المجموعة الثانية:
س1: تحدّث عن عناية الصحابة والتابعين بالتفسير اللغوي.
إن عناية الصحابة و التابعين بالتفسير اللغوي عناية ظاهرة جلية ، فحفظهم للأشعار و التفقه في العربية و فنونها دال على اهتمامهم بتفسير القرآن بلغة العرب ، فتعلمهم للعربية هو من الزاد المعين لهم على التفسير و إعراب القرآن و حسن التلاوة . و من صور هذه العناية الفائقة قول عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما - :" إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب " ، وأيضاً قول أبي بن كعب -رضي الله عنه - :" تعلَّموا العربية في القرآن كما تتعلمون حفظه " .
و كما هو معلوم أن الصحابة و التابعين من أهل طبقة الاحتجاج ، فهم أهل اللغة العالمين بها و بأساليبها فشربوا من معينها الصافي الذي لم يتكدر باللحن و الخطأ ، و مما ورد في ذلك : أن رجلاً قال للحسن البصري: يا أبا سعيد، والله ما أراك تلحن!! فقال : (يا ابن أخي ، إني سبقت اللحن). و مع سلامة لسانهم و علمهم بالعربية كان لهم عناية بالتفقه في العربية و سؤال الفصحاء ، وحفظهم للحجج و الشواهد من الخطب و غيرها .
إلا أن المتقدمين من الصحابة و التابعين يتفاضلون في المعرفة بفنون العربية ، فبعضهم معرفته أوسع باللغة من غيره و أكثر تمكناً من غيره من ناحية شواهدها و أدوات الاجتهاد فيها . و في هذا قال عاصم بن أبي النجود: (كان زرّ بن حبيش أعرب الناس، وكان عبد الله بن مسعود يسأله عن العربية).
و بهذا يكون تفسير الصحابة للقرآن بلغة العرب حجة لغوية ، بشرطين :
١- صحة الإسناد إليهم
٢- أمن لحن الرواة .
و يدخل في ذلك أيضاً كبار التابعين و أوساطهم ممن لم يعرف منهم اللحن .
س2: بيّن مع التمثيل أثر معرفة الأساليب القرآنية في التفسير.
إن أثرمعرفة الأساليب القرآنية في التفسير له أثر كبير و واضح ، ففي العلم بمعاني الأساليب زيادة معرفة على معرفة معاني الألفاظ المفردة فقط ، وأثر ذلك على المتعلم و المتأمل هو استقامة فهم معنى الآية .
و من أمثلة ذلك : تفسير قوله تعالى: " فما أصبرهم على النار" فللعلماء فيها قولين مشهورين :
- هناك من فسّر بالتعجب .
- و الآخرمن فسّر بالاستفهام .
وهذين القولين مبنية على تفسير معنى الأسلوب.
لكن ينبغي التنبه إلى أن المفسر قد يكون على صواب في معرفة الأسلوب لكن يخطئ في تقرير معنى الأسلوب و في هذا أمثلة كثيرة في كتب التفسير منها : ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: "أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله" .
قال: (أي: أإله مع الله فعل هذا؟ وهذا استفهام إنكار، وهم مقرون بأنه لم يفعل هذا إله آخر مع الله.
ومن قال من المفسرين إن المراد: هل مع الله إله آخر؟ فقد غلط؛ فإنهم كانوا يجعلون مع الله آلهة أخرى كما قال تعالى: "أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد")ا.هـ.
س3: تحدّث بإيجاز عن احدى أمثلة دراسة معاني الحروف في التفسير.
من أمثلة دراسة معاني الحروف في التفسير ما جاء في معنى "ما" في قول الله تعالى: "إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ" .
فاختلف العلماء في معنى "ما" على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن "ما" موصولة لإفادة العموم؛ فيكون المعنى: إن الله يعلم كلَّ ما تعبدون من دونه من حجر أو شجر أو نجم أو نار أو جنّ أو إنس؛ فكلّ ما يُعبد من دون الله تعالى فالله محيط به علماً.
وإيماء هذا المعنى أنّ الله يعلم حال تلك المعبودات ونقصها وفقرها إليه وأنّها لا تستحقّ من العبادة شيئاً، وأنّ كلّ من أشرك بالله شيئاً في عبادته فهو بعلم الله وسيجازيه على شركه. وهو قول ابن جرير الطبري وجماعة من المفسرين .
والقول الثاني: أن "ما" نافية ، فيكون المراد أن النفي متجّه لنفع تلك المعبودات؛ فكأنّها لمّا لم تنفعهم شيئاً نزّلت منزلة المعدوم، ومن حسن بيان العرب تنزيل عديم الفائدة منزلة عديم الوجود، وهذا فيه تبكيت عظيم الأثر على قلوب المشركين.
وهذا المعنى نظير قول الله تعالى: " مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ"
وقول الله تعالى: "قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ..."
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الكهّان: ((ليسوا بشيء)). ذكره أبو البقاء العكبري وأبو حيّان الأندلسي وغيرهم ، واختاره الأستاذ محمود صافي.
والقول الثالث: أن "ما" استفهامية، والاستفهام إنكاري، و"يعلم" معلّقة، والمعنى: أيّ شيء تدعون من دون الله؟
ذكره سيبويه عن الخليل بن أحمد، وقال به أبو علي الفارسي والراغب الأصبهاني وجماعة.
س4: تحدّث بإيجاز عن عناية علماء اللغة بمسائل الإعراب على مر العصور.
علم إعراب القرآن هو محط اهتمام من نحاة المفسرين ، و يرجع هذا الاهتمام البالغ لعدة أسباب ، من أظهرها :
١- الكشف عن المعاني .
٢- التعرف على علل الأقوال .
٣- ترجيح بعض الأقوال وأوجه المعاني على بعض .
٤- تخريج أقوال المفسرين .
و علماء اللغة المتقدمين كان لهم الشيء الكثير من العناية بمسائل الإعراب في التفسير ، ومن العلماء المشتهرين بذلك : عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي ت١٢٩هـ ، الخليل بن أحمد ت١٧٠هـ ، وسيبويه ت ١٨٠ هـ .
و تتابع الاهتمام بهذا العلم الفاضل فظهر علماء في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث اهتموا في التأليف في معاني القرآن و إعرابه ، منهم :
- الإمام الكسائي ت ١٨٩هـ ، و كتابه في معاني القرآن لكنّه مفقود.
- أبي زكريا يحيى بن زياد الفرَّاء ت ٢٠٧هـ ، و كتابه قيّم في معاني القرآن، وهو من أجمع الكتب في زمانه في إعراب القرآن، وقد عني العلماء به.
و في منتصف القرن الثالث وآخره برز جماعة من علماء اللغة كانت لهم أقوال مأثورة في إعراب القرآن، ومنهم: قتيبة ، المبرّد، وثعلب.
و مال زال الاهتمام بإعراب القرآن يمتد و يتسع التأليف فيه ، ففي القرن الرابع الهجري اشتهرت كتب منها :
-كتاب "معاني القرآن وإعرابه" ، لأبي إسحاق إبراهيم بن السريّ الزجاج ت ٣١١هـ ، وهو من أجمع كتب إعراب القرآن في زمانه، واشتهر كتابه شهرة كبيرة وعني به العلماء.
- "معاني القرآن" و"القطع والائتناف" ، لأبي جعفر أحمد بن إسماعيل النحاس ت ٣٣٨هـ ، فيهما مسائل كثيرة في إعراب القرآن .
و استمر الاهتمام و التأليف في إعراب القرآن في القرون التي بعدها أيضاً ، و ظل العلماء يجدّون ويجتهدون في تأليف أجود المؤلفات ، ومنها :
- كتاب "مشكل إعراب القرآن" لمكي بن أبي طالب القيسي ت ٤٣٧هـ .
- كتاب "المجيد في إعراب القرآن المجيد" لإبراهيم بن محمد الصفاقسي ت ٧٤٢هـ .
و من مظاهر اهتمام العلماء بمسائل الإعراب ما كان من اهتمام بعض المفسرين بها و ظهور أثرها على التفسير و الترجيح بين الأقوال ، و منهم :
- إمام المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ت ٣١٠هـ ، في تفسيره الكبير "جامع البيان عن تأويل آي القرآن".
- أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي ت ٤٦٨ هـ ، في تفسيره البسيط .
أما اهتمام العلماء بمسائل إعراب القرآن في عصرنا الحالي فهو اهتمام بالغ ملحوظ نتج عنه مؤلفات كثيرة ، من أشهرها :
- كتاب "الجدول في إعراب القرآن" للأستاذ محمود بن عبد الرحيم الصافي ت ١٣٧٦هـ ، وقد اجتهد فيه اجتهاداً بالغاً، وتوفّي - رحمه الله- بعد ساعة من دفع الكتاب للمطبعة.
- كتاب "إعراب القرآن وبيانه"، لمحيي الدين درويش ت ١٤٠٢هـ ، وقد أمضى في تأليفه نحو عشرين عاماً.
و هذا دال على دقة الاهتمام و اهتمام العلماء بخدمة العلم و الصبر على بلوغ المرام .
" فرحمهم الله جميعاً و جزاهم خير الجزاء " .
- و صلّ اللهم و سلم على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين - .