بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه والصلاة والسلام على القائل : " ليس شيءٌ أحبَّ إليه الحمد، من الله تعالى" وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد
فرسالتنا هذه مع الآية التي اختارها الله فاتحة لكتابة العزيز وما فيها من أسرار وكنوز فهي أول آية في سورة الفاتحة التى قال الله عنها : " ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرءان العظيم.." على أحد أقوال أهل العلم والتي ورد في فضلها عدة أحاديث منها حديث ابن عباس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل ، إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ، ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، ولن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته . رواه مسلم والنسائي وهذا لفظ النسائي .
(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
القراءات في (الحمد لله)
- القراء السبعة على ضم الدال من قوله : ( الحمد لله )وهو مبتدأ وخبر .
- وروي عن سفيان بن عيينة ورؤبة بن العجاج أنهما قالا الحمد لله بالنصب وهو على إضمار فعل .
- وقرأ ابن أبي عبلة : ( الحمد لله )بضم الدال واللام إتباعا للثاني الأول وله شواهد لكنه شاذ ، وعن الحسن وزيد بن علي : الحمد لله بكسر الدال إتباعا للأول الثاني .
- إن قراءة الرفع أولى من قراءة النصب ذلك أن قراءة الرفع تدل على أن الجملة اسمية في حين أن قراءة النصب تدل على أن الجملة فعلية بتقدير نحمد أو احمد أو احمدوا بالأمر. والجملة الاسمية أقوى وأثبت من الجملة الفعلية لأنها دالة على الثبوت
- معنى الحمد:
وردت عدة أقوال في معنى " الحمد لله "
القول الأول : الشكر لله خالصا دون سائر ما يعبد من دونه ، ودون كل ما برأ من خلقه ، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، ولا يحيط بعددها غيره أحد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، وتمكين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق ، وغذاهم به من نعيم العيش ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، ومع ما نبههم عليه ودعاهم إليه ، من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم ، فلربنا الحمد على ذلك كله أولا وآخرا .قال به ابن جرير الطبري في تفسيره
- ا لفرق بين الحمد والشكر:
الحمد يكون بمعنى الشكر على النعمة، ويكون بمعنى الثناء عليه بما فيه من الخصال الحميدة. يقال حمدت فلانا على ما أسدى إلي من النعمة وحمدته على علمه وشجاعته، والشكر لا يكون إلا على النعمة، فالحمد أعم من الشكر إذ لا يقال شكرت فلانا على علمه فكل حامد شاكر وليس كل شاكر حامدا. وقيل: الحمد باللسان قولا والشكر بالأركان فعلا قال الله تعالى: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} [111- الإسراء] وقال: {اعملوا آل داود شكرا} [13- سبأ]. فثبت أن الحمد أعم من الشكر، لأن الحمد عبارة عن تعظيم الفاعل لأجل ما صدر عنه من الإِنعام. سواء أكان ذلك الإِنعام واصلا إليك أم إلى غيرك. وأما الشكر فهو عبارة عن تعظيمه لأجل إنعام وصل إليك.
القول الثاني : الثناء على الله عز وجل بالجميل الاختياري مع المحبة والتعظيم
وهذا التعريف قال بعض العلماء :" عليه مأخذان ":
المأخذ الأول : أنه قال الثناء
المأخذ الثاني : أنه قال الجميل الاختياري
والمراد بالمأخذ الأول :
أن الثناء لا يصح تعريفا للحمد لأن الله عز وجل كما جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم قال عز وجل : { قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين } والصلاة هنا هي الفاتحة : (( فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال عز وجل حمدني عبدي وإذا قال الرحمن الرحيم قال أثنى علي عبدي )) ففرق بين الحمد وبين الثناء .
وأما المراد بالمأخذ الثاني :
فقولهم الجميل الاختياري يخرج هذا الكلام صفات الله عز وجل التي لا تتعدى وصفات الله جل وعلا منها ما هو متعدي ومنها ما هو ليس بمتعدي
الرحمة : لأنه يرحم عز وجل فلرحمته أثر
المغفرة : لأنه يغفر عز وجل فلغفرانه أثر أيضا أما الصفات التي لا تتعدى فمثل العظمة فقولهم الجميل الاختياري يخرج هذه الصفات ولا يكون هذا حمدا كاملا
القول الثالث :التعريف الصحيح : هو وصف المحمود بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم "
- الفرق بين المدح والحمد :
والحمد يختلف عن المدح مع أن الحروف واحدة فالحمد حروفه هي :
" ح - م- د "
والمدح حروفه هي :
" م- د -ح "
فهي نفس الحروف لكن بعضها تقدم على بعض فأختلف المعنى وهذا له باب في البلاغة
فيكون الحمد فيه محبة وتعظيم . أما المدح فلا يلزم أن يكون فيه محبة وتعظيم.
فتحمد الشخص لأنك تحبه وتعظمه وتقدره وقد تمدح الشخص مع محبتك وتعظيمك له وقد تمدحه وقلبك مبغض له فيكون مدحك له أما الحصول منفعة من الممدوح أو لدفع مضرة منه .
والمدح أعم من الحمد لأن المدح يحصل للعاقل وغير العاقل، ألا ترى أنه كما يحسن مدح الرجل العاقل على أنواع فضائله، فكذلك قد يمدح اللؤلؤ لحسن شكله.
أما الحمد فإنه لا يحصل إلا للفاعل المختار على ما يصدر منه من الإِنعام والإِحسان، فثبت أن المدح أعم من الحمد.
الـ" في قولنا " الحمد" قيل :للاستغراق أي أن جميع المحامد والثناء على الله بما هو أهله كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:- "لا أحصى ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك" ولما جاء الأسود بن سريع إلى رسول الله قائلاً :-يا رسول الله ، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربى تبارك وتعالى ؟ فقال :"أما أن ربك يحب الحمد " المسند وغيره –وقال " ما شخص أحب المدح من الله"قال عليه الصلاة والسلام : ولا شخص أحب إليه المدحة من الله ، من أجل ذلك وعد الله الجنة . متفق عليه .وفي رواية : ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ، فلذلك مدح نفسه .
وقيل : للجنس أي أكمل الحمد مستحق لله على الوجه الأتم الأكمل.، وكل الأمرين ثابت لله فله أطيب وأكمل وأحسن المحامد ، كما أن له كل المحامد مهما بلغ خاطر عبد من أنواع المحامد فهي لله من باب أولى .
( لله ) اللام : للملك وشبهه ، وللتمليك وشبهه ، وللاستحقاق.
(الله ( جاء بالاسم الأجل لفظ الجلالة ،و أصله ل لله أدغمت لام الاستحقاق في لام لفظ الجلالة مع إسقاط همزة الوصل فصارت ( لله ) ، وهذا التركيب يدل على الثبوت والاستقرار ، لأنه جاءت جملة اسمية على وجه الاختصاص والاستحقاق .
ْقوله تعالى : (رب العالمين)
أي مالكهم ، وكل من ملك شيئا فهو ربه ; فالرب : المالك ، ولا يقال في غيره إلا بالإضافة ; وقد قالوه في الجاهلية للملك ، قال الحارث بن حلزة :
وهو الرب والشهيد على يو م الحيارين والبلاء بلاء
والرب : السيد : ومنه قوله تعالى : اذكرني عند ربك . وفي الحديث : أن تلد الأمة ربتها أي سيدتها .
والرب : المصلح والمدبر والجابر والقائم . قال الهروي وغيره : يقال لمن قام بإصلاح شيء وإتمامه : قد ربه يربه فهو رب له وراب ; ومنه سمي الربانيون لقيامهم بالكتب . وفي الحديث : ( هل لك من نعمة تربها عليه ) أي تقوم بها وتصلحها . والرب : المعبود ; ومنه قول الشاعر :
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
ومعنى "رب العالمين:": لرب, هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم, وإعداده لهم الآلات, وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة, التي لو فقدوها, لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة, فمنه تعالى. وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة. فالعامة: هي خلقه للمخلوقين, ورزقهم, وهدايتهم لما فيه مصالحهم, التي فيها بقاؤهم في الدنيا. والخاصة: تربيته لأوليائه, فيربيهم بالإيمان, ويوفقهم له, ويكمله لهم, ويدفع عنهم الصوارف, والعوائق الحائلة بينهم وبينه, وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير, والعصمة عن كل شر. ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب. فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.
ْقوله تعالى : (العالمين )
اختلف أهل التأويل في العالمين اختلافا كثيرا
فقال قتادة : العالمون جمع عالم ، وهو كل موجود سوى الله تعالى ، ولا واحد له من لفظه مثل رهط وقوم .
وقيل : أهل كل زمان عالم ; قاله الحسين بن الفضل ، لقوله تعالى : أتأتون الذكران من العالمين أي من الناس .
وقال ابن عباس : العالمون الجن والإنس ; دليله قوله تعالى : ليكون للعالمين نذيرا ولم يكن نذيرا للبهائم .
وقال الفراء وأبو عبيدة : العالم عبارة عمن يعقل ; وهم أربعة أمم : الإنس والجن والملائكة والشياطين . ولا يقال للبهائم : عالم ، لأن هذا الجمع إنما هو جمع من يعقل خاصة . وقيل غير ذلك
والقول الأول أصح هذه الأقوال ; لأنه شامل لكل مخلوق وموجود ; دليله قوله تعالى : (قال فرعون وما رب العالمين . قال رب السماوات والأرض وما بينهما) ثم هو مأخوذ من العلم والعلامة ; لأنه يدل على موجده . كذا قال الزجاج قال : العالم كل ما خلقه الله في الدنيا والآخرة . وقال الخليل : العلم والعلامة والمعلم : ما دل على الشيء ; فالعالم دال على أن له خالقا ومدبرا ..ودل قوله { رَبِّ الْعَالَمِينَ } على انفراده بالخلق والتدبير, والنعم, وكمال غناه, وتمام فقر العالمين إليه, بكل وجه واعتبار.
وقد أجرى - سبحانه - على لفظ الجلالة نعت الربوبية للعالمين، ليكون كالاستدلال على استحقاقه - تعالى - للحمد وحده، وفى ذلك إشعار لعباده بأنهم مكرمون من ربهم، إذ الأمر بغير توجيه فيه إيماء إلى إهمال عقولهم، أما إذا كان موجهاً ومعللا فإنه يكون فيه إشعار لهم برعاية ناحية العقل فيهم، وفي تلك الرعاية تشريف وتكريم لهم. فكأنه - سبحانه - يقول لهم: اجعلوا حمدكم وثناءكم لي وحدي. لأني أنا رب العالمين. وأنا الذي تعهدتكم برعايتي وتربيتي منذ تكوينكم من الطين حتى استويتم عقلاء مفكرين.
- سبب افتتاح كتابه بالحمد
كان افتتاح الكلام بالتحميد ، سنة الكتاب المجيد ، لكل بليغ مجيد ، فلم يزل المسلمون من يومئذ يلقبون كل كلام نفيس لم يشتمل في طالعه على الحمد بالأبتر أخذا من حديث أبي هريرة عن النبيء صلى الله عليه وسلم كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أو بالحمد فهو أقطع . وقد لقبت خطبة زياد بن أبي سفيان التي خطبها بالبصرة بالبتراء لأنه لم يفتتحها بالحمد .
وكانت سورة الفاتحة لذلك منزلة من القرآن منزلة الديباجة للكتاب أو المقدمة للخطبة
- سبب تقديم الحمد على لفظ الجلالة "الله"
للبلغاء صيغتين متعارفتين في حمد الله تعالى إحداهما " الحمد لله " كما في الفاتحة والأخرى " لله الحمد " كما في سورة الجاثية .
فقدم الحمد في سورة الفاتحة لأن المقام هنا مقام الحمد إذ هو ابتداء أولى النعم بالحمد وهي نعمة تنزيل القرآن الذي فيه نجاح الدارين ، فتلك المنة من أكبر ما يحمد الله عليه من جلائل صفات الكمال لا سيما وقداشتمل القرآن على كمال المعنى واللفظ والغايةفكان خطوره عند ابتداء سماع إنزاله وابتداء تلاوته مذكرا بما لمنزله تعالى من الصفات الجميلة ، وذلكيذكر بوجوب حمده وأن لا يغفل عنه ، فكان المقام مقام الحمد لا محالة
- سبب حمد الله لنفسه
قال ابن جرير : الحمد لله ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا : الحمد لله .
وقيل : لما علم سبحانه عجز عباده عن حمده ، حمد نفسه بنفسه لنفسه في الأزل ; فاستفراغ طوق عباده هو محل العجز عن حمده . ألا ترى سيد المرسلين كيف أظهر العجز بقوله : لا أحصي ثناء عليك . وأنشدوا :
إذا نحن أثنينا عليك بصالح فأنت كما نثني وفوق الذي نثني
وقيل : حمد نفسه في الأزل لما علم من كثرة نعمه على عباده وعجزهم على القيام بواجب حمده فحمد نفسه عنهم ; لتكون النعمة أهنأ لديهم ، حيث أسقط به ثقل المنة .
الحمد لله: جاء سبحانه وتعالى باسمه العلم (الله) ،لم يقل الحمد للخالق أو القدير أو أي اسم آخر من أسمائه الحسنى فلماذا جاء باسمه العلم؟ لأنه إذا جاء بأي اسم آخر غير العلم لدل على انه تعالى استحق الحمد فقط بالنسبة لهذا الاسم خاصة فلو قال الحمد للقادر لفهمت على انه يستحق الحمد للقدرة فقط لكن عند ذكر الذات (الله) فإنها تعني انه سبحانه يستحق الحمد لذاته لا لوصفه.
من ناحية أخرى " الحمد لله " مناسبة لما جاء بعدها (إياك نعبد) لأن العبادة كثيرا ما تختلط بلفظ الله. فلفظ الجلالة (الله) يعنى الإله المعبود مأخوذة من أله (بكسر اللام) ومعناها عبد ولفظ الله مناسب للعبادة وأكثر اسم اقترن بالعبادة هو لفظ الله تعالى (أكثر من 50 مرة اقترن لفظ الله بالعبادة في القرآن) لذا فالحمد لله مناسب لأكثر من جهة.
ْ والفاتحة إحدى سور خمس مفتتحة بـ ( الحمد لله ) وهن كلها مكية وقد وضعت في ترتيب القرآن في أوله ووسطه ، والربع الأخير ، فكانت أرباع القرآن مفتتحة بالحمد لله كان ذلك بتوفيق من الله أو توقيف .
ففى أم القرآن (الفاتحة) : "الحمد لله رب العالمين " .. وفي سورة الأنعام : "الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور " .. وفي سورة الكهف : "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب " .. وفي سورة سبأ : "الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض " .. وفي سورة فاطر: "الحمد لله فاطر السماوات والأرض".
فإن قيل : افتتاح أحدها بالحمد لله يغني عن سائره ، فيقال : لأن لكل واحدة منه معنى في موضعه لا يؤدي عنه غيره من أجل عقده بالنعم المختلفة ".
إذا فما وجه المناسبة بين هذا الاستهلال واختلاف التعقيب بعده مع السورة التي ورد فيها؟
ذكر السيوطي في الاتقان :
فِي تَفْسِيرِ الْخُوَيِّيِّ يقول : ابْتُدِئَتِ الْفَاتِحَةُ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَوَصَفَ بِأَنَّهُ مَالِكُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقِينَ .. وَفِي الْأَنْعَامِ وَالْكَهْفِ وَسَبَأٍ وَفَاطِرٍ لَمْ يُوصَفْ بِذَلِكَ ؛ بَلْ بِفَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ صِفَاتِهِ ، وَهُوَ خلق السموات وَالْأَرْضِ وَالظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ فِي الْأَنْعَامِ، وَإِنْزَالِ الْكِتَابِ فِي الْكَهْفِ ، وَمِلْكِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ فِي سَبَأٍ ، وَخَلْقِهِمَا فِي فَاطِرٍ .. لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَمَطْلَعُهُ فَنَاسَبَ الْإِتْيَانَ فِيهَا بِأَبْلَغِ الصِّفَاتِ وَأَعَمِّهَا وَأَشْمَلِهَا.] انتهى.
لقد تناسب هذا الاستهلال الرائع بالفعل مع موضوع السورة التي ورد فيها فجاء الاستهلال مكتملاً مع معاني السورة متناسقا بكل دقةٍ وبراعةٍ يؤكدها ما عقّبت به الآية بعد " الحمد لله " ...
ففي أم الكتاب كان أول القرآن وفاتحته فناسب ذلك افتتاحها بالحمد لله الذي يربُّ العالمين فيصلحهم ويربيهم بنعمه وهداياته المتعددة النابعة من رحمانيته العامة الشاملة ..
وفي سورة الأنعام التي يدور محورها العام حول دلائل التوحيد وإثباته لله تعالى وحده و رد شبه المشركين وحججهم .. فناسب ذلك البدء بالحمد وذكر الدليل الأول على وحدانية الله تعالى وهو الخلق الذي يشهد له سبحانه ببديع الصنعة وبيان ما نصبه من نور الحق وما يدحضه من ظلمات الباطل.. ففيه من الحجة في هذا الموضع على الذين هم بربهم يعدلون.
وأما سورة الكهف حمد الله نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه ، فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على أهل الأرض ؛ إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور ، حيث جعله كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه ولا زيغ وجعله آية بينة لرسوله عليه الصلاة والسلام يرد فيه على ما سأله المشركون واليهود من أسئلة لتعجيزة فيأتية الجواب بآيات بينات و هدايات عظمى ،كقصة أصحاب الكهف وعدة أصحابها وكذلك قصة موسى عليه السلام مع الخضر وقصة ذي القرنين .. فكان القرآن سنده الرباني العظيم في إثبات أنه الحق من رب العباد لا عوج فيه ولا مطعن لبشر .. فناسب ذلك الحمد لله على ما أنزله على عبده ليكون معجزته الكبرى وهدايته العظمى .
وأما سورة سبأ فإن فيها قصة سبأ فلما تضمنت ملك سبأ وملكتها بلقيس ، و ما تضمنته من قصص داود وسليمان وما منحهما الله من الملك ؛ من تسخير الجبال والطير والجن وإلانة الحديد .. ولم يجتمع مثل هذا فى سورة سواها .. افتتحها سبحانه بحمده وانفراده بملك السماوات والأرض وما فيهما وأنه أهل الحمد فى الدنيا والآخرة، وأن الملك كله لله يهبه لمن يشاء ؛ فقال تعالى: "الحمد لله الذى له ما فى السماوات وما فى الأرض ".
وأما سورة فاطر فإن الله تعالى بيّن فيها من صفات ربوبيته ودلائل وحدانيته من إبداع السماوات والأرض ، ومن خلق عمّار السماوات من الملائكة على عظيم خلقهم ، وجعلهم رسلاً أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع ، وإمساكه السماوات والأرض أن تزولا وغير ذلك من هذه الأوصاف العلية .. فناسب ذلك تعظيم الله وحمده على عظمة ذاته وهو الفاطر الخلاق البديع العظيم فقال ربنا "الحمد لله فاطر السماوات والأرض " .
فتبين من هذا عظمة القرآن في مناسبة كل افتتاح لموضوع السورة المفتتحة به دلالة على هذا الاتساق الشريف الدقيق بين روعة الافتتاح ومناسبة المعاني الكلية لسور هذا القرآن العظيم ..
ووردت لفظة " الحمد" في القرآن الكريم خمساً وعشرين مرة.. وفي كل مرة معها (لام) الاختصاص التي تشير أن الحمد لله وحده .. فمرة تجئ ( له الحمد) ومرة ( الحمد لله )..
وورد قوله تعالى " الحمد لله " في القرآن كله واحداً وعشرين مرةٍ ..
وورد قوله تعالى " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " هكذا بلفظه وتمامه خمس مرات...
في الفاتحة.. وبينا مناسبته في موضعه..
وفي سورة الأنعام (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)الأنعام"45"
حمد الله نفسه على أن قطع دابرهم لأنه نعمة على الرسل, فذكر الحمد لله تعليما لهم ولمن آمن بهم, أن يحمدوا الله على كفايته شر الظالمين, وليحمد محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ربهم إذا أهلك المكذبين.
وفي سورة يونس : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)
جاء في الحديث: "إن أهل الجنة يُلْهَمُونَ التسبيح والتحميد كما يُلْهَمُونَ النَّفَس" وإنما يكون ذلك كذلك لما يرون من تضاعف نعم الله عليهم، فتكرّر وتعاد وتزاد، فليس لها انقضاء ولا أمد، فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
وفي سورة الصافات (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
، فجميع أنواع الحمد، من الصفات الكاملة العظيمة، والأفعال التي ربى بها العالمين، وأدرَّ عليهم فيها النعم، وصرف عنهم بها النقم، ودبرهم تعالى في حركاتهم وسكونهم، وفي جميع أحوالهم، كلها للّه تعالى، فهو المقدس عن النقص، المحمود بكل كمال، المحبوب المعظم، ورسله سالمون مسلم عليهم، ومن اتبعهم في ذلك له السلامة في الدنيا والآخرة. [وأعداؤه لهم الهلاك والعطب في الدنيا والآخرة.
وفي سورة الزمر : ( وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75) ..
ونطق الكون أجمعه -ناطقه وبهيمه-لله رب العالمين، بالحمد في حكمه وعدله؛ ولهذا لم يسند القول إلى قائل بل أطلقه، فدل على أن جميع المخلوقات شَهِدَت له بالحمد. قال قتادة: افتتح الخلق بالحمد في قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1] واختتم بالحمد في قوله: ( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
وفي سورة غافر (هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) غافر(65)..
فمن يستقرأ ما وردت فيه " الحمد لله رب العالمين " يعلم يقيناً أن "الحمد لله " بدايةٌ وطريقٌ وغاية ...
وأن الحمد يجب أن يكون في حياة المسلم منهج حياة وسبيل نجاة ...
لقد ورد في فضل الحمد أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها :
1/ روى الشيخان عن أبي هريرة _ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ : كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ ) .
2/ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلاَ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلاَنِ أَوْ تَمْلاَ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالصَّلاَةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ). ما أعظم هذا الفيض، وما أجزل هذا العطاء والكرم الذي لا يمكن مجرد تصوّره. كلمةٌ واحدة تملأ الميزان بالثواب والعطاء، تجده موفراً يوم توزن الأعمال. كم بين السموات والأرض من مسافات هائلة لا يعلم مداها إلا الله. مسافاتٌ ليست بالأمتار، بل بمئات الملايين من السنين الضوئية. سبحان الله والحمد لله تملآن هذه المسافات. إن هذا العطاء لا يقدر عليه إلا من يعطي بغير حساب.
3/ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ أَحَبُّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ لاَ يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ وَلاَ تُسَمِّيَنَّ غُلاَمَكَ يَسَارًا وَلاَ رَبَاحًا وَلاَ نَجِيحًا وَلاَ أَفْلَحَ فَإِنَّكَ تَقُولُ أَثَمَّ هُوَ فَلاَ يَكُونُ فَيَقُولُ لاَ إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلاَ تَزِيدُنَّ عَلَيَّ ) .
4/ عَنْ أَنَسٍ _ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ : (مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي أَعْطَاهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَخَذَ ).
5/ عَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ _ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ‘، قَالَ: ( إِنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ )وفي مسند أحمد عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ : قَالَ لِي عِمْرَانُ : ( إِنِّي لَأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ لِيَنْفَعَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ اعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ)
6/ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ _ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ : ( إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا ).
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الواردة في فضل الحمد .
7/ الحمد لله أفضل الدعاء..
وسرّ ذلك أنها متضمنةٌ للثناء على الله - عز وجل -، روى الترمذي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله))، قال الترمذي: حَسَنٌ غَرِيبٌ وقال الحاكم والذهبي والسيوطي: صحيح وقال الأرناؤوط والألباني وابن حجر في نتائج الأفكار: حسن
"لأن الدعاء عبارة عن ذكر الله، وأن تطلب من الحاجة، والحمد يشملهما، فإن الحامد لله إنما يحمده على نعمه، والحمد على النعم طلب المزيد، وهو رأس الشكر، قال - تعالى-: ( لئن شكرتم لأزيدنّكم).
وقال الطيبي: لعلّه جعل أفضل الدعاء من حيث إنه سؤال لطيف يدق مسلكه.
8/ بيت الحمد:
بيت الحمد استحقاق عن جدارة في مقام الصبر على فقدان الولد عند الصدمة الأولى، والحمد وإرجاع الأمور إلى الله برضا وتسليم، بيتٌ لا تقوم له كلّ بيوتات الدنيا، روى الترمذي عن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ)) ما ألذّ الجزاء، وما أحلى حلية بيت الحمد، فحقيق لمن فقد ثمرة فؤاده، ولم يعدّ ذلك مصيبة من كل وجه، بل مصيبةُ من وجه فاسترجع، ونعمةٌ من وجه فحمد الله، أن يقابل بالحمد في تسمية محله به، فيكون محموداً حتى في المكان الذي سمي به، بيت يليق بصبره على المصيبة العظيمة.
- مواطن الحمد في حياة المسلم :
الحمدُ مطلوبٌ من المسلم في كلِّ وقت وحين؛ إذ إنَّ العبد في كلِّ أوقاته متقلِّبٌ في نعمة الله، وهو - سبحانه - خالقُ الخلق ورازقهم، وأسبغ عليهم نعمَه ظاهرة وباطنة، دينية ودنيوية، ودفع عنهم النِّقم والمكاره، فليس بالعبادٍ من نعمة إلاّ وهو مولّيها، ولا يدفع الشرَّ عنهم سواه، فهو سبحانه يستحقّ منهم الحمد والثناء في كلِّ وقتٍ وحين، كما أنّه سبحانه يستحقُّ الحمدَ لكمال صفاته، ولِما له من الأسماء الحسنى والنعوت العظيمة التي لا تنبغي إلاّ له، فكلُّ اسم من أسمائه، وكلُّ صفةٍ من صفاته يستحقُّ عليها أكملَ الحمد والثناءِ، فكيف بجميع أسمائه الحسنى وصفاته العظيمة.
وكما أنَّ الحمدَ مطلوبٌ من المسلم في كلِّ وقتٍ، إلاَّ أنَّ هناك أوقاتاً معيّنةً وأحوالاً مخصوصةً تمرُّ بالعبد يكون فيها الحمدُ أكثرَ تأكيداً.
ومن هذه الأوقات والأحوال حمدُ الله في الخطبة وفي استفتاح الأمور، وفي الصلاة، وعقِب الطعام والشراب واللباس، وعند العطاس، ونحو ذلك من المواطن التي ورد في السنة تخصيصها بتأكّد الحمد فيها، ولعلّ من الحسن أن نقف مع بعض النصوص المشتملة على ذكر الأوقات والمواطن التي يتأكّد فيها الحمدُ ممّا وردت به سنّة النبي صلى الله عليه وسلم.
كما أن الحمد لله جل وعلا استغرق الخلق والأمر – حتى دخل أهلُ الجنةِ الجنة وأهلُ النارِ النار – كذلك المسلم يتقلب في الحمد من أول خلقه إلى آخر رمقه ثم إلى فضل الله U بختامه الخير في جنته 0فهذه بعض من مواطن الحمد في حياتنا اليومية.
عند الرزق بالولد الصالح
قال الخليل u { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ }[إبراهيم/39].
عند النجاة من الكافرين وأشباههم
قال U آمرًا نبيه نوح u { فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }[المؤمنون/28].
عند النعمة والفضل
قال U { وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }[النمل/15].
ويلهمه أهل الجنة عند الفوز الكبير برضوان الله U :
قال U{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} [الأعراف/42، 43]، وقال U{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) }[يونس/9، 10]
ْ في الصلاة :
إن الصلاة - وإن كانت كلها حمد وشكر – إلا أنها تُفتتح بالحمد وتُختتم به ،كيف ذلك ؟
تأمل قول المصلي في أشهر صيغ الاستفتاح :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ _ قَالَ :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ :(سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ .
ثم يختم صلاته بقوله في الصلاة الإبراهيمية :
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ )
فيفتتح صلاته بحمد ربه وتمجيده ، ويختتم صلاته بمثل ذلك .
o في الدعوة إلى الله تعالى :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : (أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ فَقَالَ لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ قَالَ فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ فَهَلْ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ قَالَ فَقَالَ أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ‘ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ قَالَ فَقَالَ هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَ فَبَايَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ وَعَلَى قَوْمِكَ قَالَ وَعَلَى قَوْمِي قَالَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً فَقَالَ رُدُّوهَا فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ).
o عند هداية ضـال
عَنْ أَنَسٍ t قَالَ : (كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ ‘ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ‘ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ ‘ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ ‘ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ).
o عند التوفيق لإصابة الخير وتحريه
- قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ _ : (أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِقَدَحَيْنِ مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ قَالَ جِبْرِيلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ ).
O في تلبية النسك:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ ‘ :(لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ.
- عند الدعاء
عَنْ أَنَسٍ _ : (أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ‘ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ فَقَالَ النَّبِيُّ ‘ لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى.
o عند القيام من الليل فجأة
عَنْ عُبَادَة بْنُ الصَّامِتِ _ ،عَنْ النَّبِيِّ ‘ قَالَ : ( مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ.
o عند الفراغ من الطعام والشراب
- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ _ : (أَنَّ النَّبِيَّ ‘ كَانَ إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا)وفي رواية (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ :أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طَعَامِهِ وَقَالَ مَرَّةً إِذَا رَفَعَ مَائِدَتَهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مَكْفُورٍ وَقَالَ مَرَّةً الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى رَبَّنَا).
o عند ركوب الدابة (وسائل النقل وما شابه)
- عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ : (شَهِدْتُ عَلِيًّا t وَأُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ قَالَ
{ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ }
ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ثُمَّ ضَحِكَ فَقِيلَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ‘ فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ قَالَ إِنَّ رَبَّكَ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي )
o عند لبس الثوب الجديد
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ _ قَالَ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ إِمَّا قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهِ وَخَيْرِ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ.
o عند النوم ، وعند القيام من النوم
- عَنْ أَنَسٍ _ :أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‘ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ)
o عند العطاس :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ _ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ : ( لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى مَلَإٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ..)الحديث
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t:عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‘ : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِذَا قَالَ هَا ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ)
الحمد عند النزع:
حمد النزع حق الله لا يُقدّر بزمنٍ ولا بعمل، والعبد المؤمن ينضح الخير منه حتى في أواخر لحظات حياته، يحمد الله في كل حال، وعلى كل حال، سواء في السراء والضراء، فالخير يتمثّل فيه، وهو مستسلمٌ لأمر الله وقضائه، ولا يرى من مولاه إلا كل خير، ولا يفتر عن ذكره حتى في الرمق الأخير، في أشق الأهوال عند نزع روحه، ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) (الحجر: 99)، ولم أجد حالاً أجمل من حال المؤمن الذي يبقى أشدّ تعلقاً بربه، يحمده حتى في مثل هذه الحالة.
روى أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إِنَّ عَبْدِي الْمُؤْمِنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ كُلِّ خَيْر، يَحْمَدُنِي وَأَنَا أَنْزِعُ نَفسَه مِن بَينِ جَنبَيهِ))
كان الجنيد يقرأ وقت خروج روحه، فقيل له: في هذا الوقت! قال: أبادر طي صحيفتي.. ما هذا الحب الفريد النادر لله، إن العبارات لتعجز عن تصوير هذه الحالة مهما كانت دقة المصوِّر.
وهكذا يظلّ العبد حامداً لله، ديمةً عند استيقاظه وعند منامه، في خلوته وفي جلوته، بعد إطفاء نار عطشه، وبعد سدّ جوعة بطنه، في حال سقمه أو بعد ما يأذن الله له بشفائه، عندما يواري عورته باللباس والزينة، أو يأوي إلى بيته وفراشه في كل شؤونه وتصريفاته إلى وقت نزع روحه من بين جنبيه، ثم هو حمدٌ لا يفتر في الجنة كما روى مسلم في صحيحه عن جابر - رضي الله عنه - ((.. يُلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس)) حمد لله على ذهاب الحزن والكروب، ( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر: 33-34). وحمدٌ على منة الهداية التي خولتهم دخول الجنة. (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) (الأعراف:42-43) وإن أقصى ما يشغل أهل الجنة تسبيح الله أولاً وحمده آخراً، يتخللهما تحيات السلام، ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). (يونس: 10)
آثار الحمد في حياة المسلم
فللحمد آثار محمودة وخصال حميدة في حياة المسلم منها على سبيل المثال لا الحصر :
* آثار نفسية :-
- الرضا بالله عزوجل رباً خالقاً رازقاً ومنعماً .
- الرضا عن الله عز وجل بما خلق ورزق وأنعم.
- الرضا لله عزوجل باستخدام نعمه في مراضيه.
- مشاهدة آثار أسماء الله الحسنى وما تقضيه من عبادات.
- امتلأ القلب بمحبة الله عز وجل مسدي النعم .
- معرفة أصل النعم .
- معرفة معنى الاستخلاف والابتلاء بالنعم.
- استخراج عبادات القلب (الحب والتعظيم) ، و عبادات اللسان (الحمد والثناء والدعاء).
- راحة القلب من مصيبة التعلق بغير لله عز وجل.
- الطمأنينة .
- الأمن النفسي .
- عدم ازدراء نعم الله عز وجل .
- عدم التكبر بنعم الله عز وجل .
- معرفة نعمة الضراء والبلاء وما يستخرج به من العبادات.
- راحة البال والقلب من النظر إلى الخلق.
- استدامة النعم وتقيدها.
- استجلاب غيرها.
* آثار على المجتمع :-
- التحدث بنعم الله عز وجل .
- نسبة الفضل لله عز وجل مسدي النعمة مما يشع روح الرضا في المجتمع .
- التكافل بين أفراد المجتمع .
- التواضع بين يدي الله عزوجل بين خلقه لاسيما أصحاب الحاجات والمعوزين.
- جبر قلوب الفقراء بالبذل والإنفاق فإنه من لوازم حمده .
- انتفاء الحسد والبغضاء .
- عدم استكثار نعم الله عز وجل على خلق الله عز وجل .
- حفظ اللسان عن ذكر المثالب والمعايب.
- نشر محاسن الناس وفضائلهم ، لأن اللسان استدام ذكر الخير والحسنات.
- انتفاء الغل والغش من القلب ومحبة الخير للمسلمين.
- إشاعة الثناء والمدح بين الناس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ ».
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
اسأل الله أن ينفع به كل من قرأه وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن يغفر لنا التقصير والزلل . ... آمين
طريقتي في الرسالة : تفسير الآية حسب ما ورد فيها من أقوال و كتابة النظائر لها من الأيات في كتاب الله وفضائل الحمد ومواطن الحمد في حياتنا اليومية .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أنه لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك