قال تعالى:وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ
قرأ زيد بن ثابت: التابوه
والناس على القراءة بالتاء وهي لغة قريش.
وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: لماذا أرسل الله تعالى التابوت آية؟
- نقل ابن عطية عن الطبري: إلى أن بني إسرائيل تعنتوا وقالوا لنبيهم: وما آية ملك طالوت؟ وذلك على جهة سؤال الدلالة على صدقه في قوله إن الله قد بعث.
والآية تشهد لهذا القول، فإنه مع تعنت بنو اسرائيل محاجتهم لنبيهم طلبوا دليلا على ملكه ، ولهذا قال تعالى: ( إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين) وانتصر لقول الطبري ابن كثير، وقد حكى الطبري معناه عن ابن عباس والسدي وابن زيد.
-ويحتمل أن نبيهم قال لهم ذلك على جهة التغبيط والتنبيه على هذه النعمة التي قرنها الله بملك طالوت وجعلها آية له دون أن تعن بنو إسرائيل لتكذيب نبيهم، وقال ابن عطية: وهذا عندي أظهر من لفظ الآية.وإليه ذهب الزجاج ، فكأن معنى الآية أن الله تعالى يؤتي ملكه من يشاء ومن آية ملكه التابوت.
المسألة الثانية: ماهي مكانة التابوت عند بني اسرائيل؟ وإلى أين صار أمره؟
-قال وهب بن منبه:كان التابوت عند بني إسرائيل يغلبون به من قاتلهم حتى عصوا فغلبوا على التابوت، وصار التابوت عند القوم الذين غلبوا.
-وقال قتادة والربيع: بل كان هذا التابوت مما تركه موسى عند يوشع بن نون، فجعله يوشع في البرية، ومرت عليه الدهور حتى جاء وقت طالوت.
المسألة الثالثة: كيف صار حال القوم الذين أخذوا التابوت؟
قال وهب بن منبه:
- وضعوه في كنيسة لهم فيها أصنام، فكانت الأصنام تصبح منكسة.
- فجعلوه في قرية قوم فأصاب أولئك القوم أوجاع في أعناقهم.
- وقيل: جعل في مخراة قوم فكانوا يصيبهم الناسور.
المسألة الرابعة: كيف رجع التابوت إلى بني اسرائيل كآية على ملك طالوت؟
على قول أن قوماً غلبوا بني اسرائيل عليه:
-فلما عظم بلاؤهم كيف كان، قالوا: ما هذا إلا لهذا التابوت فلنرده إلى بلاد بني إسرائيل، فأخذوا عجلة فجعلوا التابوت عليها وربطوها ببقرتين فأرسلوهما في الأرض نحو بلاد بني إسرائيل، فبعث الله ملائكة تسوق البقرتين حتى دخلتا به على بني إسرائيل، وهم في أمر طالوت، فأيقنوا بالنصر. وهذا هو حمل الملائكة للتابوت في هذه الرواية.
على قول أن يوشع بن نون جعله في البرية:
-بعث الله ملائكة حملته إلى بني إسرائيل، فيروى أنهم رأوا التابوت في الهواء يأتي حتى نزل بينهم.
- وروي أن الملائكة جاءت به تحمله حتى جعلته في دار طالوت، فاستوسقت بنو إسرائيل على ملك طالوت وأجمعت على طاعته.
المسألة الخامسة: كم كان قدر التابوت؟
وقال وهب بن منبه: كان قدر التابوت نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين.
ورد ابن عطية هذه الآثار كلها، وقال:وكثر الرواة في قصص التابوت وصورة حمله بما لم أر لإثباته وجها للين إسناده.
فهذه كلها روايات اسرائيلية لا تعتمد ولم يثبت شيء من ذلك عن طريق السنة الصحيحة.
المسألة السابعة: ماهي السكينة؟ وما تعريفها؟
قال ابن عطية: السكينة من فعيلة، مأخوذة من السكون، وهي ماكانت النفس تسكن إلى وجوده.
أقوال أهل العلم في معنى السكينة:
-قال الزجاج: تسكنون فيه إذا آتاكم.
-قال علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-: السكينة ريح هفافة –سريعة المرور في هبوبها) لها وجه كوجه انسان وقاله: سفيان الثوري.
-وقال علي أيضاَ: أنها ريح خجوج-شديدة المرور في هبوبها- ولها رأسان. وقال مجاهد: لها جناحان وذنب، أو لها رأس كرأس الهرة. وقال وهب بن منبه: السكينة رأس هرة كانت إذا صرخت في التابوت بصراخ الهر أيقنوا بالنصر
-وقال مجاهد: أقبلت السكينة وهي والصرد وجبريل مع ابراهيم من الشام .
-وقال ابن عباس والسدي: طست من ذهب الجنة كان يُغسل فيه قلوب الأنبياء، أعطاها الله موسى-عليه السلام- فوضع فيها الألواح.
-وقال عطاء بن أبي رباح: السكينة ما يعرفون من الآيات فسكنون إليها.
-قال وهب بن منبه: السكينة روح من الله تتكلم إذا اختلفوا في شيء أخبرهم ببيان ما يريدون.
-قال قتادة: سكينة من ربكم ، وقار لكم من ربكم.
وهذا خلاصة ما نقله ابن عطية وابن كثير مما ورد من آثار في معنى السكينة من كتب أهل الكتاب، فهي تنبئ عن التناقض في أقوالهم واختلافهم في كتابهم، لا في تناقض علماء التفسير في النقل.
ولهذا قال ابن عطية: "والصحيح أن التابوت كانت فيه أشياء فاضلة من بقايا الأنبياء، فكانت النفوس تسكن إلى ذلك، وتأنس به وتقوى، فالمعهود أن الله ينصر الحق والأمور الفاضلة عنده".