(2 - 3)
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
34- جُنَّةُ طالِبِ العلْمِ :
جُنَّةُالعالِمِ ( لا أَدْرِي ) ويَهْتِكُ حِجابَه الاستنكافُ منها ، وقولُه: يُقالُ .....
وعليه؛ فإن كان نِصْفُ العلْمِ ( لا أَدْرِي ) ؛ فنِصْفُ الجهْلِ ( يُقالُ ) و( أَظُنُّ ) .
الشيخ: جُنة طالب العلم، هذا هو الأدب الرابع والثلاثون، والجُنّة: الوقاية.
إذا كان على بدنك حديد يحميك في المعارك يسمونها واقية الرصاص، هذا الجُنّة مثل واقية الرصاص.
ما هي التي تقي طالب العلم من الشرور، كلمة (لا أدري)، فإذا سئل عن مسألة وهو لا يعرفها قال:(لا أدري)
كان الأئمة يحرصون على هذا، قال قائلهم: من أخطأ (لا أدري) أصيبت مقاتله، كأنه أصيب في المحل الذي يموت منه غالباً.
سئل الإمام مالك: عن ست وثلاثين مسألة، فقال في ثنتين وثلاثين منها: لا أدري، وأجاب في أربع.
قيل للإمام مالك في مسألة، فقال: لا أدري، قال: أتيت إليك من مصر، وقد سأل أهلها عن هذه المسألة قال: أخبر من وراءك أن مالكاً لا يدري، هل أنقص من درجة الإمام مالك، هل قلل من قيمته وإمامته، لا والله، بل زاده إمامة ------.
ومن هنا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن وقت الساعة قال:" ما المسئول .." يعني لا أعلم.
فإذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأل المسألة ما يجيب، ينتظر الوحي، فإذا كان من كان كذلك يتوقف في الجواب عن مسائل، فكيف بنا نحن.
ومن هنا؛ ما يستحي الواحد منا أن يقول: لا أدري، ومثله الجملة الأخرى التي تماثلها: هذه المسألة تحتاج إلى بحث ولم أبحثها، تحتاج إلى تقليب نظر.
إذا استنكف الإنسان عن هذه الكلمة، بمعنى أنه تركها تكبراً عليها وظناً أنها من أسباب التنقص، فحينئذٍ وقع في الجهل، وخُشي عليه ممن يقول على الله بلا علم.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
35- المحافَظَةُ على رأسِ مالِك ( ساعاتِ عُمُرِك) :
الوقتَ الوقتَ للتحصيلِ ، فكن حِلْفَ عمَلٍ لا حِلْفَ بَطالةٍ وبَطَرٍ ، وحِلْسَ مَعْمَلٍ لا حِلْسَ تَلَهٍّ وسَمَرٍ ، فالْحِفْظُ على الوَقْتِ ؛ بالجِدِّ والاجتهادِ ومُلازَمَةِ الطلبِّ ، ومُثافَنَةِ الأشياخِ ،والاشتغالِ بالعلْمِ قراءةً وإقراءً ومطالَعَةً وتَدَبُّرًا وحِفْظًا وبَحْثًا ، لاسِيَّمَا في أوقاتِ شرْخِ الشبابِ ، ومُقْتَبَلِ العُمْرِ ، ومَعْدِنِ العافيةِ ،فاغْتَنِمْ هذه الفرصةَ الغاليةَ ، لتنالَ رُتَبَ العلْمِ العاليةَ ؛ فإنها ( وقتُ جَمْعِ القلبِ ، واجتماعِ الفِكْرِ ) ؛ لقِلَّةِ الشواغِلِ والصوارِفِ عن التزاماتِ الحياةِ والتَّرَؤُّسِ ، ولِخِفَّةِ الظَّهْرِ والعِيالِ :
مـا للمُعيـلِ وللعوالِـي إنـمـايَسْعَى إليهنَّ الفريدُ الفارِدُ
وإيَّاك وتأميرَ التسويفِ على نفسِك ؛فلا تُسَوِّفْ لنفسِكَ بعدَ الفراغِ من كذا ؛ وبعدَ ( التقاعُدِ ) من العَمَلِ هذا ... وهكذا ، بل البِدارَ قبلَ أن يَصْدُقَ عليك قولُ أبي الطَّحَّانِ القَيْنيِّ :
حَنَـتْـنِـي حـانـيـاتُ الـدهْــرِ حَـتَّــى كـــأنـــي خَـــاتِـــلٌ أَدْنُـــــــو لــصَــيْـــدٍ
قصيرُ الْخَطْوِ يَحْسَبُ مَن رآنِي ولـــسْــــتُ مُــقَــيَّـــدًا أنِّـــــــي بِــقَــيْـــدِ
وقال أُسامةُ بنُ مُنْقِذٍ :
مع الثمانينَ عاثَ الضعْفُ في جَسَدِي وساءني ضَعْفُ رِجْلِي واضطرابُ يَـدِي
إذا كَـتَـبْــتُ فـخَــطِّــي خـــــطُّ مُـضْــطَــرِبٍ كــــخــــطِّ مُــرْتَـــعِـــشِ الــكَــفَّــيْــنِ مُـــرْتَـــعِـــدِ
فاعْجَبْ لضَعْفِ يَدِي عن حَمْلِها قَلَمًا مــن بـعـدِ حَـمْـلِ الْـقَـنَـا فـــي لَـبَّــةِ الأسَـــدِ
فـــقــــلْ لِـــمَــــن يَـتَــمَــنَّــى طُــــــــولَ مُــــدَّتِــــهِ هـــذي عَــواقِــبُ طُــــولِ الـعُـمُــرِ والْــمُــدَدِ
فإن أَعْمَلْتَ البِدارَ فهذا شاهدٌمنك على أنك تَحْمِلُ ( كِبَرَ الهمَّةِ في العِلْمِ) .
الشيخ:
الله جل وعلا خلقنا من أجل غاية وهي عبادته جل وعلا كما في قوله:" وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون" ومن أعلى درجات العبادة، طلب العلم.
ومن هنا فاستعمل حياتك فيما خلقت له، واستعمل جميع وقتك للهدف والغاية التي خلقت من أجلها، ثم إنك سترد على رب العزة والجلال، وسيسألك عن كل أعمالك وجميع أوقاتك، ماذا علمت بها فحينئذ استعمل هذا الوقت فيما إذا أَخْبرت عنه عند الله كان سباباً لنجاحك وفلاحك.
ومن ثَم يترك الإنسان تضييع الأوقات فيما لا يفيد، كان بعض الأئمة يحرص على استعمال وقته فيما يفيد، ولا يترك منه شيئاً حتى أن المجد بن تيمية، جد شيخ الإسلام كان يُقرأ عليه العلم عند قضائه للحاجة، لا يريد أن يفوت وقتاً، وبعضهم كان إذا جاءه الأضياف يحرص أن يشتغل ببري القلم عند أضيافه لئلا يضيع شيء من وقته، والشواهد في هذا كثيرة، ومن هنا فاحفظ عمرك.
قال:( كن حلف عمل لا حلف بطالة وبطر) الحلف: وهو العقد الذي يعقده الإنسان،فاعقد نفسك مع الأعمال، حتى تنتج وتثمر، ولا تكون مع البطالة وهي ترك العمل، والبطر الذي هو تضييع الوقت وجحد هذه النعمة.
وحينئذ تكون(حلس معمل) الحلس هو المرابط.
لا تكن (حلس ثلة أو تلهٍ وسمر) فالتلّهي ابتعد عنه، والسمر الذي لا يفيد يقول لك: ابتعد عنه.
(فالحفظ على الوقت يكون بالجد والاجتهاد وملازمة الطلب ومثافنة الأشياخ) بملازمتهم حتى تكون قريباً منهم.
(والاشتغال بالعلم قراءة) يقرأ لنفسه (وإقراءً) يقرأ لغيره، أو يُقرأ عليه.
(ومطالعة وتدبراً –فهماً- وحفظاً وبحثاً، وخصوصاً في أوقات شرخ الشباب) ووقت الشباب أدعى بأن تحفظه.
(ومقتبل العمر) وبذلك إذا اغتنمت الوقت حَصَلت على رتب العلم العالية، فإن وقت الشباب هو وقت اجتماع القلب، ما عندك مشغلات كثيرة تشغل قلبك، تجعلك تنسى.
( ووقت الشباب هو وقت اجتماع الفكر لقلة الشواغل والصوارف) ماعنده عيال ولا عنده حوائج يُرسل فيها.
ولا يهتم بقضايا العامة والخاصة، ومن ثم اجتنب التسويف :بعدين، إن شاء الله بسويه بكره، لا، ابدأ، بادر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال، هل تنتظرون إلا مرضاً مفسداً، أو كبراً مفنّداً، ...." إلى آخر ما ذكر من السبع التي وردت في الحديث.
إذا بادر الإنسان على أعمال الطاعة، ومنها طلب العلم فهذا شاهد وجود كبر الهمة لديه.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
36- إجمامُ النفْسِ :
خُذْمن وَقْتِك سُويعاتٍ تُجِمُّ بها نفسَك في رِياضِ العِلْمِ من كُتُبِ المحاضراتِ ( الثقافةِالعامَّةِ ) ؛ فإنَّ القلوبَ يُرَوَّحُ عنها ساعةً فساعةً .
وفي المأثورِ عنأميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ : ( أَجِمُّوا هذه القلوبَ ، وابْتَغُوا لها طرائفَ الْحِكمةِ ، فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدانُ ) .
وقالُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في حِكْمَةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ في مُطْلَقِ الأوقاتِ :( بل في النهيِ عنه بعضَ الأوقاتِ مصالِحُ أُخَرُ من إِجمامِ النفوسِ بعضَ الأوقاتِ ، من ثِقَلِ العِبادةِ ؛ كما يُجَمُّ بالنوْمِ وغيرِه ،ولهذا قالَ مُعاذٌ : إني لأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي ، كما أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي ... )
وقالَ : ( بل قدقيلَ : إنَّ من جُملةِ حِكمةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ المطلَقِ في بعضِ الأوقاتِ : إجمامَ النفوسِ في وَقْتِ النهيِ لتَنْشَطَ للصلاةِ ؛ فإنها تَنْبَسِطُ إلى ما كانت مَمنوعةً منه ، وتَنْشَطُ للصلاةِ بعدَ الراحةِ . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ .
ولهذاكانت العُطَلُ الأسبوعيَّةُ للطُّلَّابِ مُنتشِرَةً منذُ أَمَدٍ بعيدٍ ، وكان الأَغْلَبُ فيها يومَ الْجُمعةِ وعَصْرَ الخميسِ ، وعندَ بعضِهم يومَ الثلاثاءِ ويومَ الاثنينِ، وفي عِيدَي الفطْرِ والأَضْحَى من يومٍ إلى ثلاثةِ أيَّامٍ وهكذا .
ونَجِدُذلك فيكُتُبِ آدابِ التعليمِ ، وفي السِّيَرِ ، ومنه على سبيلِ الْمِثالِ : ( آدابُ المعَلِّمِينَ ) لسُحْنونٍ ( ص 104 ) ، ( والرسالةُالْمُفَصَّلَةُ ) للقابسيِّ ( ص135-137 ) ، ( والشقائقُ النُّعْمانيَّةُ ) ( ص20) وعنه في : ( أَبْجَدِ العلومِ ) ( 1/195-196 ) ، وكتابِ ( أَلَيْسَ الصبْحُ بقريبٍ ) للطاهرِابنِ عاشورٍ ، ( وفتاوَى رَشيد رِضَا ) (1212) و( مُعْجَمِ البِلدانِ ) ( 3/102) و ( فتاوى شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ ) ( 25/318-320، 329)
الشيخ:
هذا هو الأدب السادس والثلاثون من آداب طالب العلم: إجمام النفس، بحيث لا يحملها على شيء في جميع الأوقات فتملّ منه، وكذلك لا يُذهب نفسه تعبا يجعلها تصبح لا تميّز العلوم، من جعل نومه قليلا، أقل مما تحتاجه إليه نفسه ضعفت نفسه، ولم يستطع التركيز والفهم، وهكذا من لم يطعم الطعام الذي يغذيه فإن نفسه تضعف، وبالتالي يكلّ ولا يتمكن من الفهم ومن مواصلة التعلم.
وشاهد هذا كثير في النصوص الشرعية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" المنبت الذي يركب ناقته ويسير بها ويواصل بدون أن يرتاح.
فحينئذ يُتعب ناقته فتعجز منه في الطريق، فيكون لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، وجاء في الحديث: حديث النفر الثلاثة الذين قال قائلهم: أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أقوم ولا أنام، وقال الثالث: لا أتزوج النساء، فعتب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "إني أخشاكم لله وأتقاكم له، أما أني أقوم وأنام، وأصوم، وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"
وشاهد هذا أيضا في منع المكلّف من العبادة في بعض الأوقات من أجل أن لا يتعب نفسه، وانظر إلى حديث عبدالله بن عمرو لما كان يصوم ولا يُفطر، وكان يقوم حتى أثّر ذلك على نفسه، فجاء أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن عبادته، ثم بعد ذلك أرشده إلى ترك مواصلة العبادة، بحيث يجعل وقتا للراحة، ولا يشق على نفسه.
وانظر في حديث تلك المرأة التي كانت تضع حبلا في المسجد، صفية، حتى إذا تعبت استندت إلى الحبل، فقال صلى الله عليه وسلم: "حلّوه –فكوا الحبل- ليصلّي أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد، فلعلّه يذهب يسأل ربه فيسب نفسه" سمعت ميّز في الكلام، هكذا في طلب العلم، يصبح ما عاد يميّز.
ومن ذلك المفاوتة بين الفنون، استمريت على فن واحد يمكن تمل نفسك منه، فتنتقل من علم إلى علم، كداخل البستان، مرة يأكل عنبا، ومرة يأكل رمانا، ومرة يأكل تينا، ومرة يأكل من غيره، فيلتذّ ذلك، أما لو أكل من صنف واحد سيملّ منه.
ومن وسائل ذلك، إعطاء النفس راحتها، والقيام على النفس بشئونها، سواء في نظافة الإنسان أو في مأكله أو في مشربه، أو نحو ذلك.
وكذلك النظر في بعض النكت والطرائف، النكت: هي الأمور الغريبة، حتى تنشط نفسك، والطرائف: هي التي تتحرّك لها النفس وتطرب، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما جاء منه المزاح.
(قال علي: أجمّوا هذه القلوب، وابتغوا لها طرائف الحكمة، فإنها تملّ) ومن هذا حرص أهل العلم على جعل إجازة وعطلة في الدراسة.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
37- قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ :
احْرِصْ على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ – وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ .
فهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في عشرةِ مجالسَ ،كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ ، ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ .
وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
وللخطيبِ البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِوغيرِهم في ذلك عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ 18/277 و 279، 19/310، 21/253 ) و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ ( 4/30 ) ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ( 1/103-105 ) ، و( فتْحِ الْمُغيثِ ) (2/46) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ( 8/121و206 ) ، و ( خُلاصةِ الأثَرِ ) ( 1/72-73 ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ، و ( تاجِ العَروسِ ) ( 1/45-46 ) . فلاتَنْسَ حَظَّكَ من هذا .
38-جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :
الْجَرْدُللمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في تآليفِهم واصطلاحِهم فيها .
وقدكان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ .
الشيخ:
هذه من آداب طالب العلم أنه يحرص على قراءة الكتب خصوصا المطوّلات على أشياخه من أجل أن يضبط كيفية نطق الكلمات ويضبط التشكيل ويضبط النحو، وكذلك يأمن من الغلط، والوهم، من إدخال الجملة في جملة أخرى، ويسأل عما استشكل لديه من مثل هذا.
فكان أهل العلم يفعلون هذا، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون في القرآن فيقرأون على النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله، وإذا وقع عندهم استشكال جاءوا وقرءوا، وكم من صحابي قد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم.
وبواسطة قراءة هذه المطولات في المجالس القليلة والأوقات القليلة يحصل فوائد، منها:
تحصيل العلوم والمعارف الكثيرة في الزمن القليل، ومنها توسيع مدارك الإنسان بحيث يعرف أمورا وأقوالا مخالفة لما يستقر في نفسه، وبذلك يتمكن من استخراج النوادر والمسائل والفرائد الغريبة، وبذلك أيضا يتكون عند الإنسان قدرة على معرفة مواطن بحث المسائل في كتب أهل العلم، وكذلك تعرف طرائق التأليف، وأنواع المؤلفات والمصطلحات التي يستخدمها علماء الشريعة فيها، وينبغي أن تميّز ما قرأته وتضع علامة بحيث لا يفوتك شيء من المقروء، لا يفوتك شيء من الكتاب المقروء.
وهذا هو شأن أهل العلم، والدروس العلمية كانت تُجعل على نوعين، النوع الأول: دروس جرد المطولات، يقرأون فيها ولا يتوقفون إلا عند نقطة مشكلة.
والثاني: قراءة المتون، والمتون للمبتدئين، ويحرص فيها على التفهيم والإفهام.
وللعلماء طرائق متعددة في التفهيم، أول هذه الطرائق:
الطلب من الطلاب أن يبيّنوا فهمهم للكتاب ثم يقوم الشيخ بالتصحيح، مثال هذا: عندنا درس في زاد المستقنع مثلا، أتينا بجملة، أقول: ما معناها يا زيد؟ ما معناها يا عمرو؟ ما معناها يا خالد؟ ثم أصحح، وأقول: الصواب في فهم كذا.
وأما فهمك في الفهم الفلاني فهو خطأ، وسبب خطأه كذا، فتستقر المعلومات، وكل جملة يكاد يسأل عنها أشخاص مختلفين، وهذه أحسن الطرق وهي التي تستقرّ في الذهن.
النوع الثاني: نوع المجادلة والمناقشة، بحيث نقسّم الطلاب إلى فريقين، وكلما جاءت مسألة نقول: انتخبوا لنا واحدا مغايرا لما أخذتموه في المسائل السابقة، فيشرح ثم يشرح الثاني ونقارن بينهما، أو يشرح أحدهما ويصحح له الآخر، ثم يصحح الشيخ لهما، وهذه أيضا طريقة جميلة ويستقر بها.
وهاتان الطريقتان لهما أصل في السنة، كما في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن شجرة صفتها كذا وصفتها كذا، هذا سؤال؛ الشيخ هو الذي يسأل، ويطلب من الطلاب أن يجيبوه.
الطريقة الثالثة: أن يقوم طالبان بالمناظرة، تُسمّى طريقة المناظرة، يتناظران في المسألة بحيث هذا يناظر هذا، وننظر، هذا يتبنى قولا وهذا يتبنى قولا، وننظر من يكون معه الغلبة، ثم يعقّب الشيخ بما يستقيم.
الطريقة الرابعة: طريقة السرد، مثل طريقتنا هذه، وهي من أضعف الطرق في إبقاء المعلومات، ولكنها جيدة، يحصل الناس منها شيء، خصوصا إذا كان هناك كتاب وتسجيل، وتَنَاقش الطلاب فيها فيما بعد، فإنها تبقى معلومة حينئذ.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
39- حُسْنُ السؤالِ:
الْتَزِمْ أَدَبَ الْمُباحَثَةِ ، من حُسْنِ السؤالِ ، فالاستماعِ ، فصِحَّةِ الفَهْمِ للجَوابِ ، وإيَّاكَ إذا حَصَلَ الجوابُ أن تَقولَ : لكنَّ الشيخَ فلانًا قالَ لي كذا ، أو قالَ كذا ، فإنَّ هذا وَهَنٌ في الأَدَبِ ، وضَرْبٌ لأَهْلِ العِلْمِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ هذا .
وإن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ، فكنْ واضحًا في السؤالِ ، وقلما رأيُك في الفَتْوَى بكذا ، ولا تُسَمِّ أَحَدًا .
قال َابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقيلَ : إذاجَلَسْتَ إلى عالِمٍ ؛ فسَلْ تَفَقُّهًا لا تَعَنُّتًا ) اهـ .
وقال َأيضًا : ( وللعلْمِ سِتَّةُ مَراتِبَ ) .
أوَّلُها : حسْنُ السؤالِ .
الثانيةُ : حسْنُ الإنصاتِ والاستماعِ .
الثالثةُ : حسْنُ الْفَهْمِ .
الرابعةُ : الْحِفْظُ .
الخامسةُ : التعليمُ .
السادسةُ : وهي ثَمَرَتُه ؛ العمَلُ به ومُراعاةُ حُدودِه اهـ .
ثم أَخَذَ في بيانِها ببَحْثٍ مُهِمٍّ .
الشيخ:
من آداب طالب العلم حسن السؤال، السؤال من الأمور التي يرغب فيها، فإذا استشكل عليك فاسأل حتى تتقن العلم، ولذلك أثنى عمر على ابن مسعود أو ابن عباس فقال: نالا العلم بلسان سئول وقلب عقول.
وإذا تقرر هذا فإن السؤال لابد أن يكون على السند، بحيث يلتزم فيه الطالب بالأدب، فلا يسأل في غير الفن الذي يتدارسونه.
درسنا هذا في آداب طالب العلم فلا تنقلنا إلى مسائل الفتوى، ندرس في باب الصيام، فلا يحق لك أن تنقلنا إلى باب القصاص، أو باب، أبواب الأنكحة.
الثاني: حسن انتقاء الألفاظ، لا تأتي بلفظ نابي، ولا لفظ غريب، ولا لفظ غير مرغوب فيه.
الثالث: أن لا تسأل في شيء قد تكلم فيه الشيخ، فمسألة طرحها الشيخ وهي واضحة وجلية وحكم قد قرره الشيخ لا يصح أن تقول بعد ذلك، ما الحكم في كذا، والشيخ قد قرره.
الأمر الرابع: لابد أن يكون سؤالك سؤالا صحيحا، فبعض الناس يسأل سؤال مركب بصياغة غير صحيحة.
الأمر الخامس: أن يكون سؤالك سؤالا واقعيا.
والأمر السادس: أن لا يكون من التعنت، تريد أن تختبر الشيخ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات في العلم.
والأمر السابع: أن لا يكون سؤالك على جهة إبطال قول الشيخ، قد تستفهم لكن لا تحاول الإبطال، إبطال قول الشيخ، فإن هذا سوء أدب، وقد يكون سوء فهم منك، وبالتالي لا يكون كلامك صحيحا، قد تعترض وتقول: كيف الجمع بين كذا وكذا، هذا لا بأس فيه، لكن أن تقول: كلامك فيه ما فيه لأن الله يقول: كذا، هذا سوء أدب، وليس من حسن السؤال في شيء.
قال المؤلف: (التزم أدب المباحثة من حسن السؤال) وكذلك التزم الاستماع، والتزم صحة الفهم للجواب، مرات يأخذ بعض الناس جزءا من الجملة، ولا يلتفت إلى بقيتها فيفهم فهما خاطئا، وهذا يحصل خصوصا من عوام الناس يمسك ربع جملة ثم يبدأ ينسب على الشيخ ما لم يقله، ولذلك لا يجوز أن ينسب إلى عالم أي مقالة، إلا إذا كان الإنسان قد سمع المقالة كاملة، مرّات يأتي العالم ويتكلم بنقل كلام باطل، ثم يجيب عنه ويرد عليه، فيأتيك بعض الناس ما سمع إلا المقالة الباطلة، فيقول الشيخ الفلاني يقول كذا، فيكون قد كذب عليه، لأن الشيخ نقل هذه الجملة ليردّ عليها ويبطلها.
وبعض الناس يجئ بشريط وينقل هذه الجملة، الجزء، ويقول اسمعوا الشيخ يقول كذا، وبالتالي يكون قد كذب عليه وصدّ الناس عن سبيل الله، لأن إبعاد الناس عن علماء الشريعة والكلام في أعراضهم، وتشويه سمعتهم وإنزال مكانتهم يؤدّي إلى جعل الناس ينصرفون عن العلم الذي يحملونه.
كذلك من سوء الأدب معارضة الأقوال بعضها ببعض.
قال المؤاف: (هذا وهن في الأدب) تكلّم قال لك: طيب الشيخ االفلاني يقول كذا، هذا اجتهاده وهذا اجتهادي، ما يصح لك أن تضرب قولي بقوله.
(قال ابن القيم: سل تفقها) يعني من أجل تحصيل الفقه.
(لا تعنتا) من أجل إنزال المشقة على العالم.
ثم ذكر للعلم ست مراتب: حسن السؤال، وحسن الإنصات، وحسن الفهم، ثم الحفظ والتعليم ثم العمل.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
40- الْمُناظَرَةُ بلا مُمَارَاةٍ :
إيَّاكَ والْمُمَارَاةَ ؛ فإنها نِقْمَةٌ ، أمَّا المناظَرَةُ في الْحَقِّ ؛ فإنها نِعْمَةٌ إذ الْمُناظَرَةُ الْحَقَّةُ فيها إظهارُ الحقِّ على الباطلِ ، والراجِحِ على المرجوحِ ، فهي مَبْنِيَّةٌ على الْمُناصَحَةِ والْحِلْمِ، ونَشْرِ العلْمِ ، أمَّا الْمُماراةُ في المحاوَرَاتِ والمناظَرَاتِ ؛ فإنها تَحَجُّجٌ ورِياءٌ ، ولَغَطٌ وكِبرياءُ ومُغالَبَةٌ ومِراءٌ ، واختيالٌ وشَحْنَاءُ، ومُجاراةٌ للسفهاءِ ، فاحْذَرْها واحْذَرْ فاعِلَها ؛ تَسْلَمْ من المآثِمِ وهَتْكِ الْمَحارِمِ ، وأَعْرِضْ تَسْلَمْ وتَكْبُت الْمَأْثَمَ والْمَغْرَمَ .
الشيخ:
المماراة هي المناقشات العقيمة، والمناقشات التي تكونه لإظهار النفس، لا لتعرف الحق.
قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا ضمين ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا" أما المناظرة والمناقشة والمجادلة، هذه مطلوبة لأن الإنسان يقصد بها الوصول على الحق، ولأن الكلام فيها يُبنى على دليل صحيح، ولأن المرء في المناظرة والمناقشة إذا وصل إلى الدليل سمع وله آذان، أما في المماراة فهو يريد إبطال دليل خصمه ولو كان دليلا صحيحا في نظره.
وقد قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وقال سبحانه: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا"
ومن هنا فإن المناقشة محمودة وهي نوع من أنواع النصح، ونوع من أنواع التعلم، وقد ذكر الله في كتابه عددا من المناقشات والمناظرات بين الأنبياء وأقوامهم، انظر لمناقشة موسى عليه السلام لفرعون، ومناقشة إبراهيم عليه السلام لقومه، وبعض مناقشات النبي صلى الله عليه وسلم لبعض من في زمانه، "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم"، "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" آل عمران 66[أرجو التأكد من الآية الواردة في الشرح الصوتي].
وبالتالي فإن المراء مذموم لأنه يؤدي، المقصود فيه الغلبة، وليس المقصود الحق، وبالتالي تجده يرفع الصوت ليغلب من أمامه، وتجده يموّه في الكلام ليغلب من أمامه، وتجده يحاول أن يوجد تناقضات في كلام مقابله ولو لم تكن صحيحة من أجل أن يغلبه ويتمكّن منه، وبالتالي فالمراء مؤثّر على صحة النيّة، غير موصل إلى حق.
من هنا فإنه يُنهى عنه، لأنه سبب من أسباب الإثم، فإذا وجدت هذه المناقشات تحوّلت إلى مراء، مناقشات عقيمة والمقصود الغلبة والانتصار، حينئذ أعرض عنها، وأوْصل الحق فقط، ولا تُجادل ولا تُناقش، إذا كان المقصود كذلك.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
41- مُذاكَرَةُ العِلْمِ :
تَمَتَّعْ مع البُصَرَاءِ بالْمُذاكَرَةِ والْمُطارَحَةِ ؛ فإنها في مَواطِنَ تَفوقُ الْمُطالَعَةَ وتَشْحَذُ الذهْنَ وتُقَوِّي الذاكرةَ ؛ مُلْتَزِمًا الإنصافَ والملاطَفَةَ مُبْتَعِدًا عن الْحَيْفِ والشَّغَبِ والمجازَفَةِ .
وكُنْ على حَذَرٍ ؛ فإنها تَكْشِفُ عُوارَ مَن لا يَصْدُقُ
فإن كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ، وأمَّا مُذاكرَتُك مع نفسِك في تقليبِك لمسائِلِ العلْمِ ؛ فهذا مالا يَسوغُ أن تَنْفَكَّ عنه .
وقدقيلَ : إحياءُ العِلْمِ مُذاكرَتُه .
الشيخ:
هذا هو الأدب الحادي والأربعون من آداب طالب العلم: مذاكرة العلم؛ يعني مراجعته والمناقشة فيه، الباب الفلاني ماذا يشتمل عليه من المسائل؟
يشتمل على المسألة الأولى كذا، والمسألة الثانية كذا، والمسالة الثالثة كذا.
الباب الفلاني من أبواب العلم ما هي الأحاديث التي تكون فيه؟
أورد حديثا، ثم أنت تورد حديثا.
باب الاعتكاف ماذا وجد فيه من الآيات القرآنية والأحاديث؟
أورد الآيات ثم نورد الأحاديث، واحدا واحدا، أنت تورد حديثا، وأنا أورد حديثا آخر، هذا يُسمّى مذاكرة العلم.
ومذاكرة العلم من أكبر الوسائل المؤدّية على حفظ العلم، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمّة يتذاكرون العلم، إذا جلسوا بدأوا يتذاكرون، وكل يوم يتذاكرون في باب أو نحوه، وبالتالي يحفظون العلم.
قال المؤلف: وهذا شاهده ودليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في رمضان يأتيه جبريل فيقرأ عليه القرآن في كل عام مرة، هذا من مذاكرة العلم، وكان الصحابة يُذاكرون العلم، أبوهريرة كان في الليل يُراجع الأحاديث التي حفظها لتبقى في ذهنه، وهكذا الأئمة لا زالوا على طلب العلم بواسطة المُذاكرة.
والمذاكرة فوق المُطالعة، إذا جيت كتاب وقرأت فيه باب الاعتكاف في كتب الحديث، هذه مطالعة، فإذا جلست مع طالب علم وبدأت تذاكر، ماذا ورد في الباب الفلاني في باب الاعتكاف من الأحاديث هذا أقوى في رسوخ المعلومة من الأول، وفي نفس الوقت تعوّد، أو تجعل الذهن متوقّدا حاضرا لهذا الباب، وتقوّي ذاكرة الإنسان، وتجعله منصتا لكلامه مع غيره، يعني مرة يُعطي معلومة، ومرة يأخذ المعلومة من غيره، وبالتالي يكون لطيفا بخلاف المناظرات فإنه قد يكون فيها ما يكون فيها من القوة، وما ينافي الملاطفة بخلاف المذاكرة.
لكن ينبغي أن تبتعد عن ذلك المتعالِم أو ذلك الكاذب، أو من ليس عنده أمانة علميّة، لأن قد يوهمك أن في هذا الباب الحديث الفلاني، ويوهمك أن هذه المسألة توجد في باب كذا، ويوهمك أن هذه المعلومة عند هؤلاء الفقهاء على هذا النحو، ولا يكون الأمر كذلك.
أما مراجعة الإنسان لمسائل العلم في نفسه فهذا عظيم الفائدة كبير الثمرة.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
42- طالبُ العلْمِ يَعيشُ بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها :
فهماله كالْجَناحينِ للطائرِ ، فاحْذَرْ أن تكونَ مَهيضَ الْجَناحِ .
الشيخ:
الأصل في العلم الشرعي هو الكتاب والسنة، وحينئذ لابد أن يكون هما الذي يعوّل عليه طالب العلم في علمه، ومن ثمّ فقراءة أقوال العلماء والبحث في كتب الفقه، إنما هي وسائل يستعين بها الإنسان على ضبط العلم وعلى القدرة على مراجعة النصوص الشرعية كتابا وسنة، وهذه وسائل، وإلا فالأصل هو الكتاب والسنة، ولذلك طالب العلم تجده يعيش بين هذين الأصلين:
أولا: يراجع حفظه للقرآن، ويتأمل في فهم القرآن.
وثانيا: يسرد كتب السنة ويحاول ضبط ما يستطيع ضبطه منها.
والله جل وعلا قد أمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة، "واذكرن ما يُتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة" آيات الله يعني القرآن، والحكمة يعني السنة.
"قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" يعني الكتاب والسنة.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
43- استكمالُ أدواتِ كلِّ فَنٍّ :
لن تكونَ طالبَ عِلْمٍ مُتْقِنًا مُتَفَنِّنًا – حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِياطِ – ما لم تَستكمِلْ أدواتِ ذلك الفَنِّ ، ففي الفِقْهِ بينَ الفقْهِ وأصولِه ، وفي الحديثِ بينَ عِلْمَي الروايةِ والدِّرايةِ .... وهكذا ، وإلا فلا تَتَعَنَّ .
قال َاللهُ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } فيُستفادُ منها أنَّ الطالِبَ لا يَتْرُكُ عِلْمًا حتى يُتْقِنَهُ .
الشيخ:
هذا الأدب اشتمل على أمرين:
الأمر الأول: معرفة أدوات العلم قبل الدخول فيه، لو جاءنا إنسان وبدأ يدرس النحو، وأصبح أخذ المرفوعات والمنصوبات، لكنه أصلا لا يعلم ولا يعرف أن النحو يتعلّق بأواخر الكلمات، ليس لديه فهم المصطلحات لهذا العلم، ولا يعرف المنشأ الذي نشأ منه هذا العلم، فلن يتقن هذا العلم، وهكذا في بقيّة الفنون، عندما يريد الإنسان فهم الكتاب والسنة، واستخراج الأحكام منها، إذا لم يعرف القواعد الأصولية لن يتمكن من هذا، وحينئذ إذا أراد أن يحكم على الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، لابد أن يعرف قواعد المصطلح ويكون عنده قدرة على معرفة أحوال الرواة، فإذا لم يكن محيطا بالوسيلة لن يتمكن من الوصول على الغاية، وبالتالي لابد من معرفة الأدوات قبل الولوج في تعلّم العلم.
الأمر الثاني: مما ذكره المؤلف هنا؛ ألا يترك العلم حتى يتقنه، إذا ابتدأ الطالب بعلم ثم ملّ وانتقل إلى غيره، وأهمل العلم الأوّل فحينئذ قد أضاع وقته، من أخذ كتابا وقرأ ربعه أو نصفه ثم انتقل إلى غيره، ما يتمكّن أن يقول: قرأت الكتاب، ولا يتمكّن أن يقول: هذه المعلومة ليست في الكتاب، لأنه لم يحط بالكتاب.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
الفصلُ السادسُ
التَحَلِّي بالعَمَلِ
44- من عَلاماتِ العِلْمِ النافِعِ :
تَسَاءَلْ مع نفْسِك عن حَظِّكَ من عَلاماتِ العِلْمِ النافعِ ، وهي :
العَمَلُ به .
كراهيةُ التزكيةِ والمدْحِ والتكبُّرِ على الْخَلْقِ .
تكاثُرُ تَواضُعِكَ كُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا .
الهرَبُ من حُبِّ الترَؤُّسِ والشُّهرةِ والدنيا .
هَجْرُ دَعْوَى العِلْمِ .
إساءةُ الظنِّ بالنفْسِ ، وإحسانُه بالناسِ ؛ تَنَزُّهًا عن الوُقوعِ بهم .
وقد كان عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ إذا ذَكَرَ أَخلاقَ مَن سَلَفَ يُنشِدُ :
لا تَـعْـرِضَـنَّ بـذِكْـرِنــا مــــع ذِكْــرِهــمْ ليس الصحيحُ إذا مَشَى كالْمُقْعَدِ
45- زكاةُ العِلْمِ :
أَدِّ ( زَكاةَالعِلْمِ ) : صادعًا بالحَقِّ ، أمَّارًا بالمعروفِ ، نَهَّاءً عن الْمُنْكَرِ ،مُوازِنًا بينَ الْمَصالِحِ والْمَضَارِّ ، ناشرًا للعِلْمِ ، وحبِّ النفْعِ وبَذْلِ الجاهِ ، والشفاعةِ الحسَنَةِ للمسلمينَ في نوائِبِ الحقِّ والمعروفِ .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :
((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَوْعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ))، رواه مسلِمٌ وغيرُه .
قالَ بعضُ أهلِ العلْمِ : هذه الثلاثُ لا تَجتمِعُ إلا للعالِمِ الباذِلِ لعِلْمِه فبَذْلُه صَدَقَةٌ ، يُنْتَفَعُ بها ، والْمُتَلَقِّي لها ابنٌ للعالِمِ في تَعَلُّمِه عليه، فاحْرِصْ على هذه الْحِلْيَةِ ؛ فهي رأسُ ثَمرةِ عِلْمِكَ .
ولشَرَفِ العِلْمِ ؛ فإنه يَزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ ، ويَنْقُصُ مع الإشفاقِ، وآفَتُه الكِتْمَانُ .
ولاتَحْمِلْكَ دَعْوَى فَسادِ الزمانِ ، وغَلَبَةِ الفُسَّاقِ ، وضَعْفِ إفادةِ النصيحةِ عن واجبِ الأداءِ والبَلاغِ ، فإن فَعَلْتَ ، فهي فِعْلَةٌ يَسوقُ عليها الفُسَّاقُ الذهَبَ الأحْمَرَ لِيَتِمَّ لهم الخروجُ على الفضيلةِ ورَفْعُ لواءِالرَّذيلةِ .
الشيخ:
الأدب الرابع والأربعون من آداب طالب العلم: العمل بالعلم، ويترتب على هذا أن تكون عارفا لمقدار نفسك، فإنه كلما ازداد الإنسان من العلم كلما احتقر نفسه وتواضع لغيره، وكلما نقص علم الإنسان ظنّ أنه قد حصّل العلم، فتكبّر فيه، ولذلك يحرص طالب العلم على العمل بما علمه.
الأدب الخامس والأربعون: الحرص على الدعوة ونشر العلم وبثّه في الأمّة، سواء إذا وجدت شخصا تاركا لما تعلمه من الخير والصدق أو في واسطة مجالس العلم، أو بالتأليف أو نحو ذلك.
وهكذا أيضا الحرص على نفع الآخرين بالشفاعة الحسنة لهم، والعلم يزيد بالتفقه منه، كلما دعوت إليه وعلّمت الناس بقي العلم في نفسك، وأعطاك الله علما لم تكن عالما به، وبارك الله بعلمك، وكلما تكاسل الإنسان في نشر العلم فإنه سينساه عن قرب، ولن يُبارك له بعلمه، بعض الناس يقول: الناس قد فسدوا، وتجاهلوا العلم.
فنقول: هذه تجعلك تحرص على كثرة التعلم، وتبذل الأسباب، فإذا فسد الناس وكثر الجهل فيهم، فلابد أن يقوم العلماء وطلبة العلم بالتعليم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام لا يعلّمون جيرانهم، وما بال أقوام لا يتعلّمون من جيرانهم"
والفسّاق يريدون من العلماء أن يسكتوا ولا ينشروا علما ولا يوجّهوا الناس وينصحوهم ليتمكّنوا من مرادهم في فسقهم، لكن ينبغي ألا نحقق مطلوبهم، وأن نحتسب للأجر في بث العلم.
يتبع..