التطبيق الثاني:
تلخيص مقاصد الرسالة التبوكية لابن القيم
المقصد الكلي:
الهجرة إلى الله ورسوله، وأهميتها وحقيقتها، وما يلزمها من الزاد الموصل إليها، ومن التعاون على البر والتقوى، والتخلي عن الخلق والشغل بالخالق، والتدبر لكتابه.
ثانيا: المقاصد الفرعية:
1- قوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} وما اشتملت عليه من حكم وأسرار.
2- أهمية الهجرة إلى الله ورسوله، وحقيقتها، والزاد الموصل إليها.
3- الآيات الدالة على وجوب طاعة الرسول وأنها من طاعة الله تعالى.
4- أقسام الخلق بالنسبة لدعوة الرسول، وبيان حالهم ومآلهم.
5- حقيقة الزاد في السفر إلى الله ورسوله، وطريقه، ومركبه، ورأسه ، وعموده، وخلاصته.
ثالثا: المسائل
سبب التسمية
تاريخ الرسالة
اشتمال الآية: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} على جميع مصالح العباد
حقيقة البر والتقوى، والفرق بينهما
خصال البر وخصال التقوى
متى يكون العمل طاعة وقربة
ما يترتب على عدم العلم بحدود ما أنزل الله على رسوله
المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم
الفرق بين الإثم والعدوان، وحقيقتهما
الفرق بين الآيتين: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} و {تلك حدود الله فلا تقربوها}
حال العبد فيما بينه وبين الله تعالى
بم يتم واجب العبد فيما بينه وبين الخالق والخلق
أهمية الهجرة وحكمها
أقسام الهجرة
أهمية هجرة القلب ومقصودها وما تتضمنه
حقيقة التوحيد المطلوب من العبد
ثمرات تصور هذا الأمر
الحكمة من اقتران الإيمان بالهجرة
معيار قوة الهجرة وضعفها
ما الذي يشغل المرء عن ما خلق له
حد الهجرة إلى رسول الله، وأهميتها ووصفها وحكمها
مضمون الشهادتين، ودلالة قوله تعالى : {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...}
دلالة المؤكدات في الآية: (نفى القسم – القسم- المقسَم به- المصدر)
دلالة قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}
ما تتضمنه هذه الأولوية
السبيل لثبوت هذه الأولوية
دلالة قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله...}، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط }
معنى القسط
أحق ما قام له العبد بالقسط
ما تضمنته الآيتان
ما السببان الموجبان لكتمان الحق
ما أنواع اللّيّ
ما الواجب الذي لا يتحقق الإيمان إلا به
دلالة قوله تعالى: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول...}
دلالة قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}
السر في إعادة الفعل (وأطيعوا) مع الرسول
حكم طاعة أولي الأمر
من هم أولو الأمر
السر في إعادة المعنى (فردوه إلى الله والرسول)
دلالة {فإن تنازعتم في شيء}
ما معنى الرد إلى الله ورسوله
دلالة: {ذلك خير وأحسن تأويلا}
فيم انحصر الكمال الإنساني
دلالة قوله تعالى: {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ...} على أن هدي الرسول وحي
الأدلة على وجوب اتباع الرسول
حال ومآل من اتبع غير هدي الرسول
ذكر الله صنفين مبطلين، ما هما؟، وما منشأ كفرهم؟
السبب الواصل بين العبد وربه، وأهميته ونفعه للعبد
أقسام الخلق بالنسبة لدعوة الرسول
أنواع الأتباع السعداء
بيان حال ومآل السعداء
من أعظم التعاون على البر والتقوى
ما زاد السفر إلى الله ورسوله، وما طريقه، وما مركبه، وما رأسه ، وما عموده
كيفية تدبر القرآن وتفهمه والإشراف على عجائبه وكنوزه
مثال لتدبر قوله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} الآيات
سمات أدلة القرآن
سر على الجادّة ولو كنت وحدك
فائدة هذه الرسالة في التواصي بالتعاون على البر والتقوى
زاد المسافر إلى الله ورسوله
حال المسافر مع الخلق
الخصال المعينة على التخلق بالقرآن
خلاصة الزاد
رابعا: الملخص
سبب التسمية
أنه سيرها من تبوك
تاريخ الرسالة
ثامن المحرّم سنة ثلاث وثلاثين وسبع مئة من الهجرة النبوية
اشتمال الآية: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} على جميع مصالح العباد
اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بينهم في بعضهم بعضا، وفيما بينهم وبين ربهم، فإن كلّ عبد لا ينفكّ من هاتين الحالتين وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق[font="&].[/font]
فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصّحبة، فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها، وهي "البرّ والتقوى" اللذان هما جماع الدين كله
حقيقة البر والتقوى، والفرق بينهما
[font="&] [/font]حقيقة البرّ: هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير ومنه "البرّ" بالضم؛ لكثرة منافعه وخيره ،[font="&]..[/font]
فالبرّ كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، وفي مقابلته "الإثم"،[font="&].[/font]
فيدخل في مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، ولا ريب أن التّقوى جزء هذا المعنى، وأكثر ما يعبر بالبرّ عن برّ القلب، وهو وجود طعم الإيمان [فيه] وحلاوته، وما يلزم ذلك من طمأنينته وسلامته وانشراحه وقوته وفرحه بالإيمان
حقيقة التقوى: العمل بطاعة الله إيمانا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا فيفعل ما أمره الله به إيمانا بالأمر، وتصديقا بموعده، ويترك ما نهى الله عنه إيمانا بالنهي، وخوفا من وعيده[font="&].[/font]
كما قال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله[font="&]".[/font]
فإن كلّ عمل لابدّ له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض ، وغايته ثواب الله تعالى، وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب[font="&].[/font]
و[لهذا] كثيرا ما يقرن بين هذين الأصلين في مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيمانا واحتسابًا" و"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا"، ونظائره[font="&].[/font]
فقوله: "على نور من الله" إشارة إلى الإيمان الذي هو مصدر العمل، والسبب الباعث عليه[font="&].[/font]
وقوله: "ترجو ثواب الله" إشارة إلى الاحتساب، وهو الغاية التي لأجلها يوقع العمل، ولها يقصد به[font="&].[/font]
ولا ريب أن هذا جامع لجميع أصول الإيمان وفروعه، وأن البرّ داخل فى هذا المسمى[font="&].[/font]
وأما عند اقتران أحدهما بالآخر كقوله تعالى: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى} فالفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛ فإن البرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه،[font="&].[/font]
وأما التقوى فهي الطريق الموصلة إلى البرّ، والوسيلة إليه، ولفظها يدلّ على هذا؛ فإنها فعلى من وقى يقي، فلفظها دالٌ على أنها من الوقاية، فإن المتّقي قد جعل بينه وبين النار وقاية، فالوقاية من باب دفع الضرر، والبرّ من باب تحصيل النفع، فالتقوى كالحمية، والبرّ كالعافية والصحة[font="&].[/font]
خصال البر وخصال التقوى
[font="&].[/font]
جمع [الله] تعالى خصال البرّ في قوله: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177[font="&])}.[/font]
فأخبر سبحانه أن البرّ هو الإيمان به، وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وهذه هي أصول الإيمان الخمس التي لا قوام للإيمان إلا بها[font="&].[/font]
وأنه الشرائع الظاهرة: من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنفقات الواجبة[font="&].[/font]
وأنه الأعمال القلبية التي هي حقائقه؛ من الصبر والوفاء بالعهد[font="&].[/font]
فتناولت هذه الخصال جميع أقسام الدين: حقائقه وشرائعه، والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب، وأصول الإيمان الخمس[font="&].[/font]
ئم أخبر سبحانه أن هذه خصال التقوى بعينها، فقال: {أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177[font="&])}.[/font]
متى يكون العمل طاعة وقربة
لا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، فيكون مبدؤه محض الإيمان، وغايته ثواب الله تعالى، وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب.
ما يترتب على عدم العلم بحدود ما أنزل الله على رسوله
ذمّ سبحانه في كتابه من ليس له علم بحدود ما أنزله على رسوله. فإن عدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين[font="&]:[/font]
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما[font="&].[/font]
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما[font="&].[/font]
المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم
المقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى؛ فيعين كلّ واحد صاحبه على ذلك علما وعملا. فإنّ العبد وحده لا يستقلّ بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه.
الفرق بين الإثم والعدوان، وحقيقتهما
الفرق ما بين الإثم والعدوان فرق ما بين محرّم الجنس ومحرّم القدر[font="&].[/font]
فالإثم: ما كان حراما لجنسه[font="&].[/font]
والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه[font="&].[/font]
فالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، ونحوها إثم. ونكاح الخامسة، واستيفاء المجنيّ عليه أكثر من حقه، ونحوه عدوان[font="&].[/font]
فالعدوان هو تعدّي حدود الله
الفرق بين الآيتين: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} و {تلك حدود الله فلا تقربوها}[font="&].[/font]
حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام، ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيكون لها حكم مقابله، فبالاعتبار الأول نهى عن تعدّيها، وبالاعتبار الثاني نهى عن قربانها
حال العبد فيما بينه وبين الله تعالى
حال العبد فيما بينه وبين الله تعالى: هو إيثار طاعته، وتجنّب معصيته، وهو قوله تعالى: {واتّقوا اللّه}.
بم يتم واجب العبد فيما بينه وبين الخالق والخلق
لا يتمّ الواجب الأول إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر[font="&].[/font]
ولا يتم له أداء الواجب الثاني إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية[font="&].[/font]
أهمية الهجرة وحكمها
أهمّ شيء يقصده العبد إنما هو الهجرة إلى الله ورسوله، فإنها فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، وهي مطلوب الله ومراده من العباد
أقسام الهجرة
الهجرة هجرتان[font="&]:[/font]
[font="&] [/font]هجرة بالجسم من بلد إلى بلد،[font="&].[/font]
[font="&]- [/font]والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها.[font="&] [/font]
أهمية هجرة القلب ومقصودها وما تتضمنه
هجرة القلب إلى الله ورسوله، هي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها، وهي هجرة تتضمن "من" و"إلى[font="&]":[/font]
فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته[font="&].[/font]
ومن عبودية غيره إلى عبوديته[font="&].[/font]
ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه[font="&].[/font]
ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له[font="&].[/font]
وهذا هو بعينه معنى الفرار إليه، قال تعالى: {ففرّوا إلى اللّه}.
فالهجرة إلى الله تتضمن هجران ما يكرهه، وإتيان ما يحبه ويرضاه، وأصلها الحبّ والبغض
حقيقة التوحيد المطلوب من العبد
التوحيد المطلوب من العبد: هو الفرار من الله إليه[font="&].[/font]
وتحت "من" و"إلى" في هذا سرّ عظيم من أسرار التوحيد؛ فإنّ الفرار إليه سبحانه يتضمن إفراده بالطلب والعبودية، ولوازمها من المحبة والخشية والإنابة والتوكل وسائر منازل العبودية، فهو متضمن لتوحيد الإلهية التي اتفقت عليها دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين[font="&].[/font]
وأما الفرار منه إليه؛ فهو متضمن لتوحيد الربوبية وإثبات القدر، وأن كلّ ما في الكون من المكروه والمحذور الذي يفرّ منه العبد، فإنما أوجبته مشيئة الله وحده؛فإذا فرّ العبد إلى الله فإنما يفرّ من شيء وجد بمشيئة الله وقدره؛ فهو في الحقيقة فارّ من الله إليه[font="&].[/font]
ثمرات تصور هذا الأمر
من تصوّر هذا حقّ تصوّره فهم معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وأعوذ بك منك" وقوله: "لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك". فإنه ليس في الوجود شيءٌ يفرّ منه ويستعاذ منه ويلجأ منه إلا وهو من الله خلقا وإبداعا[font="&].[/font]
فالفارّ والمستعيذ فارّ مما أوجبه قدر الله ومشيئته وخلقه، إلى ما تقتضيه رحمته وبرّه ولطفه وإحسانه؛ ففي الحقيقة هو هارب من الله إليه، ومستعيذ بالله منه[font="&].[/font]
وتصوّر هذين الأمرين يوجب للعبد انقطاع تعلّق قلبه من غير الله بالكلّية خوفا ورجاء ومحبة؛ فإنه إذا علم أن الذي يفرّ [منه] ويستعيذ منه إنما هو بمشيئة الله وقدرته وخلقه، لم يبق في قلبه خوف من غير خالقه وموجده؛ فتضمّن ذلك إفراد الله وحده بالخوف والحب والرجاء.
الحكمة من اقتران الإيمان بالهجرة
لتلازمهما واقتضاء أحدهما للآخر.
معيار قوة الهجرة وضعفها
هذه الهجرة تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه
ما الذي يشغل المرء عن ما خلق له
اشتغاله بما لا ينجيه
حد الهجرة إلى رسول الله، وأهميتها ووصفها وحكمها
حدّ هذه الهجرة: سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق، الذي لا ينطق عن الهوى {إن هو إلّا وحيٌ يوحى (4)}،
وصفها: هذه الهجرة النبوية شأنها شديد، وطريقها على غير المشتاق وعير بعيد[font="&].[/font]
حكمها: هذه الهجرة فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، كما أن الهجرة الأولى مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله[font="&].[/font]
أهميتها: وعن هاتين الهجرتين يسأل كل عبد يوم القيامة وفي البرزخ، ويطالب بهما في الدنيا، فهو مطالب بهما في الدّور الثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار[font="&].[/font]
وقد قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}؛
مضمون الشهادتين، ودلالة قوله تعالى : {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...}
قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟[font="&] ".[/font]
وهاتان الكلمتان هما مضمون الشهادتين
دلالة قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}؛ أقسم سبحانه بأجل مقسم به -وهو نفسه -عز وجل-- على أنهم لا يثبت لهم الإيمان، حتى يحكّموا رسوله في موارد النزاع، في جميع أبواب الدين. فإن لفظة "ما" من صيغ العموم؛ فإنها موصولة تقتضي نفي الإيمان إذا لم يوجد تحكيمه في جميع ما شجر بينهم[font="&].[/font]
ثم إنه تعالى ضمّ إليه انشراح صدورهم بحكمه، حيث لا يجدوا في أنفسهم حرجا -وهو الضّيق والحصر- من حكمه، بل يتلقّوه بالانشراح، وبالقبول.[font="&].[/font]
دلالة المؤكدات في الآية: (نفى القسم – القسم- المقسَم به- المصدر)
[font="&] [/font]أكد سبحانه هذا المعنى المذكور في الآية بوجوه عديدة من التأكيد:
أولها: تصديرها بلا النافية المؤكدة؛ إيذانا بتضمّن المقسم عليه للنّفي، وهو قوله: {لا يؤمنون[font="&]}.[/font]
وهذا منهج معروف في كلام العرب، إذا أقسموا على نفي شيء صدروا جملة القسم بأداة نفي
فافتتاح هذا القسم بأداة النفي يقتضي تقوية المقسم عليه وتأكيده وشدة انتفائه[font="&].[/font]
وثانيها: تأكيده بنفس القسم[font="&].[/font]
وثالثها: تأكيده بالمقسم به، وهو إقسامه بنفسه لا بشيءٍ من مخلوقاته.[font="&].[/font]
ورابعها: تأكيده بانتفاء الحرج، ووجود التسليم[font="&].[/font]
وخامسها: تأكيد الفعل بالمصدر[font="&].[/font]
وهو قوله: {ويسلّموا تسليمًا (65)}؛ فذكر الفعل مؤكدًا له بمصدره القائم مقام ذكره مرتين، وهو الخضوع والانقياد لما حكم به طوعا ورضى، وتسليمًا لا قهرا ومصابرةً؛ بل تسليم عبدٍ محب مطيع لمولاه وسيّده الذي هو أحبّ شيء إليه، يعلم أن سعادته وفلاحه في تسليمه إليه، ويعلم بأنه أولى به من نفسه، وأبرّ به منها، وأرحم به منها، وأنصح له منها، وأعلم بمصالحه منها، وأقدر على تحصيلها[font="&].[/font]
فمتى علم العبد هذا من الرسول - صلى الله عليه وسلم - استسلم له، وسلّم إليه، وانقادت كل ذرّة من قلبه إليه، ورأى أنه لا سعادة له إلا بهذا التسليم والانقياد
وما هذا التأكيد والاعتناء إلا لشدة الحاجة إلى هذا الأمر العظيم، وأنه مما يعتنى به، ويقرّر في نفوس العباد بما هو من أبلغ أنواع التقرير[font="&].[/font]
دلالة قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}
الآية دليل على أن من لم يكن الرسول أولى به من نفسه فليس من المؤمنين.
ما تتضمنه هذه الأولوية
هذه الأولوية تتضمن أمورًا[font="&]:[/font]
منها: أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، ونفس العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا فيجب أن يكون الرسول أولى به منها، وأحبّ إليه منها[font="&].[/font]
ويلزم منها كمال الانقياد والطاعة والرضى والتسليم وسائر لوازم المحبة[font="&].[/font]
ومنها: أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم
على نفسه للرسول ؛ فليس له في نفسه تصرف قط إلا ما تصرف فيه الرسول الذي هو أولى به منها[font="&].[/font]
السبيل لثبوت هذه الأولوية
لا سبيل إلى ثبوت هذه الأولوية إلّا بعزل كل ما سواه، وتوليته في كل شيء، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قبله، وإن شهد له بالبطلان ردّه، وإن لم تتبين شهادته له بصحةٍ ولا بطلانٍ جعله بمنزلة أحاديث أهل الكتاب، ووقفه حتى يتبيّن أي الأمرين أولى به؟
فمن سلك هذه الطريقة استقام له الطريق، وأقبلت وجوه الحقّ إليه من كلّ جهة[font="&].[/font]
دلالة قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله...}، وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط }
أمر تعالى أن نكون شهداء له مع القيام بالقسط، وهذا يتضمن أن تكون الشهادة بالقسط أيضًا، وأن تكون لله لا لغيره.
فأمر سبحانه بأن يقام بالقسط، ويشهد به على كل أحد، ولو كان أحبّ الناس إلى العبد، فيقوم به على نفسه، ووالديه اللذين هما أصله، وأقربيه الذين هم أخصّ به وألصق من سائر الناس،فإنّ ما في العبد من محبته لنفسه ولوالديه وأقربيه يمنعه من القيام عليهم بالحق، ولاسيما إذا كان الحق لمن يبغضه ويعاديه قبلهم؛ فإنه لا يقوم به في هذه الحال إلا من كان الله ورسوله أحبّ إليه من ما سواهما.
فاشتملت الآيتان على هذين الحكمين وهما القيام بالقسط والشهادة به على الأولياء والأعداء.
معنى القسط
هو العدل
أحق ما قام له العبد بالقسط
أحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية مضادٌّ لأمر الله, منافٍ لما بعث به رسله، والقيام فيها بالقسط وظيفة خلفاء الرسول في أمته، وأمنائه بين أتباعه.
ما تضمنته الآيتان
فتضمنت الآيتان أمورًا أربعة[font="&]:[/font]
أحدها: القيام بالقسط[font="&].[/font]
والثاني: أن يكون لله[font="&].[/font]
والثالث: الشهادة بالقسط[font="&].[/font]
والرابع: أن تكون لله[font="&].[/font]
ما السببان الموجبان لكتمان الحق
هما اللي (التحريف) والإعراض
ما أنواع اللّيّ
اللّيّ نوعان: ليٌّ في اللفظ، وليٌّ في المعنى[font="&].[/font]
فاللّيّ في اللفظ: أن يلفظ بها على وجهٍ لا يستلزم الحقّ؛ إما بزيادة لفظة، أو نقصانها، أو إبدالها بغيرها، أو ليًّا في كيفية أدائها، وإيهام السامع لفظًا ومراده غيره؛ كما كان اليهود يلوون ألسنتهم بالسّلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [font="&][/font]
النوع الثاني : ليّ المعنى، وهو تحريفه، وتأويل اللفظ على خلاف مراد المتكلم به، وتحميله ما لم يرده، أو يسقط منه بعض ما أراد به، ونحوه.[font="&].[/font]
ما الواجب الذي لا يتحقق الإيمان إلا به
الواجب هو مقابلة النصوص بالتّلقّي والقبول، والإظهار لها، ودعوة الخلق إليها, قال تعالى: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللّه ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}؛ فدلّ على أنه إذا ثبت لله ولرسوله في كل مسألة من المسائل حكمٌ ، فإنه ليس لأحد أن يتخيّر لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه.
دلالة قوله تعالى: {قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول...}
أخبر سبحانه أن الهداية إنما هي في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلّق بالشرط، فالآية نصٌّ على انتفاء الهداية عند عدم طاعته.
دلالة قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}
أمر سبحانه بطاعته وطاعة رسوله. وافتتح الآية بندائهم باسم الإيمان المشعر بأن المطلوب منهم من موجبات الاسم الذي نودوا وخوطبوا به، ففي ذلك إشارة إلى أنكم إن كنتم مؤمنين؛ فالإيمان يقتضي منكم ذلك، فإنّه من موجبات الإيمان وتمامه[font="&].[/font]
السر في إعادة الفعل (وأطيعوا) مع الرسول
[font="&] [/font]دلالته على أن ما يأمر به رسوله تجب طاعته فيه وإن لم يكن مأمورًا به بعينه في القرآن، فتجب طاعة الرسول مفردةً ومقرونةً، فلا يتوهّم متوهّمٌ أن ما يأمر به الرسول إن لم يكن في القرآن وإلا فلا تجب طاعته فيه؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك رجلٌ شبعان متكئٌ على أريكته يأتيه الأمر من أمري؛ فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، ما وجدنا فيه من شيء اتبعناه، ألا وإنّي أوتيت الكتاب ومثله معه[font="&]".[/font]
وذلك لأن الردّ إلى القرآن ردٌّ إلى الله والرسول، والردّ إلى السنة ردٌّ إلى الله والرسول، فما يحكم به الله هو بعينه حكم رسوله, وما يحكم به الرسول هو بعينه حكم الله[font="&].[/font]
حكم طاعة أولي الأمر
أولو الأمر لا تجب طاعة أحدهم إلا إذا اندرجت تحت طاعة الرسول، لا طاعة مفردة مستقلة؛ كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "على المرء السّمع والطاعة [فيما أحبّ وكره] ما لم يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية الله، فلا سمع ولا طاعة
من هم أولو الأمر
ورد عن الإمام أحمد في أولي الأمر روايتان[font="&]:[/font]
إحداهما: أنهم العلماء[font="&].[/font]
والثانية: أنهم الأمراء[font="&].[/font]
والقولان ثابتان عن الصحابة في تفسير الآية. والصحيح: أنها متناولة للصنفين جميعًا؛ فإن العلماء والأمراء هم ولاة الأمر الذي بعث الله به رسوله[font="&].[/font]
فالعلماء ولاته حفظًا، وبيانًا، وبلاغًا، وذبًّا عنه، وردًّا على من ألحد فيه وزاغ عنه.[font="&][/font]
والأمراء ولاته قيامًا، ورعايةً، وجهادًا، وإلزامًا للناس به، وأخذهم على يد من خرج عنه.[font="&].[/font]
السر في إعادة المعنى (فردوه إلى الله والرسول)
فإن الردّ إلى القرآن ردٌّ إلى الله والرسول، والردّ إلى السنة ردٌّ إلى الله والرسول، فما يحكم به الله هو بعينه حكم رسوله, وما يحكم به الرسول هو بعينه حكم الله[font="&].[/font]
فإذا رددتم إلى الله ما تنازعتم فيه، يعني إلى كتابه؛ فقد رددتموه إلى الله ورسوله، وكذلك إذا رددتموه إلى رسوله فقد رددتموه إلى الله والرسول، وهذا من أسرار القرآن[font="&].[/font]
دلالة {فإن تنازعتم في شيء}
دليل قاطعٌ على أنه يجب ردّ موارد النّزاع في كل ما تنازع فيه الناس من الدين كلّه إلى الله ورسوله، لا إلى أحدٍ غير الله ورسوله، فلا يدخل العبد في الإيمان حتى يردّ كل ما تنازع فيه المتنازعون إلى الله ورسوله؛ ولهذا قال تعالى: {إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر}، فدلّ على أن من حكّم غير الله ورسوله في موارد النزاع كان خارجًا عن مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر
ما معنى الرد إلى الله ورسوله
الردّ إلى الله هو الردّ إلى كتابه، والردّ إلى رسوله هو الردّ إليه في حياته والردّ إلى سنّته بعد وفاته.
دلالة: {ذلك خير وأحسن تأويلا}
دلّت على أن طاعة الله ورسوله، وتحكيم الله ورسوله، هو سبب السعادة عاجلًا وآجلًا.
فيم انحصر الكمال الإنساني
انحصر الكمال الإنسانيّ في هذه المراتب الأربعة[font="&]:[/font]
إحداها: العلم بما جاء به الرسول[font="&].[/font]
الثانية: العمل به[font="&].[/font]
الثالثة: بثّه في الناس، ودعوتهم إليه[font="&].[/font]
الرابعة: صبره وجهاده في أدائه وتنفيذه[font="&].[/font]
دلالة قوله تعالى: {قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي ...} على أن هدي الرسول وحي
الآية نص صريح في أن هدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما حصل بالوحي
الأدلة على وجوب اتباع الرسول
الآيات المتقدم ذكرها، مع قوله تعالى:
{المص (1) كتابٌ أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين (2) اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلًا ما تذكّرون (3)}
{ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول ياليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27) ياويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولًا (29)}.
: {يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون ياليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا (66) وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا (67) ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا (68)}.
حال ومآل من اتبع غير هدي الرسول
الضلال في الدنيا والعذاب في الآخرة
ذكر الله صنفين مبطلين، ما هما؟، وما منشأ كفرهم؟
في قوله تعالى: {افترى على اللّه كذبًا أو كذّب بآياته} ذكر الصنفين المبطلين[font="&]:[/font]
أحدهما: منشىء الباطل والفرية، وواضعها، وداعي الناس إليها[font="&].[/font]
والثاني: المكذّب بالحق[font="&].[/font]
فالأول كفره بالافتراء وإنشاء الباطل، والثاني كفره بجحود الحق. وهذان النوعان يعرضان لكل مبطل؛ فإن انضاف إلى ذلك دعوته إلى باطله، وصدّ الناس عن الحقّ، استحقّ تضعيف العذاب؛ لتضاعف كفره وشرّه؛ ولهذا قال تعالى: {الّذين[font="&] [/font]كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابًا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88)}، فلما كفروا وصدّوا عباده عن سبيله عذّبهم عذابين: عذابًا بكفرهم، وعذابًا بصدّهم عن سبيله[font="&].[/font]
السبب الواصل بين العبد وربه، وأهميته ونفعه للعبد
تنقطع يوم القيامة جميع الأسباب التي كانت بين الخلق في الدنيا, ولا يبقى إلا السبب والوصلة التي بين العبد وبين ربّه فقط، وهو سبب العبودية المحضة التي لا وجود لها ولا تحقّق إلا بتجريد متابعة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، إذ هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم، وما عرفت إلا بهم, ولا سبيل إليها إلا بمتابعتهم، وقد قال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثورًا (23[font="&])}.[/font]
أقسام الخلق بالنسبة لدعوة الرسول
[font="&] [/font]أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوته صلى الله عليه وسلم في قوله: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم: كمثل غيثٍ أصاب أرضًا؛ فكانت منها طائفةٌ طبّبةٌ قبلت الماء؛ فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء؛ فسقى الناس وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به[font="&]".[/font]
فشبّه - صلى الله عليه وسلم - العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب[font="&].[/font]
وشبّه القلوب القابلة للعلم بالأرض القابلة للغيث؛ كما شبّه سبحانه القلوب بالأودية في قوله تعالى: {أنزل من السّماء ماءً فسالت أوديةٌ بقدرها[font="&]}.[/font]
وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث[font="&]:[/font]
إحداها: أرضٌ زكيّةٌ قابلةٌ للشّرب والنبات؛ فإذا أصابها الغيث ارتوت منه، ثمّ أنبتت من كل زوجٍ بهيجٍ[font="&].[/font]
فهذا مثل القلب الزّكي الذّكي؛ فهو يقبل العلم بذكائه، ويثمر فيه وجوه الحكم ودين الحق بزكائه؛ فهو قابلٌ للعلم، مثمرٌ لموجبه وفقهه وأسرار معادنه[font="&].[/font]
والثانية: أرضٌ صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه ينتفع الناس بورودها والسّقي منها والازدراع[font="&].[/font]
وهذا مثل القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرّف له فيه ولا استنباط، بل له الحفظ المجرد، فهو يؤدي كما سمع، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه غير فقيه[font="&]".[/font]
فالأول مثل الغني التاجر الخبير بوجوه المكاسب والتجارات؛ فهو يكسب بماله ما شاء،[font="&] [/font]والثاني مثل الغني الذي لا خبرة له بوجوه الربح والكسب، ولكنه حافظٌ لماله، لا يحسن التصرف والتقلّب فيه[font="&].[/font]
والأرض الثالثة أرض قاعٌ؛ وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يمسك ماءً، فلو أصابها من المطر ما أصابها لم تنتفع بشيء منه[font="&].[/font]
فهذا مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه، وإنما هو بمنزلة الأرض البوار التي لا تنبت ولا تحفظ الماء، وهو مثل الفقير الذي لا مال له، ولا يحسن يمسك مالًا[font="&].[/font]
فالأول: عالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرّسل[font="&].[/font]
والثاني: حافظٌ مؤدٍّ لما سمعه، فهذا يحمل إلى غيره ما يتّجر به المحمول إليه ويستثمر[font="&].[/font]
والثالث: ، فهو الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا[font="&].[/font]
فاستوعب هذا الحديث أقسام الخلق في الدعوة النبوية ومنازلهم، منها قسمان سعيدان، وقسمٌ شقي
أنواع الأتباع السعداء
الأتباع السّعداء فنوعان[font="&]:[/font]
أتباعٌ لهم حكم الاستقلال، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه[font="&]}.[/font]
الذين ثبت لهم رضى الله عنهم، وهم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، فكل من سلك سبيلهم فهو من التابعين لهم بإحسان، وهو ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه[font="&].[/font]
وقيّد سبحانه هذه التبعية بأنها تبعية مصاحبةٌ للإحسان؛ والإحسان في المتابعة شرطٌ في حصول رضى الله عنهم وجنّاته[font="&].[/font]
النوع الثاني من الأتباع السّعداء: أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في الدنيا، فهم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21[font="&])}.[/font]
فألحق سبحانه الذّرية بآبائهم في الجنة، كما أتبعهم إياهم في الإيمان
بيان حال ومآل السعداء
من أعظم التعاون على البر والتقوى
من أعظم التعاون على البرّ والتّقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله, باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً.
ما زاد السفر إلى الله ورسوله، وما طريقه، وما مركبه، وما رأسه ، وما عموده
زاده العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه؛ فمن لم يحصل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين،[font="&].[/font]
وأما طريقه[font="&]:[/font][font="&] [/font]فهو بذل الجهد, واستفراغ الوسع، فلن ينال بالمنى, ولا يدرك بالهوينا، وإنما كما قيل[font="&]:[/font]
فخض غمرات الموت واسم إلى العلا ... لكي تدرك العزّ الرفيع الدعائم
فلا خير في نفسٍ تخاف من الرّدى ... ولا همّةٍ تصبو إلى لوم لائم
ولا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين[font="&]:[/font]
أحدهما[font="&]: [/font]أن لا يصبو في الحق إلى لومة لائم؛ فإن اللوم يدرك الفارس؛ فيصرعه عن فرسه, ويجعله طريحًا في الأرض[font="&].[/font]
والثاني[font="&]:[/font][font="&] [/font]أن تهون عليه نفسه في الله؛ فيقدم حينئذٍ ولا يخاف الأهوال.[font="&].[/font]
ولا يتمّ له هذان الأمران إلا بالصبر؛ فمن صبر قليلًا صارت تلك الأهوال ريحًا رخاءً في حقه تحمله بنفسها إلى مطلوبه.[font="&].[/font]
وأما مركبه: فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به، والانطراح بين يديه .
ورأس مال الأمر وعموده: هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب،فحينئذٍ يستقيم له سيره، ويتضح له الطريق.
كيفية تدبر القرآن وتفهمه والإشراف على عجائبه وكنوزه
أن ينشغل به القلب وتستولي معانيه على الفكر؛ حتى تصير معاني القرآن مكان الخواطر من قلبه وهي الغالبة عليه، بحيث يصير إليها مفزعه وملجؤه.
ومن وضع دلالات القرآن وألفاظه مواضعها، تبين له من أسراره وحكمه ما يهزّ العقول، ويعلم معه تنزّله من حكيم حميد
مثال لتدبر قوله تعالى: {هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين} الآيات
ذكر ابن القيم بعض ما في هذه الآيات من الأسرار[font="&]..[/font]
وكم قد تضمنت من أنواع الثناء على إبراهيم[font="&].[/font]
وكيف جمعت آداب الضيافة وحقوقها[font="&].[/font]
وكيف يراعى الضيف[font="&].[/font]
وما تضمنت من الرد على أهل الباطل من الفلاسفة والمعطلة[font="&].[/font]
وكيف تضمنت علمًا عظيمًا من أعلام النبوة[font="&].[/font]
وكيف تضمنت جميع صفات الكمال، التي مردّها إلى العلم والحكمة[font="&].[/font]
وكيف أشارت إلى دليل إمكان المعاد بألطف إشارة وأوضحها، ثم أفصحت بوقوعه[font="&].[/font]
وكيف تضمنت الإخبار عن عدل الرب وانتقامه من الأمم المكذّبة[font="&].[/font]
وتضمنت ذكر الإسلام والإيمان والفرق بينهما[font="&].[/font]
وتضمنت بقاء آيات الرب الدالة على توحيده، وصدق رسله، وعلى اليوم الآخر[font="&].[/font]
وتضمنت أنه لا ينتفع بهذا كله إلا من في قلبه خوفٌ من عذاب الآخرة، وهم المؤمنون بها، وأما من لا يخاف الآخرة ولا يؤمن بها، فلا ينتفع بتلك الآيات[font="&]..[/font]
سمات أدلة القرآن
بتأمل طريقة القرآن نجد أنّ الله سبحانه يضرب الأمثال المعقولة التي تدلّ على إمكان المعاد تارةً ووقوعه أخرى، فيذكر أدلة القدرة الدالة على إمكان المقدور، وأدلة الحكمة المستلزمة لوقوعه[font="&].[/font]
وبتأمل أدلّة المعاد في القرآن نجدها مغنيةً عن غيرها، كافية شافية موصلةً إلى المطلوب بسرعة، متضمّنة للجواب عن الشّبه العارضة لكثير من الناس[font="&].[/font]
كما تتسم هذه الأدلة التي أرشد إليها القرآن بالشفاء، والهدى، وسرعة الإيصال، وحسن البيان، والتنبيه على مواضع الشبه والجواب عنها بما ينثلج له الصدر؛ ويشرق معه اليقين، بخلاف غيره من الأدلة.[font="&].[/font]
سر على الجادّة ولو كنت وحدك
ينبغي أن لا يتوقف العبد في سيره على وجود رفقة، بل يسير ولو وحيدًا غريبًا، فانفراد العبد في طريق طلبه دليلٌ على صدق المحبة.
فائدة هذه الرسالة في التواصي بالتعاون على البر والتقوى
ومن نظر في هذه الكلمات التي تضمنتها هذه الرسالة، علم أنها من أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى، وسفر الهجرة إلى الله ورسوله، وهذا الذي قصد مسطّرها بكتابتها، وجعلها هديته المعجّلة السابقة إلى أصحابه ورفقائه في طلب العلم.
زاد المسافر إلى الله ورسوله
من أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء، فإنّه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين هم في الناس أموات، فإنهم يقطعون عليه طريقه، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة، وأوفق له من هذه المفارقة، فقد قال بعض من سلف: "شتّان بين أقوامٍ موتى تحيا القلوب بذكرهم، وبين أقوامٍ أحياءٍ تموت القلوب بمخالطتهم[font="&]".[/font]
حال المسافر مع الخلق
ليس أضر على المسافر من عشرائه وأبناء جنسه، فإن نظره قاصر، وهمّته واقفةٌ عند التشبه بهم ومباهاتهم والسلوك كما سلكوا، فمتى ترقّت همّته من صحبتهم إلى صحبة من أشباحهم مفقودةٌ، ومحاسنهم وآثارهم الجميلة في العالم مشهودةٌ، استحدث بذلك همةً أخرى وعملًا آخر، وصار بين الناس غريبًا، وإن كان فيهم مشهورًا ونسيبًا، ولكنه غريب محبوبٌ يرى ما الناس فيه، وهم لا يرون ما هو فيه، يقيم لهم المعاذير ما استطاع، وينصحهم بجهده وطاقته، سائرًا فيهم بعينين[font="&]:[/font]
عين ناظرة إلى الأمر والنهي؛ بها يأمرهم وينهاهم، ويواليهم ويعاديهم، ويؤدي إليهم الحقوق، ويستوفيها عليهم[font="&].[/font]
وعين ناظرة إلى القضاء والقدر، بها يرحمهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمس لهم وجوه المعاذير، قد وسعتهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته، واقفًا عند قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199)}، متدبرًا لما تضمنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حقّ الله فيهم، والسلامة من شرهم. فلو أخذ الناس كلّهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم؛ فإن العفو ما عفا من أخلاقهم، وسمحت به طبائعهم، ووسعهم بذله من أموالهم وأخلاقهم؛ فهذا ما منهم إليه[font="&].[/font]
وأما ما يكون منه إليهم؛ فأمرهم بالمعروف، وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه، وهو ما أمر الله به[font="&].[/font]
وأما ما يتّقي به أذى جاهلهم؛ فالإعراض عنهم، وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها[font="&].[/font]
الخصال المعينة على التخلق بالقرآن[font="&]".[/font]
الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يتمّ – بعد توفيق الله تعالى- إلا بثلاثة أشياء[font="&]:[/font]
أحدها: أن يكون العود طيبًا، فأما إذا كانت الطبيعة جافيةً غليظةً يابسةً عسر عليها مزاولة ذلك علمًا وإرادةً وعملًا.[font="&].[/font]
الثاني: أن تكون النفس قويةً غالبةً قاهرةً لدواعي البطالة والغيّ والهوى.
الثالث: علمٌ شافٍ بحقائق الأشياء، وتنزيلها منازلها، يميز به بين الشّحم والورم، والزجاجة والجوهرة[font="&]..[/font]
خلاصة الزاد
أول الزاد وآخره: إنما هو معاملة الله وحده، والانقطاع إليه بكلّيّه القلب، ودوام الافتقار إليه.
فيكون حاله كما قال القائل:[font="&].[/font]
فليتك تحلو والحياة مريرةٌ ... وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ ... وبيني وبين العالمين خراب
إذا صحّ منك الودّ فالكلّ هيّنٌ ... وكلّ الذي فوق التراب تراب
كما كان يكتب بعض السلف إلى بعض ثلاث كلمات لو نقشها العبد في لوح قلبه يقرؤها على عدد الأنفاس لكان ذلك بعض ما يستحقه، وهي: "من أصلح سريرته أصلح الله علانيته، ومن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن عمل لآخرته كفاه الله مؤونة دنياه[font="&]".[/font]