8/1325 - وَعَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
(وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ).
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لا مَطْعَنَ لأَحَدٍ فِي إسْنَادِهِ، كَذَا قَالَ، لَكِنَّهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ: سَأَلْتُ مُحَمَّداً؛ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ، عَنْهُ، فَقَالَ: لَمْ يَسْمَعْهُ عِنْدِي عَمْرٌو مِن ابْنِ عَبَّاسٍ، يُرِيدُ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ رَاوِيَهُ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ الْحَاكِمُ: قَدْ سَمِعَ عَمْرٌو مِن ابْنِ عَبَّاسٍ عِدَّةَ أَحَادِيثَ، وَسَمِعَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَةِ، فَلا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثاً، وَسَمِعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ. وَلَهُ شَوَاهِدُ منها:
9/1326 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِثْلُهُ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُهُ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ)، وَأَخْرَجَهُ أَيْضاً الشَّافِعِيُّ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ: هُوَ صَحِيحٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَن اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِن الصَّحَابَةِ، وَقَدْ سَرَدَ الشَّارِحُ أَسْمَاءَهُمْ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ وَالْهَادَوِيَّةِ وَمَالِكٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَعُمْدَتُهُمْ هَذِهِ الأَحَادِيثُ.
وَالْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ حَاصِلُهَا تَأْكِيدُ الدَّعْوَى، لَكِنْ يَعْظُمُ شَأْنُهَا؛ فَإِنَّهَا إشْهَادٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ تَعَالَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ كَمَا يَقُولُ، وَلَوْ كَانَ الأَمْرُ عَلَى خِلافِ الدَّعْوَى لَكَانَ مُفْتَرِياً عَلَى اللَّهِ، أَنَّهُ يَعْلَمُ صِدْقَهُ.
فَلَمَّا كَانَتْ بِهَذِهِ المَثَابَةِ الْعَظِيمَةِ هَابَهَا الْمُؤْمِنُ بِإِيمَانِهِ، وَعَظَمَةِ شَأْنِ اللَّهِ تعالى عِنْدَهُ، أَنْ يَحْلِفَ بِهِ كَاذِباً، وَهَابَهَا الْفَاجِرُ؛ لِمَا يَرَاهُ مِنْ تَعْجِيلِ عُقُوبَةِ اللَّهِ لِمَنْ حَلَفَ يَمِيناً فَاجِرَةً. فَلَمَّا كَانَ لِلْيَمِينِ هَذَا الشَّأْنُ صَلُحَتْ لِلْهُجُومِ عَلَى الْحُكْمِ؛ كَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَقَد اعْتُبِرَت الأَيْمَانُ فَقَطْ فِي اللِّعَانِ، وَفِي الْقَسَامَةِ فِي مَقَامِ الشُّهُودِ.
وَذَهَبَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}، وَقَوْلِهِ تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}، قَالُوا: وَهَذَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ، وَيُفِيدُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ لا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وزِيَادَةُ الشَّاهِدِ واليَمِينِ مُخالَفَةٌ، وَزِيَادَةُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ تَكُونُ نَسْخاً لِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ.
وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ يَصِحُّ نَسْخُهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ؛ أَعْنِي حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ)).
وَأُجِيب بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ، وَحَدِيثَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ صَحِيحٌ، يُعْمَلُ بِهِمَا فِي مَنْطُوقِهِمَا، ومَفْهُومُ أَحَدِهِمَا لا يُقَاوِمُ صَرِيحَ الآخَرِ.
هَذَا، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ سَلَمَةُ فِي حَدِيثِهِ: قَالَ عَمْرٌو: " فِي الْحُقُوقِ"، يُرِيدُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ خَصَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ في الْحُقُوقِ دُونَ الحُدُودِ ونَحْوِها.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا خَاصٌّ بِالأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا؛ فَإِنَّ الرَّاوِيَ وَقَفَهُ عَلَيْهَا، وَالْخَاصُّ لا يُعَدَّى بِهِ مَحَلُّهُ، وَلا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَاقْتِضَاءُ الْعُمُومِ مِنْهُ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لأَنَّهُ حِكَايَةُ فِعْلٍ، وَالْفِعْلُ لا عُمُومَ لَهُ، ا. هـ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ لا يَخْرُجُ مِن الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ إلاَّ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ؛ لِلإِجْمَاعِ أَنَّهُمَا لا يَثْبُتَانِ بِذَلِكَ.