قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)
مناسبة الآية .
أن الإنسان خلق لعبادة الله وتوحيده والإيمان باليوم الآخر ،وأن الله محصي أعماله لايظلمه ولايبخسه .
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه:"وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله"، فَإن الله لا يبخس أحدًا من خلقه أنفق في سبيله مما رزقه، من ثواب نفقته في الدنيا، ولا من أجرها يوم القيامة .
القراءات :
قرأ جمهور السبعة «حسنة» بالنصب على نقصان «كان» واسمها مضمر تقديره وإن تك زنة الذرة حسنة.
وقرأ نافع وابن كثير «حسنة» بالرفع على تمام «كان» التقدير: وإن تقع حسنة أو توجد حسنة، ويضاعفها جواب الشرط.
وقرأ ابن كثير وابن عامر «يضعفها» مشددة العين بغير ألف، قال أبو علي: المعنى فيهما واحد، وهما لغتان.
وقرأ الحسن «يضعفها» بسكون الضاد وتخفيف العين، ومضاعفة الشيء في كلام العرب: زيادة مثله إليه.
القراءات في قوله من لدنه
قال القرطبي : وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ : لَدُنْ وَلُدْنُ وَلَدُ وَلَدَى، فَإِذَا أَضَافُوهُ إِلَى أَنْفُسِهِمْ شَدَّدُوا النُّونَ، وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ (مِنْ) حَيْثُ كَانَتْ (مِنْ) الدَّاخِلَةُ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ وَ (لَدُنْ) كَذَلِكَ، فَلَمَّا تَشَاكَلَا حَسُنَ دُخُولُ (مِنْ) عَلَيْهَا.
المراد بقوله تعالى : (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ )
قال القرطبي : الْمُرَادُ مِنَ الْكَلَامِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَظْلِمُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً .
معنى مثقال ذرة :
قال ابن حجر وأبو عبيدة : أي زنة ذرّةٍ ويقال هذا مثقال هذا أي وزنه وهو مفعالٌ من الثّقل. وذكره ابن عطية في تفسيره.
معنى ذرة والأقوال فيها
هي رأس نملة حمراء ،قول ابن عباس
رواه الطبري في تفسيره قولاً عن شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله:"مثقال ذرة"، قال: رأس نَملة حَمراء.
وقيل الذرة في الأصل أصغر النمل التي لا وزن لها .
وقيل ما يرفعه الريح من التراب .
وقيل كل جزء من أجزاء الهباء في الكوة ذر. ذكره القسطلاني في ارشاد الساري .
ماقيل في وزن الذرة ومقداره .
قال ابن حجر في فتح الباري : والذّرّة يقال زنتها ربع ورقة نخالةٍ وورقة النّخالة وزن ربع خردلةٍ وزنة الخردلة ربع سمسمة.
ويقال الذّرّة لا وزن لها.
وذكر العيني في عمدة القاري : قال يزيد بن هارون: زعموا أن الذّرة ليس لها وزن، ويحكى أن رجلا وضع خبزًا حتّى علاه الذّر مقدار ما ستره ثمّ وزنه فلم يزد على مقدار الخبز شيئا .
وعن ابن عبّاس أنه أدخل يده في التّراب ثمّ نفخ فيه. وقال: كل واحد من هؤلاء ذرة .
وعن قتادة: كان بعض العلماء يقول: لأن تفضل حسناتي وزن ذرة أحب إليّ من الدّنيا جميعًا. وفي حديث ابن مسعود يرفعه يا رب لم يبق لعبدك إلاّ وزن ذرة، فيقول عز وجل، ضعفوها له وأدخلوه الجنّة.
قال القرطبي : وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ لِلذَّرَّةِ وَزْنًا، كَمَا أَنَّ لِلدِّينَارِ وَنِصْفِهِ وَزْنًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
دلالة التمثيل بقوله ( ذرة
قال الزجاج : أن الناس خوطبوا فيما في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم، لأن ذلك - أعني ما يبصر - أبين لهم.
دلالة التشبيه.
قال أبو منصور الجواليقي، يظنّ النّاس أن المثقال وزن الدّنيا لا غير، وليس كذلك إنّما مثقال كل شيء وزنه وكل وزن يسمى مثقالا وإن كان وزن ألف. قال الشّاعر:
وكلا يوفيه الجزا بمثقال. ذكره العيني
الأصل في قوله (تك
قال الزجاج : الأصل فيها ( تكن ) ، فأما سقوط النون من " تكن " فأكثر الاستعمال جاء في القرآن بإثباتها، وإسقاطها قليل .
ولماذا حذفت :
قال الزجاج : فحذفت استخفافا لكثرة الاستعمال.
المراد بقوله تعالى : ( وإن تكن حسنة يضاعفها
قال أبو عبيدة : "يضاعفها" أضعافاً، ويضعّفها ضعفين ، و يؤتي مثلها مرات، ويكثر ثوابها .. وذكره القرطبي
ومعنى {من لدنه}:
قال النحاس : من قبله ، وقيل من عنده. ذكره القرطبي
ماتفيده كلمة (من لدنه
قال سيبويه:
ولدن: هي لابتداء الغاية.
اختلف أهل التأويل في الذين وعدهم الله بهذه الآية وما وعدهم فيها.
فقيل : هم جميع أهل الإيمان بالله وبمحمد ﷺ.
وقيل هم : المهاجرون خاصة، دون أهل البوادي والأعراب.
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ من قال:"عُنى بهذه الآية المهاجرون دون الأعراب".
المقصود بقوله : ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا"،
أي: الجنة يعطيها. قول ابن مسعود وسعيد بن جبير
،قول ابن مسعود رواه الطبري عن طريق زاذان.
وقول سعيد بن جبير رواه الطبري عن طريق ابن جريج …
روى الرازي في تفسيره عن طريق عن عطيّة، حدّثني عبد اللّه يعني: ابن عمر قال: نزلت هذه الآية: ويؤت من لدنه أجراً عظيماً بعد الأضعاف وإذا قال لشيءٍ عظيمٍ فهو عظيمٌ.