دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > الرسائل التفسيرية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ذو الحجة 1437هـ/30-09-2016م, 01:34 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي تفسير قول الله تعالى: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا...} لابن القيم

تفسير قول الله تعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إنَّما يُرِيدُ اللهُ ليُعَذِّبَهُمْ بِهَا فى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُم كَافِرُونَ}
لابن القيّم رحمه الله

قال ابن القيّم رحمه الله تعالى في كتابه إغاثة اللهفان: (قال تعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إنَّما يُرِيدُ اللهُ ليُعَذِّبَهُمْ بِهَا فى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُم كَافِرُونَ}.
ولم يصب من قال: إن الآية على التقديم والتأخير، كالجرجانى، حيث قال: ينتظم قوله {فى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} بعد فصل آخر ليس بموضعه، على تأويل (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ فى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (إنَّما يُرِيدُ اللهُ ليُعَذِّبَهُمْ بِهَا)
وهذا القول يروى عن ابن عباس رضى الله عنهما. وهو منقطع، واختاره قتادة وجماعة، وكأنهم لما أشكل عليهم وجه تعذيبهم بالأموال والأولاد فى الدنيا، وأن سرورهم ولذتهم ونعيمهم بذلك، فروا إلى التقديم والتأخير.
وأما الذين رأوا أن الآية على وجهها ونظمها فاختلفوا فى هذا التعذيب، فقال الحسن البصرى: يعذبهم بأخذ الزكاة منها والإنفاق فى الجهاد، واختاره ابن جرير، وأوضحه. فقال: العذاب بها إلزامهم بما أوجب الله عليهم فيها من حقوقه وفرائضه، إذ كان يؤخذ منه ذلك وهو غير طيب النفس، ولا راج من الله جزاء، ولا من الآخذ منه حمدا ولا شكرا، بل على صغار منه وكره.
وهذا أيضا عدول عن المراد بتعذيبهم فى الدنيا بها، وذهاب عن مقصود الآية.
وقالت طائفة: تعذيبهم بها أنهم يتعرضون بكفرهم لغنيمة أموالهم، وسبى أولادهم فإن هذا حكم الكافر، وهم فى الباطن كذلك. وهذا أيضا من جنس ما قبله فإن الله سبحانه أقر المنافقين، وعصم أموالهم وأولادهم بالإسلام الظاهر وتولى سرائرهم، فلو كان المراد ما ذكره هؤلاء لوقع مراده سبحانه من غنيمة أموالهم وسبى أولادهم، فإن الإرادة هاهنا كونية بمعنى المشيئة، وما شاء الله كان ولا بد، وما لم يشأ لم يكن. والصواب، والله أعلم، أن يقال: تعذيبهم بها هو الأمر المشاهد من تعذيب طلاب الدنيا ومحبيها ومؤثريها على الآخرة: بالحرص على تحصيلها، والتعب العظيم فى جمعها ومقاساة أنواع المشاق فى ذلك، فلا تجد أتعب ممن الدنيا أكبر همه، وهو حريص بجهده على تحصيلها. والعذاب هنا هو الألم والمشقة والتعب، كقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ" وقوله: "إِنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ".
أى يتألم ويتوجع، لا أنه يعاقب بأعمالهم، وهكذا من كانت الدنيا كل همه أو أكبر همه كما قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فى الحديث الذى رواه الترمذى وغيره من حديث أنس رضى الله عنه:
" مَنْ كانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ فى قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِىَ رَاغِمَةٌ. وَمَنْ كانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يأْتِهِ مِنَ الدُّنْيا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ".
ومن أبلغ العذاب فى الدنيا: تشتيت الشمل وتفرق القلوب، وكون الفقر نصب عينى العبد لا يفارقه، ولولا سكرة عشاق الدنيا بحبها لاستغاثوا من هذا العذاب، على أن أكثرهم لا يزال يشكو أو يصرخ منه. وفى الترمذى أيضاً عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "يَقُولُ اللهُ تَبَاركَ وَتَعَالَى: ابْنَ آدَم، تَفَرَّغْ لِعبَادَتِى أَمْلأ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِنْ لا تَفْعَلْ مَلأتُ يَدَيْكَ شُغْلا، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ".
وهذا أيضا من أنواع العذاب، وهو اشتغال القلب والبدن بتحمل أنكاد الدنيا ومحاربة أهلها إياه، ومقاساة معاداتهم، كما قال بعض السلف: من أحب الدنيا فليوطن نفسه على تحمل المصائب. ومحب الدنيا لا ينفك من ثلاث: همّ لازم، وتعب دائم، وحسرة لا تنقضى، وذلك أن محبها لا ينال منها شيئا إلا طمحت نفسه إلى ما فوقه، كما فى الحديث الصحيح عن النبى عليه الصلاة والسلام: "لَوْ كَانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لابْتَغَى لهَما ثَالِثا".
وقد مثل عيسى ابن مريم عليه السلام محب الدنيا بشارب الخمر، كلما ازداد شربا ازداد عطشا.
وذكر ابن أبى الدنيا أن الحسن البصرى كتب إلى عمر بن عبد العزيز "أما بعد: فإن الدنيا دار ظعن، ليست بدار إقامة، إنما أنزل إليها آدم عليه السلام عقوبة، فاحذرها يا أمير المؤمنين، فإن الزاد منها تركها، والغنى فيها فقرها، لها فى كل حين قتيل، تذل من أعزها، وتفقر من جمعها. هى كالسم يأكله من لا يعرفه، وهو حتفه فكن فيها كالمداوى جراحه، يحتمى قليلا، مخافة ما يكره طويلا، ويصبر على شدة الدواء مخافة طول البلاء، فاحذر هذه الدار الغرارة، الخداعة الختَّالة، التى قد تزينت بخدعها، وفتنت بغرورها، وختلت بآمالها، وتشوفت لخطابها، فأصبحت كالعروس المجلوة، فالعيون إليها ناظرة، والقلوب عليها والهة، والنفوس لها عاشقة، وهى لأزواجها كلهم قاتلة، فعاشق لها قد ظفر منها بحاجته فاغتر وطغى، ونسى المعاد فشَغل بها لُبَّه، حتى زّلت عنها قدمه، فعظمت عليه ندامته، وكثرت حسرته، واجتمعت عليه سكرات الموت وألمه، وحسرات الفوت. وعاشق لم ينل منها بغيته، فعاش بغُصته، وذهب بكمده، ولم يدرك منها ما طلب، ولم تسترح نفسه من التعب، فخرج بغير زاد، وقدم على غير مهاد. فكن أسر ما تكون فيها أحذر ما تكون لها، فإن صاحب الدنيا كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه، وُصِل الرخاء منها بالبلاء، وجُعل البقاء فيها إلى فناء. سرورها مشوب بالحزن، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد، فلو كان ربنا لم يخبر عنها خبرا، ولم يضرب لها مثلا، لكانت قد أيقظت النائم، ونبهت الغافل. فكيف وقد جاء من الله فيها واعظ وعنها زاجر؟ فما لها عند الله قدر ولا وزن، ولا نظر إليها منذ خلقها. ولقد عرضت على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بمفاتيحها وخزائنها لا تُنقِصُه عند الله جناح بعوضة، فأَبَى أن يقبلها، كره أن يحب ما أبغض خالقُه، أو يرفع ما وضع مليكه. فزواها عن الصالحين اختيارا، وبسطها لأعدائه اغترارا. فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أُكْرِم بها، ونسى ما صنع الله عز وجل برسوله صلى الله عليه وسلم حين شد الحجر على بطنه".
وقال الحسن أيضا: إن قوما أكرموا الدنيا فصلبتهم على الخُشب. فأهينوها فأهنأ ما تكون إذا أهنتموها. وهذا باب واسع.
وأهل الدنيا وعشاقها أعلم بما يقاسونه من العذاب وأنواع الألم فى طلبها.
ولما كانت هى أكبر هَمّ من لا يؤمن بالآخرة، ولا يرجو لقاء ربه، كان عذابه بها بحسب حرصه عليها، وشدة اجتهاده فى طلبها.
وإذا أردت أن تعرف عذاب أهلها بها فتأمل حال عاشق فانٍ فى حب معشوقه، وكلما رام قربا من معشوقه نأى عنه، ولا يفى له ويهجره ويصل عدوه. فهو مع معشوقه فى أنكد عيش، يختار الموت دونه، فمعشوقه قليل الوفاء، كثير الجفاء، كثير الشركاء، سريع الاستحالة، عظيم الخيانة، كثير التلون، لا يأمن عاشقه معه على نفسه ولا على ماله، مع أنه لا صبر له عنه ولا يجد عنه سبيلا إلى سلوة تريحه، ولا وصال يدوم له، فلو لم يكن لهذا العاشق عذاب إلا هذا العاجل لكفى به، فكيف إذا حيل بينه وبين لذاته كلها، وصار معذبا بنفس ما كان ملتذا به على قدر لذته به، التى شغلته عن سعيه فى طلب زاده، ومصالح معاده؟).

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:24 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir