فصـــلٌ
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَمِنَ المَعْلُومِ أَنَّهُ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِخَلْقِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ: بِقَضَائِهِ وَشَرْعِهِ. وَأَهْلُ الضَّلاَلِ الْخَائِضُونَ فِي الْقَدَرِ انْقَسَمُوا إِلَى ثَلاَثِ فِرَقٍ: مَجُوسِيَّةٍ، ومُشْركِيَّةٍ، وإبْلِيسيَّةٍ.
فَالْمَجُوسِيَّةُ، الَّذِينَ كَذَّبُوا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ آمَنُوا بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَغُلاَتُهمْ أَنْكَرُوا الْعِلْمَ وَالْكِتَابَ، وَمُقْتَصِدَتُهمْ أَنْكَرُوا عُمُومَ مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَخَلْقَهُ، وَقُدْرَتَه، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ.
وَالْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ: المُشْرِكِيَّةُ، الَّذِينَ أَقَرُّوا بِالْقَضَاءِ وَالْقدَرِ، وَأَنْكَرُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) فَمَنِ احْتَجَّ عَلَى تَعْطِيلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بِالْقَدَرِ فَهُوَ مِنْ هَؤُلاَءِ، وَهَذَا قَدْ كَثُرَ فِيمَنْ يَدَّعِي الْحَقِيقَةَ مِنَ المُتَصَوِّفَةِ.
وَالْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ: الإبليسِيَّةُ، وَهُمُ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِالْأَمْرَيْنِ، لَكِنْ جَعَلُوا هَذَا تَنَاقُضًا مِنَ الرَّبِّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وَطَعَنُوا فِي حِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ، كَمَا يُذْكَرُ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ إِبْلِيسَ مُقَدِّمِهِمْ، كَمَا نَقَلَهُ أَهْلُ الْمَقَالاَتِ، وَنُقِلَ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَقُولُهُ أَهْلُ الضَّلاَلِ.