قولُه تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} في التفسيرِ: أنَّ الكُفَّارَ كانَ بعضُهم يقولُ لبعضٍ: أَسِرُّوا بقولِكم حتى لا يَسمعَ ربُّ محمَّدٍ فيُخْبِرَه قولَكم. فأَنْزَلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ.
وقولُه: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أيْ: بما في الصُّدورِ: قالَ الحسَنُ: يَعلمُ مِن السِّرِّ ما يَعلَمُ مِن العَلانِيَةِ، ويَعلَمُ مِن العَلانيةِ ما يَعلَمُ مِن السِّرِّ.
قولُه تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} استفهامٌ بمعنى الإنكارِ والتوبيخِ، والمعنى: ألاَ يَعلمُ مَن في الصدورِ مَن خلَقَ الصدورَ، ويُقالُ: ألاَ يَعلَمُ ما خَلَقَ (مَن) بمعنى (ما)، وهو مِثلُ قولِه تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} أيْ: ومَن بَناهَا.
وقولُه: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أي: اللطيفُ في عِلْمِه، يَعلَمُ ما يُظْهَرُ وما يُسَرُّ، وكُلُّ ما دَقَّ يُقالُ: لَطيفٌ. ويُقالُ: الْخَبيرُ هو العالِمُ.
قولُه تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً} أيْ: مُذَلَّلَةً، وتَذليلُها تَسهيلُ السَّيْرِ فيها والقَرارِ عليها.
وقولُه: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} أيْ: في جَوانِبِها ويُقالُ: في فِجَاجِها، ويُقالُ: في طُرُقِها، وقيلَ: في جِبَالِها، وعن بُشَيْرِ بنِ كعْبٍ الأنصاريِّ أنه كان يَقرأُ هذه السورةَ، فبَلَغَ هذه الآيةَ فقالَ لجاريةٍ له: إنْ عَرَفْتِي معنى قولِه: {فِي مَنَاكِبِهَا} فأنتِ حُرَّةٌ. فقالتْ: في جِبَالِها. فشَحَّ الرجُلُ بالجاريةِ وجَعَلَ يَسألُ أبا الدرداءِ فقالَ: دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ، خَلِّهَا. وحكَى قَتادةُ عن أبي الْجَلْدِ قالَ: الأرْضُ كلُّها أربعةٌ وعِشرونَ ألْفَ فَرْسَخٍ، اثنا عشرَ ألْفاً للسُّودانِ، وثمانيةُ آلافٍ للرُّومِ، وثلاثةُ آلافٍ للعَجَمِ، وألْفٌ للعَرَبِ.
وقولُه: {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أيْ: في الآخِرَةِ.
قولُه تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} قالَ ابنُ عبَّاسٍ: أي: اللهَ.
وقولُه: {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} أيْ: تَضطرِبُ وتَدورُ، ويُقالُ: تَمورُ أيْ: تُخْسَفُ بكم حتى تَجعلَكم في أسفَلِ الأَرَضينَ، قالَ الشاعرُ:
رَمَيْنَ فأَقْصَدْنَ القُلوبَ ولن تَرَى دَماً مَائِراً إلا جَرَى في الْحَيَازِمِ
أيْ: سائِلاً.
قولُه تعالى: {أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} أيْ: أَأَمِنتُمْ ربَّكُمْ، {أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} أيْ: رِيحاً ذاتَ حَصباءٍ، ويُقالُ: حِجارةً فيُهْلِكَكُم بها، والْحَصباءُ الحجارةُ.
وقولُه: {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} أيْ: إِنْذَارِي، والمعنى: كنْتُ مُحِقًّا في إنذارِي إيَّاكُم العذابَ.
قولُه تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أيْ: إنكارِي.
قولُه تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} يُقالُ: صَفَّ الطيْرُ جَناحَه إذا بَسَطَه، وقَبَضَه إذا ضَرَبَه، والمرادُ مِن القَبْضِ هو ضرْبُ الْجَناحَيْنِ بالْجَنْبَيْنِ، وهذا القبْضُ والبسْطُ في بعضِ الطيورِ لا في جميعِ الطيورِ، فإنَّ بعضَها يَقْبِضُ بكلِّ حالٍ، وبعضَها يَبْسُطُ تارَةً ويَقْبِضُ أُخرى.
وقولُه: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ} يَعنِي: ما يُمْسِكُهُنَّ عن الوُقوعِ إلاَّ الرحمنُ، قالوا: والهواءُ للطيرِ بِمَنزِلَةِ الماءِ للسابِحِ، فهو يَسبَحُ في الهواءِ بجَنَاحَيْهِ كما يَسبحُ الإنسانُ في الماءِ بأَطرافِه.
وقولُه: {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} أيْ: عَليمٌ.
قولُه تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ} معناه: أينَ هذا الذي هو جُنْدٌ لكم يَمنعُكم مِن عذابِ اللهِ؟ وهو استفهامٌ بمعنى التوبيخِ والإنكارِ.
وقولُه تعالى: {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ} أيْ: ما الكافرونَ إلاَّ في غُرورٍ.
قولُه تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ} المعنى: أنَّ اللهَ هو الذي يَرزقُكم، إنْ أمْسَكَ رِزْقَه فمَن ذا الذي يَرْزُقُكم سِواهُ؟
وقولُه: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} العُتُوُّ هو التَّمادِي في الكفْرِ، والنُّفورُ هو التباعُدُ عن الحقِّ، ويُقالُ: المعنى: أنَّ اللَّجَاجَ حَمَلَهم على الكفْرِ والنفورِ عن الْحَقِّ، فإنَّ الدلائِلَ أَظْهَرُ وأَبْيَنُ مِن أنْ تَخفَى على أحَدٍ، والعرَبُ تُسَمِّي كلَّ سَفيهٍ متَمَرِّدٍ مُتَمَادٍ في الباطِلِ عَاتِياً.
قولُه تعالى: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} في الضَّلالةِ لا يُبصِرُ الحقَّ. ويُقالُ: مُكِبًّا على وَجْهِه أيْ: لا يَنظُرُ مِن بينِ يَديهِ، ولا عن يَمينِه ولا عن يَسَارِه، ولا مِن خَلْفِه، وقيلَ: إنَّ هذا في الآخِرَةِ، فإنَّ اللهَ تعالى يَحْشُرُ الكُفَّارَ على وُجوهِهم على ما نَطَقَ به القرآنُ في غيرِ هذا الْمَوْضِعِ، وقد ثَبَتَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((إِنَّ الَّذِي قَدَرَ أَنْ يُمَشِّيَهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمَشِّيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ)).
وقولُه: {أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أيْ: يَمْشِي في طريقِ الْحَقِّ بنُورِ الهدى، ويُقالُ: يَنظُرُ مِن بينِ يَديْهِ وعن يَمينِه وعنْ يَسارِه ومِن خَلْفِه، وقيلَ: هو في الآخِرَةِ.
وعن عِكرمةَ قالَ: قولُه: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} هو أبو جَهلٍ, وقولُه: {أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهو عَمَّارُ بنُ ياسِرٍ، وحَكَى بعضُهم عن ابنِ عبَّاسٍ: أنه حَمزةُ بنُ عبدِ الْمُطَّلِبِ وكُنيتُه أبو عمارةَ.