مجلس مذاكرة دورة مختصر تفسير سورة الفاتحة
المجموعة الثالثة:
س1: ما معنى تسمية سورة الفاتحة بالسبع المثاني؟
سُمّيَت (بالسبع) لأنّها مكوّنة من سبع آيات، على اختلاف بين ائمة العد في تحديدها وتحديد رؤوسها، فالاختلاف بينهم في التفصيل، واتفقوا جميعا أنّها سبع آيات، فمن لم يعدّ البسملة من آياتها، جعل (عليهم) الأولى رأس الآية السادسة، ومن عدّ البسملة آية لم يعتبر (عليهم) رأس آية.
ووصفَت بالمثاني لعدّة اعتبارات أهمّها:
1- لأنّها تُثَنّى (تُكَرّر) دون غيرها في كلّ ركعة في الصلاة فرضا كانت أم نفلا.
2- لأنّ الله استثناها لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، فلم يؤتها أحدا قبله، فهي استُثنيت لهذه الأمة، لم تنـزل على من قبلها.
3- أنّها ممّا يُثنى بها على الله عزّ وجلّ، فهي حمد وثناء على ربّ العزّة.
4- لأنّ المثاني جمع مَثنَى وهو ما دلّ على اثنين اثنين، وفي الفاتحة معانٍ ثنائية متقابلة، كحق الله وحق العبد، والثواب والعقاب.
س2: ما معنى الشيطان؟ وما معنى وصفه بأنه رجيم؟
الشيطان مشتقّ من شَطَنَ، وتعني : بعُدَ عن الحقّ، فهو من: شطنه يشطنه شطنًا: إذا خالفه عن وجهته ونيَّته، والشاطن: الخبيث، وعلى هذا الاشتقاق تكون كلمة شيطان على وزن (فيعال)، والنون فيه أصلية. وهذا الأرجح.
وقيل إنَّ الشيطان مشتق من الفعل (شاط)؛ بمعنى: احترق من الغضب، فهو من: شاط يشيط، وتشيط: إذا لفحَته النار فاحترق أو هلك؛ مثل هيمان وغيمان؛ مِن هام وغام، وعلى هذا الاشتقاق يكون على وزن فعلان، والنون فيه زائدة.
والمعنى في اللغة: لفظ جامع للبعد والمشقّة والالتواء والعُسر.
واصطلاحا: يُطلق الشيطان على كلِّ متمرِّد من الجنِّ والإنس والدواب، ويٌطلَق على إبليس لعنه الله.
أمّا معنى رجيم فهي بمعنى مرجوم (فعيل بمعنى مفعول، كقتيل تعني مقتول، ولعين تعني ملعون) والرّجم لغة: الرّمي بما يؤذي، ويُستخدّم في الأمور الحسيّة كالرّجم بالحجارة، ورجم الشياطين بالشّهُب، وفي الأمور المعنوية كالرّجم بالقول السّيّء.
واصطلاحا لها معنيان:
1- رجيم بمعنى مرجوم (اسم مفعول) أي المذموم الملعون المطرود من رحمة الله. وهو الأشهر.
2- رجيم بمعنى راجم (اسم فاعل) الذي يرجم النّاس بالوساوس والرّبائث وهي كلّ ما يثبّط ويصدّ المرءَ عمّا يُصلِحُه، أي يرجم غيره بالإغواء والإضلال.
والمعنيان صحيحان، فهو يثبّط اتباعه ويحاول صدّ الناس عن العبادة، وهو مطرود من رحمة الله ملعون.
س3: بيّن معنى اسم (الله) جلّ جلاله
اسم الله علم دالّ على ذات الله، والله هو أعرف المعارف، وهو أخصّ أسماء الله، ولا يُسمّى به أحد إلا الله، وقيل هو اسم مشتق من أَلِهَ أي عَبَد وذلّ وخضع ، ويشهد لذلك قراءة ابن عبّاس: ( وَيَذَرَكَ وَإَلاَهَتَكَ)، بكسر الهمزة، أي: وعبادتك، وقيل اسم جامد، ومعنى الله: المألوه، أي المعبود أو المستحق للعبادة لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال، ويتضمّن معنيان هما:
1- الاسم الجامع لكل صفات الكمال والجلال والجمال، المتضمّن معاني الربوبية.
2- المألوه أي المعبود، الذي لا يستحقّ العبادة أحد سواه.
واسم الله يتضمّن باقي الأسماء الحسنى والصّفات بدلالة التَضمّن والالتزام
س4: ما الحكمة من تكرار ذكر {الرحمن الرحيم} مرتين في سورة الفاتحة ؟
التكرار تنبيه على عظم قدر هاتين الصفتين وتأكيد أمرهما، والحكمة من التكرار تتبيّن بتفهّم مقاصد الآيات:
1- الموضع الأول (في البسملة): السّياق هو الاستعانة والتبرّك بالله، وتحقيق هذه المقاصد لا يكون إلا برحمة الله، فذكر هذين الاسمين يملأ القلب توكّلا على الله.
2- الموضع الثاني: فسياقه الثّناء على الله عزّ وجلّ بحمده وذكر ربوبيّته العامّة للخلائق، وذكر هذين الاسمين المتضمنين للرحمة العامّة والخاصّة ممّا يوافق سياق الثّناء على الله.
س5: ما فائدة حذف متعلَّق الاستعانة في قوله تعالى: {وإياك نستعين{
حذف المتعلَّق يفيد العموم في كلّ أمر يحتاج عونا من الرّحمن، في كلّ جلب لنفع أو دفع لضرّ، في أمور الدين والدّنيا، فحذف المتعلّق يعني أن لك أن تقدِّر من المعاني ما يناسب المقام، فكلّ عمل احتاج إلى استعانة بالله تناسبه الآية، وهي القاعدة الرابعة عشرة في كتاب "القواعد الحسان في تفسير القرآن" للسِّعدي رحمه الله. حيث قال: (حذف المتعلق المعمول فيه: يفيد تعميم المعنى المناسب له).
س6: ما معنى الصراط في اللغة؟ وما المراد بالصراط المستقيم؟
"الصّراط والسراط والزراط" لغة: الطريق الواسع والسبيل الواضح السهل المستقيم الذي لا التواء فيه ولا اعوجاج، الموصل للمطلوب بأقصر طريق.
وسُمّي سراطا لأنّه يسترط أي يسع ويبتلع المارّة، لأن الناظر إليهم إذا ما ساروا في الطريق وابتعدوا سيغيبون عنه وكّأن الطريق ابتلعهم.
وقال ابن القيّم رحمه الله: "والصراط: ما جَمَع خمسةَ أوصاف: أنْ يكون طريقًا مستقيمًا، سهلاً، مسلوكًا، واسعًا، موصلاً إلى المقصود؛ فلا تُسمِّي العربُ الطريقَ المُعْوَجَّ: صراطًا، ولا الصعبَ المشق، ولا المسدود غير الموصل".
معنى الصّراط المستقيم: الوصف الجامع المانع لكلّ ما يوصل إلى رضوان الله وجنّته وينجّي من سخطه وعقوبته، وللمفسّرين في معناها أقوال أشهرها:
1- دين الإسلام، ومنه قوله تعالى: "اهدنا الصراط المستقيم".
2- القرآن الكريم، ففي الحديث: "كتاب الله ... وهو الصراط المستقيم".
3- ما كان عليه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه، لقول ابن مسعود رضي الله عنه: "الصراط المستقيم الذي تركَنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم".
4- النّبيّ صلى الله عليه وسلّم وصاحباه (الشيخان أبو يكر وعمر)
5- طريق الحقّ والعدل، وهذا في الحقيقة وصف للصّراط.
وكلّ هذه الأقوال صحيحة مترادفة متلازمة.
وذكر المستقيم بعد الصّراط مع أن الصّراط يتضمّن الاستقامة هو من باب الكشف والتأكيد، ويفيد بأنّ الصّراط كلّه صواب لا عوج فيه.
س7: ما معنى موافقة الملائكة بالتأمين؟
أي أنّ ملائكة السّماء تؤمّن إذا أمّن الإمام في الصّلاة، فمن وافق (تزامن) من المأمومين تأمينُه تأمينَ الملائكة (أي وافقهم في وقت تأمينهم) فقال هو والملائكة في نفس الوقت (آمين)، وأمّن تأمينا صحيحا بعد أن قال إمامه "ولا الضّالّين"، غُفِر له ما تقدّم من ذنبه.
س8: ما هي الفوائد السلوكية التي استفدتها من دراستك لتفسير سورة الفاتحة؟
1- التحصّن بالاستعاذة بالله من كلّ ذي شرّ في كلّ الأحوال. فكلّما خطر لك خاطر الشّر لُذ بالاستعاذة.
2- عليّ أن أعوِّد نفسي ألّا أبدأ عملا مرضيّا أو مباحا إلا بعد التسمية.
3- مِن حُسنِ الطّلب وأسباب الاستجابة: الثّناء قبل الدّعاء، فيحسن بي أن أثني على الله عزّ وجلّ قبل أن أشرع في الدعاء.
4- الطاعات تحتاج اجتماع، وإنّما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فابحث عن جماعة التوحيد لئلا تتقاصر همّتك، ولازم أهل الصلاح.
5- لا عبادة بلا معونة من الله، فاسأله المزيد (اللهمّ أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك). ومعونته لك على العبادة تحتاج منك الحمد والشّكر، فلا تملّ من الثناء عليه.
6- لا تملّ من طلب الهداية حتّى وأنت على الجادّة، فالقلوب بين أصابع الرحمن، فاسأل الله الثبات على الهدى كلّ حين.
7- اجعل الأمل دائما بربّك وادع لا تملّ، فقد قدّم الله ثلاثة أسماء تدلّ على الرحمة (ربّ العالمين الرحمن الرحيم) واسم فيه تهديد خفيّ (مالك يوم الدّين) ولم يقدّم (العزيز الجبّار المنتقم) قبل الشروع بالدعاء ليقول لك: أقبل إليّ وستجدني الأرحم بك.
8- سبقك في الدّرب الذين أنعم الله عليهم، فتأمّل سيرهم وادرس طُرقَهم لتسير على هداهم.
9- لا تعبد الله بجهل فيلحقك بعض وصف الضّالين والنّصارى، ولا تتنكّب الحقّ بعد معرفته فيلحقك وصف المغضوب عليهم من اليهود. إنّما العلم للعمل، ولذا عليّ الاجتهاد والسعي في تحصيل العلم النافع.
10- الحمد لله ربّ العالمين أول آية في كتابك فاجعلها أوّل كلمة عند فرحك أو مُصابك، اجعلها ديدنك.
11- إن كان الله عزّ وجلّ هو مالك يوم الدّين وهو أعظم يوم، فهل سيعجزه طلب متواضع لك في الدّنيا!! اطلب حوائجك من المالك ودع المملوكين.
12- إن حزبك أمر من أمور الدنيا فاستعن عليه بالعبادة (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين) فيوشك أن يُفتَح لك.
13- ابحث عن الحقّ أوّلا لا عن أهله، (اهدنا الصّراط المستقيم) فإن وُفّقت إليه ستعرف أهله لا محالة، الحقّ لا يُعرَف بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله. ولا معرفة للحق بلا علم، فاجتهد في تحصيل العلم الشرعي.
14- لِتَكن (اهدنا الصّراط المستقيم) ديدنك في كلّ أمورك الدينية والدنيوية. فما التوفيق إلا من الله.
15- (إيّاك نعبد) راجع نيّتك عند كلّ عبادة، هل هي خالصة لوجه الله أم اعترتها الشوائب.