اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منصور بن سراج الحارثي
43- عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ.
عناصر الدرس
تخريج الحديث.
موضوع الحديث.
منزلة الحديث.
سبب إيراد أبي سعيد للحديث.
معنى قوله من رأى. [يمكن جمع هذه المسائل تحت عنصرين: شرح قوله: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده)، وشرح قوله: (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) فذلك أدعى في فهم مفردات الحديث، وضبط ما جاء في شرحها، ثم بعد ذلك تُذكر المسائل العلمية المتعلقة بإنكار المنكر مما ذكره الشرّاح في شرحهم لهذا الحديث.]
معنى منكم.
معنى منكرا.
معنى فليغيره.
معنى بيده.
معنى فإن لم يستطع فبلسانه.
معنى فإن لم يستطع فبقلبه.
معنى ذلك أضعف الإيمان.
مسألة فقهية في أحوال إنكار المنكر
الفوائد
التلخيص
تخريج الحديث
هذا الحديث خرجه مسلم من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد.
ومن رواية إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد.
موضوع الحديث
وجوب تغيير المنكر.
منزلة الحديث
هذا الحديث عظيم الشأن، لأنه نص على وجوب إنكار المنكر، وهذا كما قال النووي: باب عظيم به قِوام الامر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعذاب، قال تعالى{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
قصة الحديث
عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاةُ قبل الخطبةِ، فقال:قد تُرك ما هنالك.
فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سقول: ثم ذكر الحديث.
معنى قوله من رأى منكم [في هذه الجملة ثلاثة مسائل: معنى: (من)، المراد بالرؤية في قوله: (من رأى)، المخاطب في قوله: (منكم)]
من شرطية وتدل على أنه يشترط في الإنكار وجود المنكر.
ورأى :أي أبصر بعينه وشاهد بها هذا المنكر، ويحمل عليه أيضاََ من سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين. [وهذه المسألة فيها قولان، فينبغي استيعاب جميع الأقوال في كلّ مسألة.]
منكم:أي كل مسلم
معنى منكر [الأصوب أن يقال: المراد بالمنكر؛ لأن بيان معاني المفردات؛ تتعلق بها مسألتان: بيان المعنى اللغوي للمفردة، وبيان المراد بها.]
أي ما نهى عنه الله ورسوله، ويكون المنكر واضح ويتفق عليه الجميع بحيث لا تكون من مسائل الاجتهاد؛ والعوام يتبعون العلماء في معرفة المسائل، ويكون منكر في حق الفاعل بحيث يكون ؛مسلم، مكلف، يستطيع، عدل، ظاهر عليه النمكر، ويعلم بأنه منكر.[ما تحته خط يندرج تحت مسائل أخرى بالترتيب: شروط إنكار المنكر، ثم شروط ينبغي توافرها في المُنكر.]
معنى فليغيره
الفاء : جواب الشرط،
اللام: لام الأمر، والأمر يقتضي الوجوب لعدم وجود صارف يصرفه عن الوجوب [يعنون: معنى الأمر في قوله: (فليغيّره).]
يغيره:أي يحوله من صورته التي هو عليها إلى صورة أُخرى حسنة، بحيث يوافق مايحب ربنا ويرضى.
وهنا مسألة وهي حالات إنكار المنكر [الصواب أن هذه المسألة عنوانها: حكم إنكار المنكر، وأما الحالات فهي الأحوال الأربع التي تكتنف إنكار المنكر، كما أنه الأجود في ترتيبها أن تأتي بعد ذكرك لمعنى: (وذلك أضعف الإيمان).]
الأولى : فرض كفاية
قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:(والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصديةََ لهذا الشأن)
وقال ابنُ العربي في تفسير هذه الآية: ( في هذه الآية والتي بعدها -يعني قوله تعالى{كنم خير أُمةِِ أُخرجت للناس....}- دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة الدين بإقامة الحجة على المخالفين)
فيجب على إمام المسلمين أن يفرغ مجموعة من الناس ممن لديهم الكفاءة والاستعداد لهذه المهمة،ويكون ملم بصفات معينة، كما قال سفيان الثوري (لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى،عدلُ بما يأمر وعدلُ بما ينهى، عالمُُ بما يأمر عالم بما ينهى) [يندرج في مسألة: شروط ينبغي توافرها في المُنكر، ومسألة: آداب إنكار المنكر.]
وينبغي أن يكون الإنكار بانفراد وبالسر ،قال الشافعي:( من وعظ أخاه سراََ فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانيةََ فقد فضحه وعابه) [يندرج تحت الآداب.]
وقال شيخ الإسلام: (ومن أنكر ظاناََ أنه ينتثل إلى منكر أشد منه فإنه يأثم حتى يتيقن أن إنكاره سينقل المنكرُ عليه إلى ما هو أفضل [يعنون: أحوال إنكار المنكر.]
الثانية: فرض عين.
قال صلى الله عليه وسلم" من رأى منكم منكراََ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه"، دل عموم الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علمَ بالمنكر أو رآهُ
قال القاضي ابنُ العربي:( وقد يكون فرض عين إذا عرف المرء من نفسه صلاحية النظر والاستقلال بالجدال، أو عُرف ذلك منه)
وقال ابنُ كثير :( وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه كما ثبت في -صحيح مسلم- :عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رأى منكم منكراً فليغيره...")
وقال النووي: ثم إنه قد يتعين -يعني:الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في معروف.
معنى بيده
اليد: تطلق على الجارحة ويراد بها اليد اليمنى واليسرى وهي من رؤوس الأصابع إلى الكتف
وَخُصت اليد؛ لأنها قوة الإنسان في الأخذ والعطاء والكف والمدافعة،وجسد بلا يد كخشبة متحركة [يعنون: سبب تخصيص اليد في قوله: (فلبغيّره بيده).]
وهذه الدرجة الأولى ويكون إنكار المنكر باليد من قبل ولي الأمر ومن خوله للقيام بهذه المهمة لأجل لا تترتب على ذلك مفاسد ععظيمة، والأب على أولاده، والسيد على عبده ،وهذا الإنكار هو أقوى درجات الإنكار؛لأنه إزالة للمنكر بالكلية وزجر عنه. [يعنون: مراتب إنكار المنكر، ويلحق به ذكر مرتبتي الإنكار باللسان والقلب، وما يتعلق بهم من التفصيل.]
معنى فإن لم يستطع فبلسانه
فإن لم يستطع: أي إن لم يستطع إزالة المنكر بيده؛ فالإستطاعة شرط لوجوب إنكار المنكر بيده. [ما تحته خط يعنون: فائدة قوله: (فإن لم يستطع): فيه بيان أن الاستطاعة شرط لوجوب إنكار المنكر بيده.]
فبلسانه:هذه الدرجة الثانية من درجات تغيير المنكر، وهذا عند من لايملك سلطة، وهذا التغيير بالقول ويشمل ايضاً الكتابة؛ويكون بالتذكير والترغيب والترهيب. [كما سبق يلحق بمسألة مراتب الإنكار، وما تحته خط يعنون: هل نقيس الكتابة على اللسان؟]
معنى فإن لم يستطع فبقلبه
وهذه الدرجة الثالثة لتغيير المنكر، وهي واجبة على الجميع؛إذ هي تغيير داخلي لا يتعدى صاحبها، وهي تألم القلب لهذا المنكر وكراهيته له ولأهله وتمني زواله والدعاء لصاحبه بالسلامة منه، وهي أضعف درجة؛ إذ ليس بعدها شيء من الإيمان. [يلحق بمراتب إنكار المنكر، وما تحته خط يعنون: المراد بقوله: (وذلك أضعف الإيمان)، وهذا أحد الأقوال في المراد بها.]
معنى وذلك أضعف الإيمان
لأن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدل على الضعف. [يلحق بمسألة المراد بأضعف الإيمان.]
مسألة فقهية في أحوال إنكار المنكر
مثل ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين) فقال مثلا:(لو رأيت أُناس يلعبون لعباً محرماً،أو يشتغلون بكتب مجون فإن أنكرت عليهم ذلك فإنه يكتنفه أحوال:
الحالة الأولى:أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكر منه، فهذا حرام بالإجماع، فهذا منكر أشد منه،فبقاؤه على المنكر الأول أقل خطراً في الشريعة من انتقاله إلى المنكر الثاني
الحالة الثانية:أن ينتقل إلى ما هو خير، فهذا هو الذي يجب معه الإنكار.
الحالة الثالثة:أن ينتقل منه إلى منكر يساويه، فهذا محل اجتهاد
الحالة الرابعة:أن ينتقل منه إلى منكر آخر [لا تدري إن كان مساوٍ له، فهذا يحرم كذلك إنكاره.]
الفوائد
1-وجوب إنكار المنكر.
2- الإيمان يزيد وينقص.
3- أن إنكار المنكر على درجات لكي لايبقى لأحد عذر في تغيير المنكر.
4- أعلى درجات التغيير هي التغيير باليد ثم باللسان ثم بالقلب.
5- تدرج النبي صلى الله عليه وسلم في التغييرفبدأ بالقلب ثم باللسان ثم باليد؟ ووصل لأعلى الدرجات ووزعت على من تبعه فكلُّ يعمل مايستطيع. [الحديث فيه البدء بتغيير اليد لأنه أقوى أنواع التغيير لما فيه من إزالة للمنكر بالكليّة، ثم اللسان، ثم القلب الذي يجب على الجميع مهما كانت الحال.]
|
تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 2 / 3
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا بما يعين على حسن الفهم وجودة التصوّر) : 2 / 3
ثالثاً: التحرير العلمي (ذكر خلاصة القول في كلّ مسألة بتفصيل وافٍ بالحاجة العلمية من غير تطويل واستيعاب الأقوال -إن وجدت- وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 6/ 8
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل فتؤدي الغرض بأسلوب مباشر وميسّر وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 2 / 3
خامساً: العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 3/ 3
مجموع الدرجات: 15 من 20
بارك الله فيكم، ونفع بكم.
يلاحظ على التلخيص ما يلي:
- نقص مسائل الدرس المستخلصة؛ والمفترض استخلاص جميع المسائل التي احتواها الدرس من جميع الشروح، وعنونتها بعنوان مناسب لتتضح جميع المسائل التي احتواها الدرس بعناوينها؛ بحيث لو اطلع الطالب مرة أخرى على الموضوع لا يجد نقطة يضيفها، فالمراد ضبط مسائل الدرس وإحسان تعلّمها وهذا مما يفيد الطالب في ضبط مسائل العلم وإتقان تعلمها؛ ومن ذلك -بالإضافة لما تم التنبيه عليه-: بيان المشار إليه في قوله: (وذلك أضعف الإيمان)، ومسألة: حكم الإنكار في المسائل المختلف فيها، وهل الإنكار متعلّق بظنّ الانتفاع، وآداب إنكار المنكر، وبعض الشبه التي قد يحتج بها بعض الناس في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودوافع الأمر والنهي، وخطر ترك الأمر والنهي، وغير ذلك.
- الأجود جعل ذكر المسائل العلمية المتعلقة بالحديث بترتيب متسلسل؛ كما سبق التنبيه على ترتيب مسألة حكم إنكار المنكر، كما أنه يوجد تكرار في المسائل لعدم جمع الكلام المتصل بكل مسألة في مكان واحد.
- ينقص التحرير ذكر خلاصة القول في المسائل بجمع الكلام المتصل بها من جميع الشروح، كما ينقصه استيعاب جميع الأقوال التي وردت فيها مع ذكر حجة كلّ قول؛ فمثلًا: مسألة المراد بالرؤية في قوله: (من رأى) فيه قولان للعلماء:
الأول: أنها رؤية العين؛ فرأى بمعنى أبصر بعينيه، وهذا ما رجّحه الشيخ صالح آل الشيخ وسعد الحجري.
وحجتهم:
1: أن (رأى) تعدّت إلى مفعول واحد، فتكون بصرية.
2: أن العلم بالمنكر لا يُكتفى به في وجوب الإنكار.
3: ولأن تقييد وجوب الإنكار برؤية العين يفيد زيادة تأكيد على التثبّت في هذه الأمور.
الثاني: المراد بها العلم، فتشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، وهذا ما رجّحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وحجته:
1: أنه مادام أن اللفظ يحتمل هذا المعنى الأعمّ، فإنه يُحمل عليه، وإن كان ظاهر الحديث يدلّ على أنه رؤية العين.
- صياغة المسائل يوجد بها تكرار؛ ومن أسباب ذلك عدم جمع الكلام المتصل بكلّ مسألة في مكان واحد؛ فمثلًا: مسألة مراتب إنكار المنكر ينبغي جمع جميع ما يتصل بها من الكلام من جميع الشروح في مكان واحد، ثم ضبط ذلك كله بحسن الفهم لهذه المراتب، وما يتعلق بكل درجة منها من تفصيل؛ كبيان من تجب عليه، ومتى يُعذر الإنسان بتركها، ثم تلخيص ذلك بصياغة حسنة، وبما يُظهر فهمك واستيعابك للمسألة.
- التلخيص حسن العرض، وينتبه للثبات على لون واحد للمسائل والعناصر عند ذكرها مجردة وفي التلخيص.
- وتأمّل التلخيص التالي يظهر بعض ما فات من المسائل في التلخيص حتى يُتنبّه لذلك في الملخصات القادمة بإذن الله، وفقكم الله وسددكم.
اقتباس:
تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...)
عناصر الدرس:
· موضوع الحديث.
· تخريج الحديث.
· قصة إيراد أبي سعيد الخدري الحديث.
· منزلة الحديث.
· المعنى الإجمالي للحديث.
· شرح قوله (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده)
- إعرابها.
- المخاطب في قوله: (من رأى منكم).
- المراد بالرؤية في قوله: (من رأى)
- فائدة التعبير بلفظ (رأى) دون لفظ (علم).
- المراد بالمنكر.
- معنى (فليغيّره بيده).
- معنى الأمر في قوله: (فليغيّره بيده).
- سبب تخصيص اليد في قوله: (فليغيّره بيده).
· شرح قوله (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)
- كيف يكون تغيير المنكر باللسان ؟
- هل نقيس الكتابة على اللسان؟
- كيف يكون تغيير المنكر بالقلب؟
- المشار في قوله: (وذلك أضعف الإيمان).
- المراد بكون ذلك أضعف الإيمان.
· الحكمة من الابتداء بتغيير اليد قبل اللسان والقلب.
· هل تغيير المنكر بمعنى إزالته؟
· فائدة تعليق الأمر بالتغيير بالمنكر دون فاعله.
· حكم إنكار المنكر.
· تفاوت الناس في قيامهم بواجب إنكار المنكر.
· مراتب إنكار المنكر.
· شروط إنكار المنكر.
· حكم الإنكار في المسائل المختلف فيها.
· ما يشترط توافره في المُنكِر.
· آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
· أحوال تكتنف إنكار المنكر.
- الحالات التي يحرم فيها إنكار المنكر.
· حكم إنكار ما كان مستورًا عنه فلم يره، ولكن علم به.
· مسألة: هل وجوب الإنكار متعلّق بظن الانتفاع؟
· دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
· شبهات وجوابها.
- الشبهة الأولى: قول القائل: أنا كاره بقلبي، مع جلوسه مع أهل المنكر.
- الشبهة الثانية: تعليل البعض تركهم واجب إنكار المنكر بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتهم}.
- الشبهة الثالثة: هل للعاصي أن يأمر وينهى؟
· خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
· فوائد الحديث.
· خلاصة الدرس.
تلخيص الدرس:
· موضوع الحديث.
وجوب تغيير المنكر.
· تخريج الحديث.
رواه مسلم من طريقين:
قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري.
إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري.
· قصة إيراد أبي سعيد الخدري الحديث.
أن مروان بن الحكم أوّل من خطب في العيد قبل الصلاة، فأنكر عليه رجل فعله فأبى، فقال الصحابي أبو سعيد الخدري -وكان حاضرًا-: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، ...)) فذكر الحديث.
· منزلة الحديث.
حديث عظيم الشأن؛ لأنه نصّ على وجوب إنكار المنكر.
· المعنى الإجمالي للحديث.
من رأى منكرًا بعينه أو سمعه سماعًا محققًا وجب عليه في حال القدرة والاستطاعة أن يغيّره بيده، فإن عجز فبلسانه، فإن عجز فبقلبه، وهذه أضعف درجة، لا تسقط عن أحد في حال من الأحوال.
· شرح قوله (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده)
- إعرابها.
من: اسم شرط جازم.
ورأى: فعل الشرط الذي تعلّق به الحكم؛ وهو وجوب الإنكار.
وجملة (فليغيّره بيده): جواب الشرط؛ وهو الأمر بالتغيير باليد.
- المخاطب في قوله: (من رأى منكم).
المكلّفون من أمّة الإجابة، الذين يطبّقون الأوامر، ويتركون النواهي.
- دلالة قوله: (من رأى منكم).
يدل على وجوب الأمر بالإنكار على جميع الأمة إذا رأت منكرًا أن تغيّره.
- المراد بالرؤية في قوله: (من رأى).
فيه قولان:
الأول: أنها رؤية العين؛ فرأى بمعنى أبصر بعينيه، وهذا ما رجّحه الشيخ صالح آل الشيخ وسعد الحجري.
وحجتهم:
1: أن (رأى) تعدّت إلى مفعول واحد، فتكون بصرية.
2: أن العلم بالمنكر لا يُكتفى به في وجوب الإنكار.
3: ولأن تقييد وجوب الإنكار برؤية العين يفيد زيادة تأكيد على التثبّت في هذه الأمور.
الثاني: المراد بها العلم، فتشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، وهذا ما رجّحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وحجته:
1: أنه مادام أن اللفظ يحتمل هذا المعنى الأعمّ، فإنه يُحمل عليه، وإن كان ظاهر الحديث يدلّ على أنه رؤية العين.
- فائدة التعبير باللفظ (رأى) دون لفظ (علم).
فيه زيادة تأكيد على التثبّت في هذه الأمور لتؤتي ثمارها.
بتقييد وجوب الإنكار بمن رأى بعينه، أو سمعه سماعًا محققا بأذنه، أو بلغه خبر بيقين.
- المراد بالمنكر.
المنكر ضد المعروف؛ وهو اسم لما عرف في الشريعة قُبحه والنهي عنه، وسمّي منكرًا:
- لأن الشارع أنكره ومنع منه.
- ولأن العقول والفطر تأباه وتنكره.
- ولأنه يُنكر على فاعله أن يفعله.
- معنى (فليغيّره بيده).
الفاء: واقعة في جواب الشرط، واللام: لام الأمر، وهاء الضمير عائد على المنكر؛ أي يغير هذا المنكر.
ويغيّر: أي يحوّله ويبدّله من صورته التي هو عليها إلى صورة أخرى حسنة.
- معنى الأمر في قوله: (فليغيّره بيده).
للوجوب، لعدم وجود صارف يصرفه عن الوجوب.
- سبب تخصيص اليد في قوله: (فليغيّره بيده).
لأنها قوّة الإنسان في الأخذ والعطاء والكفّ والمُدافعة.
وفيه بيان أنها آلة الفعل، فالغالب أن الأعمال باليد.
· شرح قوله (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)
- كيف يكون تغيير المنكر باللسان ؟
بإنكاره بالتوبيخ والزجر ونحو ذلك، مع استعمال الحكمة.
- هل نقيس الكتابة على اللسان؟
الجواب: نعم، فيغيّر بالكتابة، بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتبًا في بيان المنكر.
- كيف يكون تغيير المنكر بالقلب؟
بإنكاره بقلبه، فيكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن، مع اعتقاد أنه محرم وأنه منكر.
- المشار في قوله: (وذلك أضعف الإيمان).
أي مرتبة الإنكار بالقلب.
وقيل: يعود للرجل الذي لا يقدر إلا على الإنكار بالقلب.
- المراد بكون ذلك أضعف الإيمان.
فيه أقوال:
الأول: أنه أقلّ درجات الإيمان الذي يجب على كلّ أحد، يدلّ على ذلك ما جاء من الزيادة في بعض الروايات: ((وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان)).
وجه ذلك: أن المنكر المجمع عليه إذا لم يعتقد حرمته ولم يبغضه فإنه على خطر عظيم في إيمانه.
الثاني: أنه أضعف مراتب الإيمان في باب تغيير المنكر.
وجه ذلك: أن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدلّ على الضعف وعدم وجود الغيرة، وكراهية المنكر يدلّ على وجود الإيمان، وهو في أضعف مراتبه في هذا الباب.
الثالث: أنه أضعف أهل الإيمان إيمانًا؛ لأنه لم يمكّن من وظائف أرباب الكمال.
وجه ذلك: أن إنكار المنكر بالقلب قليل الثمرة، بعس التغيير باليد أو اللسان فإنه عظيم الفائدة.
· الحكمة من الابتداء بتغيير اليد قبل اللسان والقلب.
لأنه أقوى درجات الإنكار وأعظمها فائدة؛ لأن فيه إزالة للمنكر بالكلّيّة وزجر عنه.
· هل تغيير المنكر بمعنى إزالته؟
ليس هو بمعنى إزالته، ولكنه يشمله؛ لأن المنكر قد يزول بهذا التغيير، وقد لا يزول، لاختلاف مراتب إنكار المنكر، فيغيّر بيده، فإن عجز فبلسانه، فإن عجز فبقلبه.
فمثلًا: الإنكار باللسان من المعلوم أنه لا يزيل المنكر دائمًا؛ لأن فاعل المنكر قد ينتهي بإنكارك وزجرك وقد لا ينتهي، ولكنك بإخبارك له بأن هذا منكر وحرام فأنت قد غيّرت، وإن سكتّ فأنت لم تغيّر.
· فائدة تعليق الأمر بالتغيير بالمنكر دون فاعله.
يفيد أن الأمر بالتغيير باليد راجع إلى المنكر، لا إلى فاعله، فلا يدخل في هذا الحديث عقاب فاعل المنكر.
فمثلًا: من رأى مع شخص آلة لهو لا يحلّ استعمالها أبدًا فيكسرها في حال القدرة على التغيير باليد، أما تعنيف الفاعل لذلك وعقابه فهذا له حكم آخر يختلف باختلاف المقام؛ فمنهم من يكون الواجب معه الدعوة، ومنهم من يكون بالتنبيه، ومنهم من يُكتفى بزجره بكلام ونحوه، ومنهم من يكون بالتعزير، وغير ذلك.
· حكم إنكار المنكر.
إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان:
الأول: فرض كفاية: إذا قام به جماعة من المسلمين سقط عن الباقين.
قال تعالى: {ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}
قال ابن كثير في تفسيرها: المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدّية لهذا الشأن.
الثاني: فرض عين: فيجب على كلّ فرد مستطيع إنكار المنكر علم به أو رآه.
دلّ على ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، ...)) الحديث.
· تفاوت الناس في قيامهم بواجب إنكار المنكر.
الناس يتفاتون في قيامهم بهذا الواجب حسب طاقتهم وقدرتهم:
فالمسلم العاميّ عليه القيام بهذا الواجب حسب قدرته وطاقته، فيأمر أهله وأبناءه بما يعلمه من أمور الدين.
والعلماء عليهم من الواجب في إنكار المنكر ما ليس على غيرهم؛ لأنهم ورثة الأنبياء، فإذا تساهلوا بهذه المهمّة دخل النقص على الأمّة.
والحكّام واجبهم عظيم في إنكار المنكرات؛ لأن بيدهم الشوكة والسلطان التي يرتدع بها السواد الأعظم من الناس عن المنكر، فإذا قصّروا بهذه المهمّة فشا المنكر، واجترأ أهل الباطل والفسوق بباطلهم على أهل الحقّ والصلاح.
· مراتب إنكار المنكر.
على ثلاث مراتب:
الدرجة الأولى: تغييره باليد.
حكمه: واجب مع الاستطاعة والقدرة، فإن لم تغيّر بيدك فإنك تأثم.
ويجب على: ولي الأمر في الولاية العامة والخاصة.
- كولي الأمر صاحب السلطة لقوّته وهيبته.
- والأب على أولاده.
- والسيد على عبده.
- أو في مكان أنت مسئول عنه وأنت الوليّ عليه.
أهميته: هو أقوى درجات الإنكار؛ لأنه إزالة للمنكر بالكليّة وزجر عنه.
متى يُعذر المسلم بترك هذا الواجب:
1: إذا كان المنكر في ولاية غيرك، فهنا لا توجد القدرة عليه؛ لأن المقتدر هو من له الولاية، فيكون هنا باب النصيحة لمن هذا تحت ولايته ليغيّره.
2: إذا ترتّب على الإنكار مفاسد أعظم من ترك واجب الإنكار، فيُنكر منكرًا فيقع فيما هو أنكر، وليس ذلك من الحكمة.
الدرجة الثانية: الإنكار باللسان عند من لا يملك سلطة.
حكمه: واجب على من كان قادرًا على التغيير والإنكار باللسان.
ويجب على: أهل العلم.
وكل من كان يملك القدرة الكلاميّة، وليس لديه مانع يمنعه من الإنكار.
أهميته: حاجة الناس لهذه المرتبة شديدة جدًا؛ لكثرة الأخطاء، ووجود الغفلة، وقسوة القلوب، وكثرة الفتن، وانغماس الناس في الدنيا ونسيان الآخرة.
متى يُعذر المسلم بترك هذا الواجب:
1: عند انعدام القدرة الكلامية.
2: أو كان لا يستطيع التغيير لوجود مانع.
الدرجة الثالثة: الإنكار بالقلب.
حكمه: فرض واجب على الجميع، لا يسقط عن أحدٍ في حالٍ من الأحوال؛ لأنه تغيير داخلي لا يتعدّى صاحبه.
أهميته: أضعف درجات الإيمان؛ إذ ليس بعدها شيء من الإيمان، فمن لم يُنكر قلبه المنكر دلّ على ذهاب الإيمان من قلبه.
· شروط إنكار المنكر
يدلّ الحديث أن المنكر الذي أُمرنا بإنكاره يشترط فيه أمور:
الأول: أن يكون المنكر ظاهرًا معلومًا؛ لقوله: (من رأى)، فليس للآمر البحث والتفتيش والتجسّس بحجّة البحث عن المنكر.
الثاني: أن يكون المنكر مجمع عليه بين المسلمين أنه منكر؛ مثل الربا، والزنا، والتبرّج وغيرها.
الثالث: أن يتيقّن أنه منكر في حقّ الفاعل؛ إذ قد يكون منكرًا في حدّ ذاته، وليس منكرًا بالنسبة للفاعل؛ كالأكل والشرب في رمضان في حقّ المريض الذي يحلّ له الفطر.
· حكم الإنكار في المسائل المختلف فيها.
فيه أقوال:
الأول: قالوا: الأمور التي اختلف فيها العلماء في حرمتها أو وجوبها على نوعين:
ما كان الخلاف فيها ضعيفًا، والحجّة لمن قال بالحرمة، فمثل هذا ينكر على فاعله.
وأما ما كان الخلاف فيها قويّا، والترجيح صعبًا، فمثل هذا –والله أعلم- لا يُنكر على فاعله.
وهذا القول رجحه كثير من أهل العلم كابن عثيمين.
الثاني: قالوا: المختلف فيه من المسائل لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدًا فيه، أو مقلّدًا.
واستثنى القاضي أبي يعلى ما ضعُف فيه الخلاف، وكان ذريعة إلى محظور متفق عليه، وهو القول الثالث في هذه المسألة.
· ما يشترط توافره في المُنكِر.
يشترط في المُنكِرِ أمور هي:
- الإسلام
- التكليف
- الاستطاعة
- العدالة
- وجود المنكر ظاهرًا.
- العلم بما يُنكر وبما يأمر.
· آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأول: الرفق واللين في الإنكار، والأمر بالمعروف بلا غلظة؛ إلا في حالات يتعيّن فيها الغلظة والقسوة.
قال الإمام أحمد: (الناس محتاجون إلى مداراة ورفق، والأمر بالمعروف بلا غلظة، إلا رجل معلن بالفسق، فلا حرمة).
الثاني: أن يكون الأمر أو الإنكار بانفراد وبالسرّ، فذلك أرجى لقبول النصيحة.
قال الشافعي: (من وعظه سرّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وعابه).
الثالث: أن يكون الآمر قدوة للآخرين، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
· أحوال تكتنف إنكار المنكر.
الأولى: أن ينتقل إلى ما هو خير ودين، وهذا الذي يجب معه الإنكار.
الثانية: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه، وهذا محل اجتهاد.
الثالثة: أن ينتقل منه إلى منكر آخر.
الرابعة: أن ينتقل منه إلى ما هو أنكر منه، وهذا حرام بالإجماع.
فالحالات التي يحرم فيه الإنكار: الحالة الثالثة والرابعة وهما: أن ينتقل إلى منكر آخر، لا تدري أنه مساوٍ له، وإلى منكر أشد منه بيقينك.
· مسألة: حكم إنكار ما كان مستورًا عنه فلم يره، ولكن علم به.
فيه أقوال:
الأول: لا يعرض له، فلا يفتّش على ما استراب به، وهذا القول هو المنصوص عن الإمام أحمد في أكثر الروايات، وهو قول الأئمة مثل سفيان الثوري وغيره.
وحجّتهم: أنه داخل في التجسّس المنهي عنه.
الثاني: يكشف المغطّى إذا تحقّقه؛ كأن يسمع صوت غناء محرّم، وعلم المكان، فإنه ينكره، وهو رواية أخرى عن الإمام أحمد، نصّ عليها وقال: إذا لم يعلم مكانه فلا شيء عليه.
وحجّتهم: أنه قد تحقق من المنكر، وعلم موضعه، فهو كما رآه.
الثالث: إذا كان في المنكر الذي غلب على ظنّه الاستسرار به بإخبار ثقة عنه، انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنى والقتل، جاز التجسس والإقدام على الكشف والبحث، وإن كان دون ذلك في الرتبة لم يجز التجسّس عليه، قال بذلك القاضي أبو يعلى.
· مسألة: هل وجوب الإنكار متعلّق بظن الانتفاع؟
فيه قولان:
الأول: يجب الإنكار مطلقًا، سواء غلب على الظنّ أم لم يغلب على الظنّ، وهذا قول الجمهور وأكثر العلماء ومنهم الإمام أحمد.
وحجتهم:
1: أن إيجاب الإنكار لحقّ الله جلّ وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبة الظنّ.
2: يكون لك معذرة، كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم: {لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلّهم يتّقون}.
الثاني: أنه يجب مع غلبة الظنّ؛ أي عند عدم القبول والانتفاع به يسقط وجوب الأمر والنهي ويبقى الاستحباب، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وهو رواية عن الإمام أحمد وقال به الأوزاعي.
وحجّتهم:
1: قوله تعالى: {فذكّر إن نفعت الذكرى} فأوجب تعالى التذكير بشرط الانتفاع.
2: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: {عليكم أنفسكم}، فقال: ((ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّا مطاعًا، وهوًى متّبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام)) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي.
ورُوي هذا التأويل عن عدد من الصحابة كابن مسعود وابن عمر وغيرهما.
3: كما دلّ عليه عمل عدد من الصحابة كابن عمر وابن عباس وغيرهما لمّا دخلوا بيوت بعض الولاة ورأوا عندهم بعض المنكرات فلم ينكروها لغلبة الظنّ أنهم لا ينتفعون بذلك.
4: هذا القول أوجه من جهة نصوص الشريعة؛ لأن أعمال المكلفين مبنية على ما يغلب على ظنّهم، وفي الحديث: ((فإن لم يستطع فبلسانه)) وعدم الاستطاعة يشمل عدة أحوال ويدخل فيها غلبة الظن ألا ينتفع الخصم.
· دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوافع كثيرة منها:
1: كسب الثواب والأجر، فمن دلّ الناس على معروف كان له من الأجر مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، قال صلى الله عليه وسلم: ((من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله)).
2: خشية عقاب الله؛ وذلك أن المنكر إذا فشا في أمّة كانت مهدّدة بنزول العقاب عليها، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه)).
3: الغضب لله تعالى أن تنتهك محارمه، وذلك من خصال الإيمان الواجبة.
4: النصح للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم؛ فالذي يقع في المنكر عرّض نفسه لعقاب الله وغضبه، وفي نهيه عن ذلك أعظم الرحمة به.
5: إجلال الله وإعظامه ومحبته، فهو تعالى أهل أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وأن يُعظّم بإقامة أوامره والانتهاء عن حدوده، وقد قال بعض السلف: وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله، وإن ّ لحمي قُرض بالمقاريض.
· شبهات وجوابها.
- الشبهة الأولى: قد يقول قائل: أنا كاره بقلبي، مع جلوسه مع أهل المنكر.
الجواب: لا يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول: أنا كاره بقلبي، لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم إلا إذا أكرهوه، فحينئذ يكون معذورًا.
قال تعالى: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} فمن جلس في مكان يستهزأ فيه بآيات الله، وهو جالس لا يُفارق ذلك المكان، فهو في حكم الفاعل من جهة رضاه بذلك؛ لأن الراضي بالذنب كفاعله كما قال العلماء.
- الشبهة الثانية: يعلل البعض تركهم واجب إنكار المنكر بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتهم}
الجواب: في تفسير هذه الآية قولان:
الأول: أن معناها: إنكم إذا فعلتم ما كلّفتم به فلا يضرّكم تقصير غيركم، وهذا هو المذهب الصحيح عند المحققين في تفسير هذه الآية، ذكره النووي، ثم قال: وإذا كان كذلك فمما كلّفنا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومما يدلّ لصحة هذا المعنى قول الصديق رضي الله عنه: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها، وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه)).
الثاني: أن تأويل هذه الآية لم يأتِ بعد، وإن تأويلها في آخر الزمان، وهذا القول مرويّ عن طائفة من الصحابة.
فعن ابن مسعود قال: إذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه، حينئذ تأويل هذه الآية.
وعن ابن عمر: هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم.
وهذا قد يُحمل على أنّ من عجز عن الأمر بالمعروف، أو خاف الضرر، سقط عنه.
- الشبهة الثالثة: قد يقول قائل: هل للعاصي أن يأمر وينهى؟
الجواب: قال العلماء: لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال، ممتثلًا ما يأمر به، مجتنبًا ما نهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلّا بما يأمر به، فإنه وإن كان متلبّسًا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه.
فإذا أخلّ بأحدهما كيف يُباح له الإخلال بالآخر؟ ذكره النووي.
· خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1: فساد المجتمع بشيوع المنكرات والفواحش، وتسلّط الفجار على الأخيار.
2: اعتياد الناس على الباطل، ودثور الحقّ ونسيانه، حتى يصبح الحقّ باطلًا والباطلُ حقّا.
3: الطرد من رحمة الله كما طرد الله اهل الكتاب من رحمته لمّا تركوا هذا الوجب، قل تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
4: الهلاك في الدنيا، ففي الحديث: أن مثل القائمين على حدود الله والواقعين فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فأراد الذين في أسفلها أن يخرقوا في نصيبهم خرقًا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا.
وفي حديث أبي بكر مرفوعًا: ((ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيّروا فلا يغيّروا، إلا يوشك أن يعمّهم الله بعقاب)) رواه أبو داود.
5: عدم استجابة الدعاء، فعن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشك الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنّه فلا يستجيب لكم)).
· فوائد الحديث.
1: أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2: وجوب تغيير المنكر.
3: أنه ليس في الدين من حرج، وأن الوجوب مشروط بالاستطاعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإن لم يستطع فبلسانه)).
4: من لم يستطع التغيير باليد ولا باللسان فليغيّر بالقلب بكراهة المنكر وعزيمته على أنه من قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل.
5: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان.
7: أن للقلب عملًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإن لم يستطع فبقلبه)) عطفًا على قوله: ((فليغيّره بيده)).
8: أن الإيمان عمل ونيّة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان.
9: زيادة الإيمان ونقصانه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وذلك أضعف الإيمان)).
· خلاصة الدرس.
فيتحصّل مما سبق: وجوب إنكار المنكر، وأن إنكاره باليد واللسان متعلّق بالقدرة والاستطاعة بالإجماع.
وأما إنكار القلب فمن الفروض العينيّة التي لا تسقط عن أحدٍ مهما كانت الحال.
ومن لم يُنكر قلبه المنكر دلّ ذلك على ذهاب الإيمان من قلبه.
كما دلّ الحديث بظاهره على تعليق وجوب التغيير باليد بالرؤية، وما يقوم مقامه، وبالمنكر نفسه دون فاعله.
|