إعادة فهرسة مسائل جمع القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض جبريل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان
معنى المعارضة: من العرض وهو بفتح العين وسكون الراء أي يقرأ.*
والمراد : يستعرضه ما أقراءه إياه .
والمعارضة مفاعلة من الجانبين كأن كلا منهما كان تارة يقرأ والآخر يستمع قوله ، ويؤيد ذلك قوله: ( فيدارسه القرآن).
كانت المعارضة كل سنة في شهر رمضان في كل ليلة منه:
كان جبريل عليه السلام يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل سنة في كل ليلة من ليال رمضان فيدارسه القرآن ويعرضه كلا منهما على الآخر وكان ذلك في كل الرمضانات وليس خاص بعد الهجرة .كما جاء ذلك في البخاري وغيره
فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم ما نزل من القرآن في كل سنة على ليالي رمضان أجزاء فيقرأكل ليلةٍ جزءًا في جزءٍ من الليلة
*ولعله كان يعيد ذلك الجزء مرارًا بحسب تعدد الحروف المأذون في قراءتها ولتستوعب بركة القرآن جميع الشهر ولولا التصريح بأنه كان يعرضه مرةً واحدةً وفي السنة الأخيرة عرضه مرتين لجاز أنه كان يعرض جميع ما نزل عليه كل ليلةٍ ثم يعيده في بقية الليالي.
[color="rgb(46, 139, 87)"]حال النبي عليه الصلاة والسلام حين يلقاه جبريل في رمضان :[/color]
كان عليه الصلاة والسلام أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فهو اجود من الريح المرسله .
[color="rgb(46, 139, 87)"]كانت المعارضة ليلاً[/color]
وهذا يدل على ان *ليل رمضان *أفضل من نهاره وكونها ليلا لأن المقصود من التلاوة الحضور والفهم والليل مظنة ذلك لما في النهار من الشواغل .
[color="rgb(46, 139, 87)"]في العام الذي توفي فيه النبي صلى الله عليه وسلم كانت المعارضة مرتين :[/color]
كان عليه الصلاة والسلام يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده من القرآن وفي العام الذي توفي به عرضه مرتين .عن فاطمة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا فاطمة كان جبريل يأتيني في كل سنة مرة يعارضني القرآن وقد أتاني العام مرتين ولا أراني إلا أفارق الدنيا)*
الحكمة في تكرار العرض في السنة الأخيرة:
لان رمضان من السنة الأولى لم يقع فيه مدارسة لوقوع ابتداء النزول في رمضان، فوقعت المدارسة في السنة الاخيرة مرتين ليستوي عدد السنين والعرض.
[color="rgb(46, 139, 87)"]الحكمة من أنه اعتكف عشرين يوما في العام الذي قبض فيه[/color] :
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال :( وكان يعتكف كل عام عشرا فاعتكف عشرين في العام الذي قبض فيه )ابو شامة
اعتكف عشرين يوما ليناسب مضاعفة عرض القرآن في تلك السنة .او يحتمل أن يكون السبب أنه كان عليه الصلاة والسلام يعتكف عشرا فسافر عاما فلم يعتكف فاعتكف من قابل عشرين يوماً.او بسبب قصة زوجاته لما ضربن الاخبية ليعتكفن فلما رأى ذلك تركه ثم اعتكف عشرا في شوال .
[color="rgb(46, 139, 87)"]الحكمة من المعارضة كل عام:[/color]
قال عامرالشعبي :( كان الله تعالى ينزل القرآن السنة كلها فإذا كان شهر رمضان عارضه جبريل عليه السلام بالقرآن فينسخ ما ينسخ ويثبت ما يثبت ويحكم ما يحكم وينسئ ما ينسئ)
هذه المدارسة لا تعارض قوله تعالى:( سنقرئك فلا تنسى)*
اذا قلنا : إن (لا)نافية كماهو المشهور فإن المراد أنه اذا أقرأه فلا ينسى ما أقرأه ومن جملة الإقراء مدارسة جبريل عليه السلام أو المراد المنفي بقوله ( فلا تنسى) النسيان الذي لا ذكر بعده لا النسيان الذي يعقبه الذكر في الحال حتى لو قدر أنه نسي شيئاً فإنه يذكره في الحال .
[color="rgb(46, 139, 87)"]من القرآن ما لم يتم معارضته:[/color]
إن ما تأخر نزوله بعد رمضان الذي شهد العرضة الاخيرة يسيراً بالنسبة لما تقدم لذلك اغتفر أمر معارضته ، فيستفاد من ذلك ان القرآن يطلق على البعض مجازاً.*ومن ثم لا يحنث من حلف ليقر أن القرآن فقرأ بعضه إلا إن قصد الجميع .
[color="rgb(46, 139, 87)"]*هل الحرف الذي جمع عليه عثمان رضي الله عنه الناس يوافق العرضة الأخيرة ؟[/color]
روى أحمد وابن أبي داود والطبري من طريق عبيدة بن عمرو السلماني أن الذي جمع عليه عثمان الناس يوافق العرضة الأخيرة *ومن طريق محمد بن سيرين ( فيرون قراءتنا أحدث القراءات عهدا بالعرضة الأخيرة ومن حديث سمرة ( ويقولون إن قراءتنا هذه هي العرضة الأخيرة )
وقال أبو عبدالرحمن السلمي: كانت قراءة أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت والمهاجرين والأنصار واحدة ،كانوا يقرءون القراءة العامة وهي القراءة التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل مرتين في العام الذي قبض فيه وكان زيد قد شهد العرضة الأخيرة وكان يقرئ*الناس بها حتى مات .لذلك اعتمده الصديق في جمعه وولاه عثمان كتبة المصحف)البرهان في علوم القرآن
*كيف نجمع بين حديث سمرة ومن وافقه وقول ابن عباس :( وكانت قراءة ابن مسعود آخرها) وحرف ابن مسعود غير الحرف الذي كتب به عثمان القرآن.؟
قال أبو عبدالرحمن السلمي : وكان*زيد بن ثابت رضي الله عنه قد شهد العرضة الاخيرة وكان يقرئ الناس بها حتى مات .لذلك اعتمده الصديق في جمعه وولاه عثمان كتبة المصحف)*
وكذلك أبن مسعود رضي الله عنه قال ابن عباس رضي الله عنه :(وكانت قراءة ابن مسعود آخرها )*
يمكن الجمع بين القولين بأن تكون العرضتان *الأخيرتان وقعتا بالحرفين المذكورين فيصح إطلاق الآخرية على كلاً منهما .
فوائد متفرقة:
1-قوله :(كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس) فيه احتراسٌ بليغٌ لئلا يتخيل من قوله :(وأجود ما يكون في رمضان )أن الأجودية خاصةٌ منه برمضان فيه فأثبت له الأجودية المطلقة أولًا ثم عطف عليها زيادة ذلك في رمضان قوله: (وأجود ما يكون في رمضان)
2-وفي قوله: (أجود بالخير من الريح المرسلة) فيه جواز المبالغة في التشبيه وجواز تشبيه المعنوي بالمحسوس ليقرب لفهم سامعه وذلك أنه أثبت له أولًا وصف الأجودية ثم أراد أن يصفه بأزيد من ذلك فشبه جوده بالريح المرسلة بل جعله أبلغ في ذلك منها لأن الريح قد تسكن وفيه الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضارة ومنها المبشرة بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثانية وأشار إلى قوله تعالى :(وهو الذي يرسل الرياح بشرا )(والله الذي أرسل الرياح )ونحو ذلك فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمةً لا ينقطع
3-وفيه استعمال أفعل التفضيل في الإسناد الحقيقي والمجازي لأن الجود من النبي صلى الله عليه وسلم حقيقةٌ ومن الريح مجازٌ فكأنه استعار للريح جودًا باعتبار مجيئها بالخير فأنزلها منزلة من جاد وفي تقديم معمول (أجود )على المفضل عليه نكتةٌ لطيفةٌ وهي أنه لو أخره لظن تعلقه بالمرسلة وهذا وإن كان لا يتغير به المعنى المراد بالوصف من الأجودية إلا أنه تفوت فيه المبالغة لأن المراد وصفه بزيادة الأجودية على الريح المرسلة مطلقًا
4-وفي الحديث من الفوائد تعظيم شهر رمضان لاختصاصه بابتداء نزول القرآن فيه ثم معارضته ما نزل منه فيه ويلزم من ذلك كثرة نزول جبريل فيه وفي كثرة نزوله من توارد الخيرات والبركات مالا يحصى*
5-ويستفاد منه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة
6- أن مداومة التلاوة توجب زيادة الخير .*
7-استحباب تكثير العبادة في آخر العمر ومذاكرة الفاضل بالخير والعلم وإن كان هو لا يخفى عليه ذلك لزيادة التذكرة والاتعاظ.
*
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أنه لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب اليك