إن الحمدلله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلاهادي له وأشهد أن لاإله ألا الله وحده لاشريك له وأن محمد عبده ورسوله أما بعد ...
قال تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) سورة النحل
في هذه الآية حث عظيم على الدعوة إلى الله ، وأساليبها ، وطرقها ، وأن الدعوة الصادقة إذا بنيت على أساس قويم أمتدت فروعها ، وجنيت ثمارها
وأشتملت هذه الآية على المواعظ والوصايا ، لأصول الدعوة إلى الله
ديننا الإسلامي دين الحكمة والموعظة الحسنة ، ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم العبر والعظة ، قال تعالى :( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) سورة الأحزاب
في هذه الآية خطاب لفظي ورسالة لرسولنا الكريم ، وعامته لأمته أجمعين ، بالدعوة إلى الله ، وتبليغ الرسالة
معنى (سبيل ربك ), يقصد به الإسلام وطريق الرشاد القويم
معنى (الحكمة ) ،قال الزمخشري : هي الدليل الموضح للحق المزيل للشبهة
المراد بالموعظة الحسنة : قال ابن عطية : التخويف والتلطف بالإنسان بأن تجله وتنشطه
فمن هذا المنطلق على الداعي أن يكون ملماً بثلاث :
أن يعرف مايأمر به وينهى عنه ،وأن يكون رفيقاً فيما يأمر به وينهى عنه ،وأن يكون صابراً على مايطوله من الأذى
ومن هذه الآية يتبين مراتب الدعوة بحسب حالة المدعو :
-أن يكون طالباً للحق ، راغباً فيه ،محباً له ،فهذا يدعى بالحكمة ولايحتاج لموعظة وجدال
-أن يكون مشتغلاً بضد الحق ، ولكن لو عرفه آثره واتبعه ،فهذا يحتاج مع الحكمة إلى الموعظة بالترغيب والترهيب
-أن يكون معانداً ،فهذا يجادل باللتي هي أحسن ،فإن رجع والا انتقل معه من الجدال إلى الجلاد ، ذكره ابن القيم
فعلى الداعي إلى الله ،تلمس الكلمات الملينة للقلوب ،المشرحة للصدور ،وأن يكون في أسلوبه الإقناع وذكر العبر النافعة .
وكذلك أن يتحلى بالصبر ، والقول السديد ، والأساليب المرشدة الحكيمة ،في دعوته للناس ،فهذا كان شأن الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم إلى يوم الدين ، فهذا أمر رباني -لرسوليه موسى وهارون عليهما السلام فقال سبحانه :(اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ 43فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ 44) سورة طه,فهي دعوة للمخاطبة بالحكمة واللين .
ماالغاية ولهدف من الدعوة من الله ؟
الغاية هو القبول والإذعان والهداية ،وقبول الحق وهذا لايتحقق إلا بالحكمة والموعظة الحسنة ، والمجادلة باللتي هي أحسن .
صفات الداعي إلى الله :
-أن يراعي أحوال المدعوين ، ومخاطبتهم على قدر عقولهم ،ويهتم بالكلمة الواضحة ،والعبر النافعة
-أن يتلطف ويتنوع بأسلوبه ، ويستخدم أسلوب الإقناع ،والموعظة الحسنة ،والترغيب والترهيب .
-الله سبحانه أوصى باللين بالدعوة ،وهي أبلغ للقبول ،ونهى عن القسوة والغلظة ،لأنها لاتضر ولاتنفع ، وتنفر ولا ترغب ، قال سبحانه : ( وإن كنت فظاً غليظ القلب
الفوائد المقتبسة من هذه الآيات :
-حكم بلاغية بالتدرج بأساليب الدعوة إلى الله
-مناط الدعوة إلى الله ،موكل لمن هو أهل لها تتوفر فيه الحكمة والعلم والصبر
-الهداية والقبول من الله سبحانه ،فالداعي موكل برسالة الدعوة ،وليس عليه هدايتهم
-مراعاة أحوال الناس عند الدعوة إلى الله
-الغلظة والقسوة منهي عنها فهي مدعاة للتنفير وضررها أكثر من نفعها