[تخفيف "إن" وعملها]:
190 - وَخُفِّفَتْ إِنَّ فَقَلَّ العَمَلْ = وَتَلْزَمُ اللامَّ إذا ما تُهْمَلْ
191 - وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عَنْهَا إِنْ بَدَا = مَا نَاطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِدَا
(وخُفِّفَتْ إِنَّ) المكسورةِ (فَقَلَّ العَمَلُ) وكثُرَ الإهمالُ ، لزوالِ اختصاصِها حينئذٍ نحوَ: { وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} وجازَ إعمالُها استصحابًا للأصلِ نحوَ: {وَإِنْ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُم} (وَتَلْزَمُ اللامُ إِذَا مَا تُهْمَلُ) لتَفْرِقَ بينَها وبينَ "إِنْ" النافيةِ ولهذا تُسَمَّى اللامُ الفارقةُ وقد عرَفْتَ أنها لا تلزمُ عندَ الإعمالِ لعدم ِاللبسِ.
تنبيهٌ : مذهبُ سِيبَوَيْهِ أنَّ هذه اللامَ هي لامُ الابتداءِ وذهبَ الفارسيُّ إلى أنها غيرُها اجتلُبِتْ للفرقِ ويظهَرُ أثرُ الخِلافِ في نحوِ قولِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (( قَدْ عَلِمْنَا إِنْ كُنْتَ لَمُؤْمِنًا)). فعلَى الأَوَّلِ يجِبُ كسرُ "إن" وعلى الثانِي يجِبُ فتحُها.
( وَرُبَّمَا اسْتُغْنِيَ عنها) أي: عنِ اللامِ (إن بدَا) أي: ظهَرَ (مَا نَاطِقٌ أَرَادَهُ مُعْتَمِدَا) على قرينةٍ: إما لفظيَّةٍ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
277 - إِنَّ الحَقَّ لا يخَفْى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ = وَإِنْ هُوَ لَمْ يُعْدَمْ خِلافَ مُعَانِدِ
أو معنويةٍ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
278 - أَنَا ابْنُ أُبَاةِ الضَّيْمِ مِنْ آلِ مَالِكٍ = وَإِنْ مَالِكٌ كَانَتْ كِرَامَ المَعَادِنِ
192 - وَالفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخًا فَلاَ = تَلْفِيه غَالِبًا بِإِنْ ذِي مُوصَلاَ
(والفِعْلُ إِنْ لَمْ يَكُ نَاسِخاً) للابتداءِ وهو "كَانَ" و "كَادَ و "ظَنَّ وأخواتُهَا (فلا * تَلْفِيه) أي: لا تجِدُه (غَالبًا بِإِنْ ذِي) المخففَّةِ مِنَ الثقيلة (موصلا) وإن كانَ ناسخًا وجدْتَه مُوصَلاً بها كثيرًا نحوَ {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيَزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الكَاذِبِينَ} وَأَكْثَرُ منهُ كونُهُ مَاضيًا، نحو: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً}، {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ}، {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} وَمِنَ النادرِ قولُه [مِنَ الكَامِلِ]:
279 - شَلَّتْ يَمِينُكَ إِنْ قَتَلْتَ لَمُسْلِمًا = وَجَبَتْ عَلَيْكَ عُقُوبَةِ المُتَعَمِّدِ
ولا يقاسُ عليهِ نحوُ: " إِنْ قَامَ لَأَنَا" و" إِنْ قَعَدَ لَزَيْدٌ" خِلافًا للأخفشِ والكُوفِيِّينَ وأندرَ منهُ كونُه لا ناسخًا ولا ماضيًا كقولِهم: "إِنْ يَزِينُكَ لَنَفْسُكَ" و"إِنْ يَشِينُكَ لَهِيَهْ".
[تخفيف "أن" وعملها]:
193 - وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ فَاسْمُهَا اسْتَكَنَّ = وَالخَبَرَ اجْعَلَ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنْ
(وَإِنْ تُخَفَّفْ أَنَّ) المفتوحةَ (فَاسْمُها) الذي هو ضميرُ الشأنِ (استكَنَّ) بمعنَى حُذِفَ مِنَ اللفظِ وجوبًا ونُوِيَ وجودُه لا أنها تحمَّلَتْهُ لِأنَّها حرفٌ وأيضا فهو ضميرُ نَصْبٍ ، وضمائرُ النصبِ لا تستَكِنُّ وأما بروزُ اسمِهَا وهو غيرُ ضميرِ الشأنِ في قولِه [مِنَ الطَّوِيلِ]:
280 - فَلَوْ أَنَّكِ فِي يومِ الرخاءِ سَأَلْتِنِي = طَلاَقَكِ لَمْ أَبْخَلْ وَأَنْتِ صَدِيقُ
وقوله [مِنَ المُتَقَارِبِ]:
281 - بِأَنَّكَ رَبِيعٌ وَغَيْثٌ مَرِيعٌ = وَأَنَّكَ هُنَاكَ تَكُونُ الثُّمَالاَ
فضرورة.
(وَالخَبَرَ اجْعَلْ جُمْلَةً مِنْ بَعْدِ أَنْ) نحو: "عَلِمْتُ أَنْ زَيْدٌ قائمٌ" فـ "أَنْ" مخفَّفَةٌ مِنَ الثقيلةِ ، واسمُهَا ضميرُ الشأنِ محذوفٌ و"زيدٌ قائمٌ" جملة ٌفي موضعِ رفْعٍ خبرُها.
تنبيهٌ : أ"نَّ " المفتوحةُ أشبَهُ بالفعلِ مِنَ المكسورةِ ؛ لأنَّ لفظَهَا كلفظِ "عض"َّ مقصودًا بهِ المَاضي أو الأمرُ ، والمكسورةُ لا تُشْبِهُ إلا الأمرَ كـ"جَدَّ" فلذلك أُوثِرَتْ "أنَّ" المفتوحةَ المخفَّفَةَ ببقاءِ عملِها على وجهٍ يُبَيِّنُ فيهِ الضعفَ ، وذلك بأنْ جعَلَ اسمَهَا محذوفًا ؛ لتكُونَ بذلِكَ عاملَةً كلا عاملةٍ وممُّا يوجِبُ مزيَّتَها على المكسورةِ أنَّ طلبَها لما تعمَلُ فيهِ مِنْ جهةِ الاختصاصِ ومِنْ جهةِ وصليَّتِها بمعمولِها ولا تطلُبَ المكسورةَ ما تعملُ فيهِ إلا من جهةِ الاختصاصِ فضَعُفَتْ بالتخفيفِ وبطُلَ عملُها بخلافِ المفتوحةِ.
194 - وَإِنْ يَكُنْ فِعْلاً وَلَمْ يَكُنْ دُعَا = وَلَمْ يَكُنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعًا
195 - فَالأَحْسَنُ الفَصْلُ بِقَدْ ، أَوْ نَفْيٍ اوْ تَنْفِيسٍ او لَوْ ، وقَلِيلٌ ذِكْرُ لَوْ
(وَإِنْ يَكُنْ) صَدْرُ الجملةِ الواقعةِ خبرُ "أن" المفتوحةِ المُخَفَّفَةِ (فِعْلاً وَلَمْ يَكُنْ) ذلك الفعلُ (دُعَا * ولم يَكْنْ تَصْرِيفُهُ مُمْتَنِعَا, فَالأَحْسَنُ) حينئذٍ (الفصلُ) بينَ "أَنْ" وبينَهُ "بقد" نحو: { وَنَعْلَمُ أَنْ قَدْ صَدَّقْتَنَا}. وفي قولِه [مِنَ الطَّوِيلِ]:
282 - شَهِدْتُ بِأَنْ قَدْ خُطَّ مَا هُوَ كَائِنٌ = وَأَنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ
(أو نَفِي) بـ "لا" و"لن" أو "لم" نحو: { وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ}، {أَيْحَسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}، { أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدْ} (أو) حرفٍ (تَنْفِيسٍ) نحوَ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونَ} وقوله [من السريع]:
283- وَاعْلَمْ فَعِلْمُ المَرْءِ يَنْفَعُهُ = أَنْ سَوْفَ يَأْتِي كُلُّ مَا قُدِّرَا
(أَوْ لَوْ) نحوُ: { وَأَنْ لَوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} (وقليلٌ) في كتبِ النحاةِ (ذِكْرُ لَوْ) وإنْ كانَ كثيرًا في (لسانِ العربِ) وأشارَ بقولِهِ: "فالأحسنُ الفصلُ" إلى إنَّهُ قد يَرِدُ والحالةُ هذه بدونِ فاصلٍ كقولِهِ [مِنَ الخَفِيفِ]:
284 - عَلِمُوا أَنْ يُؤَمَّلُونَ فَجَادُوا = قَبْلَ أَنْ يُسْأَلُوا بِأَعْظَمِ سُؤْلِ
وقوله [من مَجْزُوء الكَامِلِ]:
285 - إِنِّي زَعِيمٌ يَا نُوَيْـ = ـقَةُ إِنْ أَمِنْتَ مِنْ الرَّزَاحِ
وَنَجَوْتِ مِنْ عَرَضِ المَنُو = نِ مِنَ العَشِيِّ إِلَى الصَّبَاحِ
أَنْ تَهْبِطِينَ بِلاَدَ قَوْ = مٍ يَرْتَعُونَ مِنَ الطِّلاحِ
أما إذا كانَتْ جملةُ الخبرِ اسميَّةً أو فعليَّةً فعلُها جامدٌ أو دعاءٌ فلا تحتاجُ إلى فاصلٍ كما هو مفهومُ الشرطِ مِنْ كلامِهِ ، نحوُ { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، {وَأَنّ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}، {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا}.
[تخفيف "كأن" وعملها]:
196 - وَخُفِّفَتْ كَأَنَ أيضًا فَنُوِي = مَنْصُوبُهَا وَثَابِتًا أيضًا رُوِي
(وَخُفِّفَتْ كَأَنَّ أيضًا) حَمْلاً على " أنَّ " المفتوحةَ (فَنُوِيَ * منصوبُها) وهو ضميرُ الشأنِ كثيرًا (وَثَابِتًا أيضًا رُوِيَ) وهو غيرُ ضميرِ الشأنِ قليلاً كمنصوبِ "أنْ" فمِنَ الأوَّل ِقولُه [من الهزج]:
286 - وَصَدْرٍ مُشْرِقِ النَّحْرِ = كَأَنْ ثَدْيَاهُ حِقَانِ
وقوله [مِنَ الطَّوِيلِ]:
287 - وَيَوْمًا تُوَافِينَا بِوَجْهٍ مُقْسِمٍ = كَأَنْ ظِبْيَةٌ تَعْطُو إِلْى وَارِقِ السَّلْمِ
على روايةِ مَنْ رفَعَ فيهما وعلى روايةِ النصبِ هما مِنَ الثانِي وقد عرَفْتَ أَنَّهُ لا يلزَمُ في خبرِها عندَ حذْفِ الاسمِ أنْ يكونَ جملةً كما في "أن" بل يجوزُ أن يكونَ جملةً كما في البيتِ الأَوَّلِ ، وأنْ يكون مفردًا كما في الثانِي.
تنبيهٌ : إذا كانَ خبرُ "كأَنْ" المخفَّفَةِ جملةً اسميَّةً لم يُحْتَجْ إلى فاصلٍ كما في البيتِ الأَوَّلِ ، وإِنْ كانت فعليَّةً فُصِلَتْ بـ "قد" أو "لم" نحوَ { كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} وكقولِهِ [مِنَ الخَفِيفِ]:
288 - لاَ يَهُولَنَّكَ اصْطِلاَءِ لَظَى الحَرِّ = بـِ فَمَحْذُورُهَا كَأَنْ قَدْ أَلَمَّا
[تخفيف "لعل" و"لكن"]:
خاتمةٌ : لا يجُوزُ تخفيفُ "لعلَّ" على اختلافِ لغاتِها وأما "لكنَّ" فتُخَفَّفُ فتهُمْلُ وجوبًا نحو (وَلَكِنِ اللَّهُ قَتَلَهُمْ) وأجازَ يُونُسُ وَالأَخْفَشُ إعمالَها حينئذٍ قياسًا وحُكِيَ عن يُونُسَ أَنَّهُ حكَاه عِنِ العربِ ، واللَّهُ أعلمُ.