وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ: فَهَذَا كِتَابُ اللَّهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ عَامَّةُ كَلامِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، ثُمَّ كَلامُ سَائِرِ الأئمةِ مَمْلُوءٌ بِمَا هُوَ إِمَّا نَصٌّ وَإِمَّا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ العَلِيُّ الأعلى وهو فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَّهُ فَوْقَ العَرْشِ، وَأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ،
مِثْلُ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فَاطِرُ: 10 ]
- {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ"}، [آلُ عِمْرَانَ]،
- {ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الْمَلِكُ: 17 ]
- {بلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [ النِّسَاءُ: 158 ]
- {تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [الْمَعَارِجُ: 4 ]
- {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السَّجْدَةُ: 5 ]
- {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النَّحْلُ: 50 ]
- {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ [الرَّعْدُ: 2] [الْفُرْقَانُ: 59 ] [السَّجْدَةُ: 4 ] [الْحَدِيدُ: 4 ]
- {الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طهَ: 5 ]
- {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَـلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَـهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غَافِرُ: 36: 37 ]
- {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ: 42 ]
- {مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بالحق} [الأَنْعَامُ: 114 ]
إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَكَادُ يُحْصَى إِلا بِكُلْفَةٍ(1).
وَفِي الأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ مَا لاَ يُحْصَى إلا بالكلفة، مِثْلُ قِصَّةِ مِعْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ربِّهِ، وَنُزُولِ المَلائِكَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَصُعُودِهَا إِلَيْهِ; وَقَوْلِه في المَلائِكَةِ الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَيَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ إلىَ رَبِّهِمْ فَيَسْأَلُهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ. وَفِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ الخَوَارِجِ: (أَلا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَباحًا وَمَسَاءً)(2).
وَفِي حَدِيثِ الرُّقْيَةِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ: (رَبُّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ، تَقَدَّسَ اسْمُكَ، أَمْرُكَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْض، كَمَا رَحْمَتُكَ فِي السَّمَاءِ، اجْعَلْ رَحْمَتَكَ فِي الأَرْضِ، اغْفِرْ لَنَا حَوْبَنَا وَخَطَايَانَا، أَنْتَ رَبُّ الطَّيِّبِينَ، أَنْزِلْ رَحْمَةً مِنْ رَحْمَتِكَ، وَشِفَاءً مِنْ شِفَائِكَ عَلَى هَذَا الوَجَعِ فيبرأ). قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا اشْتَكَى أَحَدٌ مِنْكُمْ، أَو اشْتَكَى أَخٌ لَهُ، فَلْيَقُلْ رَبُّنَا اللَّهُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ) وَذَكَرَهُ.
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الأَوْعَالِ: (وَالْعَرْشُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ فَوْقَ عَرْشِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا. وَهَذَا الحَدِيثُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ كَأَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذيِّ، وَغَيْرِهِمْ، فَهُوَ مَرْوِيٌّ مِنْ طَرِيقَيْنِ مَشْهُورَيْنِ، فَالْقَدْحُ فَيَ أَحَدِهِمَا لاَ يَقْدَحُ فِي الآخَرِ، وَقَدْ رَوَاهُ إِمَامُ الأَئِمَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ الَّذِي اشْتَرَطَ فِيهِ أَنَّهُ لاَ يَحْتَجُّ فِيهِ إِلا بِمَا نَقَلَهُ العَدْلُ عَنِ العَدْلِ، مَوْصُولاً إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَوْلُهُ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِلْجَارِيَةِ: (أَيْنَ اللَّهُ؟)
قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ.
قَالَ: (مَنْ أَنَا)
قَالَتْ: أنت رَسُولُ اللَّهِ.
قَالَ: (أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ)(3 ).
وَقَوْلُهُ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابٍ مَوْضُوعٍ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ، إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي) (4).
وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ قَبْضِ الرُّوحِ: (حَتَّى يَعْرُجَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللَّهُ) إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي أَنْشَدَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْرَّهُ عَلَيْهِ:
شَهِدْتُ بِأَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حقٌّ = وَأَنَّ النَّارَ مَثْوَى الكَافِرِينَ
وَأَنَّ العَرْشَ فَوْقَ المَاءِ طَافٍ = وَفَوْقَ العَرْشِ رَبُّ العَالَمِينَا
وَقَوْلُ أُمِّيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيِّ الَّذِي أُنْشَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ شِعْرِهِ فَاسْتَحْسَنَهُ، وَقَالَ: (آمَنَ شِعْرُهُ، وَكَفَرَ قَلْبُهُ) حيث قال:
مَجِّدُوا اللَّهَ فَهُوَ لِلْمَجْدِ أَهْلٌ = رَبُّنَا فِي السَّمَاءِ أَمْسَى كَبِيَرَا
بِالْبِنَاءِ الأَعْلَى الَّذِي سَبَقَ النَّاسَ = وَسَوَّى فَوْقَ السَّمَاءِ سَرِيرَا
شَرْجَعًا مَا يَنَالُهُ بَصَرُ العَيْنِ = يَرَى دُونَهُ المَلائِكَةُ صُورَا
وَقَوْلُهُ فِي الحَدِيثِ الَّذِي فِي المسند: (إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا).
وَقَوْلُهُ في الحديث: (يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ..) إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُحْصِيِهِ إِلا اللَّهُ، مِمَّا هُوَ مِنْ أَبْلَغِ المُتَوَاتِرَاتِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ، الَّتِي تُورِثُ عِلْمًا يَقِينِيًّا مِنْ أَبْلَغِ العُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ أَلْقَى إلىَ أُمَّتِهِ المَدْعُوِّينَ - أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ على العَرْشِ وَأَنَّهُ فَوْقَ السَّمَاءِ، كَمَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعَ الأُمَمِ عَرَبهُمْ وَعَجَمهُمْ، فِي الجَاهِلِيَّةِ وَالإِسْلامِ، إِلاَّ مَن اجْتَالَتْهُ الشَّيَاطِينُ عَنْ فِطْرَتِهِ(5).
ثُمَّ عَنِ السَّلَفِ فَيَ ذَلِكَ مِنَ الأَقْوَالِ مَا لَوْ جُمِعَ لَبَلَغَ مِئِينَ، أَوْ أُلُوفًا.