672- وابْنِ عَلَى الكَسْرِ فَعَالِ عَلَمَا = مُؤَنَّثًا، وهْو نَظِيْرُ جُشَمَا
673- عِنْدَ تَمِيْمٍ، واصْرِفْنَ مَا نُكِّرَا = مِنْ كُلِّ مَا التعريفُ فيهِ أثَّرَا
(وابْنِ عَلَى الكسرِ فَعَالِ عَلَمَا * مؤنَثًا) أيْ: مُطْلقًا فِي لُغَةِ الحِجَازِيينَ، لشَبَهِهِ بِنِزَالِ وَزْنًا وتعْرِيفًا وتَأْنِيثًا وعَدْلًا وقيلَ: لتضمنِهِ مَعْنَى هَاءَ التأنيثِ، قالَهُ الرَّبْعِيُّ، وقيلَ: لِتَوَالِي العِلَلِ، وليِسَ بَعْدَ مَنْعِ الصرفِ إلا البناءُ قالَهُ المُبَرِّدُ، والأوَّلُ هو المَشْهُورُ؛ تقولُ: "هذِهِ حَذَامِ ووَبَارِ" و"رأيتُ حَذَامِ ووَبَارِ" و"مررتُ بحَذَامِ ووَبَارِ" ومنهُ قولُهُ [مِنَ الوَافِرِ]:
990- إذَا قَالَتُ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا = فَإِنَّ القولَ مَا قَالَتْ حَذَامِ
(وهو نظيرُ جُشَمًَا) وعُمَرَ وزُفَرَ (عِنْدَ تَمِيْمٍ) أيْ: ممنوعُ الصرفِ للعلميةِ والعَدْلِ عَنْ "فَاعِلَةَ" وهَذَا رأيُ سِيْبَويْهِ.
وقالَ المُبَرِّدُ: للعَلَمِيَّةِ والتأنيثِ المعنَوِيِّ كزَيْنَبَ وهو أقْوَى علَى مَا لا يَخْفَى.
وهَذَا فِيْمَا ليْسَ آخِرُهُ رَاءً، فأمَّا نحوُ: "وَبَارِ وظَفَارِ وسَفَارِ"، فَأَكْثَرُهُم يَبْنِيْهِ عَلَى الكَسْرِ كَأَهْلِ الحِجَازِ، لأنَّ لُغَتَهُمْ الإِمَالَةُ، فإذَا كَسَرُوا تَوَصَّلُوا إليها ولو مَنَعُوهُ الصرفَ لامْتَنَعَتْ.
وقَدْ جَمَعَ الأعْشَى بَيْنَ اللغَتَيْنِ في قولِهِ [مِنْ مُخَلَّعِ البسِيْطِ]:
991- أَلَمْ تَرَوا إِرَمًا وعَادًا = أَوْدَى بِهَا اللَّيْلُ والنَّهَارُ
ومَرَّ دَهْرٌ عَلَى وَبَارِ = فَهَلَكَتْ وَبَارِ
تنبيهانِ: الأوَّلُ: أَفْهَمَ قولُهُ مُؤَنثاُ: أنَّ حَذَامِ وبَابَهُ لوْ سُمِّيَ بِهِ مُذَكَّرٌ لَمْ يُبْنَ، وهو كذلكَ، بَلْ يَكونُ مُعْرَبًا مَمْنُوعًا مِنَ الصرفِ للعَلَمِيَّةِ والنقلِ عَنِ مؤنثٍ كغيرِهِ، ويجوزُ صَرْفُهُ لأنَّهُ إنَّمَا كانَ مُؤَنثًا لإرادَتِكَ بِهِ مَا عُدِلَ عنهُ، فلمَّا زَالَ العَدْلُ زَالَ التأنيثُ بِزَوَالِهِ.
الثانِي: فقدْ يكونُ مَعْدولًا وغيرَ مَعْدُولٍ، فالمعدولُ إمَّا علمٌ مؤنثٌ كحَذَامِ وتَقَدَّمَ حُكْمُهُ، وإمَّا أمَرٌ نحوُ: نَوَالِ وإمَّا مصدرٌ نحوُ: "حَمَادِ" وإمَّا حَالٌ نحوُ: [مِنَ الكامِلِ]:
922- وَذَكَرْتُ مِنْ لَبَنِ المُحَلَّقِ شَرْبَةً = والخَيْلُ تَعْدُو فِي الصَّعِيدِ بَدَادِ
وإمَّا صفةٌ جاريةٌ مَجْرَى الأَعْلَامِ، نَحْوُ: حَلاَقِ للمَنِيَّةِ، وإمَّا صِفَةٌ مُلاَزِمَةٌ للنداءِ، نحوُ: فَسَاقِ، فهذِهِ خمسةُ أنواعٍ كلُّها مَبْنِيَّةٌ عَلَى الكَسْرِ مَعْدُولَةٌ عَنْ مُؤَنثٍ، فإنْ سُمِّي ببعضِهَا مُذَكَّرٌ فهو كعَنَاقِ، وقَدْ يُجْعَلُ كصَبَاحِ وإنْ سُمِّيَ بِهِ مؤنثٌ فهو كحَذَامِ ولا يجوزُ البِنَاءُ خِلَافًا لابْنِ + بَابشاذ، وغيرُ المَعْدُولِ ويكونُ اسْمًا كجَنَاحِ ومصدرًا نحوُ: ذَهَابِ، وصفةً، نحوُ: جَوَادِ، وجِنْسًا، نَحْوُ: سَحَابِ، فلو سُمِّيَ بشيءٍ مِنْ هذِهِ مُذَكَّرًا انصرفَ قولًا واحِدًا إلا مَا كَانَ مؤنثًا كَعَنَاقِ.
(واصْرِفْنَ َما نُكِّرَا مِنْ كُلِّ مَا التعريفُ فيهِ أثَّرَا وذلكَ الأنواعُ السبعةُ المتأخرةُ، وهي: مَا امْتَنَعَ للعَلَمَيَّةِ والتركيبِ، أو الألفِ والنونِ الزائدتينِ، أو التأنيثِ بغيرِ الألفِ، أو العُجْمَةِ، أو وزنِ الفعلِ، أو ألفِ الإلحاقِ، أو العَدْلِ، تقولُ: "رَبَّ مَعْدِي كَرِبٍ وعِمْرَانٍ وفَاطِمَةٍ وزينبٍ وإبراهيمَ وأحمدَ وأَرْطًى وعُمَرٍ لقيتُهُم"، لذَهَابِ أحدِ السببينِ وهو العَلَمِيَّةُ.
وأمَّا الخمسةُ المتقدمةُ ـ وهِي مَا امَتْنَعَ لألفِ التأنيثِ، أو للوصفِ والزيادتينِ، أو للوصفِ ووزنِ الفعلِ، أو للوصفِ والعدلِ، أو للجمعِ المُشْبِهِ مَفَاعِلَ أو مَفَاعِيلَ فإنَّها لا تُصْرَفُ نَكْرِةً فلو سُمِّيَ بشيءٍ منْهَا لمْ ينصرفْ أيضًا، أمَّا مَا فيهِ أَلِفُ التأنيثِ فلأنَّها كافيةٌ فِي مَنْعِ الصرفِ, وَوَهِمَ مَنْ قَالَ "حَوَّاءَ" امْتَنَعَ للتأنيثِ والعَلَمِيَّةِ، وأمَّا مَا فيهِ الوصفُ معَ زيادَتَيِ فَعْلَانَ، أو وزنِ "أفَعْلَ"َ فلأنَّ العَلميةَ تَخْلُفُ الوصفَ فيصيرَ مَنْعُهُ للعلميةِ والزيادتينِ، أو للعلميةِ ووزنِ "أَفْعَلَ" وأمَّا مَا فيهِ الوصفُ والعدلُ، وذلكَ أُخَرُ وفُعَالُ ومَفْعَلُ نحوُ: أُحَادَ ومَوْحَدَ، فمذهبُ سِيبَويْهِ أنَّها إذَا سُمِّيَ بِهَا امُتَنَعَتْ مِنْ الصرفِ للعَلَمِيَّةِ والعَدْلِ.
قَالَ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): وكلُّ مَعْدولٍ سُمِّيَ بِهِ فَعَدْلُهُ باقٍ، إلا سَحَرُ وأَمْسِ فِي لُغَةِ بَنِي تَمِيْمٍ، فإنَّ عَدْلَهُمَا يزولُ بالتسميةِ فيُصْرَفانِ، بخلافِ غيرهِمَا مِن المعدولاتِ، فإنَّ عَدْلَهُ بالتسميةِ باقٍ، فيجبُ مَنْعُ صَرْفِهِ للعدلِ والعَلَمِيَّةِ عددًا كَانَ أو غَيْرَهُ، هَذَا هو مذهبُ سِيْبَويْهِ، ومَنْ إليهِ غيرَ ذلكَ فقدْ أَخْطَأَ، وقَوَّلَهُ مَا لمْ يَقُلْ، وإلى هذَا أَشَرْتُ بقولِي:
وعَدْلُ غيرِ سَحَرٍ وأمسِ فِي = تَسْمِيَةٍ تَعْرِضُ غيرُ مُنْتَفِى.
وذهَبَ الأخْفَشُ وأبو عَلِيٍّ وابْنُ بَرْهَانَ إلى صرفِ العددِ المعدولِ مُسَمًى بِهِ، وهو خِلافُ مذهبِ سِيْبَويْهِ ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعالَىـ. هذَا كلامُهُ بِلَفْظِهِ، وأمَّا الجمعُ المُشْبِهُ مَفَاعِلَ أو مَفَاعِيْلَ فقدْ تَقَدَّمَ الكلامُ علَى التسميةِ بِهِ.
وإذَا نُكِّرَ شيءٌ مِنْ هَذِهِ الأنواعِ الخمسةِ بعدَ التسميةِ لم ينصرفْ أيضًا، أمَّا ذو أَلِفِ التأنيثِ فللألفِ.
وأما ذُو الوصفِ مَعَ زِيَادَتَي فَعْلَانَ، أو مَعَ وَزْنِ أَفْعَلَ أو مَعَ العَدْلِ إلى فُعَالَ أو مَفْعَلَ فلأنَّها لمَّا نُكِّرَتْ شابَهَتْ حَالَهَا قبلَ التسميةِ؛ فمُنِعَتِ الصرفَ لشَبَهِ الوصفِ مَعَ هَذِهِ العِلَلِ، هذَا مَذْهَبُ سِيْبَويْهِ، وخَالَفَ الأخْفَشَ فِي بابِ سَكَرَانَ فَصَرَفَه.
وأمَّا بَابُ أَحْمَرَ ففيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ: الأوَّلُ: مَنْعُ الصرفِ، وهو الصحيحُ.
والثانِي: الصرفُ وهو مَذْهَبُ المُبَرِّدِ والأخْفَشِ فِي أَحَدِ قوليهِ، ثُمَّ وَافَقَ سِيْبَويْهِ في كتابِهِ (الأوْسَطِ)، قَالَ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ): وأكثرُ المُصَنفينَ لا يَذْكُرُوْن إلا مُخَالَفَتَهُ، وذِكْرُ مُوَافَقَتِهِ أَوْلَى لأنَّها آخِرُ قوليهِ.
والثالثُ: إنْ سُمِّيَ بِأَحْمَرَ رَجَلٌ أَحْمَرُ، لمْ يَنْصَرِفْ بعدَ التنكيرِ، وإنْ سُمِّيَ بِهِ أَسْوَدُ أو نحوُهُ انْصَرَفَ، وهو مذْهَبُ الفَرَّاءِ وابْنِ الأَنْبَارِيِّ.
والرابعُ: أنَّهُ يجوزُ صَرْفُهُ وتَرْكُ صرفِهِ، قَالَهُ الفَارِسِيُّ فِي بعضِ كُتُبِهِ.
وأمَّا المَعْدُولُ إلَى فُعَالَ أو مَفْعَلَ فمَنْ صَرَفَ أَحْمَرَ بَعْدَ التسميةِ صَرَفَهُ، وقدْ تَقَدَّمَ الخلافُ فِي الجَمْعِ إذا نُكِّرَ بعدَ التسميةِ.
تنبيهٌ: إذَا سُمِّيَ بأَفْعَلِ التفضيلِ مُجَرَّدًا مِنْ "مِنْ" ثُمَّ نُكِّرَ بَعْدَ التسميةِ انْصَرَفَ بإجماعٍ، كمَا قَالَهُ فِي (شَرْحِ الكَافِيَةِ): قَالَ: لأنَّهُ لا يعودُ إلى مِثْلِ الحَالِ التي كَانَ عَليها إذا كانَ صفةً، فإنَّ وصفيتَهُ مشروطةٌ بِمُصَاحَبَةِ "مِنْ" لفظًا أو تَقْديرًا ا هـ فإذا سُمِّيَ بِهِ مَعَ "مِنْ" ثُمَّ نُكِّرَ امْتَنَعَ صَرْفُهُ قَولًا وَاحِدًا، وكلامُ (الكَافِيَةِ) وشَرْحُهَا يَقْتَضِي إجراءَ الخلافِ فِي نحوِ: أَحْمَرَ فيهِ.
674- (ومَا يكونُ منهُ مَنْقُوصًا فَفِي = إعرابِهِ نَهْجَ جَوَارٍ يَقْتَفِي)
يعنِي أنَّ مَا كانَ مَنْقُوصًا مِنَ الأسماءِ التِي لا تنصرفُ، سواءٌ كانَ مِنَ الأنواعِ السبعةِ التي إِحْدَى عِلَّتَيْهَا العَلَمِيَّةُ، أو مِنَ الأنواعِ الخمسةِ التي قَبْلَهَا، فإنَّهُ يَجْرِى مُجْرَى جَوَارٍ وغَوَاشٍ وقَدْ تَقَدمَ أنَّ نحوَ: جوارٍ يلْحَقُهُ التنوينُ رفعًا وجرًا فَلا وَجْهَ لمَا حَمَلَ عليهِ المُرَادِيُّ كلامَ الناظمِ منْ أنَّهُ أشَارَ إلى الأنواعِ السبعةِ دُوْنَ الخمسةِ، لأنَّ حُكْمَ المنقوصِ فيهمَا واحدٌ، فمثالُهُ فِي غيرِ التعريفِ أُعَيْمٍ تصغيرُ أَعْمَى، فإنَّهُ غيرُ منصرفٍ للوصفِ والوزنِ، ويلحَقُهُ التنوينُ رفعًا وجرًا، نحوُ: "هَذَا أُعَيْمٌ" و"مَرَرْتُ بِأُعَيْمٍ" و"رَأَيْتُ أُعَيْمَي" والتنوينُ فيهِ عِوَضٌ مِنَ الياءِ المحذوفةِ كَمَا فِي نحوِ: جَوَارٍ، وهَذَا لا خلافَ فيهِ، ومثَالُهُ فِي التعريفِ قاضٍ اسْمَ امرأةٍ فإنَّهُ غيرُ منصرفٍ للتأنيثِ والعَلَمِيَّةِ و"يُعَيْلٍ" تصغيرُ يَعْلَى و"يَرْمٍ" مُسَمًّى بِهِ فإنَّهُ غيرُ مُنْصَرِفٍ للوزنِ والعَلَمِيَّةِ، والتنوينُ فيهما فِي الرفعِ والجرِّ عِوَضٌ مِنَ الياءِ المحذوفةِ، وذَهَبَ يُوْنُسُ وعِيْسَى بْنُ عُمَرَ والكِسَائِيُّ إلى أَنَّ نحوَ: "قاضٍ" اسْمَ امرأةٍ و"يُعَيْلٍ ويَرْمٍ" يُجْرَي مُجْرَى الصحيحِ فِي تَرْكِ تنوينِهِ وجرِّهِ بفتحةٍ ظاهرةٍ، فيقولونَ: "هَذَا يُعَيْلِيُّ ويَرْمِيُّ وقَاضِيُّ ورأيتُ يُعَيْلِيَ ويَرْمِيَ، وقَاضِيَ, ومررتُ بِيُعَيْلِيَ ويَرْمِيَ وقَاضِيَ" واحتجُّوا بقولِهِ [مِنَ الرَّجَزِ]:
993- قَدْ عَجِبَتْ مِنِّي ومِنْ يُعَيْلِيَا = لمَّا رَأَتْنِي خَلَقًا مُقَلْوليَا
وهو عِنْدَ الخليلِ وسِيْبَويْهِ والجمهورِ محمولٌ علَى الضرورةِ كقولِهِ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
994- فَلَوْ كَانَ عَبْدُ اللهِ مَوْلًى هَجُوْتُهُ = ولكنَّ عَبْدَ اللهِ مَوْلَى مَوَالِيَا
675- ولاضْطِرَارٍ أو تَنَاسُبِ صَرْفٍ = ذُو المَنْعِ، والمصروفُ قَدْ لا يَنْصَرِفْ.
(ولاضْطِرَارٍ أو تَنَاسُبِ صَرْفٍ * ذُو المَنْعِ) بِلا خِلَافَ، مِثَالُ الضرورةِ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
995- وَيْوَمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ = فَقَالَتْ: لَكَ الوَيَلَاتُ إنَّكَ مُرْجِلِي
وقولُهُ [مِنَ الخَفِيْفِ]:
996- وَأَتَاهَا أُحَيْمَرٌ كَأَخِي السَّهْـ = ـمِ بِعَضْبٍ فقالَ: كُونِي عَقِيْرًا.
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
997- تَبَصَّرْ خَلِيْلِي هَلْ تَرَى مِنْ ظَعَائِنٍ = سَوالِكُ نَقْبًا بَيْنَ حَزْمَيْ شَعَبْعَبِ
وهو كثيرٌ، نَعَمْ اخْتُلِفَ فِي نوعينِ:
أحدُهُمَا: مَا فيهِ أَلِفُ التأنيثِ المقصورةُ فَمَنَعَ بعضُهُم صَرْفَهُ للضرورةِ، قَالَ: لأنَّهُ لا فائدةَ فيهِ، إذْ يَزِيْدُ بِقَدْرِ مَا يَنْقُصُ، وَرَدَ بِقَوْلِهِ [مِنَ الكَامِلِ]:
998- إِنِّي مُقَسِّمُ مَا مَلَكَتْ فَجَاعِلٌ = جُزْءًا لآخِرَتِي ودُنْيًا تَنْفَعُ
أنْشَدَهُ ابْنُ الأعْرَابِيِّ بتنوينِ دُنْيَا.
وثانِيْهُمَا: "أَفْعَلُ مِنْ" مَنَعَ الكوفيونَ صَرْفَهُ للضرورةِ قالوا: لأنَّ حذفَ تنوينِهِ لأجلِ "مِنْ" فَلا يُجْمَعُ بينَهُمَا، ومذهبِ البصريين، جوازُهُ لأنَّ المانعَ لهُ إنَّما هو الوزنُ والوصفُ كأَحْمَرَ لا "مِنْ" بِدَليلِ صرفِ "خيرٍ منهُ وشرٍ منهُ" لزوالِ الوزنِ، ومثالُ الصرفِ للتناسُبِ قراءةُ نافعٍ والكِسَائِيِّ (سَلاسِلًا وأَغْلَالًا وسَعِيْرًا) (قوارِيْرًا قَوَارِيْرًا) وقراءةُ الأَعْمَشِ بْنِ مَهَرَانِ (وَلا يَغُوثًا ويَعُوقًا ونَسْرًا).
تنبيهٌ: أَجَازَ قومٌ صرفَ الجمعِ الذِي لا نظيرَ لهُ فِي الآحَادِ اختيارًا، وزَعَمَ قومٌ أنَّ صرفَ مَا لا يَنْصَرِفُ مُطْلقًا لغةٌ، قالَ الأخفشُ: وكأنَّ هذِهِ لغةُ الشُّعَرَاءِ، لأنَّهُم اضْطُرُّوا إليه في الشِّعرِ، فجَرَتْ ألسنتُهُم عَلَى ذَلِكَ في الكلامِ.
(والمصروفُ قَدْ لَا ينصرفْ) أيْ: للضرورةِ، أَجازَ ذلكَ الكوفيونَ والأَخْفَشُ والفَارِسِيُّ.
وأَبَاهُ سائِرُ البصريينَ: والصحيحُ الجوازُ، واختارَهُ الناظمُ لثبوتِ سَمَاعِهِ، مِنْ ذلكَ قولُهُ [مِنَ المُتَقَارَبِ]:
999- وَمَا كَانَ حِصْنٌ ولا حَابِسٌ = يَفُوقَانِ مرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ
وقولُهُ [مِنَ الطَّوِيْلِ]:
1000- وقائلةٍ: مَا بَالَ دَوْسَرَ بَعْدَنَا = صَحَا قَلْبُهُ عَنْ آلِ لَيْلَى وَعَنْ هِنْدِ؟
وقولُهُ [مِنَ الكاملِ]:
1001- طَلَبَ الأرْزَاقَ بالكتَائِبِ إذْ هَوَتْ = بِشَبِيبَ غَائِلَةُ النُّفُوسِ غَدُورُ
وأبياتٌ أُخَرُ.
تنبيهٌ: فَصَلَ بعضُ المُتَأَخِّرِينَ بينَ مَا فيهِ عَلَمِيَّةٌ؛ فَأَجَازَ مَنْعَهُ لوجودِ إحدَى العِلَّتَيْنِ، وبَيَّنَ مَا ليسَ كذلكَ فصَرَفَهُ، ويُؤُيِّدُهُ أَنَّ ذَلكَ لم يُسْمَعْ إلا فِي العَلَمِ، وأَجازَ قومٌ منهم ثَعْلَبُ وأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى مَنْعَ صَرْفَ المُنْصَرِفِ اختيارًا.
خَاتِمَةٌ: قَالَ في (شَرْحِ الكَافِيَةِ) مَا لا يَنْصَرِفُ إلى التكبيرِ والتصغيرِ أربعةُ أقسامٍ:
مَا لا يَنْصَرِفُ مُكَبَّرًا ولا مُصَغَّرًا، ومَا لا يَنْصَرِفُ مُكَبَّرًا، ويَنْصَرِفُ مُصَغَّرًا، ومَا لا يَنْصَرِفُ مُصَغَّرًا وينصرفُ مُكبَّرًا، ومَا يجوزُ فيه الوجهانِ مُكبرًا ويَتَحَتَّمُ منْعُهُ مُصغرًا.
فالأوَّلُ نحوُ: بَعْلَبَكَّ وطَلْحَةَ وزَيْنَبَ وحَمْرَاءَ وسَكْرَانَ وإِسْحَاقَ وأَحْمَرَ ويَزِيْدَ مِمَّا لا يَعْدَمُ سببَ المنعِ في تكبيرٍ ولا تصغيرٍ.
والثانِي نحوُ: عُمَرَ وشَمَّرَ وسَرْحَانَ وعَلْقًى وجَنَادلَ أعْلَامًا مِمَّا يزولُ بتصغيرِهِ سببُ المنعِ، فإنَّ تصغيرَهُمَا عُمَيْرُ وشُمَيْمِرٌ وسُرَيْحِينٌ وعُلَيْقٌ وجُنَيْدِلٌ بِزَوَالِ مِثَالِ العَدْلِ ووزنِ الفعلِ وأَلِفَي سَرْحَانَ وعَلْقَى وصيغةِ مُنْتَهَى التكسيرِ.
والثالثُ: نحوُ: تَحلئٍ وتَوَسُّطٍ وتُرْتُبٍ وتِهَبِّطٍ أعْلامًا مِمَّا يُتَكَمَّلُ فيهِ بالتصغيرِ سببُ المنعِ، فإنُّ تصغيرَها تُحْيِيلئُ وتُوْيُسِطُ وتُرَيْتِبُ وتُهَيْبِطُ عَلَى وزنِ مُضَارِعِ بَيْطَرَ، فالتصغيرُ كَمَّلَ لهَا سببَ المنعِ فَمُنِعَتْ مِنَ الصَّرفِ فيهِ، دُونَ التكبيرِ، فلو جِيءَ فِي التصغيرِ بياءٍ مُعَوِّضَةٍ مِمَّا حُذِفَ تَعَيَّنَ الصرفُ لعَدَمِ وزنِ الفعلِ.
والرابعُ: نحوُ: هِنْدَ وهُنَيْدَةَ: فلكَ فيهِ مُكَبِّرًا، وجهانِ، وليسَ لكَ فيهِ مُصَغِّرًا إلا منعُ الصرفِ واللهُ أَعْلَمُ.