قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}
جمع الأقوال في الآية:
القول الأول:أن الإسلام المثبَت لهم هو مرتبة الإسلام ، وأنهم لم يبلغوا مرتبة الإيمان.
القول الثاني:أن الإسلام المثبَت لهم هو الإسلام الظاهر الذي لا يقتضي أن يكون صاحبه مسلماً حقاً في الباطن ، وذلك كما يحكم لأهل النفاق بالإسلام الظاهر ، وإن كانوا كفاراً في الباطن؛ لأن التعامل مع الناس هو على ما يظهر منهم ؛ فمن أظهر الإسلام قبلنا منه ظاهره ووكلنا سريرته إلى الله ، فيعامل معاملة المسلمين ما لم يتبين لنا بحجة قاطعة ارتداده عن دين الإسلام.
نسبة الأقوال لقائليها:
القول الأول:هو قول الزهري وإبراهيم النخعي وأحمد بن حنبل واختاره ابن جرير وابن تيمية وابن كثير وابن رجب.
والقول الثاني:هو قول مجاهد والشافعي والبخاري ومحمد بن نصر المروزي وأبي المظفر السمعاني والبغوي والشنقيطي.
الأدلة:
أدلة أصحاب القول الأول: يقولون إن الإيمان المنفي عنهم هو ما تقتضيه مرتبة الإيمان ، فهم لم يعرفوا حقيقة الإيمان وإنما أسلموا على جهل فيثبت لهم حكم الإسلام.
{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}أي لم تباشر حقيقة الإيمان قلوبكم.
أدلة أصحاب القول الثاني: استدلوا بقوله تعالى:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} قالوا : فهؤلاء لم يدخل الإيمان في قلوبهم بنص القرآن ، ومن لم يدخل الإيمان في قلبه فليس بمسلم على الحقيقة، وإنما إسلامه بلسانه دون قلبه.
الجمع بين الأقوال:
ابن القيم رحمه الله قال بالقول الأول في بدائع الفوائد، وقال بالقول الثاني في إعلام الموقعين.
والتحقيق أن دلالة الآية تَسَعُ القولين:
- فإذا أريد بنفي الإيمان في قوله تعالى:{لَمْ تُؤْمِنُوا} نفي أصل الإيمان الذي يَثبت به حكم الإسلام ؛ فهؤلاء كفار في الباطن ، مسلمون في الظاهر، فيكون حكمهم حكم المنافقين، وقد يتوب الله على من يشاء منهم ويهديه للإيمان.
– إذا أريد بنفي الإيمان نفي القدر الواجب من الإيمان الذي مدح الله به المؤمنين وسماهم به مؤمنين؛ فهذا لا يستلزم نفي أصل الإيمان والخروج من دين الإسلام، فيثبت لهم حكم الإسلام، وينفى عنهم وصف الإيمان الذي يطلق على من أتى بالقدر الواجب منه.
وهذا كما في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن!))
قيل: من يا رسول الله؟
قال:((الذي لا يأمن جاره بوائقه)).
فهذا نفى عنه حقيقة الإيمان والقدر الواجب منه الذي مدح الله به المؤمنين وسماهم به، ولا يقتضي أن من فعل ذلك فهو خارج عن دين الإسلام.
والذي يوضح هذا الأمر أن قول {أَسْلَمْنَا}قد يقوله الصادق والكاذب؛ فإذا قاله الكاذب فهو منافق مدَّعٍ للإسلام مخادع للذين آمنوا، يُظهر الإسلام ويبطن الكفر.
وإذا قاله الصادق فهو مسلم ظاهراً وباطناً، ومعه أصل الإيمان.
ولهذا قال الله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
فعلق وصف الإيمان بالصدق؛ فمن صدق منهم فهو من أهل الصنف الأول، ومن لم يصدق منهم فهو من أهل الصنف الثاني، وهذا يبيّن جواز أن يكون فيمن نزلت فيهم هذه الآيات من هو من أصحاب الصنف والأول، ومنهم من هو من أصحاب الصنف الثاني، وشملت هذه الآيات الصنفين كليهما.
قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }
مسألة: دين امرأة لوط
جمع الأقوال في الآية:
القول الأول:أنها كانت على دين قومها، وإنما كانت خيانتها أنها تدل قومها الذين يعملون السوء على أضياف لوط، وهذه خيانة له.
القول الثاني: أنها كانت تظهر الإسلام وتبطن الكفر.
نسبة الأقوال إلي قائليها:
لم ينسب المصنف الأقوال إلي قائليها.
الأدلة :
لم يذكر المصنف أدلة القائلين.
الترجيح بين الأقوال :
القول الأول أصح وأشهر وهو المأثور عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
فإن قيل: كيف يبقيها في ذمته وهي كافرة؟
قيل: إن ذلك كان جائزاً في شريعتهم، كما كان جائزاً في أول الإسلام ثم نسخ.
وسواء أكانت امرأة لوط مسلمة في الظاهر أم غير مسلمة في الظاهر؛ فإن ذلك لا ينقض الحكم على البيت بأنه بيت إسلام،كما أن وجود بعض الكفار في بلاد الإسلام لا يجعلها بلاد كفر.