29 – تعاهد المحفوظات :
تعاهد علمك من وقت إلى آخر ، فإن عدم التعاهد عنوان الذهاب للعلم مهما كان . عن ابن عمر - رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : (( إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة , إن عاهد عليها , أمسكها , وإن أطلقها , ذهبت )) رواه الشيخان , ومالك في (( الموطأ )) .
لو عبر بقوله : (( فإن عدم التعاهد سبب لذهاب العلم )) لكان أولى لقول النبي – عليه الصلاة والسلام - : (( تعاهدوا هذا القرآن فو الذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها )) . فيدل ذلك على أن عدم التعاهد سببه النسيان , وليس عنوان لذهاب العلم , لأن عنوان الشيء يكون بعد الشيء .
وسبب الشيء يكون قبله ، وعدم التعاهد سابق على عدم البقاء ( أي بقاء العلم ) .
المتن :
قال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله - : (( وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه , ذهب عنه أي من كان , لأن علمهم كان ذلك الوقت القرآن لا غير , وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد , فما ظنك بغيره من العلوم المعهودة ؟
وخير العلوم ماضبط أصله , واستذكر فرعه , وقاد إلى الله تعالى , ودل على ما يرضاه )) اهــ .
هذا فيه دليل على أن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه . وهذا واضح , أن من لم يتعاهد حفظه نسيه , وكما أن هذا في المعقول , وهو أيضا في المحسوس , فمن لم يتعاهد الشجرة بالماء تموت أو تذبل , وكذلك من لم يتعاهد أغصانها تتكاثر ويفسد بعضها بعضا فلا يستقيم وكذلك العلوم .
(وخير العلوم ماضبط أصله , واستذكر فرعه) يعني كأنه هنا يدل على القواعد والاصول وانا احثكم دائما عليها ، عليكم بالقواعد والاصول ، لأن المسائل الجزئية المتفرعه كلاقط الجراد في أرض صحراء تضيع عليه لكن الذي عنده علم في الاصول هذا هو العالم ، فمن فاته الأصول فاته الوصول .