852- وعن نافِعٍ, عَنِ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما ـ قالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن الشِّغَارِ، والشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واتَّفَقَا مِن وَجْهٍ آخَرَ على أنَّ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ مِن كَلامِ نَافِعٍ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مُفْرَدَاتُ الحَدِيثِ:
- الشِّغَارُ: الشِّغَارُ بكَسْرِ الشِّينِ المُعْجَمَةِ، وتَخْفِيفِ الغَيْنِ المُعْجَمَةِ، لُغَةً: الرَّفْعُ، يُقالُ: شَغَرَ الكَلْبُ رِجْلَهُ ليَبُولَ.
وشَرْعاً: هو أنْ يُزَوِّجَهُ موليتَهُ، على أنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ موليتَه، ولا مَهْرَ بينَهما، أو بينَهما مَهْرٌ لأجْلِ الحِليةِ.
قالَ الخَطَّابِيُّ: سُمِّيَ شِغَاراً؛ لأنَّه رَفْعٌ للعَقْدِ من أَصْلِه، فارْتَفَعَ النِّكاحُ والمَهْرُ معاً.
* مَا يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1- النَّهْيُ عن نكاحِ الشِّغارِ، والنهيُ يَقْتَضِي الفَسادَ، فهو غيرُ صَحِيحٍ.
2- أنَّ العِلَّةَ في تَحْرِيمِه وفَسادِه، هو خُلُوُّه من الصَّدَاقِ المُسَمَّى، ومن صَدَاقِ المِثْلِ، وأشارَ إليهِ بقولِه: ((وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ)).
3- وُجوبُ النُّصْحِ للموليةِ، فلا يَجوزُ تَزْويجُها بغيرِ كُفْءٍ لغَرَضِ الوَلِيِّ ومَقْصِدِه.
4- بما أنَّهم جَعَلوا العِلَّةَ في إبطالِ هذا النِّكاحِ هي خُلُوُّهُ من الصَّدَاقِ، فإنَّه يَجوزُ أَنْ يُزَوِّجَهُ موليتَه، على أنْ يُزوِّجَه الآخَرُ موليتَه، بصداقٍ غيرِ قَلِيلٍ، معَ الكَفَاءَةِ بينَ الزوجيْنِ، والرِّضَا منهما.
5- قولُه: والشِّغَارُ أنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ... إلخ. قالَ ابنُ حَجَرٍ: اخْتَلَفَتِ الرواياتُ عن مالِكٍ، فيمَن يُنْسَبُ إليهِ تَفْسِيرُ الشِّغارِ، فالأكثرُ لم يَنْسُّبُوهُ لأَحَدٍ، وبهذا قالَ الشافعِيُّ، فقَدْ قَالَ: لا أَدْرِي التفسيرُ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، أو عَنِ ابنِ عُمَرَ، أو عن نَافِعٍ، أو عن مَالِكٍ؟ وجَعَلَهُ بعضُهم من تَفْسيرِ نَافِعٍ، وليسَ خَاصًّا بالابْنَةِ، بل كُلِّ موليةٍ.
وقالَ القُرْطُبِيُّ: تَفْسِيرُ الشِّغارِ صَحِيحٌ، مُوافِقٌ لِمَا ذَكَرَ أهلُ اللُّغَةِ، فإنْ كَانَ مَرْفوعاً فهو المَقْصُودُ، وإنْ كَانَ مِن قَوْلِ الصحابيِّ فمَقْبُولٌ أيضاً؛ لأنه أعْلَمُ بالمَقالِ، وأَفْقَهُ بالحالِ.
6- أجْمَعَ العلماءُ على تَحْريمِ هذا النكاحِ، واخْتَلَفُوا في بُطلانِه.
فعِنْدَ أبي حَنِيفَةَ: أنَّ النكاحَ يَصِحُّ، ويُفْرَضُ لها مَهْرُ مِثْلِها.
وعندَ الشافعيِّ وأَحْمَدَ: أنَّ النِّكاحَ غَيْرُ صحيحٍ؛ لأنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الفَسادَ، وحَكَى في (الجامِعِ) روايةً عن الإمامِ أحمدَ بُطلانَه، ولو معَ صَداقٍ، اختارَها الخرقيُّ، لعُمومِ ما رَوَى الشيخانِ عَنِ ابنِ عُمَرَ: أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ نَهَى عن الشِّغَارِ. ومثلُه في مُسلمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ؛ ولأنَّ دَاوُدَ جَعَلَ التَّفْسِيرَ وهو قَوْلُه: ولَيْسَ بينَهما صَدَاقٌ, مِن كلامِ نَافِعٍ.
قالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: حَرَّمَ اللهُ نِكَاحَ الشِّغَارِ، ولأنَّ الولِيَّ يَجِبُ عليهِ أَنْ يُزَوِّجَ موليتَه إذا خَطَبَها كُفْءٌ، نَصَّ عليهِ أَحْمَدُ، ونَظَرُه لها نَظَرُ مَصْلَحَةٍ وعلى هذا فلو سَمَّى صَدَاقاً حِيلَةً، والمقصودُ المُشاغَرَةُ، فلا يَصِحُّ النكاحُ، واختارَ هذا القولَ العَلاَّمةُ الأثريُّ الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ في رِسالةٍ له في الأنكحةِ الباطِلَةِ، واللهُ أعْلَمُ.
7- في الحديثِ وُجوبُ النُّصْحِ والاجتهادِ لمَن تَوَلَّى ولايَةَ صَغِيرٍ أو سَفِيهٍ، أو نِظارَةَ وَقْفٍ، أو وَظِيفَةً، أو أيَّ عَمَلٍ يُسْنَدُ إليه، فيَجِبُ النُّصْحُ فيه والإخلاصُ.
8- وفي الحديثِ: تَحْرِيمُ استغلالِ المُوظَّفِ والوالي ما تَحْتَ يَدِهِ مِن عَمَلٍ لمَصْلَحَتِه الخاصَّةِ.