مجلس مذاكرة القسم 16 من تفسير سورة البقرة 219- 232
ج1:-
رسالة مختصره ليسر الشريعة من خلال تفسير آيات الطلاق:-
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ،فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالمقاصد العظيمة التي تكفل حق الإنسان ، وهي الضرورات الخمس ،ومنها حفظ العرض والنسل ، فجاء الإسلام بشرائع النكاح وأحكامه ،والأحوال التي تفصل أحكام من لم يوفق في زواجه ، أو ظهر له مشكلة طارئة، أو عدم توافق بين الزوج والزوجة، فشرع الإسلام أحكام الطلاق وفصلها ، حيث أن المشقة تجلب التيسير ، فشرع الإسلام أحكام الإيلاء ، عندما يحلف الرجل أن لا يقرب امرأته ، فيتركها لا أيما ولا ذات زوج، فحدد أربعة أشهر للمراجعة ، لئلا تتضرر المرأة نتيجة غضب الزوج وشره ، وربط الإسلام ذلك بتحقيق الإصلاح للعائلة كلها ، وعدم إلحاق الضرر بها ، وهذا من يسر الإسلام ،
وجاءت الشريعة بالأربعة أشهر الكاشفة مدى صبر المرأه عن زوجها ، ثم بعد ذلك يعزم الرجل إما التطليق أو الإقامة وقت التوقيف ، ثم إن الإسلام جعل للمطلقة عدة ثلاثة قروء ،أو ثلاث حيض ،حتى يتبين طهارتها ، ولا يوجد حمل ، وذلك للإصلاح وعدم المضاربة ، ثم إن الإسلام أعطى المرأة حقوقها في ذلك "ولهن مثل الذي عليهن" ،ومن يسر الإسلام أن أباح لها أن تتزوج بعد ذلك ،لكن بشرط أن تخبر بالحق ،لئلا تستعجل انقضاء العدة ، أو رغبة في تطويلها ،
ومن يسر الاسلام أن جعل للزوج الرد وقت العدة إن أراد الإصلاح والخير ، وحق المرأه :أن يطعمها ويكسوها ،ولا يضرب الوجه ولا يقبح ،
ثم من يسر الشريعة أن جعل الطلاق مرتان : فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، وأن لا يأخذ من مهرها ، وربط ذلك بإقامة حدود الله من طرف الزوجة ،
أما في الجاهلية فكانوا يطلقون ويرجعون إلى غير غاية ، وفيه عسر ومضارة للمرأة، ومن يسر الشريعة إباحة أن تدفع المرأة الفدية حال تعذر الزواج ،وعدم رغبتها ،
والطلاق مرتان " يدل على يسر الشريعة ،فهي رافعة لما كان الأمر في ابتداء الإسلام من أن الرجل كان أحق برجعة امرأته ،وإن طلقها مائة مرة ، ما دامت في العدة ، فلما كان فية إضرار بها قصرهم الله إلى ثلاث طلقات ، وأباح الرجعة في المرة والمرتين ، وأبانها في الثالثة ، وذلك تدرج ويسر وسماحة ،ومن يسر الشريعة النهي عن عضل المرأة وإيذائها، ولها افتداء نفسها .
كما أن من يسر الشريعة إباحة الخلع للمرأة إن نفرت من الزوج وأبغضته ،لتحقيق المصلحة،كما أن من يسر الشريعة وعظم مقاصدها إباحة الرجعة بعد أن يطلقها مرتين ،إذا نكحت زوجاً غير زوجها ، ومن يسر الشريعة النهي عن أن يطلق الرجل امرأته ثم يتركها حتى يقرب انقضاء أجلها ثم يراجعها إضرارا بها ، وأن ذلك ظلم بين ، واستهزاء بالدين والشرع ، لما فيه من تلاعب بتطويل العدة ، ومضارة منه،
كما نهى الشرع عن عضل المرأة ،وهو منعها و حبسها من أن تنكح زوجا غيره ، مع أن هذه
الآية " فلا تعضلوهن"،تثبت حق الولي في إنكاح وليته ، مما يؤدي العضل للفساد والمخالفة على ما لا ينبغي ، وفي منعها مفاسد .
المجموعة الاولى :
ج1:- تفصيل القول في تفسير " يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما ... من نفعها" " يسألونك عن الخمر ":- يخبر الله سبحانه عن السائلين من المؤمنين ، عن الشراب الذي يخامر العقل أي : يستره ويضيعه، وكل مسكر خمر ، وكل مسكر مضيع للعقل ومغط له ، والخمر ماء العنب الذي غلي ،وإن لم يطبخ ، وكل ما خامر العقل من غير ذلك فهو في حكمه ، والحد واجب في القليل و الكثير منه ،وهو محرم ، وهذه الآية أول طريق إلى تحريم الخمر ، وحد شربه : أربعين جلدة ، " الميسر ": مأخوذ من يسر إذا جزر ، والجزور الذي يساهم عليه يسمى ميسرا ، وهو من القمار المحرم ،
" قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس " ،والإثم الكبير في الخمر :لأنها توقع العداوة والبغضاء بين الناس ، وتحول بين المرء وعقله.
الذي يميز به ، ويعرف ما يجب لخالقه، والقمار تورث العداوة والبغضاء ، وأن مال الإنسان يذهب لغيره ،
"ومنافع للناس" :- كاللذة في الخمر ،والربح في التجارة ، وكذلك منفعة القمار ، بأن يصير الشيء إلى الإنسان بلا تعب ولاكد ،والمنفعة فيهما بعد التحريم ،و المنفعة قبلها ، كما أن الإثم في الخمر ما يحصل من فاعلة من سباب وافتراء واعتداء وتعدي ، كما أن الإثم أعود بالضرر في الآخرة ، فالإثم في الدين ،والمنافع دنيوية .
وقوله" وإثمهما أكبر من نفعهما" :- هذه الآية ممهدة لتحريم الخمر على البتة ، فلم تكن مصرحة بل معرضة ، فالإثم الذي فيها وهو التحريم أكبر مما فيها من منافع دنيوية ظاهرة ، هذا من التدرج في التحريم ، ويدل على عظمة الشريعة .
ج2:- المراد بالقرء:-
القول الأول : وهو قول مالك والشافعي ، وداود وأبو ثور ورواية عن أحمد ،
- المراد : الأطهار ،
واستدلوا بقول عائشة " الأقراء : الأطهار "
واستدلوا بقوله تعالى " فطلقوهن لعدتهن "
إي : في الأطهار ، ولما كان الطهر الذي يطلق فيه محتبسا ، دل على أنه أحد الأقراء الثلاثة المأمور بها ، ويسمى القرء : طهراً لأنه وقت معتاد تردده يعاقب الحيض.
القول الثاني : روي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو الدرداء ، وأنس ، وطاوس ، وابن جبير وغيرهم ، ومذهب أبو حنيفة والثوري والأوزاعي . -الأقراء : الحيض ، فلا تنقضي العدة حتى تطهر من الحيضة الثالثة ، واستدلوا بقول الرسول لفاطمة بنت أبي حبيش " دعي الصلاة أيام أقرائك"
الترجيح :-
ذكر ابن جرير :- أصل القرء في كلام العرب : الوقت لمجيء الشيء المعتاد مجيئه في وقت معلوم الشيء ، وإدباره لوقت معلوم ، فالعبارة أن يكون مشتركا بين هذا وهذا ،
وقيل: القرء : الوقت ،
ونقل ابن عبدالبر أن القرء يطلق على الطهر والحيض ،
والقراء : الوقت المعتاد تردده ، وقرء النجم وقت طلوعه.
والقراء : مأخوذ من قرء بماء في الحوض ، وهو جمعه ، فكأن الرحم يجمع الدم وقت الحيض والجسم يجمعه وقت الطهر ، فيكون القرء من ألفاظ الأضداد.
ج2/ب:- تحرير القول المراد بقوله " ما خلق الله في أرحامهن" ،والحكمة من النهي عن ذلك :
اختلف في المراد بذلك :
القول الأول : قول ابن عمر ومجاهد والربيع و ابن زيد والضحاك وابن عباس هو : الحيض و الحبل جميعا ً،
القول الثاني : وهو قول الزجاج: لا يحل لهن أن يكتمن أمر الولد ،لأنهم إن فعلن ، ذلك فإنما يقصدن إلى إلزامه غير أبيه .
وهو بالولد أشبه ،لأن ما خلق الله في أرحامهن أدل على الولد ، لأن الله قال "هو الذي يصوركم في الأرحام " ، وقال " ثم خلقنا النطفة علقة" فوصف خلق الولد ،
والحكمة من النهي :-
النهي عن الإضرار بالزوج وتضييع حقه من الارتجاع ، أو إن قالت لم أحض : ألزمته من النفقة ما لم يلزمه ، فأضرت به ، أو بقصد تكذيبها في نفس الحيض ،أن لا يرتجع حتى تتم العدة ويقطع الشرع حقه.
وكذلك الحامل تكتم الحمل ليقطع حقه في الارتجاع ،
وكان الرجل يسأل إن أراد تطليق امراته أنها حامل ؟ مخافة أن يضر بنفسه وولده في فراقها ، فأمرهم بالصدق .
ورجح ابن عطية العموم .