المجموعة الثانية:
س1: ما الذي يشترط في المفسّر ليكون اجتهاده معتبراً في التفسير؟
الشرط الأول: أن يكون متأهلا في العلوم التي يُحتاج إليها وفي الباب الذي يجتهد فيه، وهذا الاجتهاد يتجزّأ؛ إذ لكلّ باب ما يتطلّبه.
والشرط الثاني: معرفته بموارد الاجتهاد، وما يسوغ أن يجتهد فيه مما لا يسوغ.
والشرط الثالث: أن لا يخالف باجتهاده أصلاً من الأصول التي تُبنى عليها دلالة الاجتهاد؛ فلا يخالف باجتهاده نصّا ولا إجماعاً، ولا قول السلف، ولا دلالة اللغة.
وكلّ اجتهاد خالف واحداً من هذه الأصول فهو اجتهاد مردود.
س2: بيّن فائد علم الاشتقاق للمفسّر ؟
علم الاشتقاق مهم جدا بالنسبة للمفسر وذلك في استخراج المعنى اللغوي وقد اعتنى به علماء اللغة وعلماء السلف حيث ورد عن الصحابة تفسيرهم لبعض كلمات القرآن من خلال علم الاشتقاق كما ورد ذلك عن ابن عباس فيما رواه مجاهد بن جبر :قال: (كان ابن عباس لا يدري ما {فاطر السموات} حتى جاءه أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: يا أبا عباس بئري أنا فطرتها، فقال: خذها يا مجاهد {فاطر السموات}). رواه الدولابي في الكني واللفظ له، ورواه ابن جرير والبيهقي.
- وقال إبراهيم النخعي في قوله تعالى: {اتخذوا هذا القرآن مهجورا} قال: (يعني قالوا فيه غير الحق ألا ترى أن المريض إذا تكلم بغير عَقْلٍ قيل: إنه لَيَهْجُر). رواه ابن إسحاق الهمذاني وابن أبي حاتم، وروى ابن جرير نحوه.
وهذا أحد الأقوال في تفسير هذه الآية، ذهب فيه إبراهيم النخعي إلى أنّ الكفار اتّخذوا هذا القرآن غرضاً لأقوالهم السيئة؛ فقالوا: هو سحر، وقالوا: إفك مفترى، وقالوا: أساطير الأولين، إلى غير ذلك.
وهذا القول مبني على اشتقاق المهجور من هُجْر القول، وهو هذيانه وسيّئه.
ومن أنواع مسائل الاشتقاق في التفسير نوعين :
- مالا أثر له على المعنى كالخلاف في اشتقاق (المدينة ).
- ماله أثر على المعنى ويزيد في توضيح المعنى ويعين على ترجيح بعض الأقوال أو الجمع بين قولين , وهو المهم لطالب علم التفسير أن يتعلمه .
- فمن أمثلة فوائده في البيان ما نقله ابن الجوزي عن ابن الأنباري في تفسير قول الله تعالى: ({ واهجرني ملياً } قال: (واشتقاق {نملي لهم} من الملوة، وهي المدة من الزمان ، يقال: مَلوة من الدهر، ومِلوة، ومُلوة، ومَلاوة، ومِلاوة، ومُلاوة، بمعنى واحد، ومنه قولهم: البس جديداً وتملّ حبيباً ، أي : لتطل أيامك معه
- ومن أمثلة فوائده في الجمع والترجيح بين أقوال المفسّرين:
ما وقع من اختلاف المفسرين في معنى "المسحَّرين" في قول الله تعالى: {قالوا إنما أنت من المسحّرين}
س3: تحدّث عن الانحراف في التفسير اللغوي وبيّن أسبابه ومظاهره وآثاره.
أسباب الانحراف اللغوي :
الإعراض عن نصوص الكتاب والسنة المحكمة واجماع السلف واتباع المتشابه لهوى في النفس وزيغ في القلب كما قال تعالى {فأمّا الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}.
وأكثر ما يسلك أهل الباطل في دس مكائدهم وعقائدهم الباطله وتزيينها هو المعنى اللغوي وتوهمهم أن هناك تعارض ومن المستحيل أن يقع التعارض بين ما وقع الإجماع عليه من الاعتقادات الصحيحة والأدلة اللغوية الصحيحة فمن كان لديه خبرة في طرق أهل الباطل في دس باطلهم عرف ذلك وكشفه .
- وأمّا مظاهر الانحراف فمن أهمها:
1. التشكيك في نصوص الاعتقاد و دلالتها، وإقامة الاحتمالات اللغوية الباردة لتشتيت النظر فيها.
2. نصرة أقوال أهل الباطل بأدنى الحجج اللغوية وأضعفها.
3. إقامة دعاوى التعارض بين النصوص ليبتغي بالجمع بينها مسلكاً لترويج بدعته.
4. ضعف العناية بالسنّة، وازدراء أهل الحديث، ورميهم بسوء الفهم، وضعف الحجة؛ وقد عُلم أنّ أهل الحديث هم حملة لواء السنة؛ فلا يقع الطعن على عامّتهم إلا ممن غاظه ما قاموا بحمله.
5. نبذ أقوال السلف بدعوى التجديد .
وأما آثاره فهي خطيرة جدا :
- فمنها اتباع غير سبيل المؤمنين من المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان ؛ فهو في ضلال مبين، وقد ورد في وعيده ما هو معلوم في نصوص الكتاب والسنّة, ( ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا )
- ومن صدّقهم بباطلهم، واتّبعهم عليه؛ فهو متّبع لأئمة ضلالة؛ والمرء مع من اتّبع.
س4: بين فائدة معرفة تناسب الألفاظ والمعاني للمفسّر.
ينبغي للمفسر أن يكون على قدر بمعرفة تناسب الألفاظ والمعاني ولو أن يتأمل الأمثلة التي ذكرها العلماء ويُعمِل الذهن في نظائرها؛ فإنّه يستفيد بذلك من حسن البيان في معاني القرآن، والتأثير على قلوب المتلقّين، ما لا يدركه بالعلوم الأخرى.
ومن أمثلة ذلك -تفسيرُ "ضيزى" في قول الله تعالى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)}
- فحروفَ كلمة"ضيزى" في هذا الموضع تدل على معناها من الغرابة، والتشنيع، والجور، والنقصان، والاعوجاج.
وهو ما فسر به المفسرون هذه الكلمة من الجور والنقص والاعوجاج، وهذه الأوصاف القبيحة قد جمعتها هذه القسمة الجائرة الناقصة المعوجّة.
- وأفاد بناؤها الصرفي على مثال "فُعلى" الدلالةَ على بلوغ منتهى الغاية في التشنيع والتنكير، وهذا فيه تبكيت وتشنيع على المشركين إذْ بلغت قسمتهم ما لا أشنع منه؛ فهي قسمة جائرة.
- ولو أدرت الألفاظ العربية لفظةً لفظةً لم تجد لفظاً أنسب من هذا اللفظ في هذا الموضع، مع موافقتها لفواصل الآي.
س5: تحدث بإيجاز عن خطر القول في القرآن بغير علم .
إن المتكلم في التفسير إنما يتكلم بمراد الله تعالى في كلامه فهو مخبر عن الله تعالى فمن تكلف القول بما لايعلم فقد افترى على الله الكذب وقفا مالا علم له به ,واحتمل ذنوب عظيمة، وآثام كبيرة يجرّها على نفسه، ويضلّ بها الناس عن هدى الله؛ فيحمل من أوزار الذين يضلّهم بغير علم إلى وزره، وقد اشتدّ الوعيد على من فعل ذلك في نصوص الكتاب والسنّة:
فقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
فقرن القول عليه بغير علم بالشرك والبغي والفواحش.
وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) }
وقال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)}.
وقال تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}
وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ}.
كذلك وقد اشتدّ تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الاختلاف في القرآن والقول فيه بغير علم ، ونهى عنه أشدّ النهي، وكان يرى عليه الغضب إذا رأى شيئاً من الاختلاف في القرآن، والقول فيه بغير علم، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أحاديث عدة فمنها:
- فقال أبو عمران الجوني: كتب إليَّ عبد الله بن رباح الأنصاري أن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: هَجَّرْت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، قال: فسمع أصواتَ رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ في وجهه الغضب، فقال: «إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب» رواه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، والنسائي في السنن الكبرى، وغيرهم.
- وقال بسر بن سعيد مولى ابن الحضرمي: حدثني أبو جهيم الأنصاري رضي الله عنه أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال هذا: تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فسألا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((القرآن يقرأ على سبعة أحرف؛ فلا تماروا في القرآن، فإن مراء في القرآن كفر)). رواه أحمد وأبو عبيد في فضائل القرآن والطحاوي في شرح مشكل الآثار والبغوي في شرح السنة وغيرهم.
- وقال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصِم ». رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم.
تحذير الصحابة من القول في القرآن بغير علم :
التزم الصحابة بما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الحذر من القول على الله بغير علم و الاختلاف في القرآن فكانوا أشد الناس تعظيما لكلام الله وأعظمهم تطبيقا لأحكامه وأبعدهم عن القول فيه بغير علم وأعلمهم بعواقب الاختلاف فيه .
وقد رويت عنهم آثارتدلّ دلالة بيّنة على ذلك، ومن تلك الآثار:
- ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم من طرق متعددة يشدّ بعضها بعضاً أنّه سُئل عن آية من كتاب الله عز وجل فقال: « أيَّة أرض تقلني، أو أيَّة سماء تظلني، أو أين أذهب، وكيف أصنع إذا أنا قلت في آية من كتاب الله بغير ما أراد الله بها؟! ». رواه سعيد بن منصور في سننه من طريق ابن أبي مليكة عن أبي بكر.
- ومارواه الزهري قال حدثني أنس بن مالك، قال: قرأ عمر بن الخطاب: {فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا} فقال: كل هذا قد علمنا به فما الأب؟ ثم قال: هذا لعمر الله التكلف، اتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب، وما أشكل عليكم فكلوه إلى عالمه). رواه الطبراني في مسند الشاميين.
- وروى عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: « لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم ». رواه أبو عبيد في فضائل القرآن وابن أبي شيبة في مصنفه من طريقين عنه.
وقد نهج السلف الصالح نفس النهج في الحذر من القول في القرآن بغير علم فمن ذلك
1. قال هشيم بن بشير: حدثنا عمر بن أبي زائدة، عن الشعبي، عن مسروق، قال: ( اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله) رواه أبو عبيد.
- قال إسماعيل بن أبي خالد: حدثنا جرير [بن عبد الحميد] عن بيان [بن بشر] عن عامر بن شراحيل الشعبي أنه قال: « من كذب على القرآن فقد كذب على الله » رواه أبو نعيم في الحلية.
الفرق بين القول بالرأي المذموم والاجتهاد الصحيح في التفسير :
- الاجتهاد القائم على أساس الكتاب والسنة وعلم باللغة وبأقوال الصحابة فهو اجتهاد صحيح فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد لإنه أصاب الطريق الصحيح في الاجتهاد.
- أما الاجتهاد القائم على الهوى ومخالفة الكتاب والسنة أما لجهل وتخرص بغير علم فهو المنهي عنه والوارد ذمه في النصوص .
س6: بيّن فوائد دراسة طرق التفسير لطالب علم التفسير.
الحمد لله رب العالمين أن يسر لنا دراسة طرق التفسير واستفدنا من ذلك :
- معرفة طرق التفسير وكيفية التدرج بين طرق التفسير المختلفة .
- التعرف على طريقة تفسير القرآن بالقرآن وكيف أنه في بعض المواضع يأتي مجملا وموضع آخر مفصلا .
- معرفة أهمية دراسة اللغة العربية وأثرها على فهم القرآن ومعرفة معانية.
والحمد لله رب العالمين,,,