ومِنْ كَلاَمِ اللهِ سُبْحَانَهُ القُرْآنُ العَظِيمُ ، وَهُوَ كِتَابُ اللهِ المُبينُ وَحَبْلُهُ المَتِينُ ، وَصِرَاطُهُ المُسْتقيمُ وَتَنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ المُرْسَلينَ ، بِلِسَانٍ عَرَبيٍّ مُبِينٍ ، مُنَزَّلٌ غَيرُ مَخْلُوقٍ ، مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ.
وَهُوَ سُوَرٌ مُحْكَمَاتٌ ، وَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ، وَحُرُوفٌ وَكَلِمَاتٌ ، مَنْ قَرأَهُ فَأَعْرَبَهُ ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، لَهُ أَوَّلٌ وَآخِرٌ ، وَأَجْزَاءٌ وَأَبْعَاضٌ ، مَتْلُوٌّ بِالأَلْسِنَةِ ، مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ ، مَسْمُوعٌ بِالآذَانِ ، مَكْتُوبٌ فِي المَصَاحِفِ ، فِيهِ مُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ ، وَنَاسِخٌ ومَنْسُوخٌ ، وخَاصٌّ وَعَامٌّ، وَأمْرٌ وَنَهْيٌ {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] وَقَوْله تَعَالَى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء: 88].
وَهَذَا وهُوَ هذا الكِتَابُ العَرَبِيُّ الَّذِي قَالَ فِيهِ الَّذِينَ كَفَرُوا: {لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ: 31].
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 2]، فَقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26].
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ شِعْرٌ ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِن هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ}[يس: 69]، فَلَمَّا نَفَى اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ شِعْرٌ وأَثْبَتَهُ قُرْآناً لَم تَبْقَ شُبْهَةٌ لِذِي لُبٍّ في أَنَّ القُرْآنَ هُوَ هَذَا الكِتابُ العَرَبيُّ الَّذِي هُوَ كَلِمَاتٌ وَحُرُوفٌ وَآيَاتٌ ، لأَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ لاَ يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّهُ شِعْرٌ.
وَقَالَ الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْناَ عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} [البقرة: 23] وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ بِالإتْيانِ بِمِثْلِ مَا لاَ يُدْرَى مَا هُوَ وَلاَ يُعْقَلُ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى علَيْهِم آيَاتُنا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَو بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَائِ نَفْسِي} [يونس: 15] فأَثْبَتَ أَنَّ القُرْآنَ هُوَ الآياتُ الَّتِي تُتْلَى عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {بَل هُوَ آيَاتٌ بَيـِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ} [العنكبوت: 49].
وَقَالَ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78) لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77 - 79] بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {كَهيعص} [مريم: 1] و{حـَم (1) عـسـق}[الشورى: 1] وَافْتَتَحَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ سُورَةً بِالحُروفِ المُقَطَّعةِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ القُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ، فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، وَمَنْ قَرَأَهُ وَلَحَنَ فِيهِ فَلَهُ بِكُلِّ حَرفٍ حَسَنَةٌ)) ، حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((اقْرَؤُوا القُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمٌ يُقِيمُونَ حُرُوفَهُ إقَامَةَ السَّهمِ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَتَعَجَّلُونَ أَجْرَهُ وَلاَ يَتأَجَّلُونَهُ)).
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (إِعْرَابُ القُرْآنِ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ).
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (مَنْ كَفَرَ بِحَرْفٍ مِنْهُ فَقَدْ كَفَرَ بِهِ كُلِّهِ).
وَاتَّفَقَ المسْلِمُونَ عَلَى عَدِّ سُوَرِ القُرْآنِ وَآياتِهِ وَكَلِمَاتِهِ وَحُرُوفِهِ.
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ المُسْلِمينَ في أَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنَ القُرْآنِ سُورَةً أَوْ آيَةً أَوْ كَلِمَةً أَوْ حَرْفاً مُتَّفَقاً عَلَيْهِ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَفي هَذَا حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ حُرُوفٌ.