تطبيقات الدرس الرابع
استخلص المسائل التفسيرية فقط من الأمثلة التالية:
التطبيق الأول:
تفسير قول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)} الحاقة
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): ({وَإِنَّهُ}؛ أي: القرآنَ الكريمَ، {لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} يَتذَكَّرُونَ به مَصالِحَ دِينِهم ودُنياهم، فيَعْرِفُونها ويَعْمَلُونَ عليها، يُذَكِّرُهم العقائدَ الدينيَّةَ والأخلاقَ الْمَرْضِيَّةَ، والأحكامَ الشرعيَّةَ فيَكُونونَ مِن العُلماءِ الرَّبَّانِيِّينَ والعُبَّادِ العارفِينَ والأئمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ.
{وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ} به، وهذا فيه تَهديدٌ ووَعِيدٌ للمُكَذِّبِينَ، فإِنَّه سيُعَاقِبُهم على تَكذيبِهم بالعُقوبةِ البَليغةِ.
{وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ}؛ فإنَّهم لَمَّا كَفَروا به ورَأَوْا ما وَعَدَهم به، تَحَسَّروا؛ إذ لم يَهْتَدُوا به ولم يَنقادُوا لأَمْرِه، ففَاتَهم الثوابُ وحَصَلُوا على أشَدِّ العذابِ، وتَقطَّعَتْ بهم الأسبابُ.
{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ}؛ أي: أعلَى مَراتِبِ العِلْمِ؛ فإنَّ أَعلى مَراتِبِ العلْمِ اليَقينُ، وهو العلْمُ الثابتُ، الذي لا يَتَزَلْزَلُ ولا يَزولُ.
واليَقِينُ مَراتِبُه ثلاثةٌ، كلُّ واحدةٍ أَعْلَى مِمَّا قَبْلَها:
أوَّلُها: عِلْمُ اليَقينِ، وهو العلْمُ الْمُستفادُ مِن الخَبَرِ، ثم عَيْنُ اليَقينِ، وهو العلْمُ المُدْرَكُ بحاسَّةِ البصَرِ، ثم حَقُّ اليَقِينِ، وهو العِلْمُ الْمُدْرَكُ بحاسَّةِ الذَّوْقِ والْمُباشَرَةِ.
وهذا القرآنُ الكريمُ بهذا الوَصْفِ، فإنَّ ما فيه مِن العلومِ الْمُؤَيَّدَةِ بالبراهينِ القَطعيَّةِ، وما فيه مِن الحقائقِ والمعارِفِ الإيمانيَّةِ يَحْصُلُ به -لِمَن ذَاقَه- حَقُّ اليَقينِ.
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}؛ أي: نَزِّهْهُ عمَّا لا يَلِيقُ بجَلالِه, وقَدِّسْهُ بذِكْرِ أوصافِ جَلالِه وجَمالِه وكَمالِه.
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) :48- {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} أيْ: إنَّ القرآنَ لتَذْكِرَةٌ لأَهْلِ التَّقْوَى؛ لأنهم الْمُنتفعونَ به.
49- {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين} أيْ: أنَّ بَعْضَكُم يُكَذِّبُ بالقُرآنِ فنحنُ نُجازِيهم على ذلك.
50-{وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} أيْ: وإنَّ القرآنَ لَحَسْرَةٌ ونَدامةٌ على الكافرينَ يومَ القِيامةِ.
51-{وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} لكَونِه مِن عندِ اللهِ، فلا يَحُومُ حولَه رِيبَةٌ ولا يَتطرَّقُ إليه شَكٌّ.
52-{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أيْ: نَزِّهْهُ عما لا يَليقُ به بالتسبيحِ، وهو الذكْرُ المعروفُ.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : {وإنّه لتذكرةٌ للمتّقين} يعني: القرآن كما قال: {قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاءٌ والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمًى} [فصّلت: 44].
ثمّ قال {وإنّا لنعلم أنّ منكم مكذّبين} أي: مع هذا البيان والوضوح، سيوجد منكم من يكذّب بالقرآن.
ثمّ قال: {وإنّه لحسرةٌ على الكافرين} قال ابن جريرٍ: وإنّ التّكذيب لحسرةٌ على الكافرين يوم القيامة وحكاه عن قتادة بمثله.
وروى ابن أبي حاتمٍ، من طريق السّدّيّ، عن أبي مالكٍ: {وإنّه لحسرةٌ على الكافرين} يقول: لندامةٌ. ويحتمل عود الضّمير على القرآن، أي: وإنّ القرآن والإيمان به لحسرةٌ في نفس الأمر على الكافرين، كما قال: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به} [الشّعراء: 200، 201]، وقال تعالى: {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} [سبأ: 54] ولهذا قال ها هنا: {وإنّه لحقّ اليقين} أي: الخبر الصّدق الحقّ الذي لا مرية فيه ولا شكّ ولا ريب.
ثمّ قال: {فسبّح باسم ربّك العظيم} أي: الّذي أنزل هذا القرآن العظيم).
التطبيق الثاني:
تفسير قول الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً (2)} الجن
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): أي: {قُلْ} يا أَيُّهَا الرسولُ للناسِ {أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} صَرَفَهم اللَّهُ إلى رَسولِه لسَمَاعِ آياتِه؛ لِتَقُومَ عليهم الْحُجَّةُ، وتَتِمَّ عليهم النعمةُ، ويَكونوا نُذُراً لقَوْمِهم.
وأَمَرَ اللَّهُ رسولَه أنْ يَقُصَّ نَبَأَهم على الناسِ؛ وذلكَ أنَّهم لَمَّا حَضَرُوه قالوا: أَنْصِتُوا. فلَمَّا أَنْصَتُوا فهِمُوا مَعانِيَهِ، ووَصَلَتْ حَقائِقُه إلى قُلوبِهم.
{فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً}؛ أي: مِن العَجائبِ الغاليةِ، والمطالِبِ العاليةِ.
{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}، والرُّشْدُ: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُرْشِدُ الناسَ إلى مَصَالِحِ دِينِهم ودُنياهُمْ، {فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} فجَمَعُوا بينَ الإيمانِ الذي يَدخُلُ فيه جميعُ أعمالِ الخيرِ، وبينَ التَّقْوَى الْمُتَضَمِّنَةِ لتَرْكِ الشرِّ، وجَعَلُوا السببَ الداعِيَ لهم إلى الإيمانِ وتَوابِعِه، ما عَلِمُوه مِن إرشاداتِ القرآنِ، وما اشْتَمَلَ عليه مِن المصالِحِ والفوائدِ واجتنابِ الْمَضَارِّ؛ فإنَّ ذلك آيةٌ عَظيمةٌ وحُجَّةٌ قاطعةٌ لِمَن اسْتَنَارَ به واهتَدَى بِهَدْيِهِ.
وهذا الإيمانُ النافعُ المُثمِرُ لكلِّ خيرٍ، الْمَبْنِيُّ على هدايةِ القرآنِ، بخِلافِ إيمانِ العوائدِ والْمُرَبِّي والإلْفِ ونحوِ ذلك؛ فإِنَّهُ إيمانُ تَقليدٍ تحتَ خَطَرِ الشُّبُهاتِ والعوارِضِ الكثيرةِ.
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : -{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} المعنى: قلْ يا مُحَمَّدُ لأُمَّتِكَ: أَوْحَى اللهُ إِلَيَّ على لسانِ جِبريلَ.
{أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} عددٌ منهم إلى قِراءتي للقرآنِ. والسورةُ التي كانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقرؤُها عندَما استَمَعُوا إليه هي سورةُ{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ولم يُرسِلِ اللهُ إليهم رُسُلاً منهم، بل الرسُلُ جميعاً مِن الإنسِ مِن بني آدَمَ.
{فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} أيْ: قالوا لقَوْمِهم لَمَّا رَجَعُوا إليهم: سَمِعْنا كلامًا مَقروءاً عَجَباً في فَصاحتِه وبَلاغتِه. وقِيلَ: عَجَباً في مَوَاعِظِه. وقيلَ: في بَرَكَتِه.
2-{يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} أيْ: إلى الحَقِّ والصوابِ ومَعْرِفَةِ اللهِ.
{فَآمَنَّا بِهِ} أيْ: صَدَّقْنَا به أنه مِن عندِ اللهِ.
{وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} مِن خَلْقِه، ولا نَتَّخِذَ معه إِلَهًا آخَرَ، آمَنَتِ الجنُّ بسماعِ القرآنِ مَرَّةً واحدةً، وأَدْرَكُوا بعقُولِهم أنه كلامُ اللهِ، ولم يَنتفعْ كُفَّارُ قُريشٍ، لا سيما رؤساؤُهم بسماعِه مَرَّاتٍ، مع كونِ الرسولِ منهم يَتلوهُ عليهم بلسانِهم، لا جَرَمَ صَرَعَهم اللهُ أذَلَّ مَصْرَعٍ, وقَتَلَهم أقْبَحَ مَقْتَلٍ. وفي الآيةِ أنَّأَعْظَمَ ما في دَعوةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَوحيدُاللهِ تعالى وخَلْعُ الشرْكِ وأهلِه.
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة الجنّ وهي مكّيّةٌ.
يقول تعالى آمرًا رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم أن يخبر قومه: أنّ الجنّ استمعوا القرآن فآمنوا به وصدّقوه وانقادوا له، فقال تعالى: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ فقالوا إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد} أي: إلى السّداد والنّجاح، {فآمنّا به ولن نشرك بربّنا أحدًا} وهذا المقام شبيهٌ بقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} [الأحقاف: 29] وقد قدّمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته هاهنا.
التطبيق الثالث:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (8) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9)}
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ): الْمُزَّمِّلُ: الْمُتَغَطِّي بثِيابِه كالْمُدَّثِّرِ، وهذا الوصْفُ حَصَلَ مِن رَسولِ اللَّهِ حِينَ أَكْرَمَه اللَّهُ برِسالتِه وابتَدَأَهُ بإنزالِ وَحْيِه بإرسالِ جِبْرِيلَ إليه، فرَأَى أمْراً لم يَرَ مِثلَه، ولا يَقْدِرُ على الثَّبَاتِ له إلاَّ الْمُرْسَلونَ، فاعْتَرَاه في ابتداءِ ذلكَ انزعاجٌ حينَ رَأَى جِبريلَ عليه السلامُ، فأَتَى إلى أهْلِه فقالَ: ((زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)). وهو تُرْعَدُ فَرَائِصُه، ثم جاءَه جِبريلُ فقالَ: اقْرَأْ. فقالَ: ((مَا أَنَا بِقَارِئٍ)). فغَطَّه حتى بَلَغَ مِنه الْجَهْدُ، وهو يُعَالِجُه على القِراءَةِ، فقَرأَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ, ثم أَلْقَى اللَّهُ عليه الثَّبَاتَ وتَابَعَ عليه الوَحْيُ، حتى بَلَغَ مبْلَغاً ما بَلَغَه أحَدٌ مِن الْمُرْسَلينَ.
فسُبحانَ اللَّهِ! ما أَعْظَمَ التفاوُتَ بينَ ابتداءِ نُبُوَّتِه ونِهَايَتِها؛ ولهذا خَاطَبَه اللَّهُ بهذا الوَصْفِ الذي وُجِدَ منه في أوَّلِ أمْرِه.
فأَمَرَه هنا بالعباداتِ الْمُتَعَلِّقَةِ به، ثم أَمَرَه بالصبْرِ على أَذِيَّةِ أعدائِه، ثم أَمَرَه بالصَّدْعِ بأَمْرِه، وإعلانِ دَعوتِهم إلى اللَّهِ، فأَمَرَه هنا بأَشْرَفِ العباداتِ وهي الصلاةُ، وبِآكَدِ الأوقاتِ وأفْضَلِها وهو قِيامُ الليلِ.
ومِن رَحْمَتِه تعالى أنَّه لم يَأْمُرْه بقيامِ الليلِ كُلِّه، بل قالَ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً}، ثم قَدَّرَ ذلكَ فقالَ: {نِصْفَهُ أَوِ انُقْصْ مِنْهُ}؛ أي: مِن النصْفِ {قَلِيلاً}؛ بأنْ يكونَ الثُّلُثَ ونحوَه، {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ}؛ أي: على النِّصْفِ، فيكونُ الثُّلُثَيْنِ ونحوَها.
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}؛ فإنَّ تَرْتِيلَ القرآنِ به يَحْصُلُ التدَبُّرُ والتفَكُّرُ، وتحريكُ القلوبِ به، والتعَبُّدُ بآياتِه والتَّهَيُّؤُ والاستعدادُ التامُّ له، فإِنَّه قالَ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}؛ أي: نُوحِي إليكَ هذا القرآنَ الثقيلَ؛ أي: العظيمةَ مَعانِيهِ الجليلةَ أَوصافُه.
وما كانَ بهذا الوصْفِ حَقيقٌ أنْ يُتَهَيَّأَ له ويُرَتَّلَ ويُتَفَكَّرَ فيما يَشْتَمِلُ عليه.
ثم ذكَرَ الحِكْمَةَ في أَمْرِه بقيامِ الليلِ فقالَ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ}؛ أي: الصلاةَ فيه بعدَ النوْمِ {هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً}؛ أي: أَقْرَبُ إلى تَحصيلِ مَقصودِ القرآنِ، يَتَوَاطَأُ على القرآنِ القلْبُ واللسانُ، وتَقِلُّ الشواغِلُ ويَفْهَمُ ما يَقولُ ويَستقيمُ له أمْرُه.
وهذا بخِلافِ النهارِ؛ فإِنَّه لا يَحْصُلُ به هذا المقصودُ؛ ولهذا قالَ: {إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً}؛ أي: تَرَدُّداً على حوائِجِكَ ومَعاشِكَ يُوجِبُ اشتغالَ القلْبِ، وعَدَمَ تَفَرُّغِه التفَرُّغَ التامَّ.
{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} شامِلٌ لأنواعِ الذِّكْرِ كُلِّها، {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً}؛ أي: انقَطِعْ إلى اللَّهِ تعالى؛ فإنَّ الانقطاعَ إلى اللَّهِ والإنابةَ إليه هو الانفصالُ بالقلْبِ عن الخلائقِ، والاتِّصافُ بِمَحَبَّةِ اللَّهِ وكلِّ ما يُقَرِّبُ إليه ويُدْنِي مِن رِضاهُ.
{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} وهذا اسمُ جِنسٍ يَشمَلُ الْمَشارِقَ والْمَغارِبَ كلَّها، فهو تعالى رَبُّ الْمَشارِقِ والْمَغارِبِ، وما يكونُ فيها مِن الأنوارِ، وما هي مَصْلَحَةٌ له مِن العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ، فهو رَبُّ كلِّ شيءٍ وخالِقُه ومُدَبِّرُه.
{لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}؛ أي: لا مَعبودَ إلاَّ وَجهُه الأَعْلَى، الذي يَستحِقُّ أنْ يُخَصَّ بالْمَحَبَّةِ والتعظيمِ والإجلالِ والتكريمِ.
ولهذا قالَ: {فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً}؛ أي: حافِظاً ومُدَبِّراً لأمورِك كلِّها.
قالَ مُحَمَّدُ سُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : 1-{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} وهذا الْخِطابُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ كانَ يَتَزَمَّلُ بثِيابِه أوَّلَ ما جاءَهُ جِبريلُ بالوحْيِ خَوْفاً منه، فإنه لَمَّا سَمِعَ صوتَ الْمَلَكِ ونَظَرَ إليه أخَذَتْهُ الرِّعدةُ، فأتى أهْلَه وقالَ: ((زَمِّلُونِي دَثِّرُونِي)). ثم بعدَ ذلك خُوطِبَ بالنُّبُوَّةِ والرسالةِ وأَنِسَ بجبريلَ.
2-{قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} أيْ: قُمْ للصلاةِ في الليلِ، وصَلِّ الليلَ كُلَّه إلاَّ يَسِيراً منه.
4،3-{نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} كأنه قالَ: قُمْ ثُلُثَيِ الليلِ، أو نِصْفَه أو ثُلُثَهُ. أَخْرَجَ أحمدُ, ومسلِمٌ, عن سعْدِ بنِ هِشامٍ قالَ: قلتُ لعائشةَ: أنْبِئِينِي عن قِيامِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قالتْ: ألسْتَ تَقرأُ هذه السورةَ:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ قلتُ: بلى. قالتْ: فإنَّ اللهَ افْتَرَضَ قِيامَ الليلِ في أوَّلِ هذه السورةِ فقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ وأصحابُه حَوْلاً، حتى انْتَفَخَتْ أقْدَامُهم، وأَمْسَكَ اللهُ خاتِمَتَها في السماءِ اثْنَيْ عشرَ شَهْراً، ثم أَنزلَ التخفيفَ في آخِرِ هذه السورةِ، فصارَ قِيامُ الليلِ تَطَوُّعاً مِن بعدِ فَرْضِه.
{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} أيْ: اقْرَأْهُ على مَهْلٍ مع تَدَبُّرٍ حَرفًا حرْفاً، والترتيلُ هو أنْ يُبَيِّنَ جميعَ الحروفِ ويُوفِيَ حَقَّها مِن الإشباعِ دُونَ تَنَطُّعٍ وَتَقَعُّرٍ في النُّطْقِ.
5-{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} أيْ: سنُوحِي إليكَ القرآنَ، وهو قولٌ ثَقيلٌ فَرائضُه وحُدودُه، وحَلالُه وحَرامُه، لا يَحْمِلُه إلا قلْبٌ مؤيَّدٌ بالتوفيقِ, ونفْسٌ مُزَيَّنَةٌ بالتوحيدِ.
6-{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} يُقالُ لقيامِ الليلِ: ناشئةٌ. إذا كانَ بعدَ نَومٍ، فإذا نِمْتَ مِن أوَّلِ الليلِ ثم قُمتَ فتلكَ الْمَنْشَأَةُ والنشأةُ.
{هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} أثْقَلُ على المصلِّي مِن صلاةِ النهارِ؛ لأنَّ الليلَ للنومِ.
{وَأَقْوَمُ قِيلاً} أيْ: وأَسَدُّ مَقَالاً وأَثْبَتُ قِراءةً، لحضورِ القلْبِ فيها، وأشَدُّ استقامةً؛ لأنَّ الأصواتَ فيها هادئةٌ والدنيا ساكنةٌ.
7-{إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} أيْ: تَصَرُّفاً في حَوَائِجِكَ، وإِقْبَالاً وإِدْبَاراً، وذَهاباً ومَجيئاً، فَصَلِّ بالليلِ.
8-{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ} لَيلاً ونَهاراً واستَكْثِرْ مِن ذلك.
{وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} أيْ: انقَطِعْ إلى اللهِ انْقِطَاعاً بالاشتغالِ بعِبادتِه، والتماسِ ما عندَه.
9-{فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} أيْ: إذا عَرفتَ أنه المخْتَصُّ بالرُّبوبيَّةِ، فاتَّخِذْه {وَكيلاً}. أيْ: قائماً بأُمُورِكَ، وعَوِّلْ عليه في جميعِها.
تعليمات:
- يفتح الطالب صفحة باسمه في هذا القسم: ( تطبيقات دورة أنواع التلخيص).
- يؤدي الطالب التطبيق الأول؛ ثمّ يضع رابط المشاركة هنا في هذا الموضوع لتسهيل التصحيح.
- ينتظر حتى يُصحح له التطبيق الأول؛ ثمّ يؤدي التطبيق الثاني، وبعد تصحيح التطبيق الثاني يؤدي التطبيق الثالث، وذلك حتى يستفيد من الملحوظات التي تبيّن له في صفحته على أدائه للتطبيق الأول، ويضع رابط المشاركة هنا.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى