رسالة تفسيرية في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} بالأسلوب الوعظي.
بسم الله الرحمن الرحيم, المتفضل على عباده بحلمه ورحمته, فكانت أعظم رحماته هداية عباده لطريق الحق, بإرسال أعظم الخلق, لتبيين الصواب, وإرشاد العباد, ثم الرحمة الخاصة لمن وفق منهم بالهداية والإسلام, وبعد:
فإننا ننطلق من قوله تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} لمعرفة أهم صفات الداعية, فبامتنان الله على عباده بصفات نبيه في هذه الآيات, دلالة على أهميتها وأهمية وجودها في الداعية كي يتقبله الناس, وتلين له قلوبهم, فالدعوة أخي الفاضل ليست وظيفة جامدة لا يدخل فيها أخلاق الداعية والجانب الإنساني والوجداني منه, بل هي عملية متكاملة تبدأ بشخصيته وتنتهي بأسلوبه, وقد تأكدت هذه الصفات في التوراة من قبل, وذلك في الأثر الذي رواه الطبري عن قتادة في وصف التوراة لرسول الله بأنه: "ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخوبٍ في الأسواق، ولا يجزي بالسّيّئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح", وفي وصفه عليه الصلاة والسلام بهذه الصفات خاصة دلالة على جوهريتها وتميز الرسول بها, حتى كأنه يشار إليه بالبنان حين ذكر هذه الأوصاف, فتعال معي لنستخرج من رحم هذه الآيات المعاني العظام, والأخلاق الهامة, التي يجب أن توجد في المسلم بشكل عام, والداعية بشكل خاص.
1/ اللين "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك" :
انظر أولا كيف نكر الله مفردة "رحمة" وذلك للتعظيم والتفخيم, فنعمة لينك لهم يا محمد لهي رحمة عظيمة! وقد تأكدت هذه الصفة في آية أخرى, وذلك في وصفه تعالى لنبيه في سورة التوبة:"بالمؤمنين رؤوف رحيم (128)", وفي هذا دلالة على عظمة نعمة من رزق بصاحب لين, أو زوج لين, أو معلم لين, فاللين صفة منسوبة بشكل كبير وظاهر إلى رحمة الله وفضله, واللين كما قال قتادة: لين الجانب، وحَسُن الخلق، وكثر الاحتمال. ومن كمال الفهم أن تعلم أنك بذلك إن حاولت اكتساب هذه الصفة فإنك بذلك تكون قد رزقت رحمة عظيمة من الله بتمثلك لهذا الخلق العظيم, وهذا ما قد تحتمله الآية, فقد تكون الرحمة منسوبة للنبي بأن من رحمة الله له أن رزقه هذا الخلق, وقد تكون منسوبة لمن حوله ممن ناله هذا الخلق عبر تعاملاته, وفي كلا الحالتين, فالمعنى صحيح, فرحمة المولى عز وجل تنال الرافق بطاعته لله واللين مع عباده, وتنال المرفوق به بحسن خلق من لان معه وكان رفيقا بحاله.
وتأمل كيف وصف الله من كان فظا (والفظاظة كما ذكر ابن عطية: الجفوة في المعاشرة قولا وفعلا, ومنه قول الشاعر:
أخشى فظاظة عمّ أو جفاء أخ = وكنت أخشى عليها من أذى الكلم) غليظ القلب (وغلظ القلب كما ذكر ابن عطية: عبارة عن تجهم الوجه وقلة الانفعال في الرغائب وقلة الإشفاق والرحمة, ومن ذلك قول الشاعر:
يبكى علينا ولا نبكي على أحد = لنحن أغلظ أكبادا من الإبل) بانفضاض الناس من حوله (والانفضاض كما ذكر ابن عطية: افتراق الجموع ومنه فض الخاتم), ليبين لك أن الناس جبلوا على حب من يرأف بحالهم, ويظهر الرحمة والعطف لهم, وأن قوة الحق لا تكفي ليراها الناس, بل تحتاج معها حسن خلق صاحبها, ومما نرى من حال بعض الدعاة اليوم ممن يسيء خلقه ويظن أن ما بينه وبين الناس هو نشر الحق, وفصل مقوله عن شخصه, لهو ادعاء باطل لا يمكن للنفس البشرية تفهمه, فالنفس جبلت على الربط بين أقوال المرء وأفعاله, فكما يقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله .. عار عليك إذا فعلت عظيم
والداعية حينما يدعو للإسلام ويصفه بأحسن الأوصاف وينسب له الرحمة واللين والعطف, ثم يعاكس ذلك بتصرفاته, هو في الحقيقة ينقل صورة خاطئة شاء أم أبى عن دينه, وكلنا يعرف حجم تأثر المرء بما يرى أكثر مما يسمع, ولنا في تأثر الصحابة في حادثة حلق رسول الله لرأسه حين أشارت عليه أم سلمة بذلك في صلح الحديبية بعد عدم مبادرة الصحابة لفعل ما أمر به من الحلق مثال, إذ قام الصحابة بحلقها بعد فعله مباشرة عليه الصلاة والسلام (مجمع الزوائد للهيثمي/15005), فالمرء بطبيعته يتأثر بما يرى, بل والصبي كذلك يفعل ما يرى عليه والديه, لا ما يقولانه.
ولنا في السنة على أهمية اللين والرفق شواهد كثيرة:
-قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه...الحديث ) ( صحيح الجامع 5654).
-ولما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، أوجزها له في صفات ذكر منها : ( لين الكلام وبذل الطعام ... ) ( مسند أحمد ) .
-وإذا كان قصدنا الفوز برضا الله عز وجل ، والنجاة من النار ، فإن المسلم لينال باللين ما لا يناله بالغلظة والشدة ، كما في الحديث : ( حُرِّم على النار : كل هيّن ليّن سهل ، قريب من الناس ) صححه الألباني : صحيح الجامع 3135).
-ويمكن أن يكون تكلف السلوكيات اللينة مدخلا إلى اكتساب اللين القلبي ، فقد شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له : ( إن أردت أن يلين قلبك ، فأطعم المسكين ، وامسح رأس اليتيم ) حسنه الألباني : صحيح الجامع 1410) .
2/ العفو" فاعف عنهم":
والعفو: التجاوز عن الهفوات, كما عرفه ابن الجوزي, وبرغم ما للعفو من قيمة مطلقة, ومن كونه صفة يجب على الجميع تمثلها, إلا أنه يتجلى في الداعية دون غيره بشكل أوضح, وحاجته له أكبر من غيره لما يتعرض له من سوء تعامل, وتقليل أدب, وعدم احترام من يدعوه, إذ طبيعة الحال تفرض عليه تعرضه لذلك, ولو ترك الداعية خلق العفو, هذا الخلق العظيم, لأصبح بذلك معاديا لنصف المجتمع أو جله, إذ كل من عاداه بكلمة أو فعل هو في خانة المغضوب عليهم, غير المستحقين لعفوه وصفحه, وبذلك يخسر البذرة الأولى لمحاولة كسبهم, وذلك عبر تقبل خطئهم, والعفو عن زلاتهم, وإحسان الظن بهم, وذلك كله مهم في سبيل إيصال دعوته, وشعور المدعوين بصدقه, وحسن نيته, وطيبة قلبه, فلهذا كله الأثر الواضح في التأثير وانتشار الدعوة.
والعفو صفة جليلة ورد ذكرها والحث عليها في أكثر من موضع في القرآن والسنة:
-قوله تعالى :"والعافين عن الناس(134)" آل عمران.
-قوله تعالى :"خذ العفو (199)" الأعراف. وقد كان هذا في معرض تأديب الله لرسوله, فتكرار الحض على العفو من الله لرسوله في أكثر من موضع, دليل على أهمية تخلق الداعية به, وارتباطه الوثيق به لنجاح دعوته.
-قوله تعالى :"فاعف عنهم واصفح (13)" المائدة.
-قوله تعالى :"فاصفح الصفح الجميل (85)" الحجر.
-عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: « يَا عُقْبَة بْنَ عَامِرٍ؛ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ » (مسند الإمام أحمد).
3/ طلب المغفرة لهم "واستغفر لهم":
وطلب المغفرة هنا خلق أسمى يأتي بعد العفو, وهو خلق صعب, وقد تمثله سيدنا يوسف عليه السلام حين غفر لإخوانه تقصيرهم في حقه, وخطأهم في جانبه, فقال :"لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم(92)"(يوسف), فانتقل من مرحلة العفو والصفح إلى مرحلة طلب المغفرة لهم, وسيرة نبينا الحبيب مليئة بالشواهد, فقد كان دوما ما يلاقي إساءة قومه بالدعاء لهم بالهداية, وقد دعا لقوم دوس بالهداية "اللهم اهد دوسا وائت بهم"(مسند أحمد/7315), وذلك بعدما آذوه, وعتوا عن قبول دعوته, كما استغفر لرؤوس النفاق الذين ناكفوه العداء وعملوا على تخريب دعوته (البخاري/4670), فكان حبه وخوفه على أمته مقدما على مشاعره وما يصيبه من ألم وخيبات, وهذه مرحلة عظيمة لا يلقاها والله إلا ذو حظ عظيم, جعلنا لله وإياكم من أهلها.
4/ المشورة "وشاورهم في الأمر":
وقبل أن ندلف لهذه الصفة الحميدة, وجب أن نتناول سؤالا مهما ناقشه العلماء والأئمة في المراد بطلب الشورى هنا من رسول الله, وهل يطلب الشورى من كان يوحى إليه من عند الله؟
-فقال قوم: أن طلب الشورى هنا تطييبا لخواطر من حوله, وتأليفا لقلوبهم, وأنه لا حاجة له في مشورتهم. رواه الطبري عن قتادة والربيع وابن إسحاق.
-وقال آخرون: بل كان الأمر بالشورى هنا لفضلها, وليتبين له الصواب بالتشاور وطلب الآراء, لاسيما وأنه في أمر من أمور الدنيا. رواه الطبري عن الضحاك والحسن.
-وقال آخرون: بل كان أمره ليستن به من بعده, ويقتدي بهديه في الشورى أمته. رواه الطبري عن سفيان بن عيينة.
والصواب والعلم عند الله صحة ما قالوا عامة, فالشورى مأمور بها لما لها من فضل, ولحاجة الناس لها, "وأمرهم شورى بينهم(38)" الشورى, وسميت سورة في القرآن باسم الشورى لما لها من مكانة, بل ونقل ابن كثير اختلاف العلماء في الأمر بالشورى هنا على أنه للندب أو الوجوب, مما يدل على أهميتها وعظم شأنها, ورسول الله ما هو إلا بشر مثلنا, كما أكد ذلك الوحي مرارا وتكرارا, وحاجته للشورى في أمور الدنيا كغيره, كما يؤكد ذلك أحاديث أخرى, كقوله عليه الصلاة والسلام :"أنتم أعلم بأمور دنياكم" (صحيح مسلم/2363), ونحوه من الأحاديث التي تؤكد بشريته, وحاجته للرأي والمشورة, كما حدث في الخندق كذلك حين أخذ برأي سلمان الفارسي في حفر الخندق, وغيره الكثير, وفي أمره بالشورى كذلك سنة لمن بعده ليهتدوا بهديه, وقد حدث هذا بتشاور الصحابة رضوان الله عليهم على من يستحق الخلافة بعد رسول الله, وقد كان في سن هذه السنة الأثر الواضح والمهم في تاريخ الأمة الإسلامية, ولنا فيمن استبد برأيه خير دليل على أهمية الشورى, وذلك في فرعون الذي قال: "ما أريكم إلا ما أرى(29)"غافر.
وقد اعتبر ابن عطية أن الشورى هي إحدى أعظم المنازل التي يصل إليها الداعية مع قومه, فالمرحلة الأولى العفو عن أخطائهم, يليها طلب المغفرة من الله لهم, لتنتهي بطلب مشورتهم, فيكون بذلك استمال قلوبهم, وأسر أرواحهم بحسن معاملته واحترامه لهم, حتى يكونوا بعد ذلك أهلا لقبول مشورتهم, والأخذ بآرائهم.
*فوائد الشورى:
ذكر ابن الجوزي في فوائد الشورى عدة فوائد, فقال: "ومن فوائد المشاورة أن المشاور إذا لم ينجح أمره، علم أن امتناع النجاح محض قدر، فلم يلم نفسه، ومنها أنه قد يعزم على أمر، فيبين له الصواب في قول غيره، فيعلم عجز نفسه عن الإحاطة بفنون المصالح. قال علي عليه السلام: الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم. وقال بعض الحكماء: ما استُنْبِطَ الصواب بمثل المشاورة، ولا حُصِّنتِ النعم بمثل المواساة، ولا اكتسب البغضاء بمثل الكبر".
*أمثلة لمواطن شاور فيها رسول الله أصحابه:
-مشاورتهم يوم بدرٍ في الذّهاب إلى العير, ومشاورتهم -أيضًا-أين يكون المنزل؟ حتّى أشار المنذر بن عمرو المعتق ليموت، بالتّقدّم إلى أمام القوم، ومشاورتهم في أحدٍ في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدوّ، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم، فخرج إليهم (مسند أحمد/18827).
-مشاورتهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذٍ، فأبى عليه ذلك السعدان: سعد بن معاذٍ وسعد بن عبادة، فترك ذلك (معرفة السنن والآثار/18674).
-مشاورتهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نجيء لقتال أحدٍ، وإنّما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال (مسند أحمد/18928).
-مشاورتهم في قصّة الإفك: "أشيروا عليّ معشر المسلمين في قومٍ أبنوا أهلي ورموهم، وايم الله ما علمت على أهلي من سوءٍ، وأبنوهم بمن -والله-ما علمت عليه إلّا خيرًا"(صحيح مسلم/2770).
5/ العزيمة والتوكل على الله "فإذا عزمت فتوكل على الله":
وهذه ينبغي لا سيما للقائد وبعد أن يتشاور أن يتسم بها, فيقرر ويعزم ولا يتردد, ولا قرار لمن يتردد ويخشى البت في المسائل, فهنا تظهر روح القيادة, وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ما كان لنبي أن يلبس لَأَمَتَه ثمَّ يضعها حتى يقاتل" (سنن النسائي/7600), وقد كان عليه الصلاة والسلام دائما ما يدعو في صلاته: "اللهم إني أسألك الثبات على الأمر, والعزيمة على الرشد" (سنن النسائي/1304).
ويقول المتنبي:
إذا كنتَ ذا رأيْ فكُنْ ذا عَزِيمَةٍ ... فإنَّ فَسادَ الرَّأْيِ أنْ تَتَردَّدا
وممّا ينسب إلى عليّ كرّم الله وجهه :
وإن كنتَ ذَا عزمٍ فانْفِذْه عاجلاً ... فإنَّ فسادَ العزم أن يتقيَّدا
فالعزيمة هي المحك الحقيقي للقائد بعد الاستشارة, والاستشارة لا تقلل من مكانة المستشير, بل تزيد من مسؤوليته, وتجعل القرار بعد ذلك في يده, وهنا عزيزي الفاضل يتضح لك الفرق بين ما يدعى في عصرنا اليوم بـ"الديموقراطية", والتي هي تقريبا تميل إلى جعل القرار بيد الجميع, مهما اختلفت عقولهم وإمكانياتهم, وبين الشورى التي تركز على النخبة, وتجعل القرار في نهاية الأمر بيد المسؤول, وبهذا نجمع ما بين الاستفادة من عقل الجماعة بعدم استبداد المسؤول برأيه, وعدم الإفراط بجعل القرار بيد من لا يملك القدرة على حسن اتخاذه, ونجد أن المولى عز وجل ربط العزيمة بالتوكل, لئلا يتكل امرؤ على رأيه مهما بدا عظيما, ولا على رأي مستشاريه وإن كثروا, فلا مجال للتوفيق بلا معونة الله سبحانه, والتوكل على الله كما ذكر ابن عطية من فروض الإيمان وفصوله، ولكنه مقترن بالجد في الطاعة والتشمير والحزامة بغاية الجهد: وليس الإلقاء باليد وما أشبهه بتوكل، وإنما هو كما قال عليه السلام: "قيدها وتوكل" (المستدرك على الصحيحين/6616), ولو لم ينل المتوكل على الله إلا الدخول في محبته لكفاه, رزقنا الله حسن التوكل عليه, والعزيمة على إمضاء ما دعا إليه.
أخيرا: وبعدما اتضحت لك الصفات التي أمر الله بها رسوله, والتي نشهد الله أنه اتصف بها, والتي يجب أن تكون صفات كل الدعاة والقادة من بعده, يتبين لك أولا كيف أن هذا القرآن عزيز بليغ, فقد اختزلت صفات النجاح في الدعوة في هذه الآية, وتبين لك من خلالها أهم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها, واتضح لك دقائقها وأدلتها وشواهدها, كما تبين لك كيف غمرنا الله برحمته, إذ سبحانه ومن كمال عدله وكرمه امتن علينا بتبيين الحق, وذلك بإرسال الرسل, بل وطبعهم على أحسن الصفات وأكرمها, لئلا يدع لنا مجالا للشك, وليكونوا رسل أخلاق كما هم رسل عقائد, فالدين يا حفظك الله ليس مجرد شعارات, بل هوأخلاق تتصف بها, وبها تكون سفيرا لدينك ومعتقداتك..
اللهم ارحمنا باللين, واعف عنا واغفر لنا, وارزقنا حسن التوكل عليك, إنك ولي ذلك والقادر عليه, وصلِّ اللهم وبارك على من أوتي مكارم الأخلاق, نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين..
*المراجع:
-مسند أحمد (241هـ).
-صحيح مسلم(261هـ).
-سنن النسائي(303هـ).
-جامع البيان للطبري(310هـ).
-المستدرك على الصحيحين للحاكم (405هـ).
-المحرر الوجيز لابن عطية (ت546هـ).
-معرفة السنن والآثار للبيهقي (458هـ).
-زاد المسير لابن الجوزي (ت597هـ).
-تفسير ابن كثير(774هـ).
-مجمع الزوائد للهيثمي (807هـ).
-كتاب هذه أخلاقنا لمحمود الخزندار(1979م).
-صحيح الجامع للألباني (1420هـ).