وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويَتَوَلَّوْنَهُمْ، ويَحْفَظُونَ فيهِمْ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: ((أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتي )) وقالَ أَيْضاً للعَبَّاسِ عَمِّهِ – وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَني هَاشِمٍ – فقالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للهِ وِلقَرابَتي )).وقَالَ: (( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ، واصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعيلَ كِنَانَةَ، واصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشاً، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَني هَاشِمٍ، وَاصْطَفَاني مِنْ بَني هَاشِمٍ )).(74)
(74) بَيَّنَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ في هَذَا مكانةَ أهلِ البيتِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وأنَّهم (يُحبُّون أهلَ بيتِ رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم ) وأهلُ البيتِ هُم آلُ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم الذين حُرِّمَت عليهم الصَّدقةُ، وهم آلُ عليٍّ، وآلُ جعفرٍ، وآلُ عقيلٍ، وآلُ العبَّاسِ، وبنو الحارثِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ، وأزواجُ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم، وبناتُه مِن أهلِ بيتِه, كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيد اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33].
فأهلُ السُّنَّةِ يُحبُّونهم ويَحترِمونهم ويُكرِمُونهم؛ لأنَّ ذَلِكَ مِن احترامِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وإكرامِه، ولأنَّ اللَّهَ ورسولَه قد أمَرا بذَلِكَ، قال تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشُّورى: 23]، وجاءتْ نُصوصٌ مِن السُّنَّةِ بذَلِكَ، منها ما ذَكَرَه الشَّيخُ، وذَلِكَ إذا كانوا مُتَّبِعينَ للسُّنَّةِ، مُستقِيمِينَ على المِلَّةِ، كما كان عليه سَلَفُهم كالعبَّاسِ وبَنِيه، وعليٍّ وبَنِيه، أمَّا مَن خالَفَ السُّنَّةَ ولم يَسْتَقِم على الدِّينِ فإنَّهُ لا تَجوزُ محبَّتُه، ولو كان مِن أهلِ البيتِ.
وقولُه: (ويتَولَّوْنهم) أي يُحبُّونهم، مِن الوَلايةِ بفَتْحِ الواوِ وهِيَ المحبَّةُ. وقولُه: (ويَحفظونَ فيهم وصيَّةَ رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم) أي يَعملون بها ويُطبِّقُونها (حَيْثُ قال يومَ غَديرِ خُمٍّ) الغَديرُ: هنا هُوَ مَجْمعُ السَّيْلِ (وخُمّ) قيل اسمُ رجُلٍ نُسِبَ الغديرُ إليه. وقيل هُوَ الغَيْضةُ أيْ الشَّجَرُ المُلتَفُّ، نُسِبَ هَذَا الغديرُ إليها لأَنَّهُ واقعٌ فيها. وهَذَا الغديرُ كان في طريقِ المدينةِ مَرَّ به صلى اللهُ عليه وسلم في عَودَتِه مِن حجَّةِ الوداعِ، وخَطَبَ فيه فكان مِن خُطْبته ما ذَكَرَهُ الشَّيخُ ((أَذُكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي)) أيْ أُذَكِّرُكُم ما أمَرَ اللَّهُ به في حقِّ أهلِ بيتي مِن احترامِهم وإكرامِهم والقيامِ بحقِّهم.
وقال أيضا: (لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ) هُوَ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافٍ (وَقَدْ اشْتَكَى إِلَيْهِ) أي أخبَرَه بما يَكرَهُ (أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو) الجفاءُ: تَركُ البِرِّ والصِّلَةِ (فَقَالَ) أي النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ )) هَذَا قَسَمٌ منه صلى اللهُ عليه وسلم (( لاَ يُؤْمِنُونَ )) أي الإيمانَ الكاملَ الواجِبَ (( حَتَّى يُحِبُّوكُمْ لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي )) أي لأمرَيْنِ:
الأوَّلُ: التَّقرُّبُ إلى اللَّهِ بذَلِكَ لأنَّهم مِن أوليائِه.
الثَّاني: لكَونِهم قرابةَ الرَّسولِ صلى اللهُ عليه وسلم، وفي ذَلِكَ إرضاءٌ له وإكرامٌ له.
(وقال) النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم مُبَيِّناً فضْلَ بني هاشمٍ الذين هم قُرابَتُه: (( إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى )) أي اختارَ. والصَّفوةُ: الخِيارُ (( بَنِي إِسْمَاعِيلَ )) بنِ إبراهيمَ الخليلِ عليهما السَّلامُ (( وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ )) اسمَ قبيلةٍ أبُوهم كِنانةُ بنُ خُزيمةَ (( وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشاً)) وهم أولادُ مُضرَ بنِ كِنانةَ (( وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ )) وهم بنو هاشمِ بنِ عبدِ منافٍ (( وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ )) فَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لؤيِّ بنِ غالبِ بنِ فِهرِ ابنِ مالِكِ بنِ النَّضرِ بنِ كنانةَ بنِ خُزيمةَ بنِ مُدْرِكةَ بنِ إلياسَ بنِ مُضرَ بنِ نَزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدنانَ.
والشَّاهِدُ مِن الحديثِ: أنَّ فيه دليلاً على فضْلِ العربِ، وأنَّ قريشا أفْضلُ العَربِ، وأنَّ بني هاشمٍ أفْضلُ قريشٍ، وأنَّ الرَّسولَ صلى اللهُ عليه وسلم أفْضلُ بني هاشمٍ، فَهُوَ أفْضلُ الخَلقِ نَفْساً وأفْضلُهم نَسَباً، وفيه فَضْلُ بني هاشمٍ الذين هُم قرابةُ الرَّسولِ صلى اللهُ عليه وسلم.