6/1323 - وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ عَدَّ شَهَادَةَ الزُّورِ فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ.
(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ عَدَّ شَهَادَةَ الزُّورِ فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ). وَلَفْظُ الحَدِيثِ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟)) ثَلاثاً، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ))، وَكَانَ مُتَّكِئاً فَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: ((أَلا وَقَوْلُ الزُّورِ))، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ شَهَادَةِ الزُّورِ.
قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: الزُّورُ: تَحْسِينُ الشَّيْءِ وَوَصْفُهُ بِخِلافِ صِفَتِهِ، حَتَّى يُخَيَّلَ إلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ أَنَّهُ بِخِلافِ مَا هُوَ بِهِ، فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ، وَقَدْ جَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ الزُّورِ عَدِيلاً لِلإِشْرَاكِ، وَمُسَاوِياً لَهُ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ الْمُتَبَادَرِ، وَذَلِكَ لأَنَّ الشِّرْكَ أَكْبَرُ بِلا شَكٍّ، وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ، فَلا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ التَّفْضِيلَ لَهَا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يُنَاظِرُهَا فِي الْمَفْسَدَةِ، وَهُوَ التَّسَبُّبُ إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، فَهِيَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَبَائِرِ الَّتِي يُتَسَبَّبُ بِهَا إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، فَهِيَ أَكْبَرُ مِن السَّرِقَةِ والرِّبَا.
وَإِنَّمَا اهْتَمَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْبَارِهِمْ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَجَلَسَ، وَأَتَى بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ، وَكَرَّرَ الإِخْبَارَ؛ لِكَوْنِ قَوْلِ الزُّورِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ أَسْهَلَ عَلَى اللِّسَانِ، وَالتَّهَاوُنُ بِهَا أَكْثَرُ، وَلأَنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ مِن الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا.
فَاحْتِيجَ إلَى الاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ، بِخِلافِ الشِّرْكِ؛ فَإِنَّهُ، وإِنْ كَانَ كَبِيرَةً، إِلاَّ أَنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ؛ لأَنَّها لا تَتَعَدَّى مَفْسَدَتُهُ إلَى غَيْرِ الْمُشْرِكِ، بِخِلافِ قَوْلِ الزُّورِ؛ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى مَنْ قِيلَ فِيهِ، وَالْعُقُوقُ يَصْرِفُ عَنْهُ كَرَمُ الطَّبْعِ وَالْمُرُوءَةُ.