعلام التابعين في التفسير
مجاهد بن جبر قال عن نفسه: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات، من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها.
وكسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، ومسروق بن الأجدع، وسعيد بن المسيب، وأبي العالية، والربيع بن أنس، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وغيرهم من التابعين
* التحذير من التفسير بالرأي
تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في القرآن برأيه، -أو بما لا يعلم-، فليتبوأ مقعده من النار)
* تحرج الصحابة رضوان الله عليهم من تفسير القرآن
وفي ذلك روايات عدة منها عن مسروق، قال: اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله
وعن سعيد بن المسيب: إنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن، قال: إنا لا نقول في القرآن شيئا.
وقد روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير، ولا منافاة؛ لأنهم تكلموا فيما علموه، وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد لقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}
ب: بيان فضل القرآن
- المهيمن الأمين القرآن قال الله تعالى {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}عن ابن عباس في قوله: {ومهيمنا عليه} قال: المهيمن: الأمين فالقرآن أمين على كل كتاب قبله. وفي رواية: شهيدا عليه
- اجتمع للقرآن شرف الزمان والمكان فقد نزل القرآن الكريم بأشرف مكان وهو البلد الحرام وبأشرف زمان وهو شهر رمضان
- السفير بين الله وبين محمد صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام أشرف الملائكة وهو ملك كريم ذو وجاهة وجلالة ومكانةعند الله عز وجل
- القرآن معجزة خالدة قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة)
- القرآن نجاة وعصمة من الفتن وكذلك شفاء لمن استمسك به
- جعل الله تعالى أجر تلاوتة عظيم بكل حرف عشر حسنات
- القرآن نزل بأشرف لغة بلغة قريش، وقريش خلاصة العرب قال الله تعالى: {قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون}
- عند تلاوة القرآن تنزل السكينة والملائكة (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)
- القرآن الكريم هو تركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته ليعمل به كما في حديث أبي الدرداء: ((إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)
- أفضل الكلام تلاوة القرآن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها)
- يحب الله تعالى من عباده التغني بالقرآن وتحسين الصوت به خشية لله وتعظيما له وليس اتباع ألحان أهل الفسق فذاك منهي عنه
- قارئ القرآن يغبطه العارفين على ما به من نعمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب فقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالا فهو يتصدق به آناء الليل والنهار)).
- الخيرية لمن تعلم القرآن وعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه )
- معرفة الصحابة رضوان الله عليهم بفضل القرآن ومن ذلك ما روي من الآثار عن عبد الله بن مسعود منها قوله رضى الله عنه ( كل آية في كتاب الله خير مما في السماء والأرض )
ج: جمع القرآن وكتابة المصاحف
- كان جبريل يعرض القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم حتى عام وفاته صلى الله عليه وسلم عرضه مرتين بشهر رمضان تأكيدًا على ما نسخ وتثبيتا وحفظا
- جمع القرآن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم من المهاجرين والأنصار
- المشهور من الصحابة بجمع القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب))، رضي الله عنهم.
المرحلة الأولى : في عهد أبي بكر رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت بجمعه في الصحف حفظا له من الضياع
سبب ذلك :
بعد واقعة اليمامة التي قتل بها كثير من القراء فخاف عمر بن الخطاب من ضياع القرآن فأشار على أبي بكر بذلك ومازال يراجعه حتى شرح الله صدره لذلك وكانت من فضائل أبي بكر رضي الله عنه
في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه أمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فجمعوا الصحف التى عند حفصة رضى الله عنها في مصحف واحد و جمع عليه الناس وحرق ما دونه
ظهور اختلافات في القراءات فخاف حذيفة بن اليمان الفتنة واختلاف المؤمنين على القرآن كاختلاف اليهود والنصارى فأشار على أمير المؤمنين عثمان بن عفان بجمعه فكان ذلك وهذا من فضائل عثمان رضي الله عنه
- حرص التابعين على حفظ القرآن الكريم :
لما جمع أبي بكر الصحف حفظها عنده ثم حفظها عمر رضى الله عنهما ثم حفظتها حفصة بنت عمر حتى أرسل لها عثمان بن عفان فأخذها فلما جمعها في المصحف ردها إليها رضى الله عنهما حتى جاء الحكم بن مروان فطلبها من حفصة فأبت حتى توفاها الله فأرسل إلى عبد الله بن عمر فجاءه بتلك الصحف فحرقها خشية الفتنة بها قال مروان: إنما فعلت هذا لأن ما فيها قد كتب وحفظ بالمصحف، فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب. إسناده صحيح
ترتيب آيات القرآن في السور أمر توقيفي متلقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيحرم مخالفة ذلك ، وأما ترتيب السور فمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي الله عنه فمستحب الاقتداء به ويجوز مخالفة الترتيب فقد روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران. أخرجه مسلم
د: نزول القرآن على سبعة أحرف:
- دليل ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف)).
- شفقة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: خفف عن أمتي، فقال اقرأه على حرفين، فقلت: اللهم رب خفف عن أمتي، فأمرني أن أقرأه على سبعة أحرف من سبعة أبواب الجنة كلها شاف كاف)).
- معنى الأحرف السبعة : قول أكثر أهل العلم أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة
- فائدتها في عهد النبوة : رخصة للناس لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة على لغة قريش، فقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك تيسيرا عليهم لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ
- فضل عثمان بن عفان رضى الله عنه في حفظ القرآن : لما رأى من اختلافهم في القراءة المفضية إلى تفرق الأمة وتكفير بعضهم بعضا، فرتب لهم المصاحف الأئمة على العرضة الأخيرة التي عارض بها جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر رمضان من عمره، عليه الصلاة والسلام، وعزم عليهم ألا يقرؤوا بغيرها فحفظ الأمة من التفرق وحفظ كتاب الله تعالى
هـ: آداب تلاوة القرآن وأحكامها:
1: وجوب الإخلاص في تلاوة القرآن
أعظم ما يتقرب به العبد من ربه هو تلاوة كلامه سبحانه ولذلك وجب الإخلاص بها والزجر الشديد عن المراءاة فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) وهذا الحديث في الخوارج فبالرغم مما يراه المؤمن من كمال أعمالهم إلا أن الله تعالى اطلع على قلوبهم فهم مرائون فاستحقوا الذم من الله تعالى
2: فضل تلاوة القرآن
1- يصعد به الدرجات العلى من الجنة ففي الحديث (يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه)).
2- أفضل الكلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه))
3- أهل القرآن هم اهل الله وخاصته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس)). قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)) ".
4- غنى النفس وإجابة الدعاء ففي الحديث يقول الله تعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائي أعطيته أفضل ثواب السائلين))
5- فيه الهداية والوقاية من عذاب الله تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة، وذلك أن الله عز وجل يقول: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}
6- يشفع لصاحبه يوم القيامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه))، قال: ((فيشفعان)).
أما من أعرض عن كتاب الله تعالى فهو كالبيت الخرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب))
وشر الناس رجلا فاجرا جريئا يقرأ كتاب الله تعالى ولا يراعي حدوده و من علامات الساعة أن أكثر منافقي الأمة قراؤها وكما ذكر في الحديث (مراء في القرآن كفر)