سورة فاطرٍ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة فاطرٍ
قوله تعالى: {وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص من عمره إلّا في كتابٍ} [فاطر: 11].
الضّمير في قوله: {عمره} يظهر رجوعه إلى المعمّر، فيشكل معنى الآية؛ لأنّ المعمّر والمنقوص من عمره ضدّان، فيظهر تنافي الضّمير ومفسّره.
والجواب: أنّ المراد بالمعمّر هنا: جنس المعمّر الّذي هو مطلق الشّخص، فيصدق بالّذي لم ينقص من عمره، وبالّذي نقص من عمره، فصار المعنى: لا يزاد في عمر شخصٍ ولا ينقص من عمر شخصٍ إلّا في كتابٍ.
وهذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربيّة بمسألة: عندي درهمٌ ونصفه، أي نصف درهمٍ آخر.
قال ابن كثيرٍ في تفسيره: الضّمير عائدٌ على الجنس لا على العين؛ لأنّ طويل العمر في الكتاب وفي علم الله لا ينقص من عمره، وإنّما عاد الضّمير على الجنس. انتهى منه.
قوله تعالى: {ومكر السّيّئ} [فاطر: 43].
يدلّ على أنّ المكر هنا شيءٌ غير السّيّئ أضيف إلى السّيّئ؛ للزوم المغايرة بين المضاف والمضاف إليه.
وقوله تعالى: {ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله} [فاطر 43] يدلّ على أنّ المراد بالمكر هنا هو السّيّئ بعينه لا شيء آخر، فالتّنافي بين التّركيب الإضافيّ والتّركيب التّقييديّ ظاهرٌ.
والّذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنّ التّحقيق جواز إضافة الشّيء إلى نفسه إذا اختلفت الألفاظ؛ لأنّ المغايرة بين الألفاظ ربّما كفت في المغايرة بين المضاف والمضاف إليه، كما جزم به ابن جريرٍ في تفسيره في غير هذا الموضع.
ويشير إليه ابن مالكٍ في الخلاصة بقوله:
وإن يكونا مفردين فأضف ... حتمًا وإلّا أتبع الّذي ردف
وأمّا قوله:
ولا يضاف اسمٌ لما به اتّحد ... معنًى وأوّل موهمًا إذا ورد
فالّذي يظهر فيه بعد البحث أنّه لا حاجة إلى تأويله مع كثرته في القرءان واللّغة العربيّة، فالظّاهر أنّه أسلوبٌ من أساليب العربيّة؛ بدليل كثرة وروده، كقوله هنا: {ومكر السّيّئ}، والمكر هو السّيّئ، بدليل قوله: {ولا يحيق المكر السّيّئ} الآية، وكقوله: {والدّار الآخرة} [الأعراف: 169]، والدّار هي الآخرة. وكقوله: {شهر رمضان} [البقرة: 185]، والشّهر هو رمضان، على التّحقيق. وكقوله: {من حبل الوريد} [ق: 16]، والحبل هو الوريد.
ونظيره من كلام العرب قول عنترة في معلّقته:
ومشكّ سابغةٍ هتكت فروجها ... بالسّيف عن حامي الحقيقة معلم
فأصل المشكّ -بالكسر- السّير الّذي تشدّ به الدّرع، ولكنّ عنترة هنا أراد به نفس الدّرع وأضافه إليها، كما هو واضحٌ من كلامه؛ لأنّ الحكم بهتك الفروج واقعٌ على الدّرع لا على السّير الّذي تشدّ به، كما جزم به بعض المحقّقين، وهو ظاهرٌ، خلافًا لظاهر كلام صاحب تاج العروس، فإنّه أورد بيّت عنترة شاهدًا لأنّ المشكّ السّير الّذي تشدّ به الدّرع. بل المشكّ في بيت عنترة هذا -على التّحقيق- هو الدرع السّابغة، وأضيف إليها على ما ذكرنا.
وقول امرئ القيس:
كبكر المقاناة البياض بصفرةٍ ... غذاها نمير الماء غير المحلّل
فالبكر هي المقاناة، على التّحقيق.
وأمّا على ما ذهب إليه ابن مالكٍ فالجواب تأويل المضاف بأنّ المراد به مسمّى المضاف إليه). [دفع إيهام الاضطراب: 266-268]