مجلس مذاكرة القسم العشرين من تفسير سورة البقرة
(الآيات: 275- 286)
بالاستعانة بالتفاسير الثلاثة المقرّرة اكتب رسالة تفسيرية في واحد من الأقسام التالية:
1: آيات الربا، بأسلوب التقرير العلمي.
2: آيات الدين بالأسلوب الاستنتاجي.
3: آخر ثلاث آيات من سورة البقرة، بأسلوب الحجاج.
الفوائد المستنبطة من آيات الدين
قال تعالى :
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة 282] وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة 283]
آية الدين هي أطول آية في القرآن الكريم ،... وقد حوت هذه الآيات فوائد عظيمة وأحكاما جليلة تناولت جانبا هاما من جوانب التعامل بين الناس وهو أحد جوانب المعاملات المالية الذي به قوام حياة الناس ومعاشهم والذي لا فنى لهم عنه وهو الدين والتبايع إلى أجل ...
وتنظيم تلك المعاملات وحفظ الحقوق فيها حاجة ماسة لم يتركها الشارع دون أن يضع لها ضوابط تضبطها ليأخذ كل ذي حق حقه ... وليتحقق العدل بينهم ويسهل أمر التعامل دون خوف من إنكار أو ضياع حق ...
وقد ورد أن سعيد ابن المسيب قال (
بلغني أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين )
🔹
نزولها :
- قيل أنها نزلت في بيع السلم .. وهو بيع عين مالية موصوفة في الذمة مؤجلة إلى أجل معلوم بثمن حال فيكون قبض الثمن عاجلا والمبيع آجلا ...
▪فعن ابن عباس أنه قال فيها : «
أنزلت في السّلم إلى أجلٍ معلومٍ».
- وقال قتادة، عن أبي حسّان الأعرج، عن ابن عبّاسٍ، قال: «
أشهد أنّ السّلف المضمون إلى أجلٍ مسمّى أنّ اللّه أحلّه وأذن فيه، ثمّ قرأ:{يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى}».رواه البخاريّ.
ذكر ذلك ابن كثير
- وثبت في الصّحيحين عن ابن عبّاسٍ، قال: »قدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة وهم يسلفون في الثّمار السّنتين والثّلاث، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «
من أسلف فليسلف في كيلٍ معلومٍ، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم»
🔹
من الفوائد المستنبطة من آية الدين والآية التي تليها :
1- ابتدأت الآية بنداء الإيمان(
يا أيها الذين آمنوا ) وفيه تنبيه أن الآية تضمنت أمرا وإرشاد ليتبع أو نهيا ليجتنب ..
2-
إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى
وفيها :
- جواز المداينة بكل أشكالها من سلم وغيره ( فيما لا يخالف أحكام البيوع والقروض المباحة ) لأن الأحكام عامة في الدين
- الدين هو كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر في الذمة نسيئة .
قوله تعالى ( بدين ) مع أن المداينة لا تكون إلا بدين تحرز من إرادة معنى المجازاة في تداينتم ، لأن العرب تقول تداينا أي تجازيا أخذا وعطاء .
- جواز بيع السلم إذ قيل أنها نزلت فيه خاصة ثم عمت المداينات جميعها
- بيع السلم مستثنى من النهي عن بيع المعدوم أو ماليس عندك لكونه بيع معلوم في الذمة ولشدة الحاجة إليه
- لا بد في بيع السلم من أجل معلوم مسمى إذ الجهالة في الأجل لا تجوز لقوله تعالى ( إلى أجل مسمى ) ولقول رسول الله ( فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم )
- وجوب أن يكون المبيع الذي في الذمة معينا معلوما موصوفا أو موزونا أو مكيلا ويتم قبض ثمنه( رأس المال ) في مجلس البيع قبل الافتراق ...( وأجاز المالكية تأخير رأس المال ليومين أو ثلاثة ) وكذلك أي مبايعة بأجل .( ذكره القرطبي )
3-
فَاكْتُبُوهُ ۚ
- إرشاد من الله تعالى لعباده إذا تبايعوا أو تداينوا لأجل معلوم أن يكتبوا ذلك
- أوجب بعضهم الكتابة عند الدين ، وجعلها البعض على الندب والاستحباب :
-
فاختار الطبري وجوب كتابة الدين على أربابه بيعا كان أو قرضا لئلا يقع فيه نسيان وغلط وهو قول الضحاك وابن جريج
- قال ابن جريجٍ: «من ادّان فليكتب، ومن ابتاع فليشهد».
- وقال قتادة: «
ذكر لنا أنّ أبا سليمان المرعشيّ، كان رجلًا صحب كعبًا، فقال ذات يومٍ لأصحابه: هل تعلمون مظلومًا دعا ربّه فلم يستجب له؟ فقالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: رجلٌ باع بيعًا إلى أجلٍ فلم يشهد ولم يكتب، فلمّا حلّ ماله جحده صاحبه، فدعا ربّه فلم يستجب له؛ لأنّه قد عصى ربّه».
-
ورأى البعض أنه كان واجبا ثم نسخ :
قال أبو سعيدٍ، والشّعبيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والحسن، وابن جريجٍ، وابن زيدٍ، وغيرهم: «كان ذلك واجبًا ثمّ نسخ بقوله:{فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته}».
قال الشعبي : لا بأس إذا أمنته أن لا تكتب ولا تشهد
-
وأما الجمهور فرأوا أن الأمر للندب والاستحباب ابتداء
قال ابن عطية :
وقال جمهور العلماء: «
الأمر بالكتب ندب إلى حفظ الأموال وإزالة الريب، وإذا كان الغريم تقيا فما يضره الكتاب وإن كان غير ذلك فالكتب ثقاف في دينه وحاجة صاحب الحق»،
وقال بعضهم: إن أشهدت فحزم، وإن ائتمنت ففي حل وسعة،
وهذا هو القول الصحيح، ولا يترتب نسخ في هذا .
- في كتابة الدين حفظ للأموال ، وزوال للريبة والشك ، وامتداد للمعروف إذ قد يمتنع البعض من المداينة والإقراض خوفا على حقه من الضياع فتكون الكتابة حفظا لحقه وضمانا له ..
- في قوله تعالى ( فاكتبوه ) إشعار بأن كتابة الدين تكون بكل صفاته المعلومة له التي تزيل اللبس وترفع الشحناء إذا حصل خلاف أو تقاض بين المتداينين
- أمر الله الأمة بالكتابة مع أن رسول الله وصفها فقال ( إنا أمة أمية لا نقرأ ولانكتب ) ووجه ذلك أن الأمر بالكتابة جاء ندبا وإرشادا في جزئيات يخشى فواتها وضياعها ؛ أما الدين فقد يسر الله حفظه للناس
وقد جعل الكتابة أمانا من النسيان ، والحقيقة أننا في يومنا هذا نفتقر إلى الكتابة تقييدا لكل العلم ذلك أن آفة العلم النسيان وحياته المذاكرة ، ولا بد للمذاكرة من كتاب ، فكما قيل :
العلم صيد والكتابة قيده ... قيد صيودك بالحبال الواثقة
- استثنى الله من الأمر بالكتابة في المداينات حصول الثقة والأمن بين المتدايتين (
فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته )
وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا دلل فيه جواز الاعتماد على الاستئمان بين المتداينين
- عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه ذكر «
أنّ رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينارٍ، فقال: ائتني بشهداء أشهدهم. قال: كفى باللّه شهيدًا. قال: ائتني بكفيلٍ. قال: كفى باللّه كفيلًا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجلٍ مسمًّى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثمّ التمس مركبًا يقدم عليه للأجل الّذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينارٍ وصحيفةً معها إلى صاحبها، ثمّ زجج موضعها، ثمّ أتى بها البحر، ثمّ قال: اللّهمّ إنّك قد علمت أنّي استسلفت فلانًا ألف دينارٍ، فسألني كفيلًا فقلت: كفى باللّه كفيلًا. فرضي بذلك، وسألني شهيدًا، فقلت: كفى باللّه شهيدًا. فرضي بذلك، وإنّي قد جهدت أن أجد مركبًا أبعث بها إليه بالّذي أعطاني فلم أجد مركبًا، وإنّي استودعتكها. فرمى بها في البحر حتّى ولجت فيه، ثمّ انصرف، وهو في ذلك يطلب مركبًا إلى بلده، فخرج الرّجل الّذي كان أسلفه ينظر لعلّ مركبًا تجيئه بماله، فإذا بالخشبة الّتي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا فلمّا كسرها وجد المال والصّحيفة، ثمّ قدم الرّجل الّذي كان تسلف منه، فأتاه بألف دينارٍ وقال: واللّه ما زلت جاهدًا في طلب مركبٍ لآتيك بمالك فما وجدت مركبًا قبل الّذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إليّ بشيءٍ؟ قال: ألم أخبرك أنّي لم أجد مركبًا قبل هذا الّذي جئت فيه؟ قال: فإنّ اللّه قد أدّى عنك الّذي بعثت به في الخشبة، فانصرف بألفك راشدًا».رواه أحمد
قال ابن كثير : هذا إسنادٌ صحيحٌ وقد رواه البخاريّ في سبعة مواضع من طرقٍ صحيحةٍ معلقًا بصيغة الجزم
4-
وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ
- أمر لمن يعلم الكتابة أن يكتب ، وقد أوجب بعضهم الكتابة على الكاتب ، وبعضهم جعلها فرض كفاية ، فإن وجد غيره ناب عنه وإن لم يوجد من يكتب غيره تعين عليه الكتابة ..
فقال عطاء وغيره: «واجب على الكاتب أن يكتب»، وقال الشعبي وعطاء أيضا: «إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب»
وقال السدي: «هو واجب مع الفراغ»
- الأمر بالكتابة بالعدل فلا يجور على أحدهما فينقص حق الدائن او يزيد على المدين ، ولا يميل او يحيف لقرابة او صداقة
- الكاتب ينبغي أن يكون عدلا في نفسه حتى يكتب بالعدل ، ويكون عالما بالكتابة وبما ينبغي أن يكتب
قال
مالك : لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها عدل في نفسه مأمون .
- لا يقبل قول الفاسق ولا كتابته ، فلا يكون الفاسق كاتبا
- الكاتب يكون من غير صاحب الحق أو الذي عليه الحق لأن الذي له الحق يتهم في الكتابة على الذي عليه الحق والعكس ، لذلك شرع كون الكاتب من غيرهما فقال تعالى( وليكتب بينكم ) وليس أحدكم
5-
وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ
- تعلم الكتابة فضل منَّ الله به على عباده ، ومن شكر هذه النعمة توظيفها في النفع والخير
قال صلى الله عليه وسلم : إنّ من الصّدقة أن تعين صانعًا أو تصنع لأخرق .
- فيه إشارة إلى ضرورة وجود من يعلم أمور العقود المالية من معاوضات ومداينات ليعرف كيف يكتب عقودها بما يضمن الحقوق ولا يضيع منها شيء
- إرشاد لمن علمه الله الكتابة ألا يضن بها على من يحتاجها ، فكما مَنّ الله عليه وعلمه فليعن هو بعلمه من يحتاجه
- لا يرفض الكاتب أن يكتب إن طلب منه ..
وقد جعل الطبري والربيع الكتابة واجبة على الكاتب إذا أمر أن يكتب ، ذلك أنه أخذ بأن كل أمر دال على الوجوب إلا إن قامت حجه على جعله مندوبا
واعتبر البعض أن (
ولا يضار كاتب ولا شهيد ) ناسخة لوجوب الكتابة إذا استكتب الكاتب ؛ فلا يجبر كاتب أن يكتب
وجعلها الحسن واجبة إن لم يوجد من يقدر على الكتابة غيره ، ويكون في امتناعه عن الكتابة ضررا لصاحب الحق أما إن وجد غيره فهو في سعة
- والجمهور على الندب ، وأن الأمر فيه سعة ، وذلك :
أ. لقوله تعالى ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) فلو كان فرضا ما نهى عن الإلحاح وإجبارهما على الكتابة والشهادة
ب. ولجواز أخذ الأجرة على الكتابة ، فلو كان فرضا ما جاز ذلك
6-
فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ
- الذي يملي على الكاتب هو من عليه الحق أي المدين لأنه مقر على نفسه بما يملي به
- على الكاتب أن يتقيد في الكتابة بما يمليه عليه من عليه الحق إن كان راشدا و يستطيع أن يملي على الكاتب بنفسه
- فيه إشارة إلى أن الإقرار من أقوى ما تثبت به الحقوق في الذمم ، ولا يقبل ممن يقر على نفسه أن يدعي الغلط والخطأ بعد إقراره
- وكما يثبت إنشغال الذمة بالإقرار فكذلك يثبت إبراء الذمة بإقرار من له الحق بالقبض والاستلام ولا يقبل تراجعه عن إقراره
- تعتبر الكتابة بخط العدل وثيقة يعمل بها في إقرار الحقوق وإبراء الذمم حتى لو بعد موت الكاتب والشهود
7-
وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ
أمر بالتقوى للكاتب وللمملي ، فالكاتب يكتب الحق ولا يبخس شيئا من الحق
والذي عليه الحق يملي بما عليه لا ينقص ولا يبخس منه شيئا
- قول الذي عليه الحق يقبل في الحقوق التي لا بينة عليها دون من له الحق . وهو مؤتمن فيما يورده ويصدره ، لذلك يحرم عليه أن يبخس أو ينقص شيئا من الحق الذي عليه سواء كان ذلك في مقداره أو أجله أو جودته وغيرها
8-
فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ
- إشارة إلى ثبوت الولاية والوصاية على السفيه والضعيف لصغر أو جنون أو عي
- يصح تصرف الولي في مال من تحت ولايته
- الولي هنا ولي الذي عليه الحق ، إذ الأصل أنه هو الذي يملي إن كان راشدا مستطيعا وإملاؤه إقرار منه على نفسه
- ينوب الوصي أو الولي عن السفيه وهو خفيف العقل الذي لا يؤمن المال بين يديه لسفهه وتضييعه له في غير أبوابه .. والضعيف ضعيف العقل كالمجنون والعيي والصغير ، في الإقرار والإملاء
- ينوب الكفيل عن غير المستطيع إملاء كالأخرس أو المريض أو الجاهل فيملي على الكاتب والذي عليه الحق يسمع إملاءه
ويجوز أن يقال عن الصغير لا يستطيع أن يملي فيدخل معه
- ينبغي على الولي أن يملي بالعدل فلا يحيف على صاحب الحق ولا ينقص حقه ولا يجور على من تحت ولايته
- لا يقبل إقرار ناقص الأهلية على نفسه كالصغير والمجنون والسفيه رحمة من الله به .
▪
جعل الطبري الهاء في وليه عائدة على الحق وهو قول الربيع ، أي فليملل ولي الحق أي صاحبه ، ويصير المعنى عنده : إن عجز الذي عليه الحق بأن يقر على نفسه بالحق الذي عليه لسبب من الأسباب فليملل صاحب الحق وليحرص على أن يمل بالعدل فلا يحيف على المدين
وعلى قوله فقد جعل السفيه هو الجاهل بأمر الكتابة والإملاء والضعيف هو من ضعف عن الإملاء لعيه أو خرسه
والذي لا يستطيع أن يمل هو المحبوس أو المريض الذي لا يستطيع الحضور لمجلس العقد ...
وحجته في ذلك أن من عليه وصاية أو ولاية كالسفيه والصبي والمجنون لا تصح مداينتهم ابتداء فكيف يصح إملاء وليهم عنهم ...
والأخرس الراشد لا ولاية عليه لعدم وجود سببها
فلذلك رجح كون الولي هنا ولي الحق ... وضعف ذلك ابن عطية وقال : كيف تشهد البينة على شيء وتدخل مالا في ذمة السفيه بإملاء الذي له الدين ؟!هذا شيء ليس في الشريعة .
9-
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ۖ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ
- هذا إرشاد عام في كل العقود بين البشر والتي قد يفضي الخلاف فيها إلى خصومة ونزاع أن يكون هناك شهود يشهدون العقد ليكون ذلك أبين للحجة وأقطع للخصومة
- الاستشهاد هو طلب الشهادة ، وهو على الندب عند الجمهور
- التعبير ب( شهيدين ) وليس (شاهدين) فيه إشارة إلى تكرار الشهادة ، فشهيد صيغة مبالغة على وزن فعيل ، وهو من تكررت شهادته ، فهي إشارة إلى عدالته ورضى شهادته بين الناس ..
- الناس ليسوا محمولين على العدالة حتى تثبت لهم ، فالعدالة زائدة على الإسلام .. ذكره القرطبي ، ورد قول أبي حنيفة : ( كل مسلم ظاهر الإسلام مع السلامة من فسق ظاهر فهو عدل وإن كان مجهول الحال ) ، ذلك أن قوله تعالى ( ممن ترضون ) يدل على اختبار حاله فيلزمه ألا يكتفى بظاهر الإسلام . والله أعلم
- العدالة هي الاعتدال في الأحوال الدينية وذلك يكون باجتناب الكبائر والمحافظة على المروءة وترك الصغائر وظهور الأمانة وأن يكون غير مغفل ..
وقيل العدالة صفاء السريرة واستقامة السيرة في ظن المعدِّل . ذكره القرطبي
- أن نصاب الشهادة في المعاملات المالية وفي العقود عموما : رجلان مرضيان
وقد رضي رسول الله في الخصومات بشهادة رجل ويمين صاحب الحق
- لا تقبل شهادة الفساق والمجهولين ، إذ العبرة أن يكون الشاهدان مرضيان معتبران عند الناس .
- إن لم يؤت في الشهادة برجلين مرضيين فشهادة رجل وامرأتين جميعهم مرضيون
وقال البعض بل لا يتحول عن شهادة الرجلين إلا إذا لم يوجد رجلان مرضيان لقوله تعالى ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) ؛ أي فإن لم يوجد الرجلان فرجل وامرأتان
ولا يؤت بالمرأتين مع وجود رجلين عدلين .. وضعف ذلك ابن عطية
- لا تقبل شهادة الصبي الصغير ولا المرأتان منفردتان في الأمور المالية لقوله تعالى ( من رجالكم )
- أجاز الفقهاء الاكتفاء بشهادة النساء فيما يخص أمورهن مما دعت إليه الضرورة ولا يعلم إلا بشهادتهن
- جعل الله شهادة المرأتين بشهادة رجل لما بينه من احتمال النسيان فتذكر إحداهما الأخرى بالشهادة إن نسيت شيئا منها
- التعبير بالضلال عن نسيان شيء من الشهادة دليل أن المراد نسيان جزء منها لا كلها ، فيحصل تردد فيها إذ لا يقال عمن نسي الشهادة بالجملة ضل فيها .
- من نسي شهادة ثم ذكرها قبل منه ذلك لأن الله قبل من المرأة إذا نسيت أن تذكرها الأخرى بالشهادة
- إشارة إلى أن طروء النسيان على المرأة أكثر ورودا منه على الرجل
- لا تقبل شهادة الكافر لقوله تعالى ( ممن ترضون من الشهداء ) والكافر غير مرضي فلا تقبل شهادته
-
اختلف في شهادة العبيد :
فأجاز أحمد شهادة العبيد لقوله تعالى ( من رجالكم ) ؛ والعبد إن كان عدلا فهو من رجالنا
وخالفه مالك والشافعي وأبو حنيفة فلم يجيزوا شهادة العبد لنقص الرق ...
والجمهور على عدم جواز شهادة العبد :
أ. لأن الآية ابتداء تخاطب المتداينين ، ولا يملك العبد التداين دون إذن سيده .
ب. ولأن الله قال (
ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) والعبد لا يمكنه أن يجيب ولا يأتي لأنه لا استقلال له بنفسه
فالنقص بسبب الرق يمنع دخول العبيد في الشهادة
- تقبل شهادة الأعمى فيما علمه يقينا أو تحمله قبل عماه فيصح أداؤه لكونه شاهد وعاين .
10 -
وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ
- اختلف في ( إذا ما دعوا )
هل هو الدعوة لتحمل الشهادة أم لأدائها بعد تحملها
قال الحسن : جمعت هذه الآية الأمرين : وهما ألا تأبى إذا دعيت إلى تحصيل الشهادة ولا إذا دعيت لأدائها .
وقال مجاهد معنى الآية إذا دعيت لأداء شهادة حصلت عندك
- من قال أنها دعوة للتحمل جعلها على الندب ، فلا يجبر المرء أن يشهد إن لم يرد ذلك ..
قال مجاهد : أما إذا دعيت لتشهد أولا فإن شئت فاذهب وإلا فلا
- ومن قال هي للأداء قال :
إن كان قد تحملها وجب عليه أداؤها إذا دعي لأن في شهادته حفظا للحقوق ومنعا للظلم
وإن كان لم يدع ولم يكلف بتحملها فله أن يشهد أو لا يشهد
- قال قتادة والربيع وغيرهما: «
معنى الآية إذا دعوا أن يشهدوا فيتقيد حق بشهادتهم، وفي هذا المعنى نزلت، لأنه كان يطوف الرجل في القوم الكثير يطلب من يشهد له فيتحرجون هم عن الشهادة فلا يقوم معه أحد، فنزلت الآية في ذلك»
- والأصح أنها هي عموما للندب ، كـ( ولا يأب كاتب أن يكتب ) فهو ندب إلى أداء الشهادة لما فيها من إثبات حق ومنع للظلم ...
ولكن هذا الندب يتغير حسب ثلاث حالات :
أ. إن كانت فسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطل الحق فالمدعو مندوب للشهادة وله أن يتخلف عنها بعذر وبغير عذر .
ب. وإن خيف فوات الحق وتعطله بامتناعه عن الشهادة قوي الندب وقرب من الوجوب
ج. وإن تحقق فوات الحق ووقوع الظلم بعدم شهادته أو تأخرها وجب عليه أداؤها .
- إذا دعي الشاهد للشهادة وكان قد وجب عليه أداؤها لتحقق فوات الحق ووقوع الظلم بعدم شهادته فإن تخلف عن الشهادة لغير عذر جرح في عدالته . ذكره القرطبي
11-
وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ
- ولا تسأموا : أن تملوا
تكتبوه : أي الدين ، وقيل الدين والإشهاد
صغيرا أو كبيرا أي مهما بلغت قيمته لا تستصغروه واكتبوه
- بدأ بالصغير قبل الكبير لأنه مما قد يتهاون في كتابته فنبه تعالى أن الحق حق مهما صغر ، والتوثيق فيه أفضل
- تأكيد على الكتابة وتوثيق الديون وإرشاد إلى عدم تركها
- التأكيد على توثيق الأجل في بيع السلم والمداينات
12-
ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ
- الغرض من الكتابة :
أ. اعدل وأحفظ للحقوق وأقرب للقسط وهو العدل
ب. أثبت وأحفظ لشهادة الشاهد ، إذ قد ينسى فيذكره الكتاب شهادته
ج. أدفع للريبة والشك وأقطع لها ، إذ أن الوثائق المكتوبة ( كالكمبيالات في زماننا ) تضمن لكل صاحب حق حقه ، فلو كان البائع جاهلا للمشتري فالوثيقة تضمن له حقه .
د. كتابة الدين والإشهاد عليه يقطع الطريق على صاحب الحق او الذي عليه الحق بالتلاعب أو إنقاص الحق أو الطمع في زيادته لعلمه بوجود الشهود والبينة عليه فيرعوي ..
- إذا شك الشاهد في شهادته وتردد فيها لا تقبل شهادته ، فلا تقبل إلا شهادة المتيقن
روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الشهادة فقال : (
ترى هذه الشمس ، فاشهد على مثلها أو دع ) ذكره القرطبي
13-
إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ
- التجارة الحاضرة التي يحصل فيها التقابض يدا بيد في نفس المجلس لا حاجة لكتابتها
- خفف الله في كتابة البيوع الحالة التي يتم فيها القبض والتسليم في نفس المجلس رفعا للحرج لكثرتها فقلما يخلو يوم من تبايع حال ... ولكون التقابض حالا يغني عن الكتابة
14-
وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ
- ندب الله للإشهاد في البيع الحال كما في البيع الآجل
والندب ما عليه الجمهور ، وقال الضحاك وابن المسيب وابن زيد ومجاهد وعطاء بوجوب الإشهاد في البيع الحال ورجحه الطبري
وقد ثبت عن رسول الله أنه باع واشترى ولم يشهد.
فعن عمارة بن خزيمة الأنصاريّ، أنّ عمّه حدّثه -وهو من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ابتاع فرسًا من أعرابيٍّ، فاستتبعه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأبطأ الأعرابيّ، فطفق رجالٌ يعترضون الأعرابيّ فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ابتاعه، حتّى زاد بعضهم الأعرابيّ في السّوم على ثمن الفرس الّذي ابتاعه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فنادى الأعرابيّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس فابتعه، وإلّا بعته، فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين سمع نداء الأعرابي، قال: «أو ليس قد ابتعته منك؟» قال الأعرابيّ: لا واللّه ما بعتك. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «بل قد ابتعته منك». فطفق النّاس يلوذون بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والأعرابيّ وهما يتراجعان، فطفق الأعرابيّ يقول: هلم شهيدًا يشهد أنّي بايعتك. فمن جاء من المسلمين قال للأعرابيّ: ويلك! إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن يقول إلّا حقًّا. حتّى جاء خزيمة، فاستمع لمراجعة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومراجعة الأعرابيّ يقول هلمّ شهيدًا يشهد أنّي بايعتك. قال خزيمة: أنا أشهد أنّك قد بايعته. فأقبل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على خزيمة فقال: «بم تشهد؟» فقال: بتصديقك يا رسول اللّه. فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شهادة خزيمة بشهادة رجلين. رواه أحمد وأبو داود
- خفف الله الكتابة ولكنه ندب للإشهاد في البيع الحال ؛ فهو الأفضل للاحتياط
- في الإشهاد حفظ للحق ومنع للظلم والحيف
- قال القرطبي : كان ابن عمر إذا باع نقدا أشهد وإذا باع نسيئة كتب
15-
وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ
- اختلف في ( يضار ) هل هي للفاعل أو لما لم يسم فاعله
-
فمن قال أنها للفاعل فمعناها :
أي لا يضر الكاتب الدائن أو المدين بكتابته، بل يكتب كما يملى عليه الحق ولا يبخس أو يزيد في الحق
ولا يضر الشهود بمن له أو عليه الحق ، بل يشهدوا بالقسط ويقيموا الشهادة لله ولو على قريب ..
ولا يضر بهما باشتراط أجرة لا تحل لشهادته
ولا يماطلا في الكتابة أو الشهادة بما يضر صاحب الحق والذي عليه الحق
-
ومن قال أنها لما لم يسم فاعله :
فجعل ( لا يضار ) أي يضره أحد بشهادته أو كتابته
فلا يجبر على الكتابة أو الشهادة إن أباها لحاجة أو لعذر
ولا يلح عليه بها أو يؤذى بسببها
عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {ولا يضارّ كاتبٌ ولا شهيدٌ} قال: «
يأتي الرّجل فيدعوهما إلى الكتاب والشّهادة، فيقولان: إنّا على حاجةٍ فيقول: إنّكما قد أمرتما أن تجيبا. فليس له أن يضارّهما».
- الكاتب والشاهد محسنان حقهما أن يشكرا على معروفهما وإحسانهما فلا يضاران بإحسانهما
16-
وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ
- تحذير من الله تعالى :
للكاتب والشهيد أن يحيفا أو يضارا
فيكتب الكاتب غير الحق فيهضم حق صاحب الحق أو يزيد على الذي عليه الحق لميله لصاحب الحق
والشاهد أن يشهد شهادة زور أو يغير شهادته أو يحيف بها ويميل لطرف على طرف فهذا فسق ..
- التحذير من شهادة الزور فقد جعلها الله من أكبر الكبائر
ورد في الصّحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ألا أخبركم بشرّ الشّهداء؟ الّذين يشهدون قبل أن يستشهدوا»، وكذا قوله:«ثمّ يأتي قومٌ تسبق أيمانهم شهادتهم وتسبق شهادتهم أيمانهم».وفي روايةٍ: «ثمّ يأتي قومٌ يشهدون ولا يستشهدون». فهؤلاء شهود الزّور
- تحذير من الإضرار بالكاتب او الشاهد أن هذا طريق للفسق
- إشارة إلى أن اوصاف الفسق والنفاق والإيمان تتجزأ في الإنسان ، فقد قال الله ( فسوق بكم ) أي أن من يفعل ذلك فيه فسق ، لا أنه فاسق
17-
وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ
- إشارة مهمة أن التقوى طريق للعلم ، والعلم سبب للتقوى ، فهو وعد من الله بأن من اتقاه يعلمه ويجعل له نورا يفهم به ...
- كل علم يعلمه المرء هو بتعليم الله له فلا فضل لأحد بما يعلمه إنما هو فضل لله يؤتيه من يشاء
18-
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
- تذكير للعبد أن علم الله محيط واسع ... وأنه مهما بلغ من العلم لا يحيط بعلمه شيئا ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء )
- تحذير للدائن والمدين والكاتب والشهود أن الله عليم بكل ما يفعلون وما يكتبون وما يملون وما يقولون ، ولا تخفى على الله خافية فليتقوا الله في معاملاتهم ولا يحيف بعضهم على بعض وليؤد الذي عليه الحق الحق لصاحبه في موعده ...
🔹
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ ۖ
18 - مشروعية الوثائق لحفظ الحقوق ، وهي في المداينات :
الشهادة والرهن والضمان والمفالة
- الرهن مشروع في الحضر كما في السفر ، لكنه نص على السفر لصعوبة العثور على كاتب تسهيلا للمعاملة
وقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي طلب منه سلف الشعير، فقال: «إنما يريد محمد أن يذهب بمالي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «
كذب إني لأمين في الأرض أمين في السماء، ولو ائتمنني لأديت، اذهبوا إليه بدرعي».
- يدخل كل عذر مانع من الكتابة أو الإشهاد في حكم السفر بالرهن لحفظ الحق وتوثيق المعاملة
- قال ابن عطية :
وقد قال جمهور من العلماء: «الرهن في السفر ثابت في القرآن، وفي الحضر ثابت في الحديث». وقال أن في ذكر السفر في الآية مثال للعذر المانع من الكتابة ، وعليه ففي الآية إشارة إلى الرهن في الحضر
- إذالم يوجد كاتب أو وجد ولم توجد دواة أو قلم أو ورق دخل في حكم ( لم تجدوا كاتبا )
قال ابن عبّاسٍ: «أو وجدوه ( أي الكاتب ) ولم يجد قرطاسًا أو دواةً أو قلمًا فرهن مقبوضةٌ، أي: فليكن بدل الكتابة رهان مقبوضةٌ في يد صاحب الحقّ».
- الرهن هو احتباس العين وثيقة بالحق ليقتضى الحق من ثمنها إن تعذر أخذه من الغريم
-اختلف في وجوب قبض الرهن في مجلس العقد
فعند المالكية لا بد من تسلم الرهن وقبضه في يد صاحب الحق ليلزم
ولذلك قال ابن عطية : بطل الرهن عند الفقهاء إذا خرج من يد المرتهن إلى يد الراهن بوجه من الوجوه لأنه فارق ما جعل له . ( متى رجع الرهن إلى الراهن باختيار المرتهن بطل الرهن )
أما الشافعي فقبل رهنا معينا موصوفا ، وجعل عودة الرهن ليد الراهن مطلقا لا يبطل القبض الحاصل أولا .
وفي المسألة تفصيل عند الفقهاء
- إذا اختلف الراهن والمرتهن في صورة الرهن ومقداره فالقول قول المرتهن لأن الله جعل الرهن في مقابل المتابة لحفظ حق صاحب الحق
19-
فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ
- جواز التعامل المالي بين الناس على الثقة والاستئمان دون شهادة أو كتابة
- من تبايع أو تداين على الأمانة فليؤد الذي عليه الحق أمانته وليحفظ حق غيره ولا يبخس
- الأمر بأداء الحق ممن عليه الحق هو على الوجوب ، بقرينة الإجماع على وجوب الوفاء بالديون وأداء الأمانات
- من ائتمنك وبتيع أو داينك على الثقة والاستئمان فاحفظ معه مروءتك وأد إليه أمانته
عن سمرة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه».
20-
وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ
- التقوى واقية من الذنوب والمعاصي ، وكلما عظمت في القلب عظم أثرها وكفت صاحبها عن المعاصي
- تنبيه من الله للعبد وتذكير له بأن الله ربه وهو المتكفل له برزقه فلا يحيف طمعا ولا يبخس من الحق وليؤد ما اؤتمن عليه
21-
وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ
- كتمان الشهادة من أعظم الذنوب ، فمن كانت عنده شهادة يحفظ بها حقا ويمنع بها ظلما وامتناعه يضيع الحقوق وجب عليه أداؤها
قال ابن عبّاسٍ وغيره: «
شهادة الزّور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك»
- التعبير ب( آثم قلبه ) أي قد تعلق به الإثم المترتب على معصية كتمان الشهادة في موضع وجوبها
قال ابن كثير وهذه كقوله تعالى : (
ولا نكتم شهادة اللّه إنّا إذًا لمن الآثمين}
وهي في الحقيقة أخص لأنه ام يقل فإنه آثم ، بل آثم قلبه ، فكانه موضع صلاحه وفساده وموضع رجاء الخير منه تعطل لتعلق الإثم به
- خص القلب بالذكر لأنه موضع الكتمان ثم هو علق الإثم به لأنه هو المضغة التي بصلاحها يصلح العبد وبفسادها يفسد
22-
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ
تذكير لهم كما ذكرهم في الاي قبلها انه عليم بكل شيء، فههنا يذكرهم أنه عليم بعملهم فليحذروا أن يخالفوا أو يكتموا شهادة أو يخونوا أمانة ويأخذوا حقا .
- إشارة إلى أن أحكام الله التي شرعها لتنظيم مصالح العباد فيها صلاحهم في حياتهم وتحقيق للعدل والمصلحة وحفظ للحقوق وقطع للنزاعات
والله أعلم
🔹
تم الاستعانة بـ:
- جامع البيان في تفسير القرآن للطبري
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
- تيسير للطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن للسعدي
إضافة إلى التفاسير الثلاثة المقررة :
- معاني القرآن لأبي إسحق الزجاج
- المحرر الوجيز لابن عطية
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير