مجلس مذاكرة مقاصد مقدمة تفسير ابن كثير
المجموعة الثانية:
1: بيّن فضل القرآن وأهله.
1- شرفه على ما سواه من الكلام الصادر من البر والفاجر:
-عن أبي موسى، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها"
2-فضل أمة القرآن -مع قصر مدتها- على الأمم الماضية -مع طول مدتها-:
-عن سفيان، حدثني عبد الله بن دينار، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر ومغرب الشمس، ومثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استعمل عمالا فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود فقال: من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر؟ فعملت النصارى، ثم أنتم تعملون من العصر إلى المغرب بقيراطين قيراطين، قالوا: نحن أكثر عملا وأقل عطاء! قال: هل ظلمتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فضلي أوتيه من شئت".
3- سبب فضلهم:
وإنما فازوا بهذا ببركة الكتاب العظيم الذي شرفه الله تعالى على كل كتاب أنزله، جعله مهيمنا عليه، وناسخا له، وخاتما له؛ لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة، وهذا القرآن نزل منجما بحسب الوقائع لشدة الاعتناء به وبمن أنزله عليه، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة، وأعظم الأمم المتقدمة هم اليهود والنصارى، فاليهود استعملهم الله من لدن موسى إلى زمان عيسى، والنصارى من ثم إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ثم استعمل أمته إلى قيام الساعة، وهو المشبه بآخر النهار، وأعطى الله المتقدمين قيراطا قيراطا، وأعطى هؤلاء قيراطين قيراطين، ضعفي ما أعطى أولئك، فقالوا: أي ربنا، ما لنا أكثر عملا وأقل أجرا؟ فقال: هل ظلمتكم شيئا؟ قالوا: لا قال: فذلك فضلي أي: الزائد على ما أعطيتكم أؤتيه من أشاء كما قال تعالى:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم * لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
4- بركة القرآن:
-عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن البيت الذي يقرأ فيه القرآن يكثر خيره، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يقل خيره". رواه البزار.
- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الرجل الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب". رواه أحمد.
-عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"القرآن غنى لا فقر بعده ولا غنى دونه" رواه الطبرانى.
- عن عبد الله بن مسعود قال:"إن هذا القرآن شافع مشفع، من اتبعه قاده إلى الجنة، ومن تركه أو أعرض عنه -أو كلمة نحوها- زج في قفاه إلى النار". رواه البزار
- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من اتبع كتاب الله هداه الله من الضلالة، ووقاه سوء الحساب يوم القيامة، وذلك أن الله عز وجل يقول:"فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى".رواه الطبرانى.
- عن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان". رواه أحمد
5- فضل قراءة القرآن:
-عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يقول الله تعالى: من شغله قراءة القرآن عن دعائي أعطيته أفضل ثواب السائلين" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه" رواه أبو بكر البزار.
-عن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ ألف آية كتب الله له قنطارا، والقنطار مائة رطل، والرطل اثنتا عشرة أوقية، والأوقية ستة دنانير، والدينار أربعة وعشرون قيراطا، والقيراط مثل أحد، ومن قرأ ثلاثمائة آية قال الله لملائكته: نصب عبدي لي، أشهدكم يا ملائكتي أني قد غفرت له، ومن بلغه عن الله فضيلة فعمل بها إيمانا به ورجاء ثوابه، أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك". رواه أبو يعلى.
- عن فضالة بن عبيد، وتميم الداري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ عشر آيات في ليلة كتب له قنطار، والقنطار خير من الدنيا وما فيها، فإذا كان يوم القيامة يقول ربك، عز وجل: اقرأ وارق بكل آية درجة حتى ينتهي إلى آخر آية معه، يقول ربك: اقبض، فيقول العبد بيده: يا رب أنت أعلم. فيقول: بهذه الخلد وبهذه النعيم". رواه الطبرانى
- عن عبد الله بن عمرو، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قرأ القرآن فكأنما استدرجت النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه". رواه الطبرانى
- عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من استمع إلى آية من كتاب الله كتبت له حسنة مضاعفة، ومن تلاها كانت له نورا يوم القيامة". رواه أحمد
- عن معقس بن عمران بن حطان قال: دخلت مع أبي على أم الدرداء، رضي الله عنها، فسألها أبي: ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأ؟ قالت: حدثتني عائشة قالت: جعلت درج الجنة على عدد آي القرآن، فمن قرأ ثلث القرآن ثم دخل الجنة كان على الثلث من درجها، ومن قرأ نصف القرآن كان على النصف من درجها، ومن قرأه كله كان في عليين، لم يكن فوقه إلا نبي أو صديق أو شهيد". رواه الحافظ ابن عساكر
6-فضل أهل القرآن:
-عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن لله أهلين من الناس". قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" رواه أحمد
- عن ابن عباس مرفوعا:"أشرف أمتي حملة القرآن". رواه الطبرانى.
عن أبي سعيد قال: قال نبي الله عليه الصلاة والسلام:" يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه". رواه أحمد
-عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها". رواه أحمد.
- عن الحسين بن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حملة القرآن عرفاء أهل الجنة يوم القيامة". رواه الطبرانى
-عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أن القرآن جعل في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق".تفرد به أحمد، و قيل: معناه: أن الجسد الذي يقرأ القرآن لا تمسه النار.
- عن أبي سعيد مرفوعا:"عليك بتقوى الله، فإنها رأس كل خير، وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام، وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه نور لك في الأرض وذكر لك في السماء، واخزن لسانك إلا من خير، فإنك بذلك تغلب الشيطان". رواه أبو يعلى
2: اذكر أقوال أهل العلم في قراءة القرآن بالألحان المحدثة.
1- ترتيل القرآن أمر شرعى
- قال الله تعالى: "ورتل القرآن ترتيلا"
-عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لكل شيء حلية، وحلية القرآن الصوت الحسن" رواه البزار
-عن أنس قال: قعد أبو موسى في بيت واجتمع إليه ناس، فأنشأ يقرأ عليهم القرآن، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله ألا أعجبك من أبي موسى أنه قعد في بيت فاجتمع إليه ناس فأنشأ يقرأ عليهم القرآن قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتستطيع أن تقعدني حيث لا يراني منهم أحد؟". قال: نعم. قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقعده الرجل حيث لا يراه منهم أحد، فسمع قراءة أبي موسى فقال: "إنه ليقرأ على مزمار من مزامير داود، عليه السلام".رواه أبويعلى.
- عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحسنوا الأصوات بالقرآن:. رواه الطبرانى.
2- المراد من تحسين الصوت بالقرآن:
تطريبه وتحزينه والتخشع به
3- أحسن القراءة ما كان عن خشوع القلب
-عن طاوس قال: أحسن الناس صوتا بالقرآن أخشاهم لله. قاله أبو عبيد
- عن طاوس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم:أي الناس أحسن صوتا بالقرآن؟ فقال:"الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله".رواه ابن ماجة
4- الخلاف فى حكم التلاوة بالأصوات:
أ- القول الأول: الإستحباب
-عن فضالة بن عبيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته"، قاله أبو عبيد وأردف:يعني: الاستماع. وقوله: "ما أذن الله لشيء" أي: ما استمع.
- عن السائب قال: قال لي سعد: يابن أخي، هل قرأت القرآن؟ قلت: نعم. قال: غن به، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غنوا بالقرآن، ليس منا من لم يغن بالقرآن، وابكوا، فإن لم تقدروا على البكاء فتباكوا". قاله أبو القاسم البغوى
- عن عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة، يقول: قال عبيد الله بن أبي يزيد: مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه، فإذا رجل رث البيت، رث الهيئة، فانتسبنا له، فقال: تجار كسبة، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"،قال: فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال: يحسنه ما استطاع. تفرد به أبو داود.
فقد فهم من هذا أن السلف، رضي الله عنهم، إنما فهموا من التغني بالقرآن: إنما هو تحسين الصوت به، وتحزينه، كما قاله الأئمة، رحمهم الله، ويدل على ذلك -أيضا- ما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"زينوا القرآن بأصواتكم".
- عن أبي موسى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو رأيتني وأنا أستمع قراءتك البارحة"، قلت: أما والله لو علمت أنك تستمع قراءتي لحبرتها لك تحبيرا. رواه الحافظ الكبير بقي بن مخلد رحمه الله، ومسلم وزاد:"لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ".
والغرض أن أبا موسى قال: لو أعلم أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا، فدل على جواز تعاطي ذلك وتكلفه - وقد كان أبو موسى قد أعطي صوتا حسنا- مع خشية تامة ورقة أهل اليمن الموصوفة، فدل على أن هذا من الأمور الشرعية.
قال أبو عبيد: حدثنا عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة قال: كان عمر إذا رأى أبا موسى قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى، فيقرأ عنده.
- عن أبو عثمان النهدي قال: كان أبو موسى يصلي بنا، فلو قلت: إني لم أسمع صوت صنج قط، ولا بربط قط، ولا شيئا قط أحسن من صوته. قاله أبو عبيد
-عن عائشة قالت: "أبطأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال:"أين كنت؟". قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام فقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال:"هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا". رواه ابن ماجة
- عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فما سمعت أحدا أحسن صوتا أو قال: قراءة منه. وفي بعض ألفاظه: فلما سمعته قرأ:"أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون"، خلت أن فؤادي قد انصدع. فى الصحيحين
وكان جبير لما سمع هذا مشركا على دين قومه، وإنما كان قدم في فداء الأسارى بعد بدر، وناهيك بمن تؤثر قراءته في المشرك المصر على الكفر! وكان هذا سبب هدايته.
القول الثانى: التحريم:
- عن شعبة قال: نهاني أيوب أن أحدث بهذا الحديث:"زينوا القرآن بأصواتكم"، قاله أبو عبيد، وأردف: وإنما كره أيوب فيما نرى، أن يتأول الناس بهذا الحديث الرخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الألحان المبتدعة، فلهذا نهاه أن يحدث به.
-عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اقرؤوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكتابيين، وسيجيء قوم من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الغناء والرهبانية والنوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شأنهم". قاله الإمام العلم أبو عبيد القاسم بن سلام
-عن عليم قال: "كنا على سطح ومعنا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى الناس يخرجون في الطاعون فقال: ما هؤلاء؟ قالوا: يفرون من الطاعون، فقال: يا طاعون خذني، فقالوا: تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتمنين أحدكم الموت؟" فقال: إني أبادر خصالا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوفهن على أمته: بيع الحكم، والاستخفاف بالدم، وقطيعة الرحم، وقوم يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليس بأفقههم ولا أفضلهم إلا ليغنيهم به غناء" وذكر خلتين أخرتين.
تفصيل ابن كثير للمسألة : هذه طرق حسنة في باب الترهيب، وهذا يدل على أنه محذور كبير، وهو قراءة القرآن بالألحان التي يسلك بها مذاهب الغناء، وقد نص الأئمة، رحمهم الله، على النهي عنه، فأما إن خرج به إلى التمطيط الفاحش الذي يزيد بسببه حرفا أو ينقص حرفا، فقد اتفق العلماء على تحريمه، والمطلوب شرعا إنما هو التحسين بالصوت الباعث على تدبر القرآن وتفهمه والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة، فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان والأوضاع الملهية والقانون الموسيقائي، فالقرآن ينزه عن هذا ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك.
3: تكلم عن جمع القرآن في العهد النبويّ.
1-معارضة جبريل القرآن على النبى -صلى الله عليه وسلم-:
-عن فاطمة، رضي الله عنها: أسر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي.
2- المراد من المعارضة:
مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى، ليبقى ما بقي، ويذهب ما نسخ توكيدا، أو استثباتا وحفظا؛ ولهذا عرضه في السنة الأخيرة من عمره، عليه السلام اقتراب أجله، على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك؛ ولهذا فهم، عليه السلام، اقتراب أجله.
3-القراء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-:
أُختلف فى تحديدهم على أقوال:
أ- القول الأول:
الأربعة اثنان من المهاجرين الأولين عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة، وقد كان سالم هذا من سادات المسلمين وكان يؤم الناس قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، واثنان من الأنصار معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وهما سيدان كبيران، رضي الله عنهم أجمعين.
-عن مسروق: ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود، فقال: لا أزال أحبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب" رضي الله عنهم.
ويكفي عبد الله بن مسعود مدحا وثناء أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بدأ به.
- عن شقيق بن سلمة قال: خطبنا عبد الله فقال: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم. قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادا يقول غير ذلك.
- عن علقمة قال: كنا بحمص، فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت)) ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجترئ أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر؟! فجلده الحد.
- عن مسروق قال: قال عبد الله: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.
ب- القول الثانى:
-عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. رواه البخارى ومسلم.
ج- القول الثالث:
عن أنس بن مالك قال:مات النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.
د- تفصيل المسألة:
الأحاديث السابقة ظاهرها أنه لم يجمع القرآن من الصحابة سوى أربعة فقط –مع الخلاف فى تعينهم- وليس الأمر هكذا، بل الذي لا شك فيه أنه جمعه غير واحد من المهاجرين والأنصار، كالصديق -والدليل على ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدمه في مرضه إماما على المهاجرين والأنصار، مع أنه صلى الله عليه وسلم قال:"يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، فلولا أنه كان أقرؤهم لكتاب الله لما قدمه عليهم، وابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومنهم عثمان بن عفان وقد قرأه في ركعة، وعلي بن أبي طالب – يُقال: إنه جمعه على ترتيب ما أنزل-، ومنهم عبد الله بن مسعود، وقد تقدم عنه أنه قال:ما من آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت؟ وفيم نزلت؟ ولو علمت أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لذهبت إليه،ومنهم سالم مولى أبي حذيفة وكان من السادات النجباء والأئمة الأتقياء وقد قتل يوم اليمامة شهيدا، ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول ال-له صلى الله عليه وسلم- وترجمان القرآن، ومنهم عبد الله بن عمرو الذى قال: جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اقرأه في شهر". رواه النسائى وابن ماجة. ومنهم أبى ابن كعب الذى قال عنه عمر- رضى الله عنه-:علي أقضانا، وأبي أقرأنا، وإنا لندع من لحن أبي، وأبي يقول: أخذته من في رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فلا أتركه لشيء قال الله تعالى:"ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" البقرة: 106.
- حكى القرطبي في أوائل تفسيره عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال: فقد ثبت بالطرق المتواترة أنه جمع القرآن عثمان، وعلي، وتميم الداري، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو بن العاص. فقول أنس: "لم يجمعه غير أربعة" يحتمل أنه لم يأخذه تلقيا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هؤلاء الأربعة، وأن بعضهم تلقى بعضه عن بعض. قال: وقد تظاهرت الروايات بأن الأئمة الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأجل سبقهم إلى الإسلام، وإعظام الرسول لهم.
قال القرطبي: لم يذكر القاضي ابن مسعود وسالما مولى أبي حذيفة، وهما ممن جمع القرآن.
.