{ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13)}.
الفوائد السلوكية:
1- تدل الآية على أن الهدى بيد الله وحده وذلك بدلالة تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى:{إن علينا للهدى...}، ومنه نستفيد أنه ينبغي علينا طلب الهداية من الله لأنها بيده وحده، وهو كقوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}، حيث أمرنا الله أن نقرأ بها في كل ركعة، فلا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2- ومنها أيضا أنه من توجه لغير الله بطلب ما لا يقدر عليه إلا الله فإنه ضال مشرك، لأن الهدى بيد الله وحده وليس سواه، فينبغي علينا أن نطلب الثبات على الهداية منه أيضا، حتى لا تضلنا الشبهات والأهواء عن طريق الهدى.
3- ومنها أيضا ينبغي علينا شكر الله على نعمة الهداية والإسلام، في كل وقت وحين، ونسأله الثبات عليها، فلولا الله ما اهتدينا.
4- تدل الآيات أن الدنيا والآخرة ملك لله وحده هو المتصرف فيهما، بدلالة تقديم الجار و المجرور في قوله تعالة: {وإن لنا للآخرة والأولى}، ومنه نستفيد أنه علينا نوحده ونخلص له في العبادة فهو المستحق لها؛ فهو المالك الملك وليس سواه.
5- ومنها أيضا، ينبغي علينا تعظيم الله وقدره حق قدره، بطاعته خوفا من عقابه ورجاء رضاه وجنته، والبعد عما نهانا عنه، اتقاء لغضبه وعقابه وابتعاء وجهه ولقياه.
المجموعة الثالثة:
1. فسّر قول الله تعالى:
{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)}
يقول سبحانه بعد أن ذكر نعمه الدنيوية على الإنسان -الذي يظن أن الله لن يقدر عليه ولم يره ولن يحاسبه- من أنه خلق له عينين ولسانا وشفتين ليبصر ويهتدي ويتكلم ويعبر عن نفسه، وذكر أيضا نعمه الأخروية عليه أن دله على طريق الخير والشر بإرسال الرسل بالهدى، بعد ذلك كله، يقول: فهلا نشط وَاخْتَرَقَ المَوَانِعَ الشديدة العظيمة الَّتِي تَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَاعَةِ اللَّهِ؛ مِنْ تَسْوِيلِ النَّفْسِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالشَّيْطَانِ، ثم بين له كيف يخترقها بالآيات التي بعدها.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)}
يؤكد سبحانه على عظم أمر اختراق هذا المانع العظيم ويوضحه في الآيات التالية.
{ فَكُّ رَقَبَةٍ (13)}
تعتق رقبة مؤمنة من الرق، أوتعين في عتقها
{ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)}
أو تطعم في يوم مجاعة شديدة يكون الطعام فيها عزيزا مشتهى.
{ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)}
تطعم من قرابتك من لا أب له ولا أم، فتكون صدقة وصلة كما جاء في الحديث النبوي,
{ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)}
أو تطعم الفقير المديون المحتاج ذو العيال ولا شيء لديه يقيه التراب
2. حرّر القول في:
معنى "الكبد" في قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في كبد}.
حتى نصل إلى معنى "كبد"، يجب أن نحرر الأقوال في المراد بها ومتعلقها أولا، ثم نستخلص منها المعنى.
الأقوال في المراد ب "كبد":
1- منتصبا، روي عن ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وعكرمة، ومجاهدٍ، وإبراهيم النّخعيّ، وخيثمة، والضّحّاك، وغيرهم، وزاد ابن عبّاسٍ في روايةٍ عنه: منتصباً في بطن أمّه، فيما ذكر ابن كثير
2- الاستواء والاستقامة، كقوله: {يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الّذي خلقك فسوّاك فعدلك}، وكقوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ}، ذكره ابن كثير
3- في شدّة خلقٍ، ألم تر إليه... وذكر مولده ونبات أسنانه، رواه ابن جريج عن ابن عباس، فيما ذكر ابن كثير
4- يتكبّد في الخلق، نطفةً، ثمّ علقةً، ثمّ مضغةً، فهي كقوله:{حملته أمّه كرهاً ووضعته كرهاً} وأرضعته كرهاً، ومعيشته كرهٌ، فهو يكابد ذلك، قول مجاهد، فيما ذكر ابن كثير
5- في شدة وطلب معيشة، قاله سعيد بن جبير، فيما ذكر ابن كثير
6- في شدة وطول، قاله عكرمة، فيما ذكر ابن كثير
7- في مشقة، قاله قتادة، فيما ذكر ابن كثير
8- في قيامه واعتداله، رواه ابن أبي حاتم عن إقرار محمد بن عليٍّ أبا جعفرٍ الباقر، فيما ذكر ابن كثير
9- يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة، رواه أبو مودودٍ عن الحسن، فيما ذكر ابن كثير
10- مكابدة الأمور ومشاقّها، اختاره ابن جرير فيما ذكر ابن كثير
11- آدم خلق في السماء ، فسمي ذلك الكبد،قاله ابن زيد فيما ذكر ابن كثير
12- ما يكابدهُ ويقاسيهِ منَ الشدائدِ في الدنيا، وفي القبر والبرزخِ، ويومَ يقومُ الأشهادُ، ذكره السعدي والأشقر.
وهذه أقوال متباينة، نجد أن القول2 و8 متقاربان، و3 و4 متقاربان، و5و6و7 متقاربة، و9 و10 متقاربة، فيكون حاصل الأقوال سبعة:
القول الأول: منتصبا رأسه في بطن أمه، فإذا أذن الله في خروجه، انقلب رأسه إلى أسفل
- منتصبا، روي عن ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وعكرمة، ومجاهدٍ، وإبراهيم النّخعيّ، وخيثمة، والضّحّاك، وغيرهم، وزاد ابن عبّاسٍ في روايةٍ عنه: منتصباً في بطن أمّه، فيما ذكر ابن كثير
القول الثاني: منتصبا معتدل القامة، وكل شيء في الحيوان يمشي منكبا
- الاستواء والاستقامة، في قيامه واعتداله، كقوله: {يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الّذي خلقك فسوّاك فعدلك}، وكقوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ}، رواه ابن أبي حاتم عن إقرار محمد بن عليٍّ أبا جعفرٍ الباقر، وذكره ابن كثير
القول الثالث: في شدة من مراحل خلقه داخل وخارج الرحم (نطفةً، ثمّ علقةً، ثمّ مضغةً،.. ثم مولده ونبات أسنانه)
- في شدة خلق، فهو يتكبده، وهو حاصل قول مجاهد وابن جريج عن ابن عباس، فيما ذكر ابن كثير
القول الرابع: في مشقة إما لطلب المعيشة في الدنيا (قوته في طلب العيش)
- في شدة ومشقة وطلب معيشة، وهو حاصل قول سعيد بن جبير وعكرمة وقتادة، فيما ذكر ابن كثير
القول الخامس: يجمع مشقة الدنيا والآخرة،
- مكابدة شدائد الدنيا والآخرة، وهو حاصل قول ابن زيد، ورواه أبو مودود عن الحسن، واختاره ابن جرير، فيما ذكر ابن كثير
القول السادس: مكان خلق آدم
- آدم خلق في السماء ، فسمي ذلك الكبد،قاله ابن زيد فيما ذكر ابن كثير
القول السابع: جمع مشقة الدنيا والبرزخ والآخرة
- ما يكابدهُ ويقاسيهِ منَ الشدائدِ في الدنيا، وفي القبر والبرزخِ، ويومَ يقومُ الأشهادُ، ذكره السعدي والأشقر.
ونستطيع أن نقول أن معنى "كبد" على ثلاثة أقوال:
1- منتصبا، روي عن ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ، وعكرمة، ومجاهدٍ، وإبراهيم النّخعيّ، وخيثمة، والضّحّاك، وغيرهم، فيما ذكر ابن كثير، من القول الأول.
2- الاستواء والاستقامة، في خلقتهكقوله: {يا أيّها الإنسان ما غرّك بربّك الكريم الّذي خلقك فسوّاك فعدلك}، وكقوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ}، رواه ابن أبي حاتم عن إقرار محمد بن عليٍّ أبا جعفرٍ الباقر، وذكره ابن كثير، من القول الثاني.
3- في مشقة ومكابدة، للشدائد وهو حاصل قول مجاهد وابن جريج عن ابن عباس، وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة و ابن زيد، ورواه أبو مودود عن الحسن، واختاره ابن جرير، فيما ذكر ابن كثير وذكره السعدي والأشقر، من القول الثالث والرابع والسادس.
4- في قوة؛ لطلب العيش وهو من القول السابق
أما القول الخامس، فهو عن مكان الكبد وليس المعنى.
3. بيّن ما يلي:
أ: دلائل محبة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ممّا درست.
1- قوله تعالى: { مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) }
أقسم الله تعالى أنه ما ترك نبيه وأهمله منذ أن اعتنى به ورباه وما أبغضه، (فهو دليل على أنه يحبه، فنفي الشيء دليل على ضده)، فهي تدل على تمام ودوام عناية الله به ورفعه الدرجة بعد الدرجة، في الوقت الحاضر والماضي.
2- { وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)}
بيان لمحبة الله لنبيه وعنايته به في المستقبل في الدنيا، فهو لم يزل يؤيده بنصره ويسدد له أحواله ويرفع درجاته ويمكن له دينه حتى توفاه الله، ثم بعد هذا، إضافةً على ما كان من عناية الله بنبيه في الدنيا، فإن الله أعد له في الدار الآخرة ما هو خير له مما كان في الدنيا.
3- {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)}
وهذا وعد نافذ من الله تعالى لنبيه، وقد حذف متعلق العطاء للدلالة على عظم هذا العطاء؛ فقد أعطاه في الدنيا؛ أن رفع ذكره في الشهادتين ومكن دينه وفتح على أمته الكنوز من بعده، وأعطاه في الآخرة؛ الثواب والحوض والشفاعة لأمته، بالإضافة إلى عظم ما أعد الله لنبيه في الآخرة في الْجَنَّةُ، فهو خَيْرٌ لَه من الدُّنْيَا
ب: دلالة التعبير بفعل الإهلاك في قوله: {يقول أهلكت مالا لبدا}
عبر عن إنفاق المال بالإهلاك:
لأنه أنفقه في غير طاعة الله، فلن يخلفه الله أو يثيبه عليها، فهو بذلك أهلكه ولم ينتفع به، ولن يعود عليه إلا بالندم و الخسارة والتعب بدون مقابل.