صحيح فضائل سورة النساء
1. قال الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}
قال ابن عباس: هي السبع الطوال، صحّ ذلك عنه من طريق منصور بن المعتمر عن مجاهد عنه عند ابن جرير، ومن طريق أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عنه عند النسائي، وهو أحد القولين المشهورين في تفسير هذه الآية، والقول الآخر أنها فاتحة الكتاب.
2. وحديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أخذ السبع فهو حبر» رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وإسحاق بن راهويه، وأحمد، وابن الضريس، ومحمد بن نصر في قيام الليل، والطحاوي في مشكل الآثار، والحاكم، والبيهقي في شعب الإيمان والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد كلهم من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن حبيب بن هند الأسلمي، عن عروة بن الزبير، عن عائشة.
ولفظ إسحاق وأحمد: «من أخذ السبع الأول فهو حبر».
وعمرو بن أبي عمرو حدّث عنه الإمام مالك، ووثّقه أبو زرعة، وقال أحمد وأبو حاتم وابن عدي: لا بأس به، وقال يحيى بن معين: في حديثه ضعف.
وحبيب بن هند ذكره ابن حبان في الثقات، والأظهر أنه حبيب الأعور مولى عروة، وقد روى له الإمام مسلم حديثاً واحداً.
وله شاهد رواه الإمام أحمد من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وابن أبي الزناد مختلف فيه، قال يحيى بن معين: (أثبت الناس في هشام بن عروة عبدُ الرَّحمن بن أَبي الزناد).
وقال أحمد: مضطرب الحديث، وضعّفه جماعة لكثرة خطئه، وفرّق بعضهم بين حديثه في المدينة، وحديثه في العراق.
وهو لم يسمع من الأعرج وإنما يروي عنه بواسطة أبيه.
والحديث مخرجه من آل عروة بن الزبير؛ فحبيب مولاه، وابن أبي الزناد من أثبت الناس في هشام بن عروة.
والذي يترجّح أن هذا الحديث حسن إن شاء الله.
قال إسحاق بن راهويه: (يعني البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس).
قلت: الخلاف في تعيين السبع الطوال قديم لكن لا خلاف في دخول سورة النساء فيها.
3. وقال حارثة بن مضرب: كتب إلينا عمر أنْ (تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة.
4. وعن المسور بن مخرمة أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول: «تعلموا سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، وسورة الحج، وسورة النور، فإنَّ فيهنَّ الفرائض» رواه الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان والواحدي في تفسيره من طريق الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن المسور، وهذا إسناد صحيح.
5. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «من قرأ آل عمران فهو غنيّ، والنساءُ مُحبِّرة». رواه أبو عبيد والدارمي وقال: (محبِّرة: مزيِّنة). أي أنها زينة وجمال لصاحبها.
6. وقال عبد الله بن مسعود: (إن في النساء خمس آيات، ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها، ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها:
- قوله عز وجل: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}.
- وقوله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}.
- وقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
- وقوله: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما}.
- وقوله: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}.
قال عبد الله: ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها). رواه أبو عبيد في فضائل القرآن، وابن المنذر في تفسيره، وسعيد بن منصور في سننه، والطبراني في الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان، والحاكم في مستدركه كلهم من طريق مسعر بن كدام، عن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه عن جدّه عبد الله بن مسعود.
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن رجل عن ابن مسعود، ومن طريق عبد الرزاق رواه ابن جرير في تفسيره.
ورواه الكلاباذي في معاني الأخبار من طريق أبي جعفر السلمي عن حسان البصري عن أبي هلال الراسبي عن معاوية بن قرة عن ابن مسعود.
ورواه هناد بن السري في الزهد من طريق أبي إسحاق الشيباني، عن عطاء البزاز، عن بشير الأودي قال: قال عبد الله بن مسعود: " أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب إلي من حمر النعم وسودها. قالوا: وأين هن. قال: إذا مرَّ بهنَّ العلماء عرفوهن، قالوا له: في أي سورة؟ قال: في سورة النساء قوله {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما} "، وقوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}، وقوله تعالى {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما} ، وقوله تعالى {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}
والحديث حسن بمجموع هذه الطرق، وقد حسّنه شيخنا سعد الحميّد في تحقيقه لكتاب التفسير من سنن سعيد بن منصور.
7. عن إبراهيم النخعي قال: قال عبد الله: إن في القرآن لآيتين ما أذنب عبد ذنبا، ثم تلاهما واستغفر الله إلا غفر له؛ فسألوه عنهما، فلم يخبرهم؛ فقال علقمة والأسود أحدهما لصاحبه: قم بنا، فقاما إلى المنزل، فأخذا المصحف، فتصفحا) البقرة، فقالا: ما رأيناهما، ثم أخذا في النساء حتى انتهيا إلى هذه الآية: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجدِ الله غفوراً رحيما} ، فقالا: هذه واحدة.
ثم تصفَّحا آل عمران، حتى انتهينا إلى قوله: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فقالا: هذه أخرى، ثم أطبقا المصحف، ثم أتيا عبد الله، فقالا: هما هاتان الآيتان؟
فقال عبد الله: نعم). رواه سعيد بن منصور والطبراني في الكبير من طريق جرير بن عبد الحميد عن ليث بن أبي سليم عن أبي هبيرة عن إبراهيم النخعي به.
وإبراهيم النخعي وإن لم يكن قد أدرك ابن مسعود فإنه رواه عن علقمة والأسود؛ فالإسناد متصل إلا أنّ ليث بن أبي سليم يُضعّف في حديثه لكنّه توبع على هذا الحديث؛ فقد رواه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق أبي الأحوص سلام بن سليم عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود قالا: قال عبد الله: إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما، فاستغفر الله عز وجل، إلا غفر له: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله}، وقوله: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}).
ورواه البيهقي في شعب الإيمان من طريق إسحاق بن إبراهيم البغوي، عن حسين بن محمد المروذي، عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن نعيم بن أبي هند، عن إبراهيم، عن الأسود وعلقمة، عن عبد الله، قال:(إني لأعلم آيتين في كتاب الله عز وجل، لا يقرأهما عبد عند ذنب يصيبه ثم يستغفر الله منه إلا غفر له)
قلنا: أي شيء في كتاب الله؟
فلم يخبرنا، ففتحنا المصحف فقرأنا البقرة فلم نصب شيئا، ثم قرأنا النساء وهو في تأليف عبد الله على إثرها فانتهينا إلى هذه الآية {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}
قلت: أمسك هذه، ثم انتهينا إلى آل عمران إلى هذه الآية التي يذكر فيها {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} فأطبقنا المصحف فأخبرنا بها عبد الله فقال: "هما هاتان ").
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
وروى نحوه أبو عبيد في فضائل القرآن من طريق محمد بن شعيب، عن محمد بن عبد الله الشعيثي، عن أبي الفرات مولى صفية أم المؤمنين، أن عبد الله بن مسعود، وأبو الفرات مجهول الحال.
فهذا الأثر صحيح الإسناد إلى ابن مسعود رضي الله عنه، وترتيب الوعد بالمغفرة على تلاوتهما والاستغفار بعدهما مما لا يقال بالرأي؛ فيأخذ حكم الرفع.
[للدرس بقيّة بإذن الله تعالى]