دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > فريق العمل > قسم النسخ والتفريغ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ربيع الأول 1433هـ/13-02-2012م, 06:05 AM
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 3,529
افتراضي صفحة التفريغ للشرح الصوتي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذه الصفحه مخصصة لتفريغ الشرح الصوتي لحلية طالب العلم للشيخ الشثري .

وفقكِ الله .


التوقيع :
فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة
توفني مسلما وألحقني بالصالحين
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الأول 1433هـ/13-02-2012م, 10:10 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكِ الله كل خير المشرفة إشراق

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 ربيع الأول 1433هـ/13-02-2012م, 10:12 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

ملاحظات:
----- :أي لم أعرفه.
الكلمة تحتها خط : أي هذا المسموع على أغلب الظن.
تفريغ الحلية: شرح الشيخ سعد الشثري حفظه الله (الدرس الخامس)
الشيخ:
من فضل الله عزوجل علينا أن أخذنا شيئا من آداب طالب العلم، وكنا قد أخذنا ثلاثة أقسام:
الأول: أدب الطالب في نفسه.
والثاني: في كيفية الطلب والتلقي.
والثالث: في أدب الطالب مع شيخه.
ولعلنا إن شاء الله جل وعلا نواصل في الحديث في ذلك، من خلال معرفة أدب طالب العلم تجاه زملائه.
ونقرأ في كتاب حلية طالب العلم للشيخ بكر بن عبدالله أبي زيد رحمه الله تعالى.
القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
{ الفصلُ الرابعُ (أدَبُ الزَّمَالةِ)
23-احْذَرْ قَرينَ السَّوءِ :
كما أنَّ العِرْقَ دَسَّاسٌ فإنَّ ( أَدَبَ السَّوءِ دَسَّاسٌ ) إذالطَّبيعةُ نَقَّالَةٌ ، والطِّباعُ سَرَّاقَةٌ ، والناسُ كأسرابِ الْقَطَا مَجْبولون على تَشَبُّهِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ مُعاشَرَةَ مَن كان كذلك ؛ فإنه العَطَبُ ، ( والدفْعُ أسْهَلُ من الرفْعِ).
وعليه فتَخَّيرللزَّمالةِ والصداقةِ مَن يُعينُك على مَطْلَبِكَ ، ويُقَرِّبُك إلى رَبِّكَ ،ويُوافِقُكَ على شَريفِ غَرَضِكَ ومَقْصِدِكَ ، وخُذْ تَقسيمَ الصديقِ في أَدَقِّ الْمَعايِيرِ :

صديقُ مَنْفَعَةٍ .
صديقُ لَذَّةٍ .
صديقُ فَضيلةٍ.

فالأَوَّلان مُنقَطِعان بانْقِطاعِ مُوجِبِهما ؛ الْمَنْفَعَةِ فيا لأَوَّلِ ، واللَّذَّةِ في الثاني .
وأمَّا الثالثُ فالتعويلُ عليه ، وهوالذي باعِثُ صداقتِه تَبادُلُ الاعتقادِ في رُسوخِ الفَضائلِ لدَى كلٍّ منهما .وصديقُ الفَضيلةِ هذا ( عُمْلَةٌ صَعبةٌ ) يَعِزُّ الْحُصولُ عليها .
ومن نَفيسِ كلامِ هِشامِ بنِ عبدِ الملِكِ ( م سنةَ125هـ ) قولُه : ( ما بَقِيَ من لَذَّاتِ الدنيا شيءٌ إلا أخٌ أَرْفَعُ مَؤُونَةَ التحَفُّظِ بَيْنِي وبَيْنَهُ ) اهـ .
ومن لَطيفِ ما يُقَيَّدُ قولُ بعضِهم : ( العُزْلَةُ من غيرِ عَيْنِ العِلْمِ زَلَّةٌ، ومن غيرِ زايِ الزُّهْدِ عِلَّةٌ) .

الشرح:
هذا هو الأدب الثالث والعشرون لطالب العلم.
اختيار القرين الذي يعين الإنسان في طلب العلم، والبعد عن قرين السوء، الذي يشغل الإنسان عن طلب العلم، وقد جاءت النصوص الشرعية بالترغيب في اختيار قرناء صالحين يعينون الإنسان على الخير.
كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه –يعني تشتري-، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ومثل الجليس السوء كمثل نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحا خبيثة"
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل"
وقد قال جل وعلا: "الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين"
ومن هنا جاءت الشريعة في الترغيب في اختيار الأصدقاء الطيبين، والمرء يستفيد من اثنين في مسألة القدوة، من يراه مثلا له فحينئذ يقتدي به، ومن هنا جاءت الشريعة بالأمر بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"
وكذلك فيما يتعلق بالأصدقاء؛ فإن الصديق يُؤخذ من أخلاقه من حيث لا يشعر المرء، والناس عندما يتعاونون على الحق والخير يجتمعون على ذلك، وإذا عجز الإنسان ولم يجد له معاونا على الخير قد تضعف نفسه، لكن إذا وجد أخا له كلما ضعفت نفس أحدهما، قوّته القوّة الموجودة في نفس الآخر، وبالتالي يؤدّون ويستمرون على العمل الصالح.
ومن ذلك طلب العلم، فإن النفس ملولة، فإذا وجدت طالبا يعينك على طلب العلم، حينئذ كلما ملّت نفسك انتقلت إلى زميلك ليقوم بتنشيط نفسك على طلب العلم، ثم إن إبقاء النفس على حال واحدة يجعلها تملّ، وذلك أن المرء إذا قرأ وحده وذاكر وحده تمل نفسه، فإذا وجد أصدقاء خير يذاكر معهم، مرة يذاكر وحده، فإذا ملّت النفس انتقل إلى قرنائه فذاكر معهم.
قال المؤلف: (فإن العرق دساس) يعني أن العرق ولو كان خفيا فإنه يسحب ويؤثر على ما يرتد إليه ذلك العرق، وقد ورد هذا في حديث كثير من أهل العلم يقولون بأنه لا يعوّل عليه، وهذا في الزوجة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باختيار الزوجة التي في منبت طيب، وذكر أن العرق دساس، لكن أهل العلم يقولون بأن هذا خبر لا يعوّل عليه.
قال: (فإن أدب السوء دساس) يعني أن صديق السوء سيؤثر على صديقه.
قال: (إذ الطبيعة نقالة) يعني أن الطبائع والأخلاق تنتقل من شخص إلى شخص.
(والطباع سراقة) يعني أن النفوس تقتدي بمن حولها، وتفعل مثل أفعالها، ولو من حيث لا تشعر.
(والناس مجبولون على تشبه بعضهم ببعض فاحذر معاشرة من كان كذلك) يعني من كان سيئا.
(فإنه العطب) يعني سبب الهلاك، دنيا وآخرة، والدفع بترك صحبة هؤلاء، أسهل من الرفع؛ الذي هو مصاحبتهم ثم قطع تلك الصحبة.
فقبل أن تصاحبهم امنع نفسك من مصاحبتهم، فإن نفسك إذا تعلقت معهم، قد تعجز عن قطع تلك الصحبة.
ونضرب لذلك أمثلة:
المثال الأول: أصحاب المخدرات والخمور، إذا صاحبهم الإنسان، فإنهم سيجرّونه إلى فعلهم شيئا فشيئا، حتى يُبتلى بهذا الأمر، ويكون مماثلا لهم، وإن كان في الأول يقول: لن أقدم على فعل هذه الأمور، لكنه مع الزمن تضعف نفسه قليلا قليلا.
مثال آخر: أصحاب المعاصي، فإنهم يجرّون صاحبهم على معاصيهم كالفواحش، والنظر في وجوه النساء والتلذذ بالحديث معهن، فإن من صاحب من كان كذلك أصبح مثلهم.
(وعليه) يعني بناء على ما سبق.
(فتخيّر للزمالة والصداقة من يُعينك على مطلبك) يعني على الهدف الذي تقصده.
(ويقرّبك إلى ربك) بحيث يكون معينا لك على طاعة الله، ومن أعظم أنواع الطاعة كما سبق طلب العلم.
فاختر الصديق الذي يعينك على التقرب إلى رب العزة والجلال، بأن يكون معينا لك على طلب العلم، وبالتالي تتوافق الأهداف عندك وعنده، أما إذا كان يهدف لشيء وأنت تهدف إلى شيء آخر، فحينئذ لن يكون بينكما تلك الألفة، إلا أن تنجرف إلى غرضه، أو ينجرف إلى مقصدك.
ثم قسم المؤلف الأصدقاء إلى ثلاثة أقسام:
(الأول: صديق المنفعة) مثال ذلك؛ شخص بينك وبينه تجارة، هذا صديق منفعة، فحينئذ هذه الصداقة لا حرج على الإنسان فيها، لكنها مرتبطة بهذه المنفعة إذا انقطعت التجارة انقطعت تلك الصحبة، وهذا ليس من المحبة الإيمانية في شيء.
النوع (الثاني: صديق لذّة) كمن اجتمعوا على جلسة، أو على لعب، أو على لهو، هؤلاء أصدقاء لذّة، إذا كان عندهم لذّة أو ملّوا منها انقطعت صداقتهم، وقد تكون تلك اللّذة لذّة مباحة، وقد تكون لذّة محرمة فيأخذوا الإثم بها.
وقطع تلك الصداقة أولى للعبد في دنياه وآخرته، لأنها وإن كانت لذّة مباحة، إلا أنها تضيّع وقت العبد، وتشغله عن الهدف الذي خلق من أجله.
(النوع الثالث: صديق الفضيلة) وهو الذي اجتمعت معه على اكتساب فضائل سواء كانت تلك الفضائل؛ فضائل عملية، كاجتماعهم على صوم أو صلاة أو اعتكاف في مسجد أو نحو ذلك، أو كانت فضائل علمية، كطلب علم عند شخص أو عالم.
فالصديقان الأولان تنقطع صداقتهما بانقطاع موجب تلك الصداقة، أي موجِب بكسر الجيم هو السبب، بينما الموجَب بفتح الجيم هو الأثر، فالموجِب بكسر الجيم هو السبب، والموجَب بفتح الجيم هو الأثر، فإذا انقطعت المنفعة عند الأول انقطعت الصداقة، وإذا انقطعت اللذة عند الثاني انقطعت الصداقة، والصداقة فيهما ليست من أسباب الأجر والثواب، أما الثالث فالتعويل عليه وبمجرد تلك الصداقة يحصل الأجر العظيم، وقد جاء في الحديث: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: رجلين تحابّا في الله اجتمعا عليه –يعني على الله محبة وإيمانا ليعين بعضهما بعضا على طاعة الله- رجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه" يعني لمّا جاءهما سبب التفرق كانا على المحبّة الإيمانية الأولى، وهذا التفرّق قد يكون في سفر وقد يكون في موت وقد يكون في سبب آخر من الأسباب.
قال: (وأما الثالث فالتعويل عليه، وهو الذي باعث صداقته تبادل الاعتقاد في رسوخ الفضائل لدى كل منهما) فالسبب في هذه الصداقة رغبة كل منهما أن يتبادلا في الخير، وأن يعين بعضهما بعضا في رسوخ الفضائل.
وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: "وجبت محبتي للمتحابّين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتباذلين فيّ"
قال: (وصديق الفضيلة هذا "عملة صعبة") يعني أننا لا نجدها في كل وقت، وأنها عسيرة الحصول.
(يعز الحصول عليها) يعني يندر.
ثم بكلام الخليفة هشام بن عبدالملك:
(ما بقي من لذات الدنيا شيء إلا أخ أرفع مؤونة التحفظ بيني وبينه)
قال المؤلف: (العزلة من غير عين العلم زلة) كلمة العزلة، يعني انفراد الإنسان وحده، إذا حذفت منها العين أصبحت زلة، ولذلك إذا اعتزل لابد منه أن يكون معه علم.
كذلك كلمة العزلة؛ إذا حذف منها الحرف الثاني وهو الزاي، زاي الزهد، أصبحت علة، فالعزلة لابد فيها من علم وزهد.
أما إذا انعزل الإنسان وحده وكان غير عالم، أصبح عنده جهل، ومن ثمّ يؤدّي ذلك إلى ضلال بكونه يتقرّب إلى الله بطرائق جاهلية، بطرائق الجهّال.
وكذلك العزلة وانفراد الإنسان وحده إذا لم يكن معه زهد فإنه مرض، وهو سبب من أسباب الأمراض النفسية التي ترد على الإنسان.
والعزلة في الأصل غير محمودة وغير مرغوب فيها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخالط الناس فينصح، ويعلّم، ويعطي، ويتكرّم، ويفعل الخير مع غيره.

القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
الفصلُ الخامسُ
آدابُ الطالبِ في حياتِه العِلْمِيَّةِ

24-كِبَرُ الْهِمَّةِ في العِلْمِ :
من سجايا الإسلامِ التَّحَلِّي بكِبَرِ الْهِمَّةِ ؛مرْكَزِ السالِبِ والموجِبِ في شَخْصِك ، الرقيبِ على جوارِحِك ، كِبَرُ الْهِمَّةِ يَجْلُبُ لك بإذْنِ اللهِ خَيْرًا غيرَ مَجذوذٍ ، لتَرْقَى إلى دَرجاتِ الكَمالِ ،فيُجْرِيَ في عُروقِك دَمَ الشَّهَامةِ ، والرَّكْضَ في مَيدانِ العِلْمِ والعَمَلِ، فلا يَراكَ الناسُ وَاقِفًا إلا على أبوابِ الفضائلِ ولا باسطًا يَدَيْكَ إلالِمُهِمَّاتِ الأمورِ .
والتَّحَلِّي بها يَسْلُبُ منك سَفاسِفَ الآمالِ والأعمالِ ،ويَجْتَثُّ منك شَجرةَ الذُّلِّ والهوانِ والتمَلُّقِ والْمُداهَنَةِ فَكَبِيرُ الْهِمَّةِ ثابتُ الْجَأْشِ ، ولا تُرْهِبُهُ المواقِفُ ، وفاقِدُها جَبانٌ رِعديدٌ، تُغْلِقُ فَمَه الفَهَاهَةُ .
ولاتَغْلَطْ فتَخْلِطْ بينَ كِبَرِ الْهِمَّةِ والكِبْرِ ؛فإنَّ بينَهما من الفَرْقِ كما بينَ السماءِ ذاتِ الرَّجْعِ والأرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ .
كِبَرُالْهِمَّةِ حِلْيَةُ وَرَثَةِ الأنبياءِ ، والكِبْرُ داءُ الْمَرْضَى بعِلَّةِ الْجَبابِرَةِ البُؤَسَاءِ ، فيا طالبَ العلْمِ ! ارْسُمْ لنفسِكَ كِبَرَ الْهِمَّةِ ، ولا تَنْفَلِتْ منه ، وقد أَوْمَأَ الشرْعُ إليها في فِقْهِيَّاتٍ تُلابِسُ حياتَك ؛ لتكونَ دائمًا على يَقَظَةٍ من اغتنامِها ، ومنها إباحةُ التيَمُّمِ للمُكَلَّفِ عندَ فَقْدِ الماءِ وعدَمُ إلزامِه بقَبولِ هِبَةِ ثَمَنِ الماءِ للوُضوءِ ؛ لما في ذلك من الْمِنَّةِ التي تَنالُ من الْهِمَّةِ مَنَالًا وعلى هذا فقِسْ ، واللهُ أَعْلَمُ .

الشيخ:
القسم الخامس من أقسام آداب طالب العلم؛ الآداب المتعلقة بحياته العلميّة، وذكر الأدب الرابع والعشرين: وهو كبر الهمّة في العلم؛ بحيث يكون مقصود الإنسان في التعلم مقصودا كبيرا، ولا يقتصر على الهدف الضعيف القريب، جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس الأعلى منها، فإنها أعلى الجنة وأوسط الجنة والعرش فوقها هكذا"
فلم يقتصر في هذه الهمة في الجنة في أدنى درجاتها، بل رغّب في أعلى الدرجات، وكبر الهمّة في العلم بكون المرء يقصد بتعلمه وجه الله والدار الآخرة، ويكون هدفه تحصيل جميع العلوم التي ترضي رب العالمين، فلا يستصغر قدرته عند علم من العلوم، وإنما يبذل من الأسباب ما يجعله يحصّل علما كثيرا، وأضرب لذلك مثلا:
في المدارس النظاميّة إذا جاء طالب ورغب أن يكون عنده معدلٌ تام، بأن يحصّل مئة من مئة، فإنه حينئذ يبذل سببا كثيرا قد لا يحصّل إلا خمسة وتسعين، لكن حصّل شيئا كثيرا، أما من قصد النجاح فقط وكانت همته في أن يتجاوز المقرر، ففي غالب أحواله لن يتمكّن من النجاح.
قال المؤلف: (من سجايا الإسلام التحلّي بكبر الهمّة) بحيث يكون مقصود الطالب أعلى الدرجات، وكبر الهمّة هو مركز السالب والموجب في شخصك، فهو الذي يدفعك إلى اكتساب الفضائل العالية، وهو الذي يجعلك تراقب جوارحك، بحيث لا تعصي الله بها.
(كبر الهمّة يجلب لك خيرا غير مجذوذ) يعني غير مقطوع، وغير منقطع.
(لترقى بذلك إلى أعلى درجات الكمال)، كبر الهمة يُجري في عروقك دم الشهامة، ويجعلك تواظب، وتبذل من نفسك في ميدان العلم والعمل، فحينئذ تصبح ممن قصر نفسه على أفضل الأعمال، ولا يجعلك تتوجه إلى الأمور التوافه، ولا تشغل وقتك بما لا تنتفع به.
التحلّي بكبر الهمّة يبعد عنك الأمور التي لا قيمة لها من الأعمال والآمال، فسفاسف الآمال والأعمال بعيدة عنك، كبر الهمة يبعد عنك شجرة الذل والهوان، لأنه يجعلك تمضي للحق والخير، يبعد عنك التملّق والمداهنة، لأنك قد لاحظت ربّ العزة والجلال فلم يؤثر فيك مطالعة الناس لعملك، كبير الهمّة ثابت الجأش بحيث يكون قويّا شديدا، لا ترهبه أدنى حركة، فسماع الأصوات ومشاهدة الأشخاص لا تجعله يتزعزع عن موقفه، ففاقد كبر الهمّة تجده يخاف من كل صوت، وأدنى رعدة تجعله يبعد عن ما يقصده من الخير ومن العمل الصالح، بل صغر الهمّة يجعل الإنسان لا يتمكن من الكلام، لمجرّد أدنى كلمة.
يقول: (لا تغلط فتخلط بين كبر الهمّة والكبر) كبر الهمّة أن يكون هدفك عاليا، والكبر ترفع نفسك عن الحق وعن الخلق، وعدم قبولك للحق، فإن بين الكبر وكبر الهمّة فرق كبير كالسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع، الرجع التي تأتي فيها السحب، والأرض ذات الصدع التي تتصدّع من أجل ظهور النبات فيها.
كبر الهمّة صفة وحلية ورثة الأنبياء؛ العلماء، لكن الكبر هذا ليس من صفة العلماء بل هو داء للمرضى الذين ابتلوا بعلة الجبابرة البؤساء.
وحينئذ، لا حظ أحكام الشرع؛ فإنها ترغبك في كبر الهمّة، وسواء كان في العلم أو في العمل، ففي العمل مثلا: انظر إلى ترغيب الشارع للأعمال الصالحة، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: "ما تقرب إليّ عبادي بمثل ما افترضت عليهم، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه" جعلك تقصد الجمع بين الفرائض والنوافل كلها، انظر فيما يتعلّق بالعلم، قول الله عزوجل: "وقل رب زدني علما" طلبت كمال العلم وزيادة، فهكذا أيضا طلبت زيادة العلم لكبر همّتك.
قال المؤلف: (انظر لمسألة إباحة التيمم للمكلّف عند فقد الماء) عندما لا تجد ماء يجوز لك أن تتيمم، لقوله تعالى: "فلم تجدوا ماءً فتيمموا".
لو قدّر أن هناك شخص معك، وقال: خذ ثمن الماء واشتري به ماء. نقول: لا يلزمه أخذ هذا المال، ويجوز له التيمم، لماذا؟ لأن في أخذ هذا المال منّة للمُعطِي على المعطَى، وهذا ينال من الهمّة منالا، فينقص من همّة الإنسان.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى" وقال: "المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف"
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

25-النَّهْمَةُ في الطَّلَبِ :


إذا عَلِمْتَ الكلمةَ المنسوبةَ إلى الخليفةِ الراشدِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( قيمةُ كلِّ امرئٍ مايُحْسِنُه ) وقد قِيلَ : ليس كلمةٌ أحَضَّ على طَلَبِ العلْمِ منها ؛ فاحْذَرْ غَلَطَ القائلِ : ما تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ . وصوابُه : كم تَرَكَ الأَوَّلُ للآخِرِ .
فعليك بالاستكثارِ من مِيراثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وابْذُل الوُسْعَ في الطلَبِ والتحصيلِ والتدقيقِ ، ومَهْمَا بَلَغْتَ في العِلْمِ ؛ فتَذَكَّرْ ( كم تَرَكَ الأوَّلُ للآخِرِ) .
وفي تَرجمةِ أحمدَبنِ عبد الجليلِ من ( تاريخِ بَغدادَ ) للخطيبِ ذِكْرٌ من قصيدةٍ له :

لا يَكـونُ السَّـرِيُّ مِثْـلَ الـدَّنِـيِّ لا ولا ذو الذكـاءِ مثـلَ الغَـبِـيِّ


قيمةُ المرءِ كُلَّمَا أَحْسَنَ الْمَرْءُ قـضــاءً مــــن الإمــــامِ عَــلِــيِّ



الشيخ:
الأدب الخامس والعشرون من آداب طالب العلم: النهمة في الطلب، بحيث تستمر الرغبة في طلب العلم مع الإنسان، ولا يقنع في القليل منهُ، وتستمر معه هذه الرغبة، وقد جاء في الخبر أن طالب العلم لا يشبع نهمته مهما حصّل من العلم، واثنان منهومان، ذكر منهما: طالب العلم.
ومن هنا فإن طالب العلم، لا تتوقف رغبته عند حدّ، لأن العلم بحر لا ساحل له، ومن هنا فالمرء يحرص على تحصيل أكبر قدر منه، وبعض الناس يقول: لأنكم يا أيها الطلاب لم تأتوا بشيء جديد، وحينئذ فلماذا تتعبون أنفسكم بطلب العلم.
فيقال لهم: أولا نحن نطلب العلم وتزداد رغبتنا فيه من أجل إرضاء رب العزة والجلال، ومن أجل الدخول في الجنة، فلو قدّر أننا لن نأتي بشيء جديد، فنحن سنحصّل على الأجر والثواب.
الأمر الثاني: بأن الله جل وعلا من رحمته بعباده أن جعل أهل العلم يعرفون ويكتشفون في كل زمان ما عجز عنه الأوائل، هذا من رحمة الله حتى يستمر العلم وتستمر النهمة في طلبه.
الأمر الثالث: أن الناس تنتابهم أوقات جهالات يُنسى فيه العلم، فالعالم وإن لم يأت بشيء جديد إلا أنه يرشد الأمة إلى طريقتها الأولى، طريقة النبوّة.
الأمر الرابع: أنه ما من زمان إلا وفيه أُناس يبثّون الشبهات على الخلق، فطالب العلم هو المخوّل لكشف هذه الشبهات.
وحينئذ كان الأولى أن يقال: كم ترك الأول للآخر.
وحينئذ نستكثر من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، ما هو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم؟ العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء"
(وابذل الوسع في الطلب) اطلب علما كثيرا، كذلك ابذل الوسع في التحصيل وفي التدقيق، لا تكتفي بأخذ الأقوال فقط، وإنما دقّق بينها، وميّز بينها، واعرف ما ينفعك منها، ومهما بلغت في العلم فتذكّر: كم ترك الأول للآخر.
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

26- الرِّحْلَةُ للطَّلَبِ :

(من لم يكنْ رُحْلَةً لن يكونَ رُحَلَةً ) فمَن لم يَرْحَلْ في طَلَبِ العلْمِ للبحْثِ عن الشيوخِ ، والسياحةِ في الأَخْذِ عنهم ؛ فيَبْعُدُ تأَهُّلُه ليُرْحَلَ إليه ؛ لأنَّ هؤلاءِ العلماءَ الذين مَضَى وقتٌ في تَعَلُّمِهم وتَعليمِهم ،والتَّلَقِّي عنهم : لديهم من التَّحريراتِ والضبْطِ والنِّكاتِ العِلْمِيَّةِ ،والتجارُبِ ما يَعِزُّ الوُقوفُ عليه أو على نظائرِه في بُطونِ الأسفارِ .
واحْذَر القُعودَ عن هذا على مَسْلَكِ الْمُتَصَوِّفَةِ البطَّالِينَ ، الذين يُفَضِّلُونَ ( علْمَ الْخِرَقِ على علْمِ الوَرَقِ) .
وقد قيلَ لبعضِهم : ألاتَرْحَلُ حتى تَسمعَ من عبدِ الرزاقِ ؟ فقالَ : ما يَصنَعُ بالسماعِ من عبدِالرزَّاقِ مَن يَسمَعُ من الْخَلَّاقِ ؟!
وقال آخَرُ :

إذا خاطَبُونِـي بعِلْـمِ الـوَرَقِ برَزْتُ عليهم بعِلْمِ الْخِرَقِ


فاحْذَرْ هؤلاءِ ؛ فإنهم لا للإسلامِ نَصَرُوا ، ولا للكُفْرِ كَسَرُوا ، بل فيهم مَن كان بأسًا وبلاءً على الإسلامِ.

الشيخ:
هذا أدب آخر من آداب طلب العلم وهو: الرحلة في طلب العلم لملاقاة العلماء، وقد قصّ الله عز وجل علينا قصّة موسى عليه السلام حينما سافر إلى الخضر؛ من أجل أن يستفيد من علمه، وانظر أيضا في الأخبار، أخبار الصحابة عندما كان ينتقل بعضهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أجل طلب العلم، كما في حديث مالك بن الحويرث.
وانظر إلى أخبار أبي هريرة عندما انتقل ليسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وقصة أبي ذر في آخر صحيح مسلم عندما ارتحل من أجل طلب العلم، وهكذا أيضا لم يزل علماء الإسلام يرحلون من أجل طلب العلم، وينتقلون من مكان إلى مكان، من أجل ذلك الهدف العظيم.
فالارتحال يحصل فيه عدد من الأمور:
الأول: تنويع التلقي عن العلماء، فإن من خالط علماء كُثر شاهد مناهج مختلفة، وشاهد طرائق مختلفة في التعليم، وفي ما يحسنون من العلوم، وفي طريقة التعلم والتعليم، وفي الكتب التي تُدرّس.
أما من اقتصر على شيخ واحد لن يحصل له مثل ذلك، إلا أن يكون عالما متفننا في علوم مختلفة.
الفائدة الثانية: أن الراحل لطلب العلم يعوّد نفسه على اشتياق التعلم، وعلى الاشتياق لمعرفة العلماء، والتفنن في العلم، فبذلك تنشط نفسه في التعلم.
الفائدة الثالثة: أن الراحل المسافر في طلب العلم يجد في وقته فسحة في طلب العلم، وحينئذ يكون ذلك أدعى لحفظه العلم، ولكونه يعي ما يتعلّمه.
الفائدة الرابعة: أن الرحلة تجعل الإنسان يقابل قرناء يماثلونه في الهدف والمقصد لطلب العلم فيكون لذلك أثر عظيم في تنشيط النفس على التعلم.
الفائدة الخامسة: أن المرء عند تنقله من مكان إلى آخر، حينئذ تعرف نفسه قيمتها، ولا ينغر بما كان عليه من حال جيد قبل سفره ورحلته، ومن ثم تعرف النفس قيمتها، فتبذل ما تستطيعه في --- شأنها، وتعلية مكانتها عند الله عزوجل.
قال المؤلف: (فمن لم يرحل في طلب العلم، للبحث عن الشيوخ، والسياحة في الأخذ عنهم، فيبعد تأهله ليُرحل إليه) جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمضي زمان حتى تضرب الإبل فلا تجد عالما أفضل من عالم المدينة" فهذا فيه دلالة على مشروعية الرحلة لطلب العلم.
لماذا؟ لأن العلماء قد أمضوا أوقاتا عديدة، فشاهدوا شيوخا كثيرين، وعرفوا طرائق في التعلّم والتعليم، ولذلك يجد الإنسان عندهم تحريرات بحيث يحرّرون المسائل، ويعرفون المراد منها، وعندهم ضبط، ضبط للألفاظ، وضبط للمسائل، ومعرفة للفرق بينها، وكذلك عندهم نكات علميّة، والمراد بالنكتة العلميّة: الشيء العلمي النافذ، الذي لا يحصّله الإنسان عند أي مؤلف أو في أي كتاب، وكذلك يحصّل الإنسان عند هؤلاء العلماء التجارب، فهم قد مارسوا وعرفوا أحوال الناس، وعرفوا حقائق أمورهم، وقد مرّت بهم تجارب كثيرة، وخبرات عديدة.
فالإنسان إذا قرأ في الكتب، ولم تمر عليه تلك التجارب، فقد يكون حينئذ لا يتقن العلم، وأضرب لذلك مثلا:
في القضاء؛ من درس كتب أهل العلم في باب القضاء وأتقنها، وعرفها، وضبطها ضبطا كاملا، فإنه تفوته أشياء بخلاف من مارس القضاء، وأخذ من أصحاب التجارب والخبرة فيه، فإنه ينتبه لأشياء ليست موجودة في الكتب، بل في الكتب مرّات قد يُطلق اللفظ ويُراد به غير ظاهره، مثال ذلك؛ في كتاب الحج؛ قد يطلقون مرّات: وعليه دم، ويريدون بالدم فدية الأذى التي يُخيّر الإنسان فيها بين الإطعام أو الصيام أو الذبح، عندما يجد من ليس لديه خبرة ولا تجربة هذا اللفظ؛ عليه دم، سيقول: يتعيّن الدم، وهذا خلاف مراد الفقهاء.
مثال آخر؛ في كتاب (مختصر القرافي) قال في باب الحج: أن من جامع قبل رمي الجمرة فسُد حجه، وعليه بدنة، ويتم المناسك، ويحج من قابل، هذا كلامهم على وفق طريقتهم الأولى، لأنه لا يعقل في زمانهم أن يمر إنسان بمنى فلا يرمي، ويتجاوزها إلى مكة بدون رمي، لأن منى في الطريق، لكن في مثل زماننا لمّا توفّرت وسائل الانتقال ووجدت هذه السيارات، فينتقل الإنسان من مزدلفة إلى مكة بدون أن يمر بمنى، فقد يطوف ويسعى ويقصّر، فيكون بذلك تحلل التحلل الأول، وحينئذ نقول: إذا جامع بعد هذا لم يفسد حجه، لماذا؟ لأنه قد تحلل التحلل الأول، ولم تجب عليه بدنة، ولم يجب عليه الحج من قابل.
فمثل هذه الفائدة إذا قرأها الإنسان في كتاب، ولم يتصل بعالم يشرح له ذلك، فينزّل الكلام على غير مراد مؤلفه به.
وحينئذ نكون بهذا قد سلكنا طريق التعلم بالرحلة إلى العلماء، أما أهل التصوف الذين من صفتهم البطالة وترك التعلم، فمثل هؤلاء طريقهم مخالف لطريق الشرع لأنهم يُفضلون علم الخرق على علم الورق.
الخرق إما الخرقة التي يُعطيها الأول للثاني، يُعطيها الشيخ لمريده لينتقل العلم، أو أن المراد به؛ أن أهل التصوف يتركون ما الناس فيه من حال، فيلبسون ثيابا خرقة متقطّعة، لكن لعلّ المعنى الأول أولى.
قال: (على علم الورق) وهو طلب العلم؛ الذي يُسجّل في الأوراق.
وبهذا تعرف أن منهج أهل السنة والجماعة هو أن يكون الطريق في التعلم، أما من جاء وجعل الطريق والخروج من بلد إلى بلد بدون أن يكون المقصد من ذلك السفر طلب العلم، هذا ليس مقصودا، إلا أن يكون له مقصدا آخر موافق لمقصد الشرع.
ومن هنا من جعل طريق المال أو طريق الخير في الانتقال وسمّى ذلك في سبيل الله فإنه ليس على الطريقة السلفية.
(وقد قيل لبعضهم ألا ترحل حتى تسمع من عبدالرزاق. قال: ما يصنع بالسماع من عبدالرزاق من يسمع من الخلاق) وذلك أن المتصوفة يرون أن من مصادر التلقي الإلهام والكشف، وهذا طريق باطل، لا يصح بناء الأحكام عليه، لأن الله لم يأمرنا بالرجوع إلى ما في النفوس من ذلك، وإنما أمرنا بالرجوع إلى الكتاب والسنة.
وكذلك ما يُلقى في النفوس لا يأمن الإنسان ما مصدره، إن الشياطين تُلقي في النفوس، حتى يظن بعض الناس أنه الخير، وأنه الحق، وبينما حقيقة الحال أنه ليس كذلك.
(وقال آخر: إذا خاطبوني بعلم الورق *** برزت عليهم بعلم الخرق
فاحذر هؤلاء، فإنهم لا للإسلام نصروا، ولا للكفر كسروا) إذا نظرنا حال المبتدعة وجدناهم يقدّمون طريقتهم في الابتداع على نصرة الإسلام، ولذلك يحذر الإنسان من طريقة مثل هؤلاء، وإن كان المرء مأمورا بكف أذاه عنهم، وعدم --- رسول إليهم لكن ذلك لا يعني صحة طريقتهم، وإنما هم على خلاف الطريقة المرضيّة، فإن الطريقة المرضيّة تحصل بالتعلم لا بهذه الأفعال التي تضيّع الأوقات، ولا يحصّل الإنسان بها شيئا.
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

27- حفْظُ العلْمِ كتابةً :

ابْذُل ْالْجَهْدَ في حِفْظِ العلْمِ ( حِفْظَ كتابٍ ) ؛ لأنَّ تقييدَ العلْمِ بالكتابةِ أمانٌ من الضياعِ ، وقَصْرٌ لمسافةِ البحْثِ عندَ الاحتياجِ ، لا سِيَّمَا في مسائلِ العِلْمِ التي تكونُ في غيرِ مَظَانِّها ، ومن أَجَلِّ فوائدِه أنه عندَ كِبَرِ السنِّ وضَعْفِ الْقُوَى يكونُ لديكَ مادَّةٌ تَسْتَجِرُّ منها مادَّةً تَكْتُبُ فيها بلا عَناءٍ في البَحْثِ والتَّقَصِّي .
ولذا؛ فاجْعَلْلك ( كُناشًا ) أو ( مُذَكِّرَةً ) لتقييدِ الفوائدِ والفرائدِ والأبحاثِ الْمَنثورةِ في غيرِ مَظَانِّها ، وإن اسْتَعْمَلْتَ غُلافَ الكتابِ لتَقييدِ مافيه من ذلك ؛ فحَسَنٌ ، ثم تَنْقُلُ ما يَجْتَمِعُ لك بعدُ في مُذَكِّرَةٍ ؛مُرَتِّبًا له على الموضوعاتِ مُقَيِّدًا رأسَ المسألةِ ، واسمَ الكتابِ ، ورقْمَ الصفحةِ والمجلَّدِ ، ثم اكْتُبْ على ما قَيَّدْتَه : ( نُقِلَ ) ؛ حتى لايَخْتَلِطَ بما لم يُنْقَلْ كما تَكتُبُ : ( بلَغَ صفحةَ كذا ) فيما وَصَلْتَ إليهمن قراءةِ الكتابِ حتى لا يَفُوتَك ما لم تَبْلُغْه قراءةً .
وللعلماءِ مؤَلَّفَاتٌ عدَّةٌ في هذا ؛ منها : ( بدائعُ الفوائدِ ) لابنِ القَيَّمِ و( خَبايَا الزوايا ) للزَّرْكَشيِّ ، ومنها : كتابُ ( الإغفالِ ) ، و( بَقَاياالْخَبَايا ) وغيرُها ، وعليه فَقَيِّدِ العِلْمَ بالكتابِ لا سِيَّمَا بدائعَ الفوائدِ في غيرِ مَظَانِّها ، وخَبَايَا الزوايا في غيرِ مَسَاقِها ، ودُرَرًا مَنثورةً تَراهَا وتَسْمَعُها تَخْشَى فَوَاتَها … وهكذا ؛ فإنَّ الْحِفْظَ يَضْعُفُ ، والنسيانَ يَعْرِضُ .قال َالشعبيُّ : ( إذا سَمِعْتَ شيئًا ؛ فاكْتُبْهُ ولو في الحائطِ) .رواه خَيثَمَةُ .
وإذا اجْتَمَعَ لديك ماشاءَ اللهُ أن يَجْتَمِعَ ؛ فرَتِّبْهُ في ( تَذْكِرَةٍ ) أو ( كُناشٍ ) على الموضوعاتِ ؛ فإنه يُسْعِفُكَ في أَضْيَقِ الأوقاتِ التي قد يَعْجِزُ عن الإدراكِ فيها كِبارُ الأثباتِ .

الشيخ:
هذه من آداب طالب العلم؛ تقييد الفوائد الفرائد وكتابتها، فإن الإنسان تمرّ به حال كتابته مسائل في غير مظانّها، وتمرّ به مسائل وفوائد لا يتوقع مرورها عليه في ذلك الموطن، وكذلك تمرّ على الإنسان معلومات غرائب بحيث تلفت ذهنه لفتا، وتجرّ نفسه إلى تذكرها ومعرفتها، والإنسان ينسى، فحينئذ يحسن به أن يقيّد هذه الفوائد سواء كانت غريبة عليه أو عجيبة لديه أو كانت في غير مواطن بحثها، بحيث يسهل عليه مراجعتها، والكتابة للعلم جاءت به الشريعة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاة"، ويدل على هذا أن الله عز وجل قد كتب ما هو كائن إلى قيام الساعة، ولم يكتف بذلك بكونه محفوظا.
وقال، جاء في الحديث: "أن الله عز وجل لما خلق الخلق كتب في كتاب عنده؛ أن رحمتي سبقت غضبي"، وقد أُثرت كتابة عددا من الأحاديث عن جماعة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في عهد النبوة بإقراره صلى الله عليه وسلم، إذا تقرر هذا، فإن الكتابة تفيد إبعاد النسيان عن الإنسان، وتذكيره بأدنى لفتة بما كان يعرفه في الوقت السابق، وتعينه حال كبره وفترة نسيانه، فإن الإنسان عند كبر سنه إذا كان قد وضع مادة علميّة تقتصر له المعلومات؛ فإنه بذلك يتمكّن من مراجعة هذا الجزء فيكون حافظا لعلمه.
ومن هنا أمر المؤلف بوضع مذكرة لتقييد الفوائد والفرائد والمسائل التي تُبحث في غير مظانّها، ومن أنواع ذلك أن يكتب الإنسان هذه الكتابة في أول الكتب التي تمر عليه، وينبغي فيه أن يُقيّد رأس المسألة في أول هذه الفائدة ثم ما نُقل منه من كتاب ورقم صفحة وجزئه، ثم بعد ذلك إذا نقل هذه المعلومات التي في أول الكتاب وفي غلاف الكتاب إلى دفتره الأصلي، بيّن أنها قد نُقلت إلى ذلك الدفتر حتى لا تختلط ما نُقل مما لم يُنقل، وقد ذكر المؤلف أن هذه الطريقة استخدمها بعض أهل العلم فكانت سببا في شهرة كتبهم، ومن ذلك كتاب (بدائع الفوائد) لابن القيم، و(خبايا الزوايا) للزركشي.
في (بدائع الفوائد) نقل المؤلف ابن القيم رحمه الله فوائد متنوعة، بعضها بلاغية، وبعضها حديثية، وبعضها نحوية، وبعضها عقدية في هذا الكتاب.
وفي (خبايا الزوايا) اعتنى الزركشي بالمسائل الفقهية التي تُبحث في غير مظانّها.
ذكر المؤلف كلام الشعبي، قال: (إن الحفظ يضعف، والنسيان يعرض، قال الشعبي: "إذا سمعت شيئا فاكتبه ولو في الحائط") وكان الشعبي من أكثر الناس حفظا، وكان له قوة غريبة في الحفظ، ومع ذلك أمر بالكتابة.
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

28- حِفْظُ الرِّعايةِ :

ابْذُل الوُسْعَ في حِفْظِ العلْمِ ( حفْظَ رِعايةٍ ) بالعمَلِ والاتِّباعِ ؛ قالَ الْخَطيبُ البَغداديُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( يَجِبُ على طالِبِ الحديثِ أن يُخْلِصَ نِيَّتَه في طَلَبِه ، ويكونَ قَصْدُه وَجْهَ اللهِ سبحانَه ، ولْيَحْذَرْ أن يَجْعَلَه سَبيلًا إلى نَيْلِ الأعراضِ ) ، وطريقًا إلى أَخْذِ الأعواضِ ؛ فقد جاءَ الوعيدُ لِمَن ابْتَغَى ذلك بعِلْمِه .
ولْيَتَّقِّ المفاخَرَةَ والْمُباهاةَ به ، وأن يكونَ قَصْدُه فيطَلَبِ الحديثِ نَيْلَ الرئاسةِ واتِّخاذَ الأتباعِ وعَقْدَ المجالِسِ ؛ فإنَّ الآفَةَ الداخلةَ على العُلماءِ أَكْثَرُها من هذا الوجْهِ .
ولْيَجْعَلْ حِفْظَه للحديثِ حِفْظَ رعايةٍ لا حِفْظَ روايةٍ ؛ فإنَّ رُواةَ العُلومِ كثيرٌ ،ورُعاتَها قَليلٌ ، ورُبَّ حاضرٍ كالغائبِ ، وعالِمٍ كالجاهِلِ ، وحاملٍ للحديثِ ليس معه منه شيءٌ إذ كان في اطِّرَاحِه لِحُكْمِهِ بِمَنْزِلَةِ الذاهبِ عن مَعرفتِه وعِلْمِه .
ويَنبغِي لطالِبِ الحديثِ أن يَتمَيَّزَ في عامَّةِ أمورِه عن طرائقِ العَوَامِّ باستعمالِ آثارِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أَمْكَنَه ، وتوظيفِ السُّنَنِ على نفسِه ؛ فإنَّ اللهَ تعالى يقولُ :{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}اهـ .

الشيخ:
الأدب الثامن والعشرون من آداب طالب العلم أن يحفظ الطالب العلم من خلال رعايته، ورعاية العلم على أنواع:
أولها: أن يرعاه بالعمل، بحيث كلما علم مسألة عمل بها، وهذا يكون به قد عمل بعلمه، وترك العمل بالعلم من أسباب غضب الله تعالى كما في سورة الفاتحة، وقد جاء في الحديث أن رجلا كان يأمر الناس بالمعروف فألقي في نار جهنم على أقتابه فقيل له في ذلك: ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، قال: كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه.
وكثير من أهل العلم قد حذّر من هذا، وجاء في حديث في السنن أن من لم يعمل بعلمه يُعذّب قبل عابد الوثن.
الطريقة الثانية لرعاية العلم: أن يكون مقصد الإنسان وجه الله والدار الآخرة، فإنك إذا قصدت ذلك، بارك الله في علمك، وجعلك تحفظه ويبقى في ذهنك.
أما من قصد الدنيا، فإن الدنيا زائلة، وما عُمل لله يبقى، وما كان لغيره يفنى.
الطريقة الثالثة: الدعوة إلى ما لديك من العلم، فإن هذا يُبقي العلم عندك، فمتى كنت تدعو الناس، وتدرسهم، وتعلمهم، بقي العلم لديك، ومتى أهملت ما لديك من العلم فلم تُراعي فيه ذلك، ولم تدع إليه، فإنه مع مرور الزمن ستنساه، ولن يبقى عندك.
الأمر الرابع مما تحصل به رعاية العلم وحفظه: حفظ العلم رعايةً له، ترك المفاخرة به، فإن من فاخر بالعلم عاقبه الله بزوال ذلك العلم منه.
وكثير من الناس فاخر بما لديه من العلم فكان ذلك سببا من أسباب زوال العلم عنه، لأن الله جل وعلا جعل من سيمة العلماء التواضع، فمن فاخر بالعلم وترفّع به وقال: علمي أحسن من علم غيري، وضعه الله جل وعلا، وانظر لقصة موسى عليه السلام لما قيل له: هل على الأرض أحد أعلم منك؟ فقال: نعم، قال الله عز وجل: بلى عبدي الخضر أعلم منك.
الطريقة الخامسة من طرق حفظ العلم من جانب الرعاية: عدم الاستهزاء بالجهّال والضحك على تصرفاتهم، فإن الإنسان متى استهزأ بالآخرين بكونهم لا يعلمون، عاقبه الله بسلب العلم منه.
وقد جاء في الحديث: "لا تُظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك"، كما ورد ذلك في سنن الترمذي.
كذلك من طرائق حفظ العلم ورعايته: حفظ مكانة أهل العلم، فإنك عندما تنتقص غيرك من العلماء فإن ذلك يكون سببا لعدم تمكينك من تحصيل العلم، فإن الله جل وعلا جعل حملة العلم لهم مكانة وحرمة، وجعل المعتدي لهم بالأذية يعاقب بالعقوبات الدنيوية والآخروية، كما جاء في الحديث: "من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب"، ولذلك يحفظ الإنسان ---- لسانه من الكلام في علماء الشريعة.
قال المؤلف: (وليتق المفاخرة والمباهاة به) يعني وصف النفس بالعلو لكونها قد اتصفت بالعلم.
(وأن يكون قصده في طلب الحديث نيل الرئاسة) وإنما ينوي بطلبه للحديث، رضا رب العالمين ودخول الجنة.
قال: (وليجعل حفظه للحديث حفظ رعاية) وهذه وسيلة أخرى من وسائل حفظ العلم بالرعاية، ألا وهي: التأمل والتدبر والتفكر في العلم الذي تعلّمته، لتستفيد منه وتستخرج منه الفوائد، فإن من يحفظ العلوم كُثر، لكن من يستفيد منها ويأخذ منها الفوائد قليل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رب حامل فقه ليس بفقيه، رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه".
قال: (ورب) يعني يمكن أن يوجد حاضر يكون كالغائب، بل قد يكون الغائب أكثر فهما وحفظا ومعرفة وإدراكا من الحاضر.
وفي مرّات يكون هناك عالم يحفظ المرويّات وتكون منزلته بمنزلة الجاهل لا يستفيد من ذلك العلم، بل قد تكون منزلته أدنى من منزلة الجاهل.
قال: (ورب حامل للحديث ليس معه منه شيء، إذا كان في اطراحه لحكمه) يعني ترك حكم الحديث.
(بمنزلة الذاهب عن معرفته وعلمه) يكون كالجاهل.
ونقول الصواب أن حامل العلم الذي لا يعمل به، أقل درجة من الشخص الذي لا يحمل ذلك العلم، لأنه إذا كان عندك عينان تتمكن من الإبصار بهما، ثم بعد ذلك تغلق عينيك وتكون ممن يضرب في الأعمدة والجدران، حال من كان كذلك أقل من الأعمى الذي يضرب في الأعمدة والجدران لعجزه عن الرؤية.
قال: (وينبغي لطالب الحديث أن يتميّز في عامّة أموره عن طرائق العوام، باستعمال آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمكنه، وتوظيف السنن على نفسه بالعمل، فإن الله تعالى يقول: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا")
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

29- تَعَاهُدُ المحفوظاتِ :

تَعاهَدْعِلْمَك من وَقتٍ إلى آخَرَ ؛ فإنَّ عَدَمَ التعاهُدِعُنوانُ الذهابِ للعِلْمِ مهما كان .
عن ابنِ عمرَ رَضِي اللهُ عنهما أنَّرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :(( إِنَّمَا مَثَلُ صَاحِبِ الْقُرْآنِك َمَثَلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الْمُعْقَلَةِ ، إن عاهدَ عليها أَمْسَكَها وإن أَطْلَقَها ذَهَبَتْ )).رواه الشيخانِ ، ومالِكٌ في ( الْمُوَطَّأِ) .-يعني المربوطة أقدامها، يقومون بربط قدمي الإبل، البعير من أجل ألا يتمكن من الهروب-
قال َالحافظُ ابنُ عبدِ البَرِّ رَحِمَه اللهُ : ( وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ مَن لم يَتَعَاهَدْ عِلْمَه ذَهَبَ عنه ، أيْ مَنْ كان ؛ لأنَّ عِلْمَهم كان ذلك الوَقْتَ القرآنَ لا غيرَ ، وإذا كان القرآنُ الْمُيَسَّرُ للذكْرِ يَذْهَبُ إن لم يُتَعَاهَدْ ؛ فما ظَنُّكَ بغيرِه من العلومِ المعهودةِ ؟! وخيرُ العلومِ ما ضُبِطَ أَصْلُه ، واسْتُذْكِرَ فَرْعُه ، وقادَ إلى اللهِ تعالى ودَلَّ على ما يَرضاهُ ) اهـ . وقالَ بعضُهم ( كلُّ عِزٍّ لم يُؤَكَّدْ بعِلْمٍ فإلى ذُلٍّ مَصيرُه ) اهـ .

الشيخ:
هذا هو الأدب التاسع والعشرون من آداب طالب العلم؛ تعاهد المحفوظات:
بحيث يكرر الإنسان ما يحفظه من وقت لآخر، سواء كان هذا المحفوظ من كتاب الله عز وجل الذي ينبغي لطالب العلم أن يجعل له وردا يوميا من كتاب الله، ولا ينبغي أن يقل ورده عن جزء في اليوم ليختم في كل شهر.
وهكذا يتعاهد ما يحفظه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون بذلك قد تمكن من حفظ هذه الأحاديث وتمكن بذلك من أن يكون داعيا إلى الله منطلقا في دعوته من النصوص الشرعية كتابا وسنة.
وهكذا يتعاهد ما يحفظه من فنون أهل العلم ومتونهم، فإنك إذا لم تتعاهد هذه المحفوظات فإنها ستذهب، فإذا كان القرآن مع عظمه ومع كونه ميسرا للذكر، كما قال تعالى: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" إلا أنه مع ذلك إذا لم يتعاهده المرء فإنه يفوت ويُنسى.
فإن الله جل وعلا يغار على قلب العبد، فإذا صرف قلبه في تذكر محفوظاته، ومن أولاها: كتاب الله، فإنه حينئذ يبقى هذا المحفوظ، وإذا كان القلب لا يشتغل بذكر الله ولا بقراءة كتابه، غار الله على كتابه فلم يجعله باقيا في قلب ذلك العبد، دلّ على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تعاهدوا القرآن فلهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها"
وحديث ابن عمر: "إنما مثل صاحب القرآن –يعني حافظ القرآن- كمثل صاحب الإبل المعقلة –يعني المربوطة بالأقدام- إن عاهد عليها –يعني تفقّد هذا الرباط تمكن من إمساكها- وإن أطلقها .." ولم يربطها ولم يعقلها فإن هذه الإبل ستذهب وستكون من الإبل الشوارد.
ونقل المؤلف كلام الحافظ ابن عبد البر وهو هو مكانة ومنزلة علما وفضلا:
(قال: "وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه) يعني لم يكرره، ولم يعيده مرة بعد أخرى، سواء كانت الإعادة بقراءته أو بتكرار تدريسه أو بقراءة الناس عليه ذلك العلم.
(فإن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه أي من كان، لأن علمهم كان ذلك الوقت القرآن لا غير) لأنه هو أساس العلوم، ويبدو أن السنة أيضا كانت كذلك، لكن السنة قد يعتبرها بعضهم تابعة أو مفسّرة، وقد يعتبرها بعضهم دليلا مستقلا.
(وإذا كان القرآن الميسّر للذكر يذهب إن لم يُتعاهد فما ظنّك بغيره من العلوم المعهودة) والعلوم لها أصول، متى ضبطت الأصل، ضبطت ما يترتب عليه من الفروع، فاضبط الأصل واحفظه حفظا كاملا، وبذلك تكون قد عرفت تلك الفروع وعرفت الرابط بينها، ومن ضبط الأصل واستذكر الفرع، بنية التقرب لله حصل حينئذ على رضا رب العالمين.
ثم ذكر قول بعضهم:
(كل عز لم يؤكد بعلم، فإلى ذل مصيره) وذلك أن أي عز إذا لم يكن معه علم يقيد تصرفات صاحب ذلك العز بقيود الشريعة، فإن الله جل وعلا سيعاقبه بسلب تلك النعمة، لأن الله تعالى يقول: "لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" فمثلا: عز المال، من كان عنده مال عزّ به، فإن سار فيه على موجب الشريعة، وعلى طرائقها فإنه حينئذ ستستمر تلك النعمة، وسيبقى عزّه، أما إذا لم يؤكد هذه وأصبح يتصرف فيها خبط عشواء فإنه حينئذ عما قريب في الدنيا سيزول عنه ذلك المال، مهما كان صاحبه.
المثال الثاني: من كان عنده عز متعلق بمكانة وجاه، فإن كان يصرفها في علم بقيت هذه النعمة وإن لم يكن له علم فإنها ستسلب منه هذه النعمة، وسيصير إلى الذل، وهكذا أيضا في بقية الأسباب المؤديّة إلى العز، إذا لم تؤكد بعلم ستئول بالإنسان إلى ذل، وأنتم تشاهدون هذا في زمانكم، تأملوا وتجدوه واضحا جليا.
انظر من كان عنده مال فعمل به بالشرع وأنفق منه في الخير بارك الله له في ماله، وأبقى عزّه.
ومن أفسده ماله ثم أصبح يخبط بها خبط عشواء، فإنه عما قريب سيفتقر، وكم من إنسان شاهدتموه كان صاحب مال وعز ومكانة ثم بعد ذلك افتقر، وشاهد ذلك في كتاب الله قصة قارون.
وهكذا أيضا من كان عزه بوظيفة أو بعمل أو بجاه أو بمكانة أو بمنزلة أو بغير ذلك من الأسباب التي يعزّ الإنسان بها، إذا لم يؤكّد ذلك العز بعلم، فإنه عمّا قريب سيصير إلى ذلّ.
لعلنا نقف على هذا.

والحمدلله

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21 ربيع الأول 1433هـ/13-02-2012م, 10:49 AM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

المشرفة إشراق ..
التفريغان في الأعلى مكرران .. حاولت الحذف فلم أستطع
ثم حاولت االتعديل لفك التشابك بين الحروف فقط في المتن فلم يقبل التعديل، أما التفريغ فراجعته مسبقا وإن شاء الله لا خطأ فيه.
والسلام عليكم

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 ربيع الأول 1433هـ/13-02-2012م, 10:59 AM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
أم صالح
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 3,181
افتراضي

تم تعديل صلاحياتك، جربي الآن الحذف والتعديل.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ربيع الأول 1433هـ/18-02-2012م, 11:07 PM
أم البراء صبرين جلاييف أم البراء صبرين جلاييف غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: مصر...أرض الكنانة
المشاركات: 1,621
افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أختي إشراق : هل أضيف كل درس منفصل , أم أنسخ المقطع الصوتي كاملاً و أضيفه مرة واحدة ؟؟؟؟


التوقيع :

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 ربيع الأول 1433هـ/18-02-2012م, 11:34 PM
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 3,529
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجاهدة مشاهدة المشاركة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أختي إشراق : هل أضيف كل درس منفصل , أم أنسخ المقطع الصوتي كاملاً و أضيفه مرة واحدة ؟؟؟؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكِ الله أختي مجاهدة ، بل يُنسخ كل ملف صوتي ويُدرج بمشاركة واحدة .
وفقك الله وبارك فيك .


التوقيع :
فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة
توفني مسلما وألحقني بالصالحين
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27 ربيع الأول 1433هـ/19-02-2012م, 12:33 AM
أم البراء صبرين جلاييف أم البراء صبرين جلاييف غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2010
الدولة: مصر...أرض الكنانة
المشاركات: 1,621
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إشراق مشاهدة المشاركة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
حياكِ الله أختي مجاهدة ، بل يُنسخ كل ملف صوتي ويُدرج بمشاركة واحدة .
وفقك الله وبارك فيك .
و فيك بارك الله و فقك لمرضاته أخية
سأضيفهما متتابعين برحمة الله بعد مراجعتهما مراجعة جيدة بإذن الله

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27 ربيع الأول 1433هـ/19-02-2012م, 03:14 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

السلام عليكم
المشرفة منى بارك الله فيكِ، قمت بحذف المكرر وأما التعديل في نفس المشاركة لم يقبل.

المشرفة إشراق بارك الله فيكِ، إن شاء الله سيكون إدخال الدرس السادس مجزئا لطوله.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 27 ربيع الأول 1433هـ/19-02-2012م, 03:23 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

تفريغ الدرس السادس من الحلية (1-3)

الشيخ:
-------------------
نواصل ما بدأنا به من كتاب (حلية طالب العلم) للشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله تعالى.
القارئ:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

30- التَّفَقُّهُ بتخريجِ الفروعِ على الأُصولِ :

من وراءِ الفِقْهِ : التَّفَقُّهُ ، ومُعْتَمِلُه هوالذي يُعَلِّقُ الأحكامَ بِمَدارِكِها الشرعيَّةِ .
وفي حديثِ ابنِ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ : أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ : (( نَضَّرَ اللهُ امْرَءًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا ، فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ )) .
قال َابنُ خَيْرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى في فِقْهِ هذا الحديثِ : ( وفيه بيانُ أنَّ الفِقْهَ هو الاستنباطُ والاستدراكُ في معاني الكلامِ من طريقِ التَّفَهُّمِ ، وفي ضِمْنِه بيانُ وُجوبِ التفَقُّهِ ، والبحْثُ على معاني الحديثِ واستخراجُ الْمَكنونِ من سِرِّهِ ) اهـ .
وللشيخين؛ شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ وتِلميذِه ابنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَهما اللهُ تعالى ، في ذلك القِدْحُ الْمُعَلَّى ، ومَن نَظَرَ في كُتُبِ هذين الإمامينِ ؛ سَلَكَ به النَّظَرُ فيها إلى التَّفَقُّهِ طَرِيقًا مُستَقِيمًا .
ومن مَلِيحِ كلامِ ابنِ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى قولُه في مَجْلِسٍ للتَّفَقُّهِ : ( أَمَّا بعدُ ؛ فقد كُنَّا في مَجلِسِ التَّفَقُّهِ في الدِّينِ ، والنظَرِ في مَدارِكِ الأحكامِ المشروعةِ ؛ تَصويرًا ،وتَقريرًا ، وتَأصيلًا ، وتَفصيلًا ، فوقَعَ الكلامُ في ... فأقولُ : لا حَوْلَ ولاقُوَّةَ إلا باللهِ ، هذا مَبْنِيٌّ على أَصْلٍ وفَصلَيْنِ ...)
واعْلَمْ أَرْشَدَك اللهُ أنَّ بينَ يَدَي التَّفَقُّهِ : ( التَّفَكُّرَ ) فإنَّ اللهَ - سبحانَه وتعالى – دعا عِبادَه في غيرِ ما آيةٍ من كتابِه إلى التحَرُّكِ بإجالةِ النظَرِ العميقِ في ( التَّفَكُّرِ ) في مَلكوتِ السماواتِ والأرضِ وإلى إن يُمْعِنَ المرءُ النظَرَ في نفسِه ، وما حولَه ؛ فَتْحًا للقُوَى العَقليَّةِ على مِصراعَيْهَا ، وحتى يَصِلَ إلى تَقويةِ الإيمانِ ،وتَعميقِ الأحكامِ والانتصارِ العِلْمِيِّ : { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ } . وعليه فإنَّ ( التفَقُّهَ ) أبعَدُ مَدًى من ( التفَكُّرِ ) ؛ إذ هو حَصيلتُه وإنتاجُه ؛ وإلا{ فَمَا لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} .
لكنَّ هذا التَّفَقُّهَ مَحجوزٌ بالبُرهانِ ، مَحجورٌ عن التَّشَهِّي والْهَوَى : { وَلِئْنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَانَصِيرٍ } .
فياأيُّها الطالبُ ! تَحَلَّ بالنظَرِ والتفَكُّرِ ، والفقْهِ والتفَقُّهِ ؛ لعلك أن تَتجاوَزَ من مَرحلةِ الفقيهِ إلى ( فقيهِ النفْسِ) كما يقولُ الفُقهاءُ ، وهو الذي يُعَلِّقُ الأحكامَ بِمَدارِكِها الشرعيَّةِ ، أو ( فقيهِ البَدَنِ ) كما في اصطلاحِ الْمُحَدِّثِينَ .
فأَجْلِ النظَرَ عندَ الوارداتِ بتَخريجِ الفُروعِ على الأصولِ ، وتَمامِ العنايةِ بالقواعدِ والضوابطِ . وأَجْمِعْ للنَّظَرِ في فَرْعٍ ما بينَ تَتَبُّعِه وإفراغِه في قالَبِ الشريعةِ العامِّ من قواعدِها وأصولِها الْمُطَّرِدَةِ ؛ كقواعدِ المصالِحِ ، ودفْعِ الضرَرِ والمشَقَّةِ وجَلْبِ التيسيرِ ، وسَدِّ بابِ الْحِيَلِ وسَدِّ الذرائعِ .
وهكذا هُدِيتَ لرُشْدِكَ أَبَدًا ؛ فإنَّ هذايُسْعِفُكَ في مَواطِنِ الْمَضايِقِ وعليك بالتَّفَقُّهِ – كما أَسْلَفْتُ – في نصوصِ الشرْعِ ، والتبَصُّرِ فيما يَحُفُّ أحوالَ التشريعِ، والتأمُّلِ في مَقاصِدِالشريعةِ ، فإنْ خَلَا فَهْمُك من هذا ، أو نَبَا سَمْعُكَ ؛ فإنَّ وَقْتَكَ ضائعٌ، وإنَّ اسمَ الْجَهْلِ عليك لواقِعٌ وهذه الْخَلَّةُ بالذاتِ هي التي تُعطيكَ التمييزَ الدقيقَ ، والْمِعيارَ الصحيحَ ، لِمَدَى التحصيلِ والقُدرةِ على التخريجِ .
فالفقيهُ هو مَن تَعْرِضُ له النازلةُ لا نَصَّ فيهافيَقْتَبِسُ لها حُكْمًا ، والبَلاغِيُّ ليس من يَذْكُرُ لك أقسامَها وتَفريعاتِها، لكنه مَن تَسْرِي بَصيرتُه البلاغيَّةُ في كتابِ اللهِ ، مَثَلًا ، فيُخْرِجُ من مَكنونِ عُلومِه وُجُوهَها وإن كَتَبَ أو خَطَبَ نَظَمَ لك عِقْدَها . وهكذافي العلومِ كافَّةً .

الشيخ:
الأدب الثلاثون من آداب طالب العلم: التفقه بتخريج الفروع على الأصول، فالمراد بالفقه: الفهم الدقيق الذي يمكّنك من استخراج الأحكام من الأدلة، هذا هو الفقه، وهو من أجل العبادات، وحاجة الأمة إليه من أعظم الحاجات، وقد رغّب الله عز وجل في ذلك في قوله سبحانه: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون"
وأمر الله عز وجل بالرجوع إلى هذا الصنف، وهم الفقهاء الذين يستنبطون الأحكام من الأدلة لقوله سبحانه: "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم" يعني يستخرجون الحكم من الأدلة، وهذا هو الفقه.
قال المؤلف: (وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين") ولفظة الفقه تطلق على اصطلاحات متعددة:
أولها: الاصطلاح الشرعي، حيث يراد بالفقه؛ معرفة الأحكام من الأدلة، سواء كانت أحكاما عقديّة، أو أحكاما عمليّة، بحيث يشمل العقيدة، ويشمل علم الفروع، ويشمل التفسير، ويشمل فهم الحديث، كله يُسمّى فقها في الاصطلاح الشرعي.
الثاني من مسمّى الفقه: القدرة على استخراج الأحكام من الأدلة، التي يسمّونها الملكة.
الثالث: إطلاق اسم الفقه على الأحكام العملية، وهذا هو الغالب في عمل المؤلف، إذا قالوا كتب الفقه، فالمراد بها الأحكام العملية، وهناك طائفة خصّوه بالأحكام الاجتهاديّة، غير ما يُعلم من الدين بالضرورة، كما فعل الرازي وغيره.
لكن الاصطلاح المشهور هو الثالث، أما الاصطلاح والاستعمال الشرعي فهو الأول، وهو الذي كان عليه علماء الشريعة في الزمان الأول، ولذلك كان الإمام أبوحنيفة يقول: الفقه هو معرفة النفس مالها وما عليها.
قال المؤلف: (بتخريج الفروع على الأصول) المراد بالفروع المسائل التي تُبنى على غيرها، وتُعرف أحكامها من خلال غيرها، والفرع في اللغة هو الجزء المستخرج، وبعضهم يقول: هو ما يُبنى على غيره.
قال: والأصول جمع أصل، والأصول قد يُراد بها أحد ثلاثة اصطلاحات:
الأول: الأدلة الشرعية: فالقرآن والسنة هي أصول الأحكام، وهي الأصل في تخريج الفروع على الأصول، وحينئذ نحتاج مع هذه الأصول إلى علم أصول الفقه، الذي هو تخريج أو تفقه.
المعنى الثاني أن يُراد بالأصول: القواعد الفقهيّة فإنها قواعد يُحكم بها على فروع كثيرة، وتشتمل على دليل المسألة، وعلى مأخذها.
والثالث: أن يُراد بالأصول؛ الضوابط الفقهية لكل باب، وهذه الضوابط اعتنى العلماء في كتابتها في مؤلفاتهم الفقهية وخصوصا المختصرات، كزاد المستقنع ونحوه.
وحينئذ الناس الذين يستخرجون الأحكام على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: من يقيس في المسائل الجديدة على المسائل التي تكلّم فيها الأئمّة، هؤلاء يُسمّوْن أهل التخريج.
الثاني: من إذا وردت إليه مسألة عرف حكمها من القواعد الفقهية التي عنده، ما أحكام ركوب الطائرات ووجود الضيق فيها، يستخرجه من قواعد المشقة والضرر، المشقة تجلب التيسير، أو قول بعضهم: العسر سبب لليسر.
فهذه الرتبة أعلى من الرتبة السابقة، لأنه يعتمد على العلل وعلى مآخذ الأدلة، أما الأول فيعتمد على أقوال الفقهاء.
الثالث: من يعتمد على الأصول الشرعية كتابا وسنة، فكلما وردت إليه مسألة نظر في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالقواعد الأصولية، فاستخرج الحكم منها، من الكتاب والسنة.
وهؤلاء كالكبريت الأحمر، ووجودهم في الأمة قليل نادر، ولو يوجد في الزمان عشرة من هؤلاء لكفوا الأمة.
أسأل الله جل وعلا أن يكثر من هذا الصنف في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، وأن يجعلكم من هذا الصنف.
إذا تقرر هذا؛ فإن الكتاب والسنة فيهما نص على جميع المسائل إما بذكر المسألة باسمها أو بالإتيان بحكم عام يشمل مسائل متعددة كثيرة، ولذلك ما من مسألة إلا وفي كتاب الله حكمها، قال تعالى: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء"، لكن قد يخفى النص في بعض المواطن على بعض الفقهاء، فيحتاج إلى إعمال القياس.
قال المؤلف: (من وراء الفقه التفقه) بعد ذلك اعتنى أهل العلم بالتأليف في فن يسمّونه تخريج الفروع على الأصول، بحيث يُرجعون المسائل الفقهية الفرعية إلى القواعد الأصولية.
ولعلّ هذا ليس مراد المؤلف، فالأصول عنده إمّا القواعد وإمّا النصوص، إما القواعد الفقهيّة أو النصوص.
وألّف جماعات في تخريج الفروع على الأصول، ممن ألّف الزنجاني المتوفى سنة 656هـ كتابه (تخريج الفروع على الأصول)، وابن التلمساني في (مفتاح الأصول إلى علم الأصول)، وممن ألّف أيضا ابن اللحام في كتابه (القواعد والفوائد الأصولية)، وممن ألف في هذا -------، وألف جماعة في هذا الباب.
ولكن يلاحظ عليهم أمور:
أولها: أن المسألة الفقهية تُبنى على أدلة كثيرة، فعند حصر المسألة الفقهية في دليل واحد، يكون ذلك جوْرا على بعض الأدلة لصالح بعض، عندنا مسألة فقهية انبنت على دليل من شرع من قبلنا، ودليل من الكتاب ، ودليل من السنة، فعندما تحصر المسألة الفقهية في شرع من قبلنا يكون كلامك خاطئا.
الأمر الثاني: أن كثيرا من أهل العلم يُخرّج المسائل أو الكلام الفقهي على الكلام الفقهي، أو يُخرّج ألفاظ الناس على الكلام الفقهي، فعندك مثلا: إذا قال الزوج للزوجة: طالق، فهم خرّجوها على مسألة المفرد المضاف إلى معرفة، هل يعم أو لا؟
حينئذ نقول: نحن لا نعتني بتخريج كلام الناس على الأصول، وإنما نعتني بتخريج المسائل الفقهية الشرعية على الأصول.
الأمر الثالث: أن كثيرا منهم يُخرّج المسألة على أصل التقعيد، وإن كانت متفرّعة على بعض شروط المسألة الأصولية، مثال هذا: عندنا مسألة: الأمر هل يفيد الوجوب أو لا؟ يأتي الفقيه ويخرّج عليها مسألة الإشهاد بالبيع، لقوله: "وأشهدوا إذا تبايعتم" في الحقيقة هذه لا تخرج على قاعدة: الأمر للوجوب، وإنما تقرّب على قاعدة: هل وجدت قرينة تصرف هذا الأمر عن أصله الذي هو الوجوب أو لا.
عل كلٍ الأصل أن تخرّج المسائل الفقهيّة على النصوص، فإن عجز الإنسان خرّجها على العلل والقواعد الفقهيّة.
قال المؤلف: (من وراء الفقه التفقه) فمنشأ حصول الفقه عندك هو التفقه، والتفقه والفقه هو الذي يجعلك تعلّق الأحكام الشرعية بأدلّتها وبعللها، وهو هذا الفقه الذي هو تعليق الحكم بدليله، هذا هو الفقه، وهو الداخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"
فالفقه هو الاستنباط: يعني استخراج الحكم من الدليل، وهو الاستدراك في معاني الكلام من طريق فهم، يعني استخراج الفوائد من الكلام، وفي ضمن هذا الحديث أن التفقه واجب للحاجة إليه، والبحث على معاني الحديث، هذا مما يدخل في الحديث في التفقه.
فمن معاني التفقه: استنباط الفوائد واستنباط الأحكام من الأدلة.
(للشيخين في ذلك القِدح المعلى) ما هو القِدح؟ السهم، فالسهم الذي يسبق، أو يفوز، أو يُدرك محل السبق.
وبعضهم يقول: هو الريش التي تكون في السهم أو في مقدمته.
(ومن نظر في كتب هذين الإمامين) شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم، فإنه يستنبط منهما فوائد، يقول: كيف فتح الله عليهم هذه الفوائد.
(قال ابن تيمية: كنا في مجلس التفقه في الدين، والنظر في مدارك الأحكام) المدارك التي هي العلل والمعاني التي يُربط الحكم بها.
(تصويرا) يعني معرفة صورة المسألة، وهذا أول ما تبدأ به، ثم بعد ذلك:
(تقريرا) تقرر هذه المسألة.
ثم (تأصيلا) معرفة الأصل الذي يرجع إليه.
(تفصيلا) معرفة كيف انبنت هذه المسألة على أصلها.
(وبين يدي التفقه التفكر) وهو التأمل قبل أن تحصل لك رتبة الفقه، لابد أن يسبقها التفكر، والله جل وعلا قد أمر عباده بالتفكر، سواء التفكر في الآيات الشرعية كتابا وسنة، أو التفكر في الآيات الكونية.
("كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تعقلون") آياته الشرعية هنا، لأن البيان في الكتاب والسنة.
وحينئذ التفكر طريق للتفقه، لكن التفقه أعمق، فالتفكر وسيلة، والتفقه نتيجة.
وقد عاب الله على المنافقين بأنهم لا يكادون يفقهون حديثا، ومن هنا فالتفقه مبني على الأدلة والبراهين، لكنه إذا حصل هناك هوى وتشهّي فإن الإنسان لن يفقه، التشهّي والهوى يصد العقل عن التفقه.
(فيا أيها الطالب تحلّى بالنظر والتفكر والفقه والتفقه) وحينئذ تصل إلى مرحلة فقيه النفس، والناظر في الأحكام الشرعية يجد أن الفقهاء على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الفقيه الذي ينظر في جزئيات المسائل، ويتقنها، فمثل هذا يُسمونه بالفقيه، ولكنه لا يجوز له استنباط الأحكام من الأدلة.
والنوع الثاني: من يتجاوز الجزئيات إلى الكلّيات، فيُحصّل كُلّيات الشريعة، فهذا يتمكّن من التخريج والتفقه، لكن قد يُخطئ كثيرا، لأنه يغفل عن جزئيات تُرتب عليها كُلّيات.
الثالث: من أدرك الجزئيات والكليات، هذا هو الفقيه، هذا هو فقيه النفس.
قال المؤلف: (في تفسير التفكر هو التحرك بإجالة النظر –يعني تقليب النظر وجعله يجول- العميق في التفكر)
(فأجل النظر عند الواردات) أي المسائل الجديدة، بتخريج هذه الواردات على أصولها، ومما يعينك على ذلك، ضبطك للقواعد الفقهية والضوابط.
ذكر المؤلف شيئا من الكليات: (المصالح، ودفع الضرر والمشقة، وجلب التسير، وسد باب الحيل، وسد الذرائع) هذه كلها إيش؟ من القواعد الكلية، سبق أن ذكرنا أن الشرع ينقسم إلى كليات وجزئيات، من حصّل الجزئيات ولم يحصّل الكليات، لا يجوز له أن يجتهد، ليس مؤهلا.
الثاني: من تجاوز الجزئيات إلى معرفة الكليات، لكنه لم يحط بالجزئيات، فهذا يجوز له الاجتهاد، لكن كثيرا ما يخطئ، يعني يخفى عليه بعض الجزئيات التي تخالف تفصيله، مثال هذا:
ما هي المعاني في باب صلاة الجمعة، اليوم صلينا الجمعة، ما مقصود الشارع من هذا؟
قال مقصد الشارع من هذا هو اجتماع الناس، فقد يأتيك فقيه فيقول: قد نؤخر صلاة الجمعة عن أول الوقت، فالمستحب أن نؤخر صلاة الجمعة عن أول الوقت إذا كان هناك عمل، كان هناك شغل، حينئذ نقول: هذا اجتهاد جيد، لكن مرّة قد يقول: الناس لا يتمكنون من الاجتماع يوم الجمعة لانشغالهم بالوظائف في دول الغرب، ويوم الإجازة هو يوم الأحد فمراعاةً لمقصد الشريعة الكلّي في اجتماع الناس نجعل صلاة الجمعة يوم الأحد، ماشي! ليش؟ راعينا الكليات، إذا هنا وقعنا في خطأ، لماذا؟ لأننا راعينا الكليّ ولم نلحظ الجزئي.
هكذا أيضا فيما يتعلّق بدفع الضرر أو بجلب التيسير، أو بالحيل أو بسد الذرائع، لابد من ملاحظة الأمرين معا، الكلي والجزئي.
إن لاحظنا الجزئي وقعنا في غلط، وصادمنا كلّيات الشريعة، وإن لاحظنا الكلية وحده فيمشي على ضعف لأننا قد لا ننتبه إلى جزئي تلحظ فيه كلي آخر، لأننا لو جعلنا صلاة الجمعة يوم الأحد، لأدّى ذلك إلى تغيير مراسل الشرع، وانطماس الشريعة بالكلية، وكل ما جاءنا مسألة رحنا نغير في الشرع من أجل هذه المسألة.
فحينئذ صحيح التفتنا إلى كلي لكن غفلنا عن كلي أهم منه وأولى منه، وما ذاك إلا لأننا غفلنا عن الجزئيات.
دعا المؤلف إلى التفقه في نصوص الشرع وهذا أعلى من التفقه في القواعد، وأعلى من التفقه في المقاصد والكليات الشرعية.
قال: (فإن خلا فهمك من هذا أو نبا سمعك –يعني انتقل وتركه- فإن وقتك ضائع)
(وهذه الخلة) وهي تخريج الفروع على الأصول والتفقه هي التي تعطيك التمييز الدقيق، يعني الفصل بين المسائل المختلفة لاختلاف عللها ومداركها.
وهو الذي يعطيك المعيار الصحيح الذي يحكم به على المسائل وعلى المتكلّمين في الحكم.
قال المؤلف: (فالفقيه هو الذي تعرض له النازلة لا نصّ فيها فيقتبس لها حكما من النصوص) هذا هو الفقيه، لكن لابد أن يعرف الأصول أي النصوص الشرعية، ويعرف قواعد الاستنباط، ويتمكّن من تطبيقها.
قول المؤلف هنا: (لا نص لها) أو (لا نص فيها) مراده: لم يعرف الناس النص بتلك المسألة وإلا ما من مسألة إلا وفيها نص، لكن في بعض المواطن تخفى النصوص على بعض الفقهاء، فيحتاجون إلى إعمال التخريج وإعمال القياس.
من حفظ القواعد الأصولية لكنه لا يتمكن من تطبيقها فليس بأصولي، هكذا الفقيه، من حفظ الفروع الفقهية لكنه لا يتمكن من استخراجها، هذا ليس بفقيه وإنما هو فروعي، إنما هذا فروعي.
حفظ المغني، حفظ المنذر، حفظ زاد المستقنع، والروض، لكنه لا يعرف استخراج أحكام المسائل الجديدة من الأدلة، هذا ليس بفقيه، هذا فروعي، هكذا أيضا في البلاغي، أو النحوي، إنسان حفظ قواعد النحو، لكن ما يعرف يطبّقها، ولا يعرف يستخرج الخطأ، ولا يعرف يفهم من خلال قواعد النحو كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام الناس، فحينئذ هذا ليس بنحوي، مثله الفقيه الذي لا يعرف كيفية الاستنباط هذا ليس بفقيه.
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا.

31- اللجوءُ إلى اللهِ تعالى في الطَّلَبِوالتحصيلِ :

لاتَفْزَعْ إذا لم يُفْتَحْ لك في علْمٍ من العلومِ ؛ فقد تَعاصَتْ بعضُ العُلومِ على بعضِ الأعلامِ المشاهيرِ ، ومنهم مَن صَرَّحَ بذلك كما يُعْلَمُ من تَرَاجِمِهم، ومنهم : الأَصْمَعِيُّ في عِلْمِ العَروضِ والرُّهاويُّ المحدِّثُ في الْخَطِّ ، وابنُ صالحٍ في الْمَنْطِقِ ، وأبو مسلِمٍ النحويُّ في عِلْمِ التصريفِ والسيوطيُّ في الْحِسابِ ، وأبو عُبيدةَ ، ومحمَّدُ بنُ عبدِ الباقي الأنصاريُّ ، وأبو الحسَنِ القَطيعيُّ ، وأبو زَكَرِيَّا يَحْيَى بنُ زِيادٍ الفَرّاءُ ، وأبو حامدٍ الغزاليُّ، خَمْسَتُهُم لم يُفْتَحْ لهم بالنحوِ .
فياأيُّها الطالِبُ ! ضاعِف الرَّغبةَ ، وافْزَعْ إلى اللهِ في الدعاءِ واللجوءِ إليه والانكسارِ بينَ يَدَيْهِ .وكانَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، كثيرًا ما يَقولُ في دعائِه إذا اسْتَعْصَى عليه تفسيرُ آيةٍ من كتابِ اللهِ تعالى : (اللَّهُمَّ يَا مُعَلِّمَ آدَمَ وإبراهيمَ عَلِّمْنِي ، ويا مُفَهِّمَ سليمانَ فَهِّمْنِي. فيَجِدُ الْفَتْحَ في ذلك) .

الشيخ:
هذا الأدب متعلق بصعوبة بعض المسائل أو بعض الفنون، هل تكون عائقا لطالب العلم عن مواصلة العلم، قل لا، لماذا؟
لأنه أولا: طلب العلم لله، فمقصوده الأساسي هو الأجر والثواب، وهذا حاصل على كل حال ولو لم يفهم العلم.
ثانيا: كيف نعالج، أو ثانيا نقول: العلم مسائل متعددة، وفنون مختلفة، فإذا استعصى عليك فن وفهمت غيره، أو استعصت عليك مسألة وفهمت غيرها، فحينئذ أنت قد حصّلت ولا لوم عليك في ذلك.
ماذا نفعل عند استعصاء بعض العلوم والفنون؟
أولا: نواصل العلم والتعلم في بقية العلوم وبقية المسائل، وهذه المسألة التي استشكلت علينا نتركها، حتى يأتي وقت فهمها، فكونك تريد فهم مسألة، فتعيقك عن فهم بقية المسائل، ليس من العقل في شيء، فاتركها حتى يأتي سبيل فهمها.
الثاني: الاتصال بالعلماء الفاهمين الناصحين، فهم سيشرحون لك هذه المسألة، ويبيّنونها لك.
الثالث: مراجعة كتب أهل العلم الأخرى، فإنها تسهّل لك الفهم، إذ قد يُعبّر الإنسان، وقد يتكلم الإنسان بجملة غير مفهومة في موطن، ويتكلم إنسان آخر عن هذا المعنى في كتاب آخر بأسلوب واضح سهل.
الأمر الرابع: التوكل على الله وحسن اللجوء إليه، بأن يعلمك ويفهمك، والله قد وعد بإجابة الداعين، ومما يتعلّق بهذا طلب العبد من ربّه جل وعلا أن يزيده من العلم، كما قال تعالى: "وقل رب زدني علما"
قال المؤلف: (لا تفزع) يعني لا تحزن ولا يصدّنك عن طلب العلم كونك لم تفهم علما من العلوم، مالم تفهمه تجاوزه إلى غيره.
ولهذا نجد بعض الأئمة عثر عليه فهم بعض العلوم، فلم يصدّهم ذلك عن التعلم، بل أصبحوا أئمة علماء مشهورين في فنون أخرى غير الفنون التي استعصت عليهم، وقد ذكر المؤلف نماذج لهذا، وحينئذ على طالب العلم أن يتقرّب إلى الله بالسؤال والتضرع بين يديه أن يفهّمه ما استشكل عليه، وكان من الأدعية: "اللهم إني أسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين" وكم من إمام عرضت لهم مثل هذه المسائل، وعرضت عليهم إشكالات فلجئوا إلى الله، وإلى الصلاة، فسهّل لهم ما استعصى عليهم.
وقد قال ابن عمر: مكثت سنين في حفظ سورة البقرة، لم ينقص هذا من مكانته بل هم من علماء الأمة.
وقال الإمام أحمد: جلست تسع سنوات أدرس وأبحث.
وماذاك إلا أنه استعصى عليهم العلم فقلّبوا النظر فيه وكرّروه وأعادوه حتى فهموه.

القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:


32- الأمانةُ العلْمِيَّةُ :

يَجِبُ على طالبِ العلْمِ ، فائِقُ التحَلِّي بالأمانةِ العِلْمِيَّةِ ، في الطلَبِ والتحَمُّلِ والعمَلِ والبلاغِ ، والأداءِ :
(فإنَّ فَلاحَ الأُمَّةِ في صَلاحِ أعمالِها ، وصلاحَ أعمالِها في صِحَّةِ عُلُومِها ، وصِحَّةَ عُلومِها في أن يكونَ رجالُها أُمناءَ فيما يَرْوُونَ أو يَصِفُونَ، فمَن تَحَدَّثَ في العِلْمِ بغيرِ أمانةٍ ؛ فقد مَسَّ العلْمَ بقُرحةٍ ووَضَعَ في سبيلِ فَلاحِ الأُمَّةِ حَجَرَ عَثْرَةٍ)
لاتَخلُو الطوائفُ المنتمِيَةُ إلى العلومِ من أشخاصٍ لايَطلبونَ العِلْمَ ليَتَحَلَّوْا بأَسْنَى فضِيلَةٍ ، أو ليَنْفَعُوا الناسَ بماعَرَفُوا من حِكمةٍ ، وأمثالُ هؤلاءِ لا تَجِدُ الأمانةُ في نفوسِهم مُسْتَقَرًّا ،فلا يَتَحَرَّجُون أن يَرْوُوا ما لم يَسْمَعُوا أو يَصِفُوا ما لم يَعْلَمُوا ،وهذا ما كان يَدْعُو جهابذةَ أهلِ العلْمِ إلى نَقْدِ الرجالِ ، وتَمييزِ مَن يُسْرِفُ في القوْلِ مِمَّنْ يَصوغُه على قَدْرِ ما يَعْلَمُ ، حتى أَصْبَحَ طُلَّابُ العِلْمِ على بَصيرةٍ من قِيمةِ ما يَقرؤونَه ، فلا تَخْفى عليهم مَنْزِلَتُه ، من القطْعِ بصِدقِه أو كَذِبِه ، أو رُجحانِ أحدِهما على الآخَرِ ،أو احتمالِهما على سواءٍ ) اهـ .

الشيخ:
الصفة الثانية والثلاثون من صفات طالب العلم: الأمانة العلمية، بحيث لا يكون كاذباً بنسبة شيء إلى نفسه وهو من كلام غيره، ولا يكون كذلك خائناً فيما يتعلق بعلمه، فلا يُعطي ولا يتكلم إلا بما يظنه هو الصواب والصحيح، فلأمانة العلمية في النقل، والأمانة العلمية في الحديث والتكلم.
وقد جاءت النصوص بالترغيب في الأمانة وفي حفظها، قال تعالى:" يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون"، وحذرت الشريعة من الخيانة، فمن خصال المنافق أنه إذا عاهد غدر، وإذا اؤتمن خان.
ونهت الشريعة عن الخيانة، في الحديث: أن أهل الخيانة ينصب لهم ألوية يوم القيامة على أستائهم يقولون: هذه غدرة فلان بن فلان.
إذا تقرر هذا، فإن الأمانه تكون في الطلب وتكون في وقت التحمل والحفظ، وتكون وقت العمل، وتكون أثناء الدعوة والبلاغ.
قال المؤلف: (من تحدث في العلم بغير أمانه، فقد مسّ العلم بقرحة) القرحة مرض باطني يكون في المعدة، يصيبها فيجعلها لا تتمكن من هضم الطعام، فمن تحدث في العلم بغير أمانة، فإنه سيشوّش على الناس، ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة.
ثم قال المؤلف هناك طوائف يتعلمون العلم لأهداف غير مقبولة، هم لا يتعلمون العلم ليتحلّوا بالفضائل ويتخلقوا بها، وهم لا يتعلمون العلم لنفع الناس وتعليمهم، فحينئذ لم توجد أمانة علمية.
بعض الناس يحاول أن يمدح نفسه في نسبة أفعال جميلة للآخرين إليه، وفي الحديث:" المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" وهذا هو الذي جعل بعض الأئمة يتكلم في بعض الرواة قدحاً، فكلما وجدوا شخصاً ألف أو روى تكلموا فيه، ببيان مواطن خطأه، ومواطن تعثره، ليصبح الطلاب على بصيرة من قيمة هذه المقروءات والمسموعات.
والأولى عدم ذكر الشخص باسمه ليكون ذلك أدعى لنهي التعصب، ولعله يهدي الله عز وجل ذلك الشخص.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

33- الصِّدْقُ :

صِدْقُ اللهجةِ : عُنوانُ الوَقارِ وشَرَفُ النفْسِ ،ونقاءُ السَّريرةِ وسُمُوُّ الْهِمَّةِ ورُجحانُ العَقْلِ ، ورسولُ الْمَوَدَّةِ من الْخَلْقِ ، وسعادةُ الجماعةِ وصِيانةُ الديانةِ ، ولهذا كان فَرْضُ عينٍ ، فياخَيْبَةَ مَن فَرَّطَ فيه ، ومَن فَعَلَ فقد مَسَّ نفسَه وعِلْمَهُ بأَذًى .
قالَ الأوزاعيُّ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( تَعَلَّمِ الصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العِلْمَ) .
وقالَ وَكيعٌ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( هذه الصَّنْعَةُ لا يَرتفِعُ فيها إلاصادقٌ) .
فتَعَلَّمْرَحِمَكَ اللهُالصدْقَ قبلَ أن تَتَعَلَّمَ العلْمَ ، والصدْقُ : إلقاءُ الكلامِ على وَجْهٍ مُطابِقٍ للواقِعِ والاعتقادِ ، فالصدْقُ من طريقٍ واحدٍ ، أمَّا نقيضُه الكَذِبُ فضُروبٌ وألوانٌ ومَسالِكُ وأَوديةٌ ، يَجْمَعُها ثلاثةٌ :
كَذِبُ الْمُتَمَلِّقِ : وهو ما يُخالِفُ الواقِعَ والاعتقادَ ، كمن يَتَمَلَّقُ لِمَنْ يَعْرِفُه فاسقًا أو مُبْتَدِعًا فيَصِفُه بالاستقامةِ .
وكَذِبُ المنافِقِ : وهو ما يُخالِفُ الاعتقادَ ويطابِقُ الواقعَ كالمنافِقِ يَنْطِقُ بما يقولُه أهلُ السُّنَّةِ والهدايةِ .
وكَذِبُ الغَبِيِّ : بما يُخالِفُ الواقِعَ ويُطابِقُ الاعتقادَ ، كمَن يَعتقِدُ صلاحَ صُوفِيٍّ مبتدِعٍ فيَصِفُه بالوَلايةِ .
فالْزَم الْجَادَّةَ ( الصدْقَ ) ، فلا تَضْغَطْ على عَكَدِ اللسانِ ، ولا تَضُمَّ شَفَتَيْكَ ، ولا تَفتَحْ فاكَ ناطقًا إلا على حُروفٍ تُعَبِّرُ عن إحساسِك الصادِقِ في الباطِنِ ؛ كالحُبِّ والبُغْضِ ، أو إحساسِك في الظاهِرِ ؛ كالذي تُدْرِكُه الحواسُّ الخمْسُ : السمْعُ، البَصَرُ ، الشمُّ ،الذَّوْقُ ، اللمْسُ .فالصادقُ لا يقولُ : ( أَحْبَبْتُكَ ) وهو مُبْغِضٌ ، ولا يقولُ : ( سَمِعْتُ ) وهو لم يَسْمَعْ ، وهكذا .
واحْذَرْ أن تَحومَ حولَك الظنونُ ، فتَخونَك العزيمةُ في صِدْقِ اللهجةِ ، فتُسَجَّلَ في قائمةِ الكذابينَ .وطريقُ الضَّمانةِ لهذا – إذا نَازَعَتْكَ نفسُك بكلامٍ غيرِ صادقٍ فيه - : أن تَقْهَرَهَا بذِكْرِ مَنزِلَةِ الصدْقِ وشَرَفِه ورَذيلةِ الكَذِبِ ودَرَكِه ،وأنَّ الكَاذِبَ عن قريبٍ يَنْكَشِفُ .
واستَعِنْ باللهِ ولا تَعْجِزَنَّ .ولاتَفْتَحْ لنفسِك سابلةَ الْمَعارِيضِ في غيرِ ما حَصَرَه الشرْعُ .
فياطالبَ العلْمِ ! احْذَرْ أن تَمْرُقَ من الصدْقِ إلى الْمَعارِيضِ فالْكَذِبِ ، وأَسوأُ مَرَامِي هذا الْمُروقِ ( الكَذِبُ في العلمِ ) ؛ لداءِ مُنافَسَةِ الأقرانِ وطَيَرانِ السُّمعةِ في الآفاقِ .
ومَن تَطَلَّعَ إلى سُمْعَةٍ فوقَ مَنْزِلَتِه ؛فلْيَعْلَمْ أنَّ في الْمِرصادِ رِجالًا يَحْمِلون بصائرَ نافذةً ، وأقلامًا ناقدةً، فيَزِنُونَ السُّمعةَ بالأَثَرِ ، فتَتِمُّ تَعريتُك عن ثلاثةِمعانٍ :
فَقْدُالثقةِ من القلوبِ .
ذَهابُ عِلْمِكَ وانحسارُ القَبولِ .
أن لا تُصَدَّقَ ولوصَدَقْتَ .
وبالجملةِ؛ فمَن يَحترِفْ زُخرُفَ القولِ ؛ فهو أَخُو الساحرِ ، ولا يُفْلِحُ الساحرُ حيث أَتَى، واللهُ أَعْلَمُ .

الشيخ: هذا هو الأدب الثالث والثلاثون من آداب طالب العلم: الصدق، قد قال الله تعالى: "يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:" عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار".
ويقول صلى الله عليه وسلم:" الصدق طمأنينة، والكذب ريبة"
والصدق له صلة بالأمانة، فإن غير الأمين غير صادق، ونضرب لهذا مثلاً:
من قال أن الفقيه الفلاني يقول: بكذا وهو لم يتأكد أو يعرف خلافه، فحينئذ ليس بصادق ولا بأمين.
وصدق اللهجة ينتج عن أمور:
أولها: رضا رب العزة والجلال وتحصيل التقوى.
وثانيها: وأن الصدق سبب لتوقير الخلق بالإنسان وقبولهم ما جاء به.
وثالثهما: أن الصدق يحصل به الشرف وطمأنينة النفس، ونقاء السريرة، وسمو الهمة.
الصدق يحصل به رجحان العقل، ويحصل به محبة الخلق ويحصل به صيانة الديانة، قال الأوزاعي:" تعلم الصدق قبل العلم".
قال وكيع:" هذه الصنعة لا يرتفع بها إلا الصادق" يعني لا يحصل فيها العلم إلا صادق.
ومن هنا يقّدم تعويد النفس على الصدق على طلب العلم، والصدق يكون بأمرين: موافقة الواقع، وموافقة الاعتقاد.
أنا أظن أن زيد ليس وراء الجدار، وقلت: زيد وراء الجدار، فصار حقيقةً زيد وراء الجدار، حينئذ هذا يخالف الاعتقاد لكنه لا يخالف الواقع.
مثال هذا: رأى أخته حاملاً، قال في بطنها ولد ذكر، ولدت وأصبح ولداً ذكراً، نقول هنا: هذا كلام كاذب وهو وإن وافق الواقع لكنه يخالف الاعتقاد وبالتالي يكون كلاماً كذباً.
ومن هنا قسم المؤلف الناس ثلاثة أقسام:
كذب المتملق: وهو الذي يعتقد أن كلامه باطل، ويكون كلامه مخالفاً للواقع.
أبو محمد قابله شخص بينه وبينه عداوة، فقال له: إني أحبك.
وهو لا يحبه ولا شيء، ويعاديه، حينئذ؛ هل هو موافق للواقع، هل هو موافق للاعتقاد، مخالف للواقع ومخالف للاعتقاد، هذا إذاً متملق، هذا إيش يصير؟ متملق.
الثاني كذب المنافق: المنافق يقول: أنا أحب المؤمنين، وأحب أهل التقوى وهو يكذب، يقول: الدعاةُ صادقون، لكن في نفسه يقول: ما لهم فائدة في المجتمع، فهو يقول الدعاة صادقون نافعون للأمة بلسانه، لكن في قلبه يقول: ضيّقوا على الناس، حينئذ نقول: هذا منافق، لأنه تكلم بكلام يوافق الواقع لكنه يخالف اعتقاده.
النوع الثالث كذب الغبي: بما يخالف الواقع، قال: يظن أن محمد خلف الجدار فقال: محمد خلف الجدار، لكنه لم يكن خلف الجدار.
كذلك من اعتقد أن الصوفي صالح، وهو مبتدع، ووصفه بالولاية، هذا يخالف الواقع، لأن شرط الولاية الإيمان والتقوى، كما في قوله سبحانه وتعالى:" ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" إذا جاءك صوفي يقول: تُطرح التكاليف، فحينئذ نقول: هذا، هل هو مخالف للواقع؟ نعم، مخالف للواقع، لكنه يطابق اعتقاده، فيكون هذا من كذب الغبي.
قال: (فلا تضغط على عكد اللسان) جزء من الزائد من اللسان، يعني بالكذب.
(ولا تضم شفتيك ولا تفتح فاك –يعني الفم- ناطقا) ولاتتكلم إلا بالصدق.
(بحروف تعبر عن إحساسك الصادق في الباطن، كالحب والبغض، وإحساسك في الظاهر، سواء أدركته بالحواس الخمس) أو أدركته بواسطة الاستدلال.
قال: ( فالصادق لايقول "أحببتك" وهو مبغضك) هذا من أي أنواع الكذبة، المتملق، مخالف الواقع والاعتقاد.
(ولا يقول "سمعت" وهو لم يسمع، واحذر أن تحوم حولك الظنون) فيتهموك بالكذب، وحينئذ لا يقبل منك، وبالتالي تصبح من الكذبة.
قد يقول قائل: كيف أدرّب نفسي على الصدق وترك الكذب؟ هذا بأمور:
أولاً: استحضار أن الله أمرك بذلك.
ثانياً: بمعرفة رذيلة الكذب وفائدة الصدق.
وثالثاً: بالنظر في أحوال الصدقة والكذبة، أهل الصدق نصرهم الله وأيّدهم، وأهل الكذب خذلهم الله.
قال المؤلف عن المعاريض؛ المعاريض: أن تتكلم بكلام له معنيان، أحدهما صدق وواقع وتريد غيرك يطلع عليه، والثاني خفي قد تكذب فيه.
جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم:" إن في المعاريض لمندوحةً عن الكذب"، نمثل للمعاريض: هذا أخوك؟ لمّا سألته: هذا أخوك، وهو ليس ابن أبيه ولا أمه، قال: نعم، وأراد أخوة الإسلام، ظاهر مني لمّا سألت: هل هذا أخوك أريد الأخوة من النسب، فلما قال نعم، حينئذ أوهمني بأن المراد الأخوة النسبية، وكان مراده الأخوة الإيمانية.
هكذا أيضاً، ما حكم المعاريض، المعاريض على أربعة أنواع:
النوع الأول: إذا كان يتوصل بها إلى إبطال الحقوق وأكل أموال الناس فهي حرام.
قال: أشهد بالله أن ماله عند زيد شيء، ظاهر هذه العبارة أن ما نافية، أليس كذلك؛ تنفي وجود الحق، لكن لما عدنا إليه وسألناه، قال: أنا أقصد ما الموصولة، ما له يعني: الذي له على زيد شيء، هذا إيش؟ من المعاريض، وتوصّلنا به إلى إبطال الحق، فيكون محرماً.
كذلك المعاريض في الأيمان ماتجوز، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" يمينك على مايصدقك به صاحبك"
المعاريض التي يتوصل بها إلى إحقاق حق أو إصلاح بين اثنين، أو إبطال خصومه، هذه مشروعة.
ويؤجر إن شاء الله الإنسان عليها.
بعض الناس يكذب في المسائل العلمية ليهزّ الناس، ويكون له مكانة ومنزلة، قال: أنا وجدت في الكتاب الفلاني، وما قرأ ولا اطلع عليه، هذا كذب، لا يبارك له في كلامه.
قال المؤلف: ( فمن تطلع إلى سمعة فوق منزلته) فإن الله سيعاقبه، وما طار طيرٌ وارتفع، إلا كما طار وقع.
والكذب يورث عدم الثقة في الكاذب، إذا كذب أول مرة احتمال أن يكذب علي مرة ثانية، وذهاب بركة علمه، بل قد يؤدي إلى زوال علمه بالكلية، والثالث: عدم قبول الناس وعدم تصديق الناس لكلامه.
الساحر يُظهر للناس أمور مخالفة للحق وللواقع، فحينئذ كان فيه شبه من الكاذب، ولذلك قارن المؤلف بينهما.

يتبع ..

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 27 ربيع الأول 1433هـ/19-02-2012م, 11:36 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

(2 - 3)
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

34- جُنَّةُ طالِبِ العلْمِ :

جُنَّةُالعالِمِ ( لا أَدْرِي ) ويَهْتِكُ حِجابَه الاستنكافُ منها ، وقولُه: يُقالُ .....
وعليه؛ فإن كان نِصْفُ العلْمِ ( لا أَدْرِي ) ؛ فنِصْفُ الجهْلِ ( يُقالُ ) و( أَظُنُّ ) .

الشيخ: جُنة طالب العلم، هذا هو الأدب الرابع والثلاثون، والجُنّة: الوقاية.
إذا كان على بدنك حديد يحميك في المعارك يسمونها واقية الرصاص، هذا الجُنّة مثل واقية الرصاص.
ما هي التي تقي طالب العلم من الشرور، كلمة (لا أدري)، فإذا سئل عن مسألة وهو لا يعرفها قال:(لا أدري)
كان الأئمة يحرصون على هذا، قال قائلهم: من أخطأ (لا أدري) أصيبت مقاتله، كأنه أصيب في المحل الذي يموت منه غالباً.
سئل الإمام مالك: عن ست وثلاثين مسألة، فقال في ثنتين وثلاثين منها: لا أدري، وأجاب في أربع.
قيل للإمام مالك في مسألة، فقال: لا أدري، قال: أتيت إليك من مصر، وقد سأل أهلها عن هذه المسألة قال: أخبر من وراءك أن مالكاً لا يدري، هل أنقص من درجة الإمام مالك، هل قلل من قيمته وإمامته، لا والله، بل زاده إمامة ------.
ومن هنا لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عن وقت الساعة قال:" ما المسئول .." يعني لا أعلم.
فإذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأل المسألة ما يجيب، ينتظر الوحي، فإذا كان من كان كذلك يتوقف في الجواب عن مسائل، فكيف بنا نحن.
ومن هنا؛ ما يستحي الواحد منا أن يقول: لا أدري، ومثله الجملة الأخرى التي تماثلها: هذه المسألة تحتاج إلى بحث ولم أبحثها، تحتاج إلى تقليب نظر.
إذا استنكف الإنسان عن هذه الكلمة، بمعنى أنه تركها تكبراً عليها وظناً أنها من أسباب التنقص، فحينئذٍ وقع في الجهل، وخُشي عليه ممن يقول على الله بلا علم.

القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

35- المحافَظَةُ على رأسِ مالِك ( ساعاتِ عُمُرِك) :

الوقتَ الوقتَ للتحصيلِ ، فكن حِلْفَ عمَلٍ لا حِلْفَ بَطالةٍ وبَطَرٍ ، وحِلْسَ مَعْمَلٍ لا حِلْسَ تَلَهٍّ وسَمَرٍ ، فالْحِفْظُ على الوَقْتِ ؛ بالجِدِّ والاجتهادِ ومُلازَمَةِ الطلبِّ ، ومُثافَنَةِ الأشياخِ ،والاشتغالِ بالعلْمِ قراءةً وإقراءً ومطالَعَةً وتَدَبُّرًا وحِفْظًا وبَحْثًا ، لاسِيَّمَا في أوقاتِ شرْخِ الشبابِ ، ومُقْتَبَلِ العُمْرِ ، ومَعْدِنِ العافيةِ ،فاغْتَنِمْ هذه الفرصةَ الغاليةَ ، لتنالَ رُتَبَ العلْمِ العاليةَ ؛ فإنها ( وقتُ جَمْعِ القلبِ ، واجتماعِ الفِكْرِ ) ؛ لقِلَّةِ الشواغِلِ والصوارِفِ عن التزاماتِ الحياةِ والتَّرَؤُّسِ ، ولِخِفَّةِ الظَّهْرِ والعِيالِ :

مـا للمُعيـلِ وللعوالِـي إنـمـايَسْعَى إليهنَّ الفريدُ الفارِدُ


وإيَّاك وتأميرَ التسويفِ على نفسِك ؛فلا تُسَوِّفْ لنفسِكَ بعدَ الفراغِ من كذا ؛ وبعدَ ( التقاعُدِ ) من العَمَلِ هذا ... وهكذا ، بل البِدارَ قبلَ أن يَصْدُقَ عليك قولُ أبي الطَّحَّانِ القَيْنيِّ :

حَنَـتْـنِـي حـانـيـاتُ الـدهْــرِ حَـتَّــى كـــأنـــي خَـــاتِـــلٌ أَدْنُـــــــو لــصَــيْـــدٍ


قصيرُ الْخَطْوِ يَحْسَبُ مَن رآنِي ولـــسْــــتُ مُــقَــيَّـــدًا أنِّـــــــي بِــقَــيْـــدِ


وقال أُسامةُ بنُ مُنْقِذٍ :

مع الثمانينَ عاثَ الضعْفُ في جَسَدِي وساءني ضَعْفُ رِجْلِي واضطرابُ يَـدِي


إذا كَـتَـبْــتُ فـخَــطِّــي خـــــطُّ مُـضْــطَــرِبٍ كــــخــــطِّ مُــرْتَـــعِـــشِ الــكَــفَّــيْــنِ مُـــرْتَـــعِـــدِ


فاعْجَبْ لضَعْفِ يَدِي عن حَمْلِها قَلَمًا مــن بـعـدِ حَـمْـلِ الْـقَـنَـا فـــي لَـبَّــةِ الأسَـــدِ


فـــقــــلْ لِـــمَــــن يَـتَــمَــنَّــى طُــــــــولَ مُــــدَّتِــــهِ هـــذي عَــواقِــبُ طُــــولِ الـعُـمُــرِ والْــمُــدَدِ


فإن أَعْمَلْتَ البِدارَ فهذا شاهدٌمنك على أنك تَحْمِلُ ( كِبَرَ الهمَّةِ في العِلْمِ) .
الشيخ:
الله جل وعلا خلقنا من أجل غاية وهي عبادته جل وعلا كما في قوله:" وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون" ومن أعلى درجات العبادة، طلب العلم.
ومن هنا فاستعمل حياتك فيما خلقت له، واستعمل جميع وقتك للهدف والغاية التي خلقت من أجلها، ثم إنك سترد على رب العزة والجلال، وسيسألك عن كل أعمالك وجميع أوقاتك، ماذا علمت بها فحينئذ استعمل هذا الوقت فيما إذا أَخْبرت عنه عند الله كان سباباً لنجاحك وفلاحك.
ومن ثَم يترك الإنسان تضييع الأوقات فيما لا يفيد، كان بعض الأئمة يحرص على استعمال وقته فيما يفيد، ولا يترك منه شيئاً حتى أن المجد بن تيمية، جد شيخ الإسلام كان يُقرأ عليه العلم عند قضائه للحاجة، لا يريد أن يفوت وقتاً، وبعضهم كان إذا جاءه الأضياف يحرص أن يشتغل ببري القلم عند أضيافه لئلا يضيع شيء من وقته، والشواهد في هذا كثيرة، ومن هنا فاحفظ عمرك.
قال:( كن حلف عمل لا حلف بطالة وبطر) الحلف: وهو العقد الذي يعقده الإنسان،فاعقد نفسك مع الأعمال، حتى تنتج وتثمر، ولا تكون مع البطالة وهي ترك العمل، والبطر الذي هو تضييع الوقت وجحد هذه النعمة.
وحينئذ تكون(حلس معمل) الحلس هو المرابط.
لا تكن (حلس ثلة أو تلهٍ وسمر) فالتلّهي ابتعد عنه، والسمر الذي لا يفيد يقول لك: ابتعد عنه.
(فالحفظ على الوقت يكون بالجد والاجتهاد وملازمة الطلب ومثافنة الأشياخ) بملازمتهم حتى تكون قريباً منهم.
(والاشتغال بالعلم قراءة) يقرأ لنفسه (وإقراءً) يقرأ لغيره، أو يُقرأ عليه.
(ومطالعة وتدبراً –فهماً- وحفظاً وبحثاً، وخصوصاً في أوقات شرخ الشباب) ووقت الشباب أدعى بأن تحفظه.
(ومقتبل العمر) وبذلك إذا اغتنمت الوقت حَصَلت على رتب العلم العالية، فإن وقت الشباب هو وقت اجتماع القلب، ما عندك مشغلات كثيرة تشغل قلبك، تجعلك تنسى.
( ووقت الشباب هو وقت اجتماع الفكر لقلة الشواغل والصوارف) ماعنده عيال ولا عنده حوائج يُرسل فيها.
ولا يهتم بقضايا العامة والخاصة، ومن ثم اجتنب التسويف :بعدين، إن شاء الله بسويه بكره، لا، ابدأ، بادر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال، هل تنتظرون إلا مرضاً مفسداً، أو كبراً مفنّداً، ...." إلى آخر ما ذكر من السبع التي وردت في الحديث.
إذا بادر الإنسان على أعمال الطاعة، ومنها طلب العلم فهذا شاهد وجود كبر الهمة لديه.

القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

36- إجمامُ النفْسِ :

خُذْمن وَقْتِك سُويعاتٍ تُجِمُّ بها نفسَك في رِياضِ العِلْمِ من كُتُبِ المحاضراتِ ( الثقافةِالعامَّةِ ) ؛ فإنَّ القلوبَ يُرَوَّحُ عنها ساعةً فساعةً .
وفي المأثورِ عنأميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ : ( أَجِمُّوا هذه القلوبَ ، وابْتَغُوا لها طرائفَ الْحِكمةِ ، فإنها تَمَلُّ كما تَمَلُّ الأبدانُ ) .
وقالُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ رَحِمَه اللهُ تعالى في حِكْمَةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ في مُطْلَقِ الأوقاتِ :( بل في النهيِ عنه بعضَ الأوقاتِ مصالِحُ أُخَرُ من إِجمامِ النفوسِ بعضَ الأوقاتِ ، من ثِقَلِ العِبادةِ ؛ كما يُجَمُّ بالنوْمِ وغيرِه ،ولهذا قالَ مُعاذٌ : إني لأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي ، كما أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي ... )
وقالَ : ( بل قدقيلَ : إنَّ من جُملةِ حِكمةِ النهيِ عن التَّطَوُّعِ المطلَقِ في بعضِ الأوقاتِ : إجمامَ النفوسِ في وَقْتِ النهيِ لتَنْشَطَ للصلاةِ ؛ فإنها تَنْبَسِطُ إلى ما كانت مَمنوعةً منه ، وتَنْشَطُ للصلاةِ بعدَ الراحةِ . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ .
ولهذاكانت العُطَلُ الأسبوعيَّةُ للطُّلَّابِ مُنتشِرَةً منذُ أَمَدٍ بعيدٍ ، وكان الأَغْلَبُ فيها يومَ الْجُمعةِ وعَصْرَ الخميسِ ، وعندَ بعضِهم يومَ الثلاثاءِ ويومَ الاثنينِ، وفي عِيدَي الفطْرِ والأَضْحَى من يومٍ إلى ثلاثةِ أيَّامٍ وهكذا .
ونَجِدُذلك فيكُتُبِ آدابِ التعليمِ ، وفي السِّيَرِ ، ومنه على سبيلِ الْمِثالِ : ( آدابُ المعَلِّمِينَ ) لسُحْنونٍ ( ص 104 ) ، ( والرسالةُالْمُفَصَّلَةُ ) للقابسيِّ ( ص135-137 ) ، ( والشقائقُ النُّعْمانيَّةُ ) ( ص20) وعنه في : ( أَبْجَدِ العلومِ ) ( 1/195-196 ) ، وكتابِ ( أَلَيْسَ الصبْحُ بقريبٍ ) للطاهرِابنِ عاشورٍ ، ( وفتاوَى رَشيد رِضَا ) (1212) و( مُعْجَمِ البِلدانِ ) ( 3/102) و ( فتاوى شيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميةَ ) ( 25/318-320، 329)

الشيخ:
هذا هو الأدب السادس والثلاثون من آداب طالب العلم: إجمام النفس، بحيث لا يحملها على شيء في جميع الأوقات فتملّ منه، وكذلك لا يُذهب نفسه تعبا يجعلها تصبح لا تميّز العلوم، من جعل نومه قليلا، أقل مما تحتاجه إليه نفسه ضعفت نفسه، ولم يستطع التركيز والفهم، وهكذا من لم يطعم الطعام الذي يغذيه فإن نفسه تضعف، وبالتالي يكلّ ولا يتمكن من الفهم ومن مواصلة التعلم.
وشاهد هذا كثير في النصوص الشرعية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" المنبت الذي يركب ناقته ويسير بها ويواصل بدون أن يرتاح.
فحينئذ يُتعب ناقته فتعجز منه في الطريق، فيكون لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، وجاء في الحديث: حديث النفر الثلاثة الذين قال قائلهم: أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أقوم ولا أنام، وقال الثالث: لا أتزوج النساء، فعتب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "إني أخشاكم لله وأتقاكم له، أما أني أقوم وأنام، وأصوم، وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"
وشاهد هذا أيضا في منع المكلّف من العبادة في بعض الأوقات من أجل أن لا يتعب نفسه، وانظر إلى حديث عبدالله بن عمرو لما كان يصوم ولا يُفطر، وكان يقوم حتى أثّر ذلك على نفسه، فجاء أبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن عبادته، ثم بعد ذلك أرشده إلى ترك مواصلة العبادة، بحيث يجعل وقتا للراحة، ولا يشق على نفسه.
وانظر في حديث تلك المرأة التي كانت تضع حبلا في المسجد، صفية، حتى إذا تعبت استندت إلى الحبل، فقال صلى الله عليه وسلم: "حلّوه –فكوا الحبل- ليصلّي أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد، فلعلّه يذهب يسأل ربه فيسب نفسه" سمعت ميّز في الكلام، هكذا في طلب العلم، يصبح ما عاد يميّز.
ومن ذلك المفاوتة بين الفنون، استمريت على فن واحد يمكن تمل نفسك منه، فتنتقل من علم إلى علم، كداخل البستان، مرة يأكل عنبا، ومرة يأكل رمانا، ومرة يأكل تينا، ومرة يأكل من غيره، فيلتذّ ذلك، أما لو أكل من صنف واحد سيملّ منه.
ومن وسائل ذلك، إعطاء النفس راحتها، والقيام على النفس بشئونها، سواء في نظافة الإنسان أو في مأكله أو في مشربه، أو نحو ذلك.
وكذلك النظر في بعض النكت والطرائف، النكت: هي الأمور الغريبة، حتى تنشط نفسك، والطرائف: هي التي تتحرّك لها النفس وتطرب، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما جاء منه المزاح.
(قال علي: أجمّوا هذه القلوب، وابتغوا لها طرائف الحكمة، فإنها تملّ) ومن هذا حرص أهل العلم على جعل إجازة وعطلة في الدراسة.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

37- قراءةُ التصحيحِ والضبْطِ :

احْرِصْ على قِراءةِ التصحيحِ والضبْطِ على شيخٍ مُتْقِنٍ؛ لتأْمَنَ من التحريفِ والتصحيفِ والغلَطِ والوَهْمِ . وإذا اسْتَقْرَأْتَ تَراجمَ العُلماءِ – وبخاصَّةٍ الْحُفَّاظَ منهم – تَجِدُ عَددًا غيرَ قليلٍ مِمَّنْ جَرَّدَ المطَوَّلَاتِ في مجالِسَ أو أيَّامٍ قراءةَ ضَبْطٍ على شيخٍ مُتْقِنٍ .
فهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى قَرَأَ ( صحيحَ البخاريِّ ) في عشرةِ مجالسَ ،كلُّ مجلِسٍ عشرُ ساعاتٍ ، ( وصحيحَ مسلِمٍ ) في أربعةِ مجالسَ في نحوِ يومينِ وشيءٍ من بُكْرَةِ النهارِ إلى الظهْرِ وانتهى ذلك في يومِ عَرَفَةَ ، وكان يومَ الجمُعَةِ سنةَ 813 هـ ، وقرأَ ( سُنَنَ ابنِ ماجهْ ) في أربعةِ مجالِسَ ، و ( مُعجَمَ الطبرانيِّ الصغيرَ ) في مَجلِسٍ واحدٍ ، بينَ صَلَاتَي الظهْرِ والعَصْرِ .
وشيخُه الفَيروزآباديُّ قَرَأَ في دِمَشْقَ ( صحيحَ مُسْلِمٍ ) على شيخِه ابنِ جَهْبَلَ قِراءةَ ضَبْطٍ في ثلاثةِ أيَّامٍ .
وللخطيبِ البَغدادىِّ والمؤتَمَنِ الساجيِّ ، وابنِ الأبَّارِوغيرِهم في ذلك عجائبُ وغرائبُ يَطولُ ذِكْرُها، وانْظُرْها في ( السِّيَرِ ) للذهبيِّ 18/277 و 279، 19/310، 21/253 ) و ( طَبقاتِ الشافعيَّةِ ) للسُّبْكيِّ ( 4/30 ) ، و ( الجواهِرِ والدُّرَرِ ) للسَّخَاويِّ ( 1/103-105 ) ، و( فتْحِ الْمُغيثِ ) (2/46) و ( شَذَراتِ الذهَبِ ) ( 8/121و206 ) ، و ( خُلاصةِ الأثَرِ ) ( 1/72-73 ) ، و ( فِهْرِسِ الفهارِسِ ) للكَتَّانِيِّ ، و ( تاجِ العَروسِ ) ( 1/45-46 ) . فلاتَنْسَ حَظَّكَ من هذا .


38-جَرْدُ الْمُطَوَّلَاتِ :

الْجَرْدُللمُطَوَّلاتِ من أَهَمِّ الْمُهِمَّاتِ ؛ لتَعَدُّدِ المعارِفِ ، وتوسيعِ الْمَدَارِكِ واستخراجِ مَكنونِها من الفوائدِ والفرائدِ ، والخبرةِ في مَظَانِّ الأبحاثِ والمسائلِ ، ومَعرِفَةِ طرائقِ الْمُصَنِّفِينَ في تآليفِهم واصطلاحِهم فيها .
وقدكان السالِفون يَكتبون عندَ وُقوفِهم : ( بَلَغَ ) حتى لا يَفوتَه شيءٌ عندَ الْمُعاوَدَةِ ، لا سيَّمَا مع طُولِ الزَّمَنِ .

الشيخ:
هذه من آداب طالب العلم أنه يحرص على قراءة الكتب خصوصا المطوّلات على أشياخه من أجل أن يضبط كيفية نطق الكلمات ويضبط التشكيل ويضبط النحو، وكذلك يأمن من الغلط، والوهم، من إدخال الجملة في جملة أخرى، ويسأل عما استشكل لديه من مثل هذا.
فكان أهل العلم يفعلون هذا، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون في القرآن فيقرأون على النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الله، وإذا وقع عندهم استشكال جاءوا وقرءوا، وكم من صحابي قد قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم.
وبواسطة قراءة هذه المطولات في المجالس القليلة والأوقات القليلة يحصل فوائد، منها:
تحصيل العلوم والمعارف الكثيرة في الزمن القليل، ومنها توسيع مدارك الإنسان بحيث يعرف أمورا وأقوالا مخالفة لما يستقر في نفسه، وبذلك يتمكن من استخراج النوادر والمسائل والفرائد الغريبة، وبذلك أيضا يتكون عند الإنسان قدرة على معرفة مواطن بحث المسائل في كتب أهل العلم، وكذلك تعرف طرائق التأليف، وأنواع المؤلفات والمصطلحات التي يستخدمها علماء الشريعة فيها، وينبغي أن تميّز ما قرأته وتضع علامة بحيث لا يفوتك شيء من المقروء، لا يفوتك شيء من الكتاب المقروء.
وهذا هو شأن أهل العلم، والدروس العلمية كانت تُجعل على نوعين، النوع الأول: دروس جرد المطولات، يقرأون فيها ولا يتوقفون إلا عند نقطة مشكلة.
والثاني: قراءة المتون، والمتون للمبتدئين، ويحرص فيها على التفهيم والإفهام.
وللعلماء طرائق متعددة في التفهيم، أول هذه الطرائق:
الطلب من الطلاب أن يبيّنوا فهمهم للكتاب ثم يقوم الشيخ بالتصحيح، مثال هذا: عندنا درس في زاد المستقنع مثلا، أتينا بجملة، أقول: ما معناها يا زيد؟ ما معناها يا عمرو؟ ما معناها يا خالد؟ ثم أصحح، وأقول: الصواب في فهم كذا.
وأما فهمك في الفهم الفلاني فهو خطأ، وسبب خطأه كذا، فتستقر المعلومات، وكل جملة يكاد يسأل عنها أشخاص مختلفين، وهذه أحسن الطرق وهي التي تستقرّ في الذهن.
النوع الثاني: نوع المجادلة والمناقشة، بحيث نقسّم الطلاب إلى فريقين، وكلما جاءت مسألة نقول: انتخبوا لنا واحدا مغايرا لما أخذتموه في المسائل السابقة، فيشرح ثم يشرح الثاني ونقارن بينهما، أو يشرح أحدهما ويصحح له الآخر، ثم يصحح الشيخ لهما، وهذه أيضا طريقة جميلة ويستقر بها.
وهاتان الطريقتان لهما أصل في السنة، كما في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن شجرة صفتها كذا وصفتها كذا، هذا سؤال؛ الشيخ هو الذي يسأل، ويطلب من الطلاب أن يجيبوه.
الطريقة الثالثة: أن يقوم طالبان بالمناظرة، تُسمّى طريقة المناظرة، يتناظران في المسألة بحيث هذا يناظر هذا، وننظر، هذا يتبنى قولا وهذا يتبنى قولا، وننظر من يكون معه الغلبة، ثم يعقّب الشيخ بما يستقيم.
الطريقة الرابعة: طريقة السرد، مثل طريقتنا هذه، وهي من أضعف الطرق في إبقاء المعلومات، ولكنها جيدة، يحصل الناس منها شيء، خصوصا إذا كان هناك كتاب وتسجيل، وتَنَاقش الطلاب فيها فيما بعد، فإنها تبقى معلومة حينئذ.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

39- حُسْنُ السؤالِ:

الْتَزِمْ أَدَبَ الْمُباحَثَةِ ، من حُسْنِ السؤالِ ، فالاستماعِ ، فصِحَّةِ الفَهْمِ للجَوابِ ، وإيَّاكَ إذا حَصَلَ الجوابُ أن تَقولَ : لكنَّ الشيخَ فلانًا قالَ لي كذا ، أو قالَ كذا ، فإنَّ هذا وَهَنٌ في الأَدَبِ ، وضَرْبٌ لأَهْلِ العِلْمِ بعضِهم ببعضٍ ، فاحْذَرْ هذا .
وإن كنتَ لا بُدَّ فاعلاً ، فكنْ واضحًا في السؤالِ ، وقلما رأيُك في الفَتْوَى بكذا ، ولا تُسَمِّ أَحَدًا .
قال َابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى : ( وقيلَ : إذاجَلَسْتَ إلى عالِمٍ ؛ فسَلْ تَفَقُّهًا لا تَعَنُّتًا ) اهـ .
وقال َأيضًا : ( وللعلْمِ سِتَّةُ مَراتِبَ ) .
أوَّلُها : حسْنُ السؤالِ .
الثانيةُ : حسْنُ الإنصاتِ والاستماعِ .
الثالثةُ : حسْنُ الْفَهْمِ .
الرابعةُ : الْحِفْظُ .
الخامسةُ : التعليمُ .
السادسةُ : وهي ثَمَرَتُه ؛ العمَلُ به ومُراعاةُ حُدودِه اهـ .
ثم أَخَذَ في بيانِها ببَحْثٍ مُهِمٍّ .

الشيخ:
من آداب طالب العلم حسن السؤال، السؤال من الأمور التي يرغب فيها، فإذا استشكل عليك فاسأل حتى تتقن العلم، ولذلك أثنى عمر على ابن مسعود أو ابن عباس فقال: نالا العلم بلسان سئول وقلب عقول.
وإذا تقرر هذا فإن السؤال لابد أن يكون على السند، بحيث يلتزم فيه الطالب بالأدب، فلا يسأل في غير الفن الذي يتدارسونه.
درسنا هذا في آداب طالب العلم فلا تنقلنا إلى مسائل الفتوى، ندرس في باب الصيام، فلا يحق لك أن تنقلنا إلى باب القصاص، أو باب، أبواب الأنكحة.
الثاني: حسن انتقاء الألفاظ، لا تأتي بلفظ نابي، ولا لفظ غريب، ولا لفظ غير مرغوب فيه.
الثالث: أن لا تسأل في شيء قد تكلم فيه الشيخ، فمسألة طرحها الشيخ وهي واضحة وجلية وحكم قد قرره الشيخ لا يصح أن تقول بعد ذلك، ما الحكم في كذا، والشيخ قد قرره.
الأمر الرابع: لابد أن يكون سؤالك سؤالا صحيحا، فبعض الناس يسأل سؤال مركب بصياغة غير صحيحة.
الأمر الخامس: أن يكون سؤالك سؤالا واقعيا.
والأمر السادس: أن لا يكون من التعنت، تريد أن تختبر الشيخ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات في العلم.
والأمر السابع: أن لا يكون سؤالك على جهة إبطال قول الشيخ، قد تستفهم لكن لا تحاول الإبطال، إبطال قول الشيخ، فإن هذا سوء أدب، وقد يكون سوء فهم منك، وبالتالي لا يكون كلامك صحيحا، قد تعترض وتقول: كيف الجمع بين كذا وكذا، هذا لا بأس فيه، لكن أن تقول: كلامك فيه ما فيه لأن الله يقول: كذا، هذا سوء أدب، وليس من حسن السؤال في شيء.
قال المؤلف: (التزم أدب المباحثة من حسن السؤال) وكذلك التزم الاستماع، والتزم صحة الفهم للجواب، مرات يأخذ بعض الناس جزءا من الجملة، ولا يلتفت إلى بقيتها فيفهم فهما خاطئا، وهذا يحصل خصوصا من عوام الناس يمسك ربع جملة ثم يبدأ ينسب على الشيخ ما لم يقله، ولذلك لا يجوز أن ينسب إلى عالم أي مقالة، إلا إذا كان الإنسان قد سمع المقالة كاملة، مرّات يأتي العالم ويتكلم بنقل كلام باطل، ثم يجيب عنه ويرد عليه، فيأتيك بعض الناس ما سمع إلا المقالة الباطلة، فيقول الشيخ الفلاني يقول كذا، فيكون قد كذب عليه، لأن الشيخ نقل هذه الجملة ليردّ عليها ويبطلها.
وبعض الناس يجئ بشريط وينقل هذه الجملة، الجزء، ويقول اسمعوا الشيخ يقول كذا، وبالتالي يكون قد كذب عليه وصدّ الناس عن سبيل الله، لأن إبعاد الناس عن علماء الشريعة والكلام في أعراضهم، وتشويه سمعتهم وإنزال مكانتهم يؤدّي إلى جعل الناس ينصرفون عن العلم الذي يحملونه.
كذلك من سوء الأدب معارضة الأقوال بعضها ببعض.
قال المؤاف: (هذا وهن في الأدب) تكلّم قال لك: طيب الشيخ االفلاني يقول كذا، هذا اجتهاده وهذا اجتهادي، ما يصح لك أن تضرب قولي بقوله.
(قال ابن القيم: سل تفقها) يعني من أجل تحصيل الفقه.
(لا تعنتا) من أجل إنزال المشقة على العالم.
ثم ذكر للعلم ست مراتب: حسن السؤال، وحسن الإنصات، وحسن الفهم، ثم الحفظ والتعليم ثم العمل.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

40- الْمُناظَرَةُ بلا مُمَارَاةٍ :

إيَّاكَ والْمُمَارَاةَ ؛ فإنها نِقْمَةٌ ، أمَّا المناظَرَةُ في الْحَقِّ ؛ فإنها نِعْمَةٌ إذ الْمُناظَرَةُ الْحَقَّةُ فيها إظهارُ الحقِّ على الباطلِ ، والراجِحِ على المرجوحِ ، فهي مَبْنِيَّةٌ على الْمُناصَحَةِ والْحِلْمِ، ونَشْرِ العلْمِ ، أمَّا الْمُماراةُ في المحاوَرَاتِ والمناظَرَاتِ ؛ فإنها تَحَجُّجٌ ورِياءٌ ، ولَغَطٌ وكِبرياءُ ومُغالَبَةٌ ومِراءٌ ، واختيالٌ وشَحْنَاءُ، ومُجاراةٌ للسفهاءِ ، فاحْذَرْها واحْذَرْ فاعِلَها ؛ تَسْلَمْ من المآثِمِ وهَتْكِ الْمَحارِمِ ، وأَعْرِضْ تَسْلَمْ وتَكْبُت الْمَأْثَمَ والْمَغْرَمَ .

الشيخ:
المماراة هي المناقشات العقيمة، والمناقشات التي تكونه لإظهار النفس، لا لتعرف الحق.
قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا ضمين ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا" أما المناظرة والمناقشة والمجادلة، هذه مطلوبة لأن الإنسان يقصد بها الوصول على الحق، ولأن الكلام فيها يُبنى على دليل صحيح، ولأن المرء في المناظرة والمناقشة إذا وصل إلى الدليل سمع وله آذان، أما في المماراة فهو يريد إبطال دليل خصمه ولو كان دليلا صحيحا في نظره.
وقد قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، وقال سبحانه: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا"
ومن هنا فإن المناقشة محمودة وهي نوع من أنواع النصح، ونوع من أنواع التعلم، وقد ذكر الله في كتابه عددا من المناقشات والمناظرات بين الأنبياء وأقوامهم، انظر لمناقشة موسى عليه السلام لفرعون، ومناقشة إبراهيم عليه السلام لقومه، وبعض مناقشات النبي صلى الله عليه وسلم لبعض من في زمانه، "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم"، "ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" آل عمران 66[أرجو التأكد من الآية الواردة في الشرح الصوتي].
وبالتالي فإن المراء مذموم لأنه يؤدي، المقصود فيه الغلبة، وليس المقصود الحق، وبالتالي تجده يرفع الصوت ليغلب من أمامه، وتجده يموّه في الكلام ليغلب من أمامه، وتجده يحاول أن يوجد تناقضات في كلام مقابله ولو لم تكن صحيحة من أجل أن يغلبه ويتمكّن منه، وبالتالي فالمراء مؤثّر على صحة النيّة، غير موصل إلى حق.
من هنا فإنه يُنهى عنه، لأنه سبب من أسباب الإثم، فإذا وجدت هذه المناقشات تحوّلت إلى مراء، مناقشات عقيمة والمقصود الغلبة والانتصار، حينئذ أعرض عنها، وأوْصل الحق فقط، ولا تُجادل ولا تُناقش، إذا كان المقصود كذلك.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

41- مُذاكَرَةُ العِلْمِ :

تَمَتَّعْ مع البُصَرَاءِ بالْمُذاكَرَةِ والْمُطارَحَةِ ؛ فإنها في مَواطِنَ تَفوقُ الْمُطالَعَةَ وتَشْحَذُ الذهْنَ وتُقَوِّي الذاكرةَ ؛ مُلْتَزِمًا الإنصافَ والملاطَفَةَ مُبْتَعِدًا عن الْحَيْفِ والشَّغَبِ والمجازَفَةِ .
وكُنْ على حَذَرٍ ؛ فإنها تَكْشِفُ عُوارَ مَن لا يَصْدُقُ
فإن كانت مع قاصرٍ في العِلْمِ ، باردِ الذهْنِ ؛ فهي داءٌ ومُنافَرَةٌ ، وأمَّا مُذاكرَتُك مع نفسِك في تقليبِك لمسائِلِ العلْمِ ؛ فهذا مالا يَسوغُ أن تَنْفَكَّ عنه .
وقدقيلَ : إحياءُ العِلْمِ مُذاكرَتُه .

الشيخ:
هذا هو الأدب الحادي والأربعون من آداب طالب العلم: مذاكرة العلم؛ يعني مراجعته والمناقشة فيه، الباب الفلاني ماذا يشتمل عليه من المسائل؟
يشتمل على المسألة الأولى كذا، والمسألة الثانية كذا، والمسالة الثالثة كذا.
الباب الفلاني من أبواب العلم ما هي الأحاديث التي تكون فيه؟
أورد حديثا، ثم أنت تورد حديثا.
باب الاعتكاف ماذا وجد فيه من الآيات القرآنية والأحاديث؟
أورد الآيات ثم نورد الأحاديث، واحدا واحدا، أنت تورد حديثا، وأنا أورد حديثا آخر، هذا يُسمّى مذاكرة العلم.
ومذاكرة العلم من أكبر الوسائل المؤدّية على حفظ العلم، وقد كان الصحابة والتابعون والأئمّة يتذاكرون العلم، إذا جلسوا بدأوا يتذاكرون، وكل يوم يتذاكرون في باب أو نحوه، وبالتالي يحفظون العلم.
قال المؤلف: وهذا شاهده ودليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في رمضان يأتيه جبريل فيقرأ عليه القرآن في كل عام مرة، هذا من مذاكرة العلم، وكان الصحابة يُذاكرون العلم، أبوهريرة كان في الليل يُراجع الأحاديث التي حفظها لتبقى في ذهنه، وهكذا الأئمة لا زالوا على طلب العلم بواسطة المُذاكرة.
والمذاكرة فوق المُطالعة، إذا جيت كتاب وقرأت فيه باب الاعتكاف في كتب الحديث، هذه مطالعة، فإذا جلست مع طالب علم وبدأت تذاكر، ماذا ورد في الباب الفلاني في باب الاعتكاف من الأحاديث هذا أقوى في رسوخ المعلومة من الأول، وفي نفس الوقت تعوّد، أو تجعل الذهن متوقّدا حاضرا لهذا الباب، وتقوّي ذاكرة الإنسان، وتجعله منصتا لكلامه مع غيره، يعني مرة يُعطي معلومة، ومرة يأخذ المعلومة من غيره، وبالتالي يكون لطيفا بخلاف المناظرات فإنه قد يكون فيها ما يكون فيها من القوة، وما ينافي الملاطفة بخلاف المذاكرة.
لكن ينبغي أن تبتعد عن ذلك المتعالِم أو ذلك الكاذب، أو من ليس عنده أمانة علميّة، لأن قد يوهمك أن في هذا الباب الحديث الفلاني، ويوهمك أن هذه المسألة توجد في باب كذا، ويوهمك أن هذه المعلومة عند هؤلاء الفقهاء على هذا النحو، ولا يكون الأمر كذلك.
أما مراجعة الإنسان لمسائل العلم في نفسه فهذا عظيم الفائدة كبير الثمرة.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
42- طالبُ العلْمِ يَعيشُ بينَ الكتابِ والسُّنَّةِ وعلومِها :
فهماله كالْجَناحينِ للطائرِ ، فاحْذَرْ أن تكونَ مَهيضَ الْجَناحِ .

الشيخ:
الأصل في العلم الشرعي هو الكتاب والسنة، وحينئذ لابد أن يكون هما الذي يعوّل عليه طالب العلم في علمه، ومن ثمّ فقراءة أقوال العلماء والبحث في كتب الفقه، إنما هي وسائل يستعين بها الإنسان على ضبط العلم وعلى القدرة على مراجعة النصوص الشرعية كتابا وسنة، وهذه وسائل، وإلا فالأصل هو الكتاب والسنة، ولذلك طالب العلم تجده يعيش بين هذين الأصلين:
أولا: يراجع حفظه للقرآن، ويتأمل في فهم القرآن.
وثانيا: يسرد كتب السنة ويحاول ضبط ما يستطيع ضبطه منها.
والله جل وعلا قد أمر بالرجوع إلى الكتاب والسنة، "واذكرن ما يُتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة" آيات الله يعني القرآن، والحكمة يعني السنة.
"قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول" يعني الكتاب والسنة.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

43- استكمالُ أدواتِ كلِّ فَنٍّ :

لن تكونَ طالبَ عِلْمٍ مُتْقِنًا مُتَفَنِّنًا – حتى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِياطِ – ما لم تَستكمِلْ أدواتِ ذلك الفَنِّ ، ففي الفِقْهِ بينَ الفقْهِ وأصولِه ، وفي الحديثِ بينَ عِلْمَي الروايةِ والدِّرايةِ .... وهكذا ، وإلا فلا تَتَعَنَّ .
قال َاللهُ تعالى : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ } فيُستفادُ منها أنَّ الطالِبَ لا يَتْرُكُ عِلْمًا حتى يُتْقِنَهُ .

الشيخ:
هذا الأدب اشتمل على أمرين:
الأمر الأول: معرفة أدوات العلم قبل الدخول فيه، لو جاءنا إنسان وبدأ يدرس النحو، وأصبح أخذ المرفوعات والمنصوبات، لكنه أصلا لا يعلم ولا يعرف أن النحو يتعلّق بأواخر الكلمات، ليس لديه فهم المصطلحات لهذا العلم، ولا يعرف المنشأ الذي نشأ منه هذا العلم، فلن يتقن هذا العلم، وهكذا في بقيّة الفنون، عندما يريد الإنسان فهم الكتاب والسنة، واستخراج الأحكام منها، إذا لم يعرف القواعد الأصولية لن يتمكن من هذا، وحينئذ إذا أراد أن يحكم على الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، لابد أن يعرف قواعد المصطلح ويكون عنده قدرة على معرفة أحوال الرواة، فإذا لم يكن محيطا بالوسيلة لن يتمكن من الوصول على الغاية، وبالتالي لابد من معرفة الأدوات قبل الولوج في تعلّم العلم.
الأمر الثاني: مما ذكره المؤلف هنا؛ ألا يترك العلم حتى يتقنه، إذا ابتدأ الطالب بعلم ثم ملّ وانتقل إلى غيره، وأهمل العلم الأوّل فحينئذ قد أضاع وقته، من أخذ كتابا وقرأ ربعه أو نصفه ثم انتقل إلى غيره، ما يتمكّن أن يقول: قرأت الكتاب، ولا يتمكّن أن يقول: هذه المعلومة ليست في الكتاب، لأنه لم يحط بالكتاب.
القارئ:
قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

الفصلُ السادسُ
التَحَلِّي بالعَمَلِ

44- من عَلاماتِ العِلْمِ النافِعِ :
تَسَاءَلْ مع نفْسِك عن حَظِّكَ من عَلاماتِ العِلْمِ النافعِ ، وهي :
العَمَلُ به .
كراهيةُ التزكيةِ والمدْحِ والتكبُّرِ على الْخَلْقِ .
تكاثُرُ تَواضُعِكَ كُلَّمَا ازْدَدْتَ عِلْمًا .
الهرَبُ من حُبِّ الترَؤُّسِ والشُّهرةِ والدنيا .
هَجْرُ دَعْوَى العِلْمِ .
إساءةُ الظنِّ بالنفْسِ ، وإحسانُه بالناسِ ؛ تَنَزُّهًا عن الوُقوعِ بهم .
وقد كان عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ إذا ذَكَرَ أَخلاقَ مَن سَلَفَ يُنشِدُ :

لا تَـعْـرِضَـنَّ بـذِكْـرِنــا مــــع ذِكْــرِهــمْ ليس الصحيحُ إذا مَشَى كالْمُقْعَدِ



45- زكاةُ العِلْمِ :
أَدِّ ( زَكاةَالعِلْمِ ) : صادعًا بالحَقِّ ، أمَّارًا بالمعروفِ ، نَهَّاءً عن الْمُنْكَرِ ،مُوازِنًا بينَ الْمَصالِحِ والْمَضَارِّ ، ناشرًا للعِلْمِ ، وحبِّ النفْعِ وبَذْلِ الجاهِ ، والشفاعةِ الحسَنَةِ للمسلمينَ في نوائِبِ الحقِّ والمعروفِ .
وعن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :
((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَوْعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ))، رواه مسلِمٌ وغيرُه .
قالَ بعضُ أهلِ العلْمِ : هذه الثلاثُ لا تَجتمِعُ إلا للعالِمِ الباذِلِ لعِلْمِه فبَذْلُه صَدَقَةٌ ، يُنْتَفَعُ بها ، والْمُتَلَقِّي لها ابنٌ للعالِمِ في تَعَلُّمِه عليه، فاحْرِصْ على هذه الْحِلْيَةِ ؛ فهي رأسُ ثَمرةِ عِلْمِكَ .
ولشَرَفِ العِلْمِ ؛ فإنه يَزيدُ بكثرةِ الإنفاقِ ، ويَنْقُصُ مع الإشفاقِ، وآفَتُه الكِتْمَانُ .
ولاتَحْمِلْكَ دَعْوَى فَسادِ الزمانِ ، وغَلَبَةِ الفُسَّاقِ ، وضَعْفِ إفادةِ النصيحةِ عن واجبِ الأداءِ والبَلاغِ ، فإن فَعَلْتَ ، فهي فِعْلَةٌ يَسوقُ عليها الفُسَّاقُ الذهَبَ الأحْمَرَ لِيَتِمَّ لهم الخروجُ على الفضيلةِ ورَفْعُ لواءِالرَّذيلةِ .

الشيخ:
الأدب الرابع والأربعون من آداب طالب العلم: العمل بالعلم، ويترتب على هذا أن تكون عارفا لمقدار نفسك، فإنه كلما ازداد الإنسان من العلم كلما احتقر نفسه وتواضع لغيره، وكلما نقص علم الإنسان ظنّ أنه قد حصّل العلم، فتكبّر فيه، ولذلك يحرص طالب العلم على العمل بما علمه.
الأدب الخامس والأربعون: الحرص على الدعوة ونشر العلم وبثّه في الأمّة، سواء إذا وجدت شخصا تاركا لما تعلمه من الخير والصدق أو في واسطة مجالس العلم، أو بالتأليف أو نحو ذلك.
وهكذا أيضا الحرص على نفع الآخرين بالشفاعة الحسنة لهم، والعلم يزيد بالتفقه منه، كلما دعوت إليه وعلّمت الناس بقي العلم في نفسك، وأعطاك الله علما لم تكن عالما به، وبارك الله بعلمك، وكلما تكاسل الإنسان في نشر العلم فإنه سينساه عن قرب، ولن يُبارك له بعلمه، بعض الناس يقول: الناس قد فسدوا، وتجاهلوا العلم.
فنقول: هذه تجعلك تحرص على كثرة التعلم، وتبذل الأسباب، فإذا فسد الناس وكثر الجهل فيهم، فلابد أن يقوم العلماء وطلبة العلم بالتعليم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام لا يعلّمون جيرانهم، وما بال أقوام لا يتعلّمون من جيرانهم"
والفسّاق يريدون من العلماء أن يسكتوا ولا ينشروا علما ولا يوجّهوا الناس وينصحوهم ليتمكّنوا من مرادهم في فسقهم، لكن ينبغي ألا نحقق مطلوبهم، وأن نحتسب للأجر في بث العلم.

يتبع..

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 29 ربيع الأول 1433هـ/21-02-2012م, 11:42 PM
ليلى باقيس ليلى باقيس غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 2,071
افتراضي

(3-3)
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
46- عِزَّةُ العُلماءِ:
التَّحَلِّي بـ ( عِزَّةِ العُلَمَاءِ ) : صيانةُ العِلْمِ وتَعظيمُه، وحمايةُ جَنابِ عِزِّه وشَرَفِه وبِقَدْرِ ما تَبْذُلُه في هذا يكونُ الكَسْبُمنه ومن العَمَلِ به ، وبِقَدْرِ ما تُهْدِرُه يكونُ الفَوْتُ ، ولا حولَ ولاقُوَّةَ إلا باللهِ العزيزِ الحكيمِ .
وعليه ؛ فاحْذَرْ أن يَتَمَنْدَلَ بكالكُبراءُ ، أو يَمْتَطِيَكَ السفهاءُ ، فتُلَايِنَ في فَتْوَى أو قضاءٍ أو بَحْثٍأو خِطابٍ .
ولا تَسْعَ به إلى أهلِ الدنيا ، ولا تَقِفْ به على أَعتابِهم ، ولاتَبْذُلْه إلى غيرِ أهلِه وإن عَظُمَ قَدْرُه .
ومَتِّعْ بَصَرَك وبَصِيرَتَكَبقِراءةِ التراجِمِ والسيَرِ لأَئِمَّةٍ مَضَوْا ، تَرَ فيها بَذْلَ النفْسِ فيسبيلِ هذه الحمايةِ لا سِيَّمَا مَن جَمَع مُثُلًا في هذا ؛ مثلَ كتابِ ( من أخلاقِالعُلماءِ ) لِمُحَمَّدٍ سليمانَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ ( الإسلامِ بينَالعُلماءِ والحكَّامِ ) لعبدِ العزيزِ البَدْرِيِّ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وكتابِ(مَناهِجِ العُلماءِ في الأمْرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنكَرِ ) لفاروقٍالسامَرَّائيِّ .
وأرجو أن تَرى أضعافَ ما ذَكَرُوه في كتابِ ( عِزَّةِالعُلَمَاءِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَه .
وقد كان العلماءُ يُلَقِّنُونَطُلَّابَهُم حِفْظَ قصيدةِ الْجُرجانيِّ عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ ( م سنةَ 392 هـ ) رَحِمَه الله تعالى كما نَجِدُها عندَ عددٍ من مُتَرْجِمِيهِ ، ومَطْلَعُها .
يـقـولـونَ لـــي فـيــك انـقـبـاضٌ وإنـمــا رَأَوْا رجُلًا عن مَوْضِعِ الذلِّ أَحْجَمَا
أرى الناسَ مَن داناهُم هانَ عِنْدَهمْ ومَـــن أَكـرَمَـتْـهُ عِـــزَّةُ الـنـفْـسِ أُكْـرِمَــا
ولـو أنَّ أهـلَ العلْـمِ صانُـوه صانَهُـمْ ولــو عَظَّـمُـوه فـــي الـنـفـوسِ لعَـظَّـمَـا

(لعَظَّمَا ) بفتحِ الظاءِالمعجَمَةِ الْمُشددةِ .

الشيخ:
قال المؤلف في الأدب السادس والأربعين: عزة العلماء، بحيث لا يبذل العلماء علمهم فيما لا يناسبه من المواطن والمحال، وبحيث لا يكون العلماء ممن يبذل علمه في تحقيق أهواء الناس وأغراضهم المخالفة للشريعة.
قال المؤلف: (التحلّي بـ "عزة العلماء") وفسّره: بصيانة العلم وتعظيمه وحماية جناب عزه.
قال: (فاحذر أن يتمندل بك الكبراء) يعني يجعلونك منديلا يمسحون به أيديهم، لماذا؟ لأنك تذل لهم، ومن ثَم يتوصلون بك إلى تحقيق أغراضهم.
(أو يمتطيك السفهاء) يعني يركبوك ويجعلوك مطيّة لهم، ومن ثَم:
(تلاين لهم في فتوى أو في قضاء أو في بحث أو في خطاب) ومما يترتب على هذا أن يعزّ طالب العلم نفسه، فلا يذهب إلى مجالس أهل الدنيا إلا إذا دعوه ليبلّغ حقّه، وأما أن يذهب إليهم ابتداء فليس هذا من طالب العلم.
(ولا تقف به على أعتابهم) وكثير من الأئمة يقول بأن مجالس العلم يُؤتى إليها، ولا يصح أن تُنقل مجالس العلم إلى مواطن أهل الدنيا، فيقال: إذا أردت التعلّم فتعال.
والإمام أحمد وغيره من الأئمة طلبهم السلاطين في وقتهم إلى أن ينقلوا حديثهم لمواطن السلطان فأبوا، وقال الواثق –في ظني-: أريد أن تعلم فلانا وفلانا من أبنائي، قال: فليحضروا إلينا وليتعلموا كما يتعلم غيرهم.
وجاء هشام بن عبد الملك فطاف بالبيت وجاءت له مسألة، فجاء إلى عطاء وكان يصلي، فما نقص من صلاته شيئا، ثم بعد ذلك أجاب الناس حتى جاء الدور إلى هشام بن عبد الملك فأجابه عن مسألته.
ولازال العلماء في الزمان الأول يأتيهم الولاة ويأتيهم الأمراء ويسألونهم في مسائلهم في بيوت العلماء، فالعلم يُؤتى إليه.
وذكر المؤلف نماذج من كتب أهل العلم التي ذكرت تراجم وسير لأئمة مضوا، حموا أنفسهم من إذلال علمهم لمثل هؤلاء، إلا أن بعض أهل العلم خصّ من هذا مجلس الإمام الأعظم، فالعلماء ينبغي بهم أن يحرصوا على سوق ما لديهم من علم إليه، ومثل هذا يختلف باختلاف اجتهاد المجتهدين.
وذكر المؤلف قصيدة الجرجاني وفيها شيء من هذا المعنى، وقد جاء في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بدا جفا ومن تتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السلاطين افتتن" وهذا له أسانيد متعددة يُقوّي بعضها بعضا.
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:

47- صِيانةُ العِلْمِ:
إنبَلَغْتَ مَنْصِبًا فتَذَكَّرْ أنَّ حَبْلَ الوَصْلِإليه طَلَبُكَ للعِلْمِ ، فبِفَضْلِ اللهِ ثم بسببِ عِلْمِك بلَغْتَ ما بَلَغْتَ منوَلايةٍ في التعليمِ ، أو الفُتْيَا أو القضاءِ ... وهكذا فأَعْطِ العِلْمَ قَدْرَهوحَظَّهُ من العمَلِ به وإنزالَه مَنْزِلَتَهُ .
واحْذَرْمَسْلَكَ مَن لا يَرْجُونَ للهِ وَقَارًا ، الذينيَجْعَلون الأساسَ ( حِفْظَ الْمَنْصِبِ ) فيَطْوُونَ أَلْسِنَتَهُم عن قولِالحَقِّ ، ويحملُهم حُبُّ الوَلايةِ على الْمُجَارَاةِ .
فالْزَمْرَحِمَكَ اللهُ – المحافَظَةَ على قِيمَتِكَ بحِفْظِ دِينِك ، وعِلْمِك وشَرَفِنفسِكَ ، بحِكْمَةٍ ودِرايةٍ وحُسْنِ سِياسةٍ : ( احْفَظْ اللهَيَحْفَظْكَ ) ( احْفَظِ اللهَ في الرخاءِ يَحْفَظْكَ في الشدَّةِ ... ) .
وإنأَصْبَحْتَعاطلًا من قِلادةِ الوِلايةِ – وهذا سبيلُك ولو بعدَ حينٍ – فلا بأسَ ؛ فإنه عَزْلُمَحْمَدَةٍ لا عَزْلُ مَذَمَّةٍ ومَنْقَصَةٍ .
ومنالعجيبِ أنَّ بعضَ مَن حُرِمَ قَصْدًا كبيرًا منالتوفيقِ لا يكونُ عندَه الالتزامُ والإنابةُ والرجوعُ إلى اللهِ إلا بعدَ(التقاعُدِ ) ، فهذا وإن كانت تَوبَتُه شرعيَّةً ؛ لكن دِينَه ودِينَ العجائزِ سواءٌ، إذ لا يَتَعَدَّى نَفْعُه ، أمَّا وَقْتُ وِلايتِه حالَ الحاجةِ إلى تَعَدِّينَفْعِه ؛ فتَجِدُه من أَعْظَمِ الناسِ فُجورًا وَضَرَرًا ، أو باردَ القلْبِأَخْرَسَ اللسانِ عن الْحَقِّ .فنَعوذُباللهِ من الْخِذلانِ .

الشيخ:
هذا أدب آخر من آداب طالب العلم وهو أن المرء إذا كان في منصب أو ولاية فلا ينبغي أن ينقطع عن طلب العلم، أو إقرائه وتدريسه ليبقى العلم عنده، وذلك أنه بالتعليم والتدريس يبقى هذا العلم الذي وصل به الإنسان إلى هذه الولاية، وبذلك يُرضي ربه جل وعلا، ويتواصل الناس بالعلم وتعليمه وبإقرائه، ويأخذ الخلف عن السلف، ويبقى العلم ويستمر في الأمة.
وأما إذا انقطع الإنسان عن التعلم والتعليم بسبب انشغاله بالولاية، فإن هذا يؤدّي إلى جعله من أهل الجهالة لأنه سينسى ذلك العلم الذي تعلّمه.
وكذلك ليُعلم أن ترك المنصب لا يعني منقصة في صاحبه، وبالتالي ينبغي أن يعوّد أصحاب المناصب أنفسهم أنهم سيتركون مناصبهم عما قريب، ولذلك عليهم أن يحرصوا على تقوى الله حال ولايتهم، وأن يبذلوا ما يستطيعونه من إقراء للعلم ومن أمر بالمعروف ونهي عن المنكر تقرّبا لله جل وعلا، وكذلك إذا عُزل الإنسان من منصبه لا ينبغي لطلبة العلم أن يقاطعوه بحيث إذا كان في المنصب وصلوه ودرسوا على يديه، وإذا انقطع عن المنصب قاطعوه، هذا ليس من شأن أهل العلم، بل إذا ترك منصبه فإن هذا عزل محمدة، ومن ثمّ ينبغي لطلبة العلم أن يطلبوا على يديه العلم، لأنه تفرّغ للإقراء حينئذ، ولا يُنقص ابتعاده عن قلادة الولاية، لا يُنقص ذلك من منزلته العلمية.
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
48- الْمُداراةُ لا الْمُداهَنَةُ :
الْمُداهَنَةُخُلُقٌ مُنْحَطٌّ ، أمَّا الْمُدارَاةُ فلا ، لكن لا تَخْلِطْ بينَهما فتَحْمِلَكالمداهَنَةُ إلى حَضَارِ النفاقِ مُجاهَرَةً ، والْمُداهَنَةُ هي التي تَمَسُّدِينَك .

الشيخ:
المداهنة:ترك بعض الأحكام الشرعية من أجل صاحبك، ومنه قوله تعالى: "ودّوا لو تدهن فيدهنون" كأن تترك الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، هذا مداهنة.
وأما المداراة: فهي المجاراة، بحيث قد لا أعرف للمسألة التي تكون سببا لإحراج أو مشكل، لكن المداهنة أن أوافقك وأنا لا أرى رأيك.
ومن أمثلة هذا: أن أعلم أن فلانا يعصي الله بالمعصية الفلانية، لكنه لا يعصي الله عندي، فلا أتعرض لهذا خشية من هروبه من الحق وابتعاده عما أقوله من الخير، فأرشده إلى ما يصلح قلبه، وإن لم أتعرض لمعصيته، كأن يكون على معصية سماع الأغاني، لكنه لا يسمعها لديّ، فأقوم بالحديث معه في الصلاة وأهميتها، كيف يستحضر قلبه في الصلاة، هو يصلي، فلأنه إذا استحضر القلب في الصلاة أثّر ذلك على بقيّة أمره.
لكن المداهنة؛ أن أقول له: لا بأس، أو أن أحضر المسجّل وأجعله يستمع للأغاني بحضرتي، أو أن أحضر ذلك المجلس، هذا مداهنة.
القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
49- الغَرامُبالْكُتُبِ :
شرَفُالعِلْمِ معلومٌ لعُمومِ نَفْعِه ، وشِدَّةُ الحاجةِإليه كحاجةِ البَدَنِ إلى الأنفاسِ ، وظهورُ النقْصِ بقَدْرِ نقْصِه ، وحصولُاللذةِ والسرورِ بقَدْرِ تحصيلِه ، ولهذا اشْتَدَّ غَرامُ الطُّلَّابِ بالطلَبِ ،والغَرامُ بجَمْعِ الكُتُبِ مع الانتقاءِ ، ولهم أَخبارٌ في هذا تَطُولُ ، وفيهمُقَيَّدَاتٌ في ( خبرِ الكِتابِ ) يَسَّرَ اللهُ إتمامَه وطَبْعَهُ .
وعليه،فأَحْرِز الأصولَ من الكُتُبِ ، واعْلَمْ أنه لا يُغْنِي منها كتابٌ عن كتابٍ ولاتَحْشُرْ مَكتَبَتَكَ وتُشَوِّشْ على فِكْرِك بالكُتُبِ الغُثَائِيَّةِ ، لاسِيَّمَا كُتبَ المبتدِعَةِ ؛ فإنها سُمٌّ ناقعٌ .
50- قِوامُمَكتَبَتِكَ :
عليكبالكُتُبِالْمَنسوجَةِ على طريقةِ الاستدلالِ ، والتَّفَقُّهِ في عِلَلِ الأحكامِ ،والغَوْصِ على أسرارِ المسائلِ ، ومن أَجَلِّها كتُبُ الشيخينِ شيخِ الإسلامِ ابنِتَيْمِيَةَ رَحِمَه اللهُ تعالى ، وتِلميذِه ابنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ رَحِمَهاللهُ تعالى ، وعلى الجادَّةِ في ذلك من قَبْلُ ومن بعدُ كُتُبُ :
الحافظُابنُعبدِ البَرِّ ( م سنة 463هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى، وأَجَلُّ كُتُبِه ( التمهيدُ ) .
الحافظُابنُقُدامَةَ (م سنة 620 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى، وأَرْأَسُ كُتُبِه ( الْمُغْنِي ) .
الحافظُ ابنُ الذهبيِّ (م سنة 748 هـ ) رَحِمَه اللهُتعالى .
الحافظُ ابنُ كثيرٍ (مسنة 774 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافِظُ ابنُ رَجَبٍ (م سنةَ 795 هـ ) رَحِمَه اللهُتعالى.
الحافظُ ابنُ حَجَرٍ (مسنةَ 852 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
الحافظُ الشوكانيُّ (م سنةَ 1250 هـ ) رَحِمَه اللهُتعالى .
الإمامُ مُحَمَّدُ بنُعبدِ الوَهَّابِ (م سنةَ 1206 هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى .
كُتُبُ عُلماءِ الدعوةِ، ومنأَجْمَعِها ( الدُّرَرُ السنِيَّةُ) .
العلامَةُ الصنعانيُّ (م سنةَ 1182هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى ، لاسِيَّمَا كتابُه النافعُ ( سُبُلُ السلامِ) .
العَلَّامَةُصِدِّيقُ حسن خان القنَّوجيُّ (م سنةَ 1307هـ ) رَحِمَهاللهُ تعالى .
العَلَّامَةُمحمَّدٌ الأمينُ الشِّنقيطيُّ (م سنة 1393هـ ) رَحِمَه اللهُ تعالى لا سِيَّمَاكتابُه ( أضواءُ البيانِ) .
51- التعامُلُمع الكتابِ :
لاتَسْتَفِدْ من كتابٍ حتى تَعْرِفَ اصطلاحَ مؤَلِّفِهفيه ، وكثيرًا ما تكونُ الْمُقَدِّمَةُ كاشفةً عن ذلك ، فابْدَأْ من الكتابِبقراءةِ مُقَدِّمَتِه .

52- ومنه :
إذاحُزْتَكِتابًا ؛ فلا تُدْخِلْه في مَكتبتِك إلا بعدَ أن تَمُرَّ عليه جَرْدًا أو قراءةًلِمُقَدِّمَتِه ، وفِهْرِسِه ، ومواضِعَ منه ، أمَّا إن جَعَلْتَه مع فَنِّه فيالْمَكتبةِ ؛ فرُبَّما مَرَّ زمانٌ وفاتَ العُمُرُ دونَ النَّظَرِ فيه ، وهذامُجَرَّبٌ ، واللهُ الْمُوَفِّقُ .

53- إعجامُالكتابةِ :
إذاكَتَبْتَ فأَعْجِم الكتابةَ بإزالةِ عُجْمَتِها ، وذلكبأمورٍ :
وضوحُالخطِّ .
رَسْمُهعلىضَوْءِ قواعدِ الرسْمِ ( الإملاءِ) .
وفيهذامؤلَّفاتٌ كثيرةٌ من أَهَمِّها :
(كتابُالإملاءِ ) لحسين والي . ( قواعدُ الإملاءِ ) لعبدِ السلامِ محمد هارون .
(الْمُفْرَدُ العَلَمُ ) للهاشميِّ ، رَحِمَهُم اللهُتعالى .
النَّقْطُللمُعْجَمِ والإهمالُ للمُهْمَلِ .
الشَّكْلُ لِمَا يُشْكِلُ .
تَثبيتُ عَلاماتِالترقيمِ في غيرِ آيةٍ أو حديثٍ .

الشيخ:
هذه آداب لطالب العلم متعلقة بالكتب، منها الحرص على الكتب جمعا، بحيث يجمع كل ما يمكن أن يستفيد منه من كتب أهل العلم، وذلك أن الكتب فيها علم كثير، وفيها ترتيب للمسائل، وتعين الإنسان على بحث ما يعرض إليه من مسائل الفقه والشرع.
الثاني: أن المرء حريص على استكمال مكتبته في الكتب في كل فن نافع، ومن ثمّ يكون لديه أصول المسائل.
الثالث: أن يحذر من الكتب المطوّلة التي فيها كلام كثير وفائدتها قليلة، خصوصا من كتب المعاصرين، فإن كلامهم كثير، وفائدته قليلة.
كذلك يحذر من كتب المبتدعة لأنهم يدسّون السم في الدسم، وقد يأتون بالكلمة لا يتفطّن الإنسان لما فيها، انظر مثلا في تفسير بعض المعتزلة، لما ذكر الجنة وما وضعه الله فيها من الخيرات، قال: ودخول الجنة أعلى نعيم يحصّله العبد، وهذا منطلق من عقيدة المعتزلية في نفي رؤية المؤمنين لله عز وجل التي هي أكمل النعيم، كما ورد في حديث جرير: فلا يُعطون شيئا أحب إليهم من ذلك، يعني من النظر إلى الله، فهذه لو قرأت الكتاب يمكن أن تمرّ عليك وترسخ في نفسك ولا تتبين وجه الحق فيها.
الأمر الرابع: أن يحرص على الكتب التي فيها استدلال بالأدلة، بحيث يتعوّد على الاستدلال ويتعوّد على استنباط الفوائد من الأدلّة الشرعية، ومن ثمّ يصبح ممن ارتبط بالدليل الشرعي، وقد ذكر المؤلف نماذج لمن كتب في ذلك.
الأمر الخامس: معرفة اصطلاحات أهل العلم في كتبهم، ومعرفة ترتيب كتب أهل العلم بحيث يبقى، أو قال: يكون المرء قادرا على فهم الكتاب متى قرأه، أما إذا قرأت كتابا وفسّرت هذا الكتاب بتفسيرات غير صاحب ذلك الكتاب فقد تقع في إشكالات كثيرة.
مثال هذا:
كلمة شيخ الإسلام نجد هذه الكلمة عند كثير من أهل العلم يريد بها شيخ الإسلام ابن تيمية، لكن هناك مؤلفات تريد غيره، كمؤلفات ابن السبكي الابن، إذا قال شيخ الإسلام فهو يريد والده، فإذا نسبت كلام السبكي إلى ابن تيمية بناء على أنه قد نُسب إلى شيخ الإسلام فقد وقعت في الخطأ، وهكذا في بقيّة المصطلحات.
ومن هنا لابد من قراءة مقدّمة الكتاب حتى تعرف المصطلحات، وأضرب لهذا مثلا:
في (كنز العمّال) هناك رموز، هذه الرموز مرّات إذا فسّرتها برموز غيره حينئذ وقعت في الخطأ، ط. س ماذا تعني؟ الطبراني في الأوسط، غيره يريد بها، الطيالسي مثلا، فحينئذ احذر من مثل هذا.
كذلك ينبغي بك قبل أن تدخل الكتاب في مكتبتك أن تعرف طريقته، وأن تقرأ مقدمته وخاتمته، وأن تمرّ على شيء من مسائله، وأما إذا وضعت الكتاب في محلّه في المكتبة من دون أن تنظر فيه فقد لا تتمكن من قراءته ولا معرفته في وقت آت.
كذلك ينبغي للإنسان في الكتب أن يحرص على إبراز الكتب النافعة لتكون قريبة من متناول يده، بينما الكتب التي تقل فائدتها أو تقل مراجعته لها يضعها في مكان أقصى قليلا، وينبغي فيه أن يحرص على اختيار كتاب جامع في كل فن بحيث إذا أشكل عليه شيء راجع ذلك الكتاب، وبذلك يعرف مواطن بحث المسائل في ذلك الكتاب لئلا يقع في زلل فيه.
وهناك أيضا ما يتعلّق بتعليقات الإنسان أو بكتابته، ينبغي أن يتأنّى فيها، لا تكتب تعليقا حتى تفكّر هل هذا التعليق مناسب أو لا.
كم من مرة كتبت تعليقا ثم ------ على نفسك وعرفت خطأك في هذا التعليق بعد مدة قليلة، فلا تكتب التعليق إلا بعد تأمّل وتفكّر، وإذا كتبت فاحرص على وضوح الخط، واحرص على أن يكون جليّا، واحرص على أن يكون منقوطا، واحرص على أن يكون واضح الأسلوب يفهمه كل من قرأه.

القارئ: قال المؤلف غفر الله له ولشيخنا:
الفصلُالسابعُ
الْمَحاذِيرُ
54- حِلْمُاليَقَظَةِ :
إيَّاكو ( حِلْمَ اليَقَظَةِ ) ، ومنه بأن تَدَّعِيَ العلْمَلِمَا لم تَعْلَمْ ، أو إتقانَ ما لم تُتْقِنْ ، فإن فَعَلْتَ ؛ فهو حِجابٌ كَثيفٌعن الْعِلْمِ .

55- احْذَرْ أن تكونَ ( أبا شِبْرٍ) :
فقدقيلَ : العلْمُ ثلاثةُ أَشبارٍ ، مَندَخَلَ في الشبْرِ الأَوَّلِ ؛ تَكَبَّرَ ؛ وَمَنْ دَخَلَ في الشبْرِ الثاني ؛تَواضَعَ ، ومَن دَخَلَ في الشبْرِ الثالثِ ؛ عَلِمَ أنه ما يَعْلَمُ .

56- التَّصَدُّرُقبلَ التأَهُّلِ:
احْذَرِالتَّصَدُّرَ قبلَ التأَهُّلِ ؛ فهو آفةٌ في العِلْمِ والعَمَلِ .
وقدقيلَ : مَنتَصَدَّرَ قبلَ أَوانِه ؛ فقد تَصَدَّى لِهَوَانِهِ .

57- التَّنَمُّرُ بالعِلْمِ :
احْذَرْمايَتَسَلَّى به الْمُفْلِسُونَ من العِلْمِ ، يُراجِعُ مسألةً أو مسألتين، فإذا كانفي مَجلسٍ فيه مَن يُشارُ إليه ؛ أثارَ البحثَ فيهما ؛ ليُظْهِرَ عِلْمَه ، وكم فيهذا من سَوْأَةٍ ، أقَلُّها أن يَعلمَ أنَّ الناسَ يَعلمونَ حقِيقَتَه . وقدبَيَّنْتُهذه مع أخواتٍ لها في كتابِ ( التعالمِ ) والحمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ .
58- تَحْبِيرُ الكَاغَدِ :
كمايكونُالحذَرُ من التأليفِ الخالي من الإبداعِ في مَقاصِدِ التأليفِ الثمانيةِ، والذينِهايتُه ( تَحبيرُ الكاغَدِ ) فالْحَذَرَ من الاشتغالِ بالتصنيفِ قبلَ استكمالِأَدواتِه ، واكتمالِ أهْلِيَّتِكَ ، والنضوجِ على يَدِ أشياخِك ؛ فإنك تُسَجِّلُ بهعارًا ، وتُبْدِي به شَنَارًا .
أمَّاالاشتغالُ بالتأليفِ النافعِ لِمَن قامَتْ أهْلِيَّتُه، واستَكْمَلَ أَدواتِه وتَعَدَّدَتْ مَعارِفُه ، وتَمَرَّسَ به بَحْثًا ومُراجعةًومُطالَعَةً وجَرْدًا لِمُطَوَّلاتِه وحِفْظًا لِمُخْتَصَرَاتِه ، واستذكارًالمسائلِه ؛ فهو من أَفْضَلِ ما يَقومُ به النُّبلاءُ من الفُضلاءِ .
ولاتَنْسَ قولَالْخَطيبِ : ( مَن صَنَّفَ ؛ فقد جَعَلَ عقْلَه على طَبَقٍ يَعْرِضُه على الناسِ) .

59- مَوْقِفُكَ مِن وَهْمِ مَن سَبَقَكَ :
إذاظَفِرْتَ بوَهْمٍ لعالِمٍ ؛ فلا تَفْرَحْ به للحَطِّمنه ، ولكن افْرَحْ به لتصحيحِ المسألةِ فقطْ ؛ فإنَّ الْمُنْصِفَ يَكادُ يَجْزِمُبأنه ما من إمامٍ إلا وله أغلاطٌ وأوهامٌ ، لا سِيَّمَا الْمُكْثِرِين منهم .
ومايُشَغِّبُبهذا ويَفْرَحُ به للتَّنَقُّصِ ؛ إلا مُتعالِمٌ ( يُريدُ أن يُطِبَّ زُكامًافيُحْدِثَ به جُذَامًا ) .
نعمْ؛ يُنَبِّهُ على خَطأٍ أو وَهْمٍ وَقَعَ لإمامٍ غُمِرَفي بَحْرِ عِلْمِه وفَضْلِه لكن لا يُثيرُ الرَّهَجَ إليه بالتنَقُّصِ منهوالْحَطِّ عليه فيَغْتَرَّ به مَن هو مِثْلُه .

60- دَفْعُ الشُّبُهَاتِ :
لاتَجْعَلْ قلبَك كالسِّفِنْجَةِتَتَلَقَّى ما يَرِدُ عليها فاجْتَنِبْ إثارةَ الشُّبَهِ وإيرادَها على نفسِك أوغيرِك ،
فالشُّبَهُ خَطَّافةٌ والقلوبُ ضَعيفةٌ وأَكْثَرُ مَنيُلْقِيهَا حَمَّالَةُ الْحَطَبِ – المبتَدِعَةُ – فتَوَقَّهُم .
61- احْذَر اللَّحْنَ :
ابْتَعِدْ عن اللحْنِ في اللفظِ والكُتُبِ؛ فإنَّ عَدَمَاللحْنِ جَلالةٌ وصفاءُ ذوقٍ ووُقوفٌ على مِلاحِ المعاني لسلامةِ الْمَبانِي ؛ فعنعمرَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنه قالَ : ( تَعَلَّمُوا العربيَّةَ ؛ فإنها تَزيدُ فيالْمُروءةِ ) .
وقد وَرَدَ عن جَماعةٍ من السلَفِ أنهم كانوايَضْرِبُونَ أولادَهم على اللَّحْنِ .
وأَسْنَدَ الخطيبُ عنالرَّحْبيِّ قالَ : ( سَمِعْتُ بعضَ أصحابنِا يَقولُ : إذا كَتَبَ لَحَّانٌ ،فكَتَبَ عن اللَّحَّانِ لَحَّانٌ آخَرُ ؛ صارَ الحديثُ بالفارِسِيَّةِ ) !. وأَنْشَدَ الْمُبَرِّدُ :
النحوُ يَبْسُطُ من لسانِ الأَلْكَنِ والــــمــــرءُ تُـــكْـــرِمُـــه إذا لـــــــــم يَـــلْـــحَـــنِ
فــــإذا أرَدْتَ مـــــن الـعــلــومِ أَجَـلَّــهــا فــأَجَــلُّــهــا مــنـــهـــا مُــقـــيـــمُ الأَلْــــسُــــنِ

وعليه ، فلا تَحْفَلْ بقولِ القاسمِ بنِ مُخَيْمِرَةَرَحِمَه اللهُ تعالى : ( تَعَلُّمُ النَّحْوِ : أوَّلُه شُغْلٌ وآخِرُه بَغْيٌ) .
ولا بقولِ بِشْرٍ الحافِي رَحِمَه اللهُ تعالى : (لَمَّا قيلَ له : تَعَلَّم النحْوَ قالَ : أَضِلُّ ، قالَ : قلُ: ضَرَبَ زَيْدٌعَمْرًا . قالَ بِشْرٌ : يا أخي ! لِمَ ضَرْبُه ؟ قالَ : يا أبا نَصْرٍ ! ماضَرَبَه، وإنما هذا أصْلٌ وُضِعَ . فقالَ بِشْرٌ : هذا أَوَّلُه كَذِبٌ ، لا حاجةَلي فيه ) .رواهما الخطيبُ في ( اقتضاءِ العِلْمِ العَمَلَ) .

62-الإجهاضُ الفكريُّ :
احْذَر ( الإجهاضَ الفِكْرِيَّ ) ؛ بإخراجِ الفِكرةِ قبلَنُضُوجِها .

63- الإسرائيلياتُ الجديدةُ :
احْذَرالإسرائيليَّاتِ الجديدةَ في نَفَثَاتِ المستشرقين منيهودَ ونَصَارَى ؛ فهي أشدُّ نِكايةً وأعظَمُ خَطَرًا من الإسرائيليَّاتِ القديمةِ؛ فإنَّ هذه قد وَضَحَ أمْرُها ببيانِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَالموْقِفَ منها ؛ ونَشْرِ العُلماءِ القولَ فيها ، أمَّا الجديدةُ الْمُتَسَرِّبَةُإلى الفِكْرِ الإسلاميِّ في أعقابِ الثورةِ الحضارِيَّةِ واتِّصالِ العالَمِ بعضِهببعضٍ ، وكَبْحِ المدِّ الإسلاميِّ ؛ فهي شرٌّ مَحْضٌ وبلاءٌ متَدَفِّقٌ ، وقدأخذَتْ بعضَ المسلمينَ عنها سِنَةٌ ، وخَفَضَ الْجَناحَ لها آخَرونَ فاحْذَرْ أنتَقَعَ فيها ، وَقَى اللهُ المسلمينَ شَرَّهَا .

64- احْذَرْ الْجَدَلَالبِيزَنْطيَّ :
أيالجدَلَ العقيمَ أو الضئيلَ ، فقد كان البيزنطِيُّونَ يَتَحَاوَرُونَ في جِنْسِالملائكةِ والْعَدُوُّ على أبوابِ بَلْدَتِهم حتى دَاهَمَهم .
وهكذاالْجَدَلُ الضئيلُ يصُدُّ عن السبيلِ .
وهَدْيُالسلَفِ كان الكَفَّ عن كَثرةِالخِصامِ والْجِدالِ ، وأنَّ التوَسُّعَ فيه من قِلَّةِ الوَرَعِ ؛ كما قالَالحسَنُ إذ سَمِعَ قَوْمًا يَتجادلونَ : ( هؤلاءِ مَلُّوا العِبادةَ وخَفَّ عليهمالقولُ ، وقَلَّ وَرَعُهم فتَكَلَّموا) . رواهأحمدُ في ( الزهْدِ ) وأبو نُعَيْمٍفي ( الْحِلْيَةِ).
65-لا طائفِيَّةَ ولا حِزبيَّةَ يُعْقَدُالولاءُ والبَرَاءُ عليها :
أهلُ الإسلامِ ليس لهم سِمَةٌ سوىالإسلامِ والسلامِ : فيا طالبَ العلْمِ ! بارَكَ اللهُ فيك وفي عِلْمِك ؛ اطْلُبالعِلْمَ واطْلُب العملَ وادْعُ إلى اللهِ تعالى على طَريقةِ السلَفِ .
ولاتَكُنْ خَرَّاجًا وَلَّاجًا في الجماعاتِ ، فتَخْرُجَ من السَّعةِ إلى القوالِبِالضيِّقَةِ فالإسلامُ كلُّه لك جَادَّةً ومَنْهَجًا والمسلمونَ جَميعُهم همالجماعةُ وإنَّ يدَ اللهِ مع الجماعةِ ، فلا طائفِيَّةَ ولا حِزبيَّةَ في الإسلامِ .
وأُعِيذُكَ باللهِ أن تَتَصَدَّعَ ، فتكونَ نَهَّابًا بينَ الفِرَقِ والطوائفِوالْمَذاهِبِ الباطلةِ والأحزابِ الغاليةِ ، تَعْقِدُ سُلطانَ الوَلاءِ والبَرَاءِعليها فكُنْ طالِبَ عِلْمٍ على الْجَادَّةِ ؛ تَقْفُو الأَثَرَ ، وتَتْبَعُالسُّنَنَ ، تَدْعُو إلى اللهِ على بَصيرةٍ ، عارفًا لأهلِ الفَضْلِ فَضْلَهموسابِقَتَهم .
وإنَّ الحزبيَّةَ ذاتَ المساراتِ والقوالِبِ الْمُستحدَثَةِ التيلم يَعْهَدْها السلَفُ من أَعْظَمِ العوائقِ عن العِلْمِ ، والتفريقِ عن الجماعةِ ،فكم أَوْهَنَت حَبْلَ الاتِّحادِ الإسلاميِّ وغَشِيَت المسلمينَ بسَبَبِهاالغَوَاشِي .
فاحْذَرْ رَحِمَكَ اللهُ أَحزابًا وطَوائفَ طافَ طائفُها ونَجَمَبالشرِّ ناجِمُها فما هي إلا كالْمَيَازِيبِ؛ تَجْمَعُ الماءَ كَدَرًا ،وتُفَرِّقُه هَدَرًا ؛ إلا مَن رَحِمَه ربُّك ، فصارَ على مِثْلِ ما كان عليهالنبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابُه رَضِي اللهُ عَنْهُم .
قالَابنُ القَيِّمِ رَحِمَه اللهُ تعالى عندَ عَلَامَةِ أهلِ العُبودِيَّةِ : ( العَلامةُ الثانيةُ : قولُه : ( ولم يُنْسَبُوا إلى اسمٍ ) ؛ أي : لم يَشْتَهِرواباسمٍ يُعرَفون به عندَ الناسِ من الأسماءِ التي صارَتْ أعلامًا لأهلِ الطريقِ ) .
وأيضًا ؛ فإنهم لم يَتَقَيَّدُوا بعَمَلٍ واحدٍ يُجْرَى عليهم اسْمُه ،فيُعْرَفون به دونَ غيرِه من الأعمالِ ؛ فإنَّ هذا آفةٌ في العُبوديَّةِ ، وهيعُبودِيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ .
وأمَّا العُبوديَّةُ المطلَقَةُ ؛ فلا يُعْرَفُصاحبُها باسمٍ مُعَيَّنٍ من معاني أسمائِها ؛ فإنه مُجيبٌ لداعيها على اختلافِأنواعِها ، فله مع كلِّ أهلِ عُبودِيَّةٍ نصيبٌ يَضْرِبُ معهم بسَهْمٍ ؛ فلايَتَقَيَّدُ برَسْمٍ ولا إشارةٍ ولا اسمٍ ولا بِزِيٍّ ولا طريقٍ وَضْعِيٍّاصطلاحيٍّ ، بل إن سُئِلَ عن شَيخِه ؟ قالَ : الرسولُ . وعن طريقِه ؟ قال : الاتِّباعُ . وعن خِرْقَتِه قال : لِباسُ التَّقْوَى ، وعن مَذْهَبِه ؟ قالَ : تَحكيمُ السُّنَّةِ . وعن مَقْصِدِه ومَطْلَبِه ؟ قالَ : { يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } . وعن رِباطِه وعن خَانْكَاهُ ؟ قالَ : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُيُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌوَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ }وعن نَسَبِه ؟ قالَ :
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سِوَاهُ إذا افْتَـخُـروا بقـيْـسٍ أو تَـمِـيـمِ
وعن مَأْكَلِه ومَشْرَبِه ؟ قال : ( مالك ولها ؟ معها حِذاؤُها وسِقاؤُها ، تَرِدُ الماءَ وتَرْعَى الشَّجَرَ حتى تَلْقَىرَبَّهَا ) .
واحسـرتـاه تَـقَـضَّـى الـعُـمْـرُ وانْـصَـرَمَـتْ سـاعـاتُــه بــيـــنَ ذُلِّ الـعَــجْــزِ والْـكَــسَــلِ
والقـوْمُ قـد أَخَــذُوا دَرْبَ النـجـاةِ وقــدْ ساروا إلى الْمَطْلَبِ الأَعْلَى على مَهَلِ
ثم قالَ : ( قولُه : ( أولئك ذخائرُاللهِ حيث كانوا ) ؛ ذخائرُ الْمُلْكِ : ما يُخَبَّأُ عندَه ويَذْخَرُهلِمُهِمَّاتِه ، ولا يَبْذُلُه لكلِّ أحدٍ ؛ وكذلك ذَخيرةُ الرجُلِ : ما يَذْخَرُهلحوائجِه ومُهِمَّاتِه ، وهؤلاءِ ؛ لَمَّا كانوا مَسْتُورِينَ عن الناسِ بأَسبابِهم، غيرَ مُشارٍ إليهم ، ولا مُتَمَيِّزِينَ بِرَسْمٍ دونَ الناسِ ، ولا مُنتسبينَإلى اسمِ طريقٍ أو مَذهَبٍ أو شيخٍ أو زِيٍّ ؛ كانوا بِمَنْزِلَةِ الذخائرِالمخبوءةِ، وهؤلاءِ أَبْعَدُ الْخَلْقِ عن الآفاتِ ؛ فإنَّ الآفاتِ كلَّها تَحتَالرسومِ والتقَيُّدِ بها ، ولزومِ الطرُقِ الاصطلاحيَّةِ والأوضاعِ المتداوَلَةِالحادِثَةِ .
هذه هي التي قَطَعَتْ أكثرَ الخلْقِ عن اللهِ وهم لا يَشعرون .
والعَجَبُ أنَّ أَهْلَها هم الْمَعروفون بالطلَبِ والإرادةِ ، والسيْرِ إلىاللهِ وهم – إلا الواحدَ بعدَ الواحدِ – الْمَقطوعون عن اللهِ بتلك الرسومِوالقُيودِ .
وقد سُئِلَ بعضُ الأئِمَّةِ عن السُّنَّةِ ؟ فقالَ : ما لا اسمَ لهسِوَى ( السُّنَّةِ ) .
يعني : أنَّ أهلَ السُّنَّةِ ليس لهم اسمٌ يُنْسَبُونإليه سِواهَا .
فمِن الناسِ مَن يَتَقَيَّدُ بلِباسِ غيرِه ، أو بالجلوسِ فيمَكانٍ لا يَجْلِسُ في غيرِه أو مِشْيَةٍ لا يَمْشِي غيرَها أو بِزِيٍّ وهيئةٍ لايَخْرُجُ عنهما ، أو عبادةٍ مُعَيَّنَةٍ لا يَتَعَبَّدُ بغيرِها وإن كانت أَعْلَىمنها أو شيخٍ مُعَيَّنٍ لا يُلْتَفَتُ إلى غيرِه، وإن كان أَقْرَبَ إلى اللهِورسولِه منه .
فهؤلاءِ كلُّهم مَحجوبون عن الظَّفَرِ بالمطلوبِ الأعلىمَصْدُودُون عنه، قد قَيَّدَتْهُم العوائِدُ والرُّسومُ والأوضاعُ والاصطلاحاتُ عنتَجريدِ المتابَعَةِ فأَضْحَوْا عنها بِمَعْزِلٍ، ومَنزِلتُهم منها أبْعَدُمَنْزِلٍ ، فتَرَى أحدَهم يَتَعَبَّدُ بالرياضةِ والْخَلْوَةِ وتَفريغِ القَلْبِويَعُدُّ العِلْمَ قاطعًا له عن الطريقِ فإذا ذُكِرَ له الْمُوالاةُ في اللهِوالْمُعاداةُ فيه والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكَرِ ؛ عَدَّ ذلك فُضولًاوشَرًّا ، وإذا رَأَوْا بينَهم مَن يَقومُ بذلك أَخْرَجُوه من بينِهم وَعَدُّوهغَيْرًا عليهم ، فهؤلاءِ أَبْعَدُ الناسِ عن اللهِ ، وإن كانوا أكثرَ إشارةً . واللهُ أَعْلَمُ ) اهـ .

66- نَوَاقِضُ هذهالْحِلْيَةِ :
ياأخي – وَقَانا اللهُ وإيَّاكَ العثراتِ – إن كنتَقَرَأْتَ مَثَلًا من ( حِليةِ طالبِ العِلْمِ ) وآدابِه وعَلِمْتَ بعضًا مننواقِضِها ؛ فاعْلَمْ أنَّ مِن أَعْظَمِ خَوارِمِها الْمُفْسِدَةِ لنظامِعِقْدِها :
إفشاءَ السرِّ .
ونَقْلَ الكلامِ من قومٍإلى آخرينَ .
والصلَفَ واللسانَةَ .
وكثرةَ الْمِزاحِ .
والدخولَ في حديثٍ بينَاثنينِ .
والحقْدَ .
والحسَدَ .
وسوءَالظنِّ .
ومُجالَسَةَ المبتَدِعةِ .
ونَقْلَالْخُطَى إلىالْمَحَارِمِ .

فاحْذَرْهذه الآثامَوأخواتِها واقْصُرْ خُطاكَ عن جميعِ الْمُحَرَّمَاتِ والْمَحارِمِ فإن فعلتَ وإلافاعْلَمْ أنك رَقيقُ الدِّيانةِ خَفيفٌ لَعَّابٌ مُغْتَابٌ نَمَّامٌ فأَنَّى لك أنتكونَ طالبَ عِلْمٍ ، يُشارُ إليك بالبَنانِ ، مُنَعَّمًا بالعِلْمِ والعمَلِ .
سَدَّدَاللهُ الْخُطَى ،ومَنَحَ الجميعَ التقْوَى وحُسْنَ العاقِبَةِ في الآخرةِ والأُولَى .
وصَلَّىاللهُ علىنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلى آلِه وصَحْبِه وسَلَّمَ .
بكرُبنُ عبدِ اللهِ أبوزَيْدٍ
25/10/1408 هـ .


الشيخ:
لما انتهى المؤلف رحمه الله من آداب طالب العلم ذكر عددا من المسائل التي ينبغي لطالب العلم أن يحذرها:
أول هذه الأمور: حلم اليقظة، بأن يتمنى على الله الأماني وهو لم يفعل الأسباب فحينئذ يوقعه ذلك في المهالك، يجعل نفسه تزهو وتظن أن لديها شيئا، وهكذا أيضا إذا لم يتقن الإنسان العلم فقد تغرّه نفسه، ويعجب بها لأنه لم يعرف العلم.
وكذلك من المحاذير أن يتصدّر الإنسان للتعليم أو الإقراء أو التأليف قبل أن يكون متأهلا، مثل جلوسي بين أيديكم اليوم، نسأل الله السلامة.
وأيضا التنمر بالعلم؛ بأن يحاول الإنسان إبراز نفسه أن عنده علما وهو لم يعرف إلا مسألة أو مسألتين، فإذا وجد عالما أراد أن يردّ ذلك العالم في هذه المسألة، وكلما وجد حلقة علميّة كتب سؤالا في تلك المسالة من أجل أن يناقش العالم بعد الدرس، أنت لم تفهم المسألة، هذه المسألة قد قال فيها فلان كذا وكذا من أجل أن يبرز نفسه، مما يتعلّق بهذا، المبادرة إلى التأليف بدون أن يكون هناك هدف صحيح في الكتابة والتأليف، أو يكون هناك عدم قدرة للكتابة في هذا العلم والإحاطة به فيكتب حينئذ ولكن لابد أن يكون لنا هدف في المؤلفات قبل أن نكتب فيها.
كذلك إذا وجدنا وهما أو خطأ لبعض أهل العلم لا ينبغي أن نبادر فيه، وأن نعلنه وأن نشهره رغبة في إظهار أنفسنا، وإنما نحاول تصحيح الأمر بما نستطيع بما لا يكون سببا، أو بما يكون مظهرا للعلم ومبيّنا للحق، وبما لا يكون منقصا لمقدار ذلك العالم، فإنه ما من أحد إلا ويحتمل أن يقع في خطأ وزلل.
وكذلك من المحاذير أن تحذر من الشبهات، الشيطان حريص على قلبك يُلقي فيه شبهة بعد شبهة، ودعاة الضلالة يتكلّمون عنك يمينا وشمالا، فاحذر لا يتعلّق قلبك بهذه الشبهات، لا تكن كالاسفنجة كلما جاءها شبهة التقطتّها، وإنما كن كالزجاجة تشاهد الشبهات ثم بعد ذلك لا تتشبّع بها، ثم بعد ذلك اعرف أنه ما من شبهة إلا وفي كتاب الله جوابها، وفي كلام أهل العلم جوابها، ولا تستعجل إذا كان عندك أمر يقيني وألقى إنسان عليك شبهة في ذلك، فقل: انتظر، عندي أمور يقينية كيف أتركها من أجل شبهة.
كذلك يحذر الإنسان من الخطأ في النحو، ويحاول أن يقرأ الشيء مرة وثنتين وثلاثا قبل قراءته في الدرس ليضبط ما يقرؤه، وليتعلم منه الناس والحضور الصواب فيما يتكلمه من الكلام.
إذا كان طلبة العلم يخطئون في النحو أو يخطئون في طريقة كلام في طريقة لفظ بعض الكلمات، فحينئذ ينتشر مثل هذا، وتوجد نفرة من الناس لمن يُخطئ في النحو.
كذلك لا ينبغي بك أن تتكلم بكلمة إلا إذا تفكّرت فيها، وعرفت أدلتها وأقوال أهل العلم فيها، ووازنت فيها، ونظرت إلى عواقبها ومآلاتها، أما إذا جاءت في ذهنك كلمة، مباشرة قلتها، وأنت لا تعلم هل هي من وساوس الشياطين، أو هي من الشبهات هذا لا ينبغي بطالب العلم، لأنه قد يتكلّم الإنسان بكلمة ويأتي جوابها بعد قليل، وقد تتكلّم بالشبهة والجواب عنها في ثنايا الدرس.
هكذا في زماننا،وُجد من يحاول أن يبثّ أفكارا خاطئة، ويبثّ قصصا كاذبة، ويبثّ قناعات باطلة، فينبغي للإنسان أن لا يستثيره ذلك، فيجعله يتقبّل بها بدون أن يفكّر في حقيقتها، لأن مثل هذه المقالات ليس لها إسناد صحيح، وإنما هي شبهات وبالتالي لا يستعجل الإنسان بتصديقها ويراجع أهل الشأن فيها.
مما يتعلق بهذا أن نجتنب الكلام في المسائل التي لا فائدة فيها، والمسائل، هنا قاعدة: وهي أن المسائل التي لا يترتب عليها عمل، لا تحرص على الترجيح فيها، ---- الأقوال وشيئا من الأدلة وانطلق منها، ولا تتعب نفسك فيها، هل جنّة آدم هي الجنّة المعتادة أو جنّة على الأرض؟ ما الثمرة وما الفائدة، أيهما أرجح وأفضل الملائكة أو بنو آدم؟ ما ثمرتنا من هذا، ونحو هذا من المسائل.
كذلك نحذر كل الحذر من تفريق أهل الإسلام، نحن أمة واحدة من جاء يريد أن يفرّق كلمتنا فلا يجوز أن نلتفت إليه، لا يجوز أن نستجيب له، بل الواجب إسكاته، من دعا إلى طائفة أو إلى حزب أو إلى جماعة ليكون الولاء والبراء عليها ينبغي بل يجب أن يكون ولاؤنا لله، وعداؤنا لله، ليس من أجل فلان ولا من أجل فلان، وإنما لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي هذه الجماعات وهذه الحزبيات لا يجوز للإنسان أن ينضم إليها، أو يكون واحدا منها، أو أن يعاهد ويبايع فيها، أو أن يكون مناصرًا لها وإنما النصرة تكون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأهل الإيمان، وأما من جاءنا يريد أن يكون الولاء والبراء على أمور مغايرة لذلك، فحينئذ لا يصح منا أن ننضوي تحت لوائه، وكم من صاحب بدعة أو صاحب تحزّبات يحاول أن يضمّ الناس إليه من أجل أن يفاخر بهم، وأن يذكر أن جماعته وحزبه وطريقته هي الأقوى، وأن أتباعها الأكثر، وبالتالي فكل من أرادنا أن نجتمع على غير منهاج شرعي فلن نقبل منه.
وكذلك بعض الناس يظهر جزءا من أجزاء الشريعة من أجل أن يضم الناس إليه، يقول: تعالوا نحن أهل الصلاة، هل معنى هذا، أن نترك بقية الأحكام، إن كان يريد منا أن نترك بقية أركان الشريعة فلا يجوز أن نقبل منه.
وكذلك إذا جاءنا يريد منا أن يكون العمل والاجتماع على شيء لم ترد به الشريعة فلا يجوز لنا أن تلتفت إليه.
قال المؤلف: وأنهى عنك هذه والرباط، هذه المواطن تجعلها بعض الطوائف للعبادة أو للتقرب لله، وحينئذ نحن لا نلتفت إلى هذا، نلتفت إلى بيوت الله إلى المساجد، كذلك لا ينبغي أن يكون ولاؤنا وتحزّبنا لزيد من الناس مهما كانت منزلته، وإنما نتحزّب لكتاب الله ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر المؤلف بعض العثرات ومنها:
إفشاء الأسرار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المجالس بالأمانة" وإفشاء السر نوع من أنواع الخيانة، والخيانة بئست البطانة.
كذلك لا يكون المؤمن طالب العلم من أهل النميمة، ينقل كلام هؤلاء إلى هؤلاء، وكلام هؤلاء إلى هؤلاء، ليفسد بينهم، فهذا من أكبر المحرّمات، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة قتات" يعني: نمام.
من العوارض والعثرات: الصلف؛ بأن يتكلم الإنسان بالكلام الغليظ غير الرقيق اللين، وكذلك اللسانة والرطانة، اللسانة: بأن يتكلم بلسان قوي يتخلل في لسانه ليظهر قدرته على الناس وليس ذلك الكلام مبنيا على أصول علمية.
كذلك كثرة المزاح يجتنبه الإنسان، ويجتنبه طالب العلم، لأنه يخف من منزلته ويجعل الناس لا يقبلون ما لديه من العلم.
هكذا أيضا الدخول في حديث بين اثنين، لأنهما لم ينعزلا إلا لحديث خاص بينهما، فدخول طالب العلم بينهما يقلّ من منزلته.
كذلك حقد الآخرين، والحقد والحسد فإن هذه ليست من صفات طالب العلم، سواء كان حسدا لطلب العلم، الحسد المذموم بتمنّي زوال النعمة عن الآخرين، أو كان بالحسد على ما أوتيه البعض من أمور الدنيا.
وكذلك يجتنب سوء الظن في الآخرين، يشتغل بما ينفع ويترك سوء الظن، وكذلك يجتنب طالب العلم مجالسة المبتدعة، لأنه سيُظن أنه منهم، وقد تعلق بقلبه بعض بدعهم من حيث لا يشعر، ثم إنهم يتقوّوْن بذلك، فلانا يزورنا وفلانا يجالسنا.
كذلك يجتنب طالب العلم المعاصي والذنوب لأنها تطمس العلم طمسًا، وتطمس على القلب كما قال تعالى: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون".
هذا شيء مما ذكره المؤلف واختصرنا فيما يتعلّق بالمحاذير لقلّة الوقت، فلعلّكم تعذروننا في هذا، نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم علما نافعا وعملا صالحا، كما نسأله سبحانه أن يصلح أحوال الأمة، وأن يردهم إلى دينهم ردّا جميلا، هذا والله أعلم وصلّى الله على نبينا محمد.

والحمدلله




هذا شيء مما ذكره المؤلف واختصرنا فيما يتعلّق بالمحاذير لقلّة الوقت، فلعلّكم تعذروننا في هذا، نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم علما نافعا وعملا صالحا، كما نسأله سبحانه أن يصلح أحوال الأمة، وأن يردهم إلى دينهم ردّا جميلا، هذا والله أعلم وصلّى الله على نبينا محمد


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 16 ذو القعدة 1433هـ/1-10-2012م, 01:16 AM
الحارث الحارث غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 230
افتراضي تفريغ شرح مقدمة حلية طالب العلم

تفريغ شرح مقدمة حلية طالب العلم للشيخ سعد الشثري حفظه الله

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 16 ذو القعدة 1433هـ/1-10-2012م, 01:30 AM
الحارث الحارث غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 230
افتراضي

تفريغ شرح مقدمة حلية طالب العلم للشيخ سعد الشثري حفظه الله

الملفات المرفقة
نوع الملف: rar الشيخ سعد بن ناصر الشثري حفظه الله.rar‏ (33.3 كيلوبايت, المشاهدات 24)
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 16 ذو القعدة 1433هـ/1-10-2012م, 08:15 AM
الحارث الحارث غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 230
افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته :
- وضعت التفريغ على ملف وورد.
- وضعت تفريغ مقدمة الشرح أولا للشيخ سعد الشثري حفظه الله .
- التعليقات ذات الترقيم باللون الأخضر هي للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله .
- التعليقات
ذات الترقيم باللون الأحمر هي للشيخ سعد الشثري حفظه الله .

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 21 ذو القعدة 1433هـ/6-10-2012م, 11:43 PM
الحارث الحارث غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 230
افتراضي تابع تفريغ حلية طالب العلم

تفريغ شرح الفصل الأول


الفصل الأول:
آداب الطالب في نفسه :
العلم عبادة (1) : أصل الأصول في هذه "الحلية" بل ولكل أمر مطلوب علمك بأن العلم عبادة، قال بعض العلماء: "العلم صلاة السر، وعبادة القلب". وعليه، فإن شرط العبادة إخلاص النية لله سبحانه وتعالى، لقوله:(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) الآية. وفي الحديث الفرد المشهور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات) الحديث.
فإن فقد العلم إخلاص النية، انتقل من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات، ولا شئ يحطم العلم مثل: الرياء؛ رياء شرك، أو رياء إخلاص (2) ، ومثل التسميع؛ بأن يقول مسمعاً: علمت وحفظت ... وعليه؛ فالتزم التخلص من كل ما يشوب نيتك في صدق الطلب؛ كحب الظهور، والتفوق على الأقران، وجعله سلماً لأغراض وأعراض، من جاه، أو مال، أو تعظيم، أو سمعة، أو طلب محمدة، أو صرف وجوه الناس إليك، فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية، أفسدتها، وذهبت بركة العلم، ولهذا يتعين عليك أن تحمى نيتك من شوب الإرادة لغير الله تعالى، بل وتحمى الحمى.
وللعلماء في هذا أقوال ومواقف بينت طرفاً منها في المبحث الأول من كتاب "التعالم"، ويزاد عليه نهى العلماء عن "الطبوليات"، وهى المسائل التي يراد بها الشهرة.وقد قيل: "زلة العالم مضروب لها الطبل" (3) . وعن سفيان رحمه الله تعالى أنه قال: "كنت أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة، سلبته" (4) .
فاستمسك رحمك الله تعالى بالعروة الوثقى العاصمة من هذه الشوائب؛ بأن تكون - مع بذل الجهد في الإخلاص - شديد الخوف من نواقضه، عظيم الافتقار والالتجاء إليه سبحانه.ويؤثر عن سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله تعالى قوله: "ما عالجت شيئاً أشد على من نيتي".وعن عمر بن ذر أنه قال لوالده "يا أبي! مالك إذا وعظت الناس أخذهم البكاء، وإذا وعظهم غيرك لا يبكون؟ فقال: يا بنى! ليست النائحة الثكلى مثل النائحة المستأجرة (5) . وفقك الله لرشدك آمين.
الخصلة الجامعة لخيري الدنيا والآخرة محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم وتحقيقها بتمحض المتابعة وقفوا الأسر للمعصوم.قال الله تعالى:(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) .
وبالجملة؛ فهذا أصل هذه "الحلية"، ويقعان منها موقع التاج من الحلة.
فيا أيها الطلاب! هاأنتم هؤلاء تربعتم للدرس، وتعلقتم بأنفس علق (طلب العلم) ، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، فهي العدة، وهى مهبط الفضائل، ومتنزل المحامد، وهى مبعث القوة، ومعراج السمو، والرابط الوثيق على القلوب عن الفتن، فلا تفرطوا.

_________
(1) - "فتاوى ابن تيميه"" (10 / 11، 12، 14، 15، 49 - 54، 11 / 314 و 20 / 77 - 78) .
(2) -"الذخيرة" للقرافي (1 / 45) .
(3) - "الصوارم والأسنة" لأبى مدين الشنقيطي السلفي رحمه الله تعالى. وانظر: "شرح الأحياء"، وعنه "كنوز الأجداد" (ص263) .(4) -"تذكرة السامع والمتكلم" (ص19) .
(5) -"العقد الفريد" لابن عبد ربه.

قال الشارح :

هذا هو الأدب الأول من آداب طالب العلم والمؤلف رحمه الله قسم آداب طالب العلم إلى : آداب الطـالب في نــفسه وآداب متـعلـقة بكـيفية الطـلب والتـلـقي وآداب الطـالب مع شيخه وآداب الطـالب مع زمــيله و أدب الطالب في حياته العلمية و آداب متعلقة بالعمل بالعلم ثم هناك محاذير متعلقة بطلب العلم إذن قسم المؤلف كتابه إلى سبعة فصول.

الفصل الأول : في آداب طالب العلم في نفسه طالب العلم في نفسه لا بد أن يلتزم بآداب شرعية محددة أولها : أن يعلم أن طلب العلم عبادة ويترتب على ذلك أنه لا بد أن يلتزم بشروط طلب العلم بشروط العبادات متى تكون العبادة صحيحة إذا وجد فيها شرطان:

الشرط الأول : الإخلاص لله الثاني المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث ....الإنسان على وفق الشريعة قال تعالى :
(فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ، فليعمل عملا صالحا يعني :يكون فيه متبعا ، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا يعني : أنه يخلص عمله لله فينوي بأعماله وجه الله و الدار الآخرة ، جاء في تفسير قوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) قال الفضيل بن عياض: أحسن عملا أن يكون صوابا خالصا صوابا ، صوابا يعني : على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم ، خالصا يعني : بنية لله ، إذا تقرر هذا فإن في الشرط الأول وهو مايتعلق بإخلاص النية هناك نصوص كثيرة تدل على وجوب إخلاص النية في جميع الأعمال ، ذكر المؤلف منها قوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) ، وحديث ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) ، وبيَّـن أنه إذا لم ينو الإنسان بطلبه العلم وجه الله والدار الآخرة كان مشركا ، وكون الشرك يكون في معابد المشركين هذا نستنكره لأنه فساد ، فإذا وجد في بلاد الحرمين استنكرناه أكثر ، فإذا وجد في بيوت الله في المساجد كان استنكاره أكثر أعظم ، و ما ذاك إلا أولئك الذين يريدون بطلب العلم غير وجه الله تعالى ، استمع إلى قوله تعالى فيمن أراد بعمله الدنيا : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، واسمع قول الله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) ، وبذلك على كل منا أن يحرص على إخلاص النية في طلب العلم ، ماذا ننوي ؟، ننوي إرضاء رب العالمين ، ننوي رفعة الدرجة في الجنة ، ننوي الحصول على الدرجات ، فإن قال قائل : ما هي أوجه ترك هذا الأدب أدب الإخلاص في طلب العلم ؟ ، نقول هناك أمثلة : أولها : الرياء رياء الشرك بأن يقول : أنا أتعلم من أجل أن أكون صاحب منزلة عند الناس ، أو أتعلم من أجل أن يتكلم الناس في علمي و يثنوا عليّ ، أومن أجل أن يقول الناس ما أكثر محفوظاته ، قال : ومثل التسميع بأن يقول مسمعا للناس : أنا علمت بكذا وأنا حفظت كذا بحيث يكون له منزلة ، مثَّـل المؤلف بما يفقد فيه الإخلاص بحب الظهور من أجل يعرف عني الناس و يكون لي معرفة ، ويعرفني من في مشارق الأرض ومغاربها إذا هذا ليس من الإخلاص في شيء ، أو يكون مقصوده التفوق على الأقران : من أجل أن أكون الأول على زملائي ، ومن أجل أن أكون سابقا لفلان أو لفلان ، أوسلما لأغراض وأعراض بحيث يقول : أنا أريد أن يكون لي أموال كثيرة بسبب طلب العلم أو أريد أن يكون لي منزلة وبالتالي إذا طلبت من شيء من أحد من المسؤولين أمرا من الأمور استجابوا لي ، أو يكون لي منزلة أو جاه بحيث إذا شفعت في قرابتي شفعت فيه ، أو أن يعظمني الناس في المجالس إذا دخلت في المجلس وضعوني في صدر المجلس ، أو يقبلو رأسي كل هذه أغراض فاسدة تخالف الإخلاص في النية ، إذا تقرر هذا إذا حصل شيء من هذه الأمور ولم تكن من قصد الإنسان ولا تكون له ذات قيمة ومنزلة فهذه لا تؤثر عليه ، إذا حصل أن العالم أصبح الناس يقبلون رأسه لم يكن قاصدا لذلك ، ولا مريدا له وأذن لهم ليكون ثوابا لهم ، لأن الإنسان لا يستفيد من تقبيل الناس لرأسه شيئا بل قد يؤذونه ويؤلمون رقبته ، فالمستفيد المُقَبِل لا المُقَبَل فحينئذ لا يلتفت إليه ولا يكون له منزلة في نفسه ، وجاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم : (ذكر أن أول من تصعر به النار ثلاثة منهم القارئ وفي لفظ العالم الذي دعى الله به يوم القيامة فعرفه نعمه فقال ما عملت قال تعلمت العلم فيك ونشرته من أجلك فقال الله كذبت إنما تعلمت ليقال عالم أو قارئ فقد قيل ثم أمر به إلى نار جهنم ) والعياذ بالله ، أتعب نفسه في الدنيا ولم يحصل ثمرة في الآخرة ، وجاء في سنن أبي داود : (أن من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله ليصرف وجوه الناس إليه لم يجد رائحة الجنة) ، فالأمر خطير وليس الأمر بالسهل وذكر المؤلف عددا من الآثار المتعلقة بهذا.

الشرط الثاني : المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأن من لم يتابع الهدي النبوي في العبادة فإن عبادته مردودة ، لأنها تكون بدعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)أي : مردود على صاحبه ، و قال صلى الله عليه وسلم : (كل بدعة ضلالة ) ، والله جل وعلا يقول : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ، ولذلك جاء في النصوص بالأمر باتباع هدي هذا النبي الكريم فقال سبحانه : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) ، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ، ولذلك يحرص الانسان على اقتفاء الهدي النبوي وخصوصا في طلب العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد وفد عليه الطلاب وعلمهم وجعل لهذا التعلم آدابا وسننا و فرائض ، ولذلك لا بد أن نقتدي بهدي هذا النبي الكريم ، ولا يمكن أن يقتدى بهذا الهدي الكريم حتى نتعلم السنة الواردة في ذلك إذ كيف تقتدي بشيء أنت لا تعرفه؟.

إذا تقرر هذا فلعلنا نأخذ كلام المؤلف :

قال العلم عبادة :
يقصد بالعلم العلم الشرعي ، لأنه مما يتمحض أن يكون عبادة ، والناس في هذا ثلاثة أصناف :
-
من جعله لله من أجل أن ينيله الأخرة فهذا مؤمن موحد مثاب.
- الثاني :
أن جعله لينيله الله الدنيا فليس له في الآخرة من خلاق.
- الثالث : من قصد به الدنيا مباشرة فهذا مشرك آثم مستحق للغضب دنيا وآخرة.

قال المؤلف أصل الأصول : هذا الأصل يتعلق بالنية ويتعلق بالمتابعة.

قال بعض العلماء : العلم صلاة السر وعبادة القلب: لأن العلم منشأه ذاتي من القلب والنية فيه تكون مما يختص أو مما يضمر
في القلوب.

قال المؤلف في الحديث الفرد المشهور ، الفرد
معناه : أنه غريب رواه راو واحد عن راو واحد عن راو واحد و ذلك أن الحديث قد رواه يحيى ابن سعيد عن محمد ابن إبراهيم التيمي عن علقمة ابن وقاص عن عمر ابن الخطاب ، فهو فرد في أربع طبقات من إسناده ، مشهور :لأنه اشتهر بعد ذلك على الألسن واستفاض ،فقد رواه عن يحيى ابن سعيد قرابة مائتي راو.

قال المؤلف فإن فقد العلم إخلاص النية، انتقل من أفضل الطاعات إلى أحط المخالفات يعني : لأنه حينئذ يكون شركا إما شركا أكبر وإما شركا أصغر ،ومثّل المؤلف له بالأمثلة .

قال ويزاد عليه نهي العلماء عن الطبوليات
: يأتي الإنسان بالمسألة الغريبة فينشرها عبر وسائل الإعلام ، ثم يأتي ضعاف القلوب فيصفقون لها ويطبلون لها وينشرونها في الأمة ، ولذلك نقل هذه الكلمات زلة العالم مضروب له الطبل يأتي الإنسان غير معروف بعلم فيكتب كتابة مخالفة لما استقر في علم الشريعة ، ولم يكن لها أثر ، وإنما نخشى من زلة العَالِم لأنه يزل بها عَالَم ، ولذلك هذا ما أراده المؤلف بهذه الكلمات.

قال : قال سفيان كنت أوتيت فهم القرآن ، معرفة معاني آيات القرآن وأسراره وحِكَمه ، وتمكنت من استنباط الأحكام منه ، فلما قبلت الصرة سلبته : أخذت المال من الناس سلبت هذه القدرة في فهم القرآن ، وحينئذ يحذر طالب العلم من مثل هذا فإنه يكون سببا من أسباب عدم فهمه للعلم وفي أوله فهم القرآن ، ما أوتي من هذا المال من دون طلب وبدون إشراف نفس ، لم تتعلق نفسه به وقضى حوائجه فحينئذ لا يلحقه به حرج كما ورد في حديث عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له :
(ما أوتيت من هذا المال غير مشرف له نفسك فخذه وتموله).

ثم ذكر المؤلف قول سفيان ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي : النية سهلة على من سهلها الله عليه في لحظة وفي ثانية تتمكن من قلب نيتك وتجعل أعمالك لله ، وفي نفس الوقت هي صعبة عسيرة لأن الناس يغفلون عنها من جهة ، ولأن الشيطان يحرص على إفساد النوايا ، لأن النية عظيمة النفع كبيرة الأثر هي جالبة للبركة ، ومن ثم فالشيطان يحرص على إفساد النيات من أجل هذا الأمر.

قال المؤلف الخصلة الجامعة يعني : الشرط الثاني من شروط العبادة المتابعة هي : الجالبة لمحبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى :
( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ).

قال وبالجملة هذا أصل هذه الحلية :
الذي هو الإخلاص والمتابعة.

ويقعان منها موقع التاج من الحلة :
هي أعلى شيء وأبرك شيء وأعظم شيء وأكثر شيء آثارا الإخلاص والمتابعة.نعم



رد مع اقتباس
  #17  
قديم 22 ذو القعدة 1433هـ/7-10-2012م, 02:03 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأخ الفاضل الحارث
- هل ما نسقته في التفريغ هو نفس تفريغ الأخوات ، أو تفريغ منفصل قمت به ؟
- نحن بحاجة لمن يقوم بمراجعة التفريغ ، بحيث يشغل المادة الصوتية ويتابع الملف المكتوب ليصحح الخطأ ويكمل النقص وما إلى ذلك ، بحيث سيتم إدراج المادة بعد ذلك في دروس الحلية بقسم المتون العلمية لنفع الدارسين ، فهل ترغب بأخذ مسؤولية مراجعة التفريغ ؟
في انتظار جوابكم وفقكم الله .


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 22 ذو القعدة 1433هـ/7-10-2012م, 06:41 PM
الحارث الحارث غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 230
افتراضي رد

- هذا تفريغ منفصل عن التفريغ الذي قامت به الأخوات .
- لا حرج بأخذ مسؤولية مراجعة التفريغ ، دعاؤكم لنا بالبركة في الوقت.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 22 ذو القعدة 1433هـ/7-10-2012م, 09:05 PM
الحارث الحارث غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 230
افتراضي كن على جادة السلف الصالح

قال المصنف:


كن على جادة السلف الصالح:


كن سلفياً على الجادة، طريق السلف الصالح من الصحابة رضى الله عنهم، فمن بعدهم ممن قفا أثرهم في جميع أبواب الدين، من التوحيد، والعبادات، ونحوها، متميزاً بالتزام آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوظيف السنن على نفسك، وترك الجدال، والمراء، والخوض في علم الكلام، وما يجلب الآثام، ويصد عن الشرع.
قال الذهبي رحمه الله تعالى(1): "وصح عن الدارقطني أنه قال: ما شيء أبغض إلي من علم الكلام. قلت: لم يدخل الرجل أبداُ في علم الكلام ولا الجدال، ولا خاض في ذلك، بل كان سلفياً" ا هـ.
وهؤلاء هم (أهل السنة والجماعة) المتبعون آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى(2): "وأهل السنة: نقاوة المسلمين، وهم خير الناس للناس" اهـ. فالزم السبيل (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)
_________
(1) -"السير".(2) -"منهاج السنة" (5 / 158) ، طبع جامعة الإمام.

قال الشارح :

قال المؤلف الحلية الثانية كن على جادة السلف الصالح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم:(أن خير أمته هم القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) ، فهؤلاء هم خير الأمة و إذا أردنا أن نكون ممن اتّصف بالخيرية فلنكن ممن يسير على طريقتهم قال الله جلا وعلا :(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) ، والله أمر باتباع طريقة الصالحين كما قال تعالى :(وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) ، وأمر بالإقتداء بأهل الفضل ولذلك لما ذكر قول إبراهيم ومن معه أمر بالإقتداء بهم (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، ولما ذكر الله جلا وعلا السابقين من المهاجرين والأنصار أمر باتباعهم وأثنى على من اتبعهم ، و قال النبي صلى الله عليه وسلم :(اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ) ، وقال :(فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد )، والنصوص في هذا كثيرة ، ولذلك تجد السلف الصالح عندهم من الفضائل والبركة الشيء الكثير ، عندهم كلام قليل فيه معان كثيرة ، فما أعظم منة الله علينا بأن جعل سلفنا أولئك القوم الصالحين ، فإن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثنت عليهم النصوص (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) الآية ، والنصوص في هذا كثيرة.

قال المؤلف كن سلفيا ، بعض الناس يقول السلف مرحلة زمنية ، فنقول اتباع السلف ليس مرحلة وإنما هو فعل ، وبالتالي نحن نقتدي بفعل السلف التي جاءت النصوص به ، فمن طالبنا بغير ذلك لم نسمع منه ثم،

قال اتبع طريق السلف الصالح ومن قفى أثرهم في جميع أبواب الدين يعني : بعض الناس يقتدي بالسلف في باب دون باب ، فحينئذ يضل في الباب الذي ترك فيه الاقتد اء بسلف الأمة ، أضرب لهذا مثلا : يأتيك إنسان و يتقن أبواب الصفات ويكون على طريقة السلف الصالح ، لكنه في أبواب الإيمان لا يكون كذلك ، حينئذ ضيع جزءا من طريقة السلف ، عندما يأتي في أبواب الإيمان وأبواب الصفات على طريقة السلف ، لكنه يخالف طريقة السلف فيما يتعلق بمعاملة الولاة ، حينئذ لا يكون سلفيا وإن كان سلفيا في باب ، لكنه لا يقال له بأنه سلفي بإطلاق ، وذكر المؤلف من ذلك التوحيد والعبادات ونحوها.

قال المؤلف وترك الجدال ، الجدال قد يراد به توضيح الحق والاستدلال له فيكون محمودا مرغوبا فيه ، وقد يكون المراد به المناقشة العقيمة والمجادلة بما لا يصل إلى ثمرة بحيث يكون مقصود كل من المـُتَكَلِمَيْن الإنتصار للنفس فحينئذ يكون مذموما ، أما الدليل على المحمود فقول الله تعالى :(وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) هذه الآية اشتملت على النوعين الجدال المذموم والجدال المحمود قال تعالى في الجدال المحمود:(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، فإذا كان الجدال ليس للتي هي أحسن فإنه يكون مذموما ، فإن كان بالتي هي أحسن فيكون محمودا.
ما صفته؟ أن يكون المقصود و المراد هو إعلاء الحق وبيانه وإرشاد الناس إليه لا الإنتصار للنفس ، إذا كان المجادل ملتزما بالآداب و الأخلاق الشرعية ، إذا كان المجادل لا يتكلم بلسانه بما يخالف الحق ، أو بما يكون منافيا للأدب.

قال والمراء
المراد بالمراء الحديث والمجادلة التي لا تصل إلى ثمرة ونتيجة ، بحيث يردد كل منهما مقالته وينتصر لها ، و قد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أنا ضمين ببيت في أوسط الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا) ، فإذا المرء يأتي بالحق ويوضحه ويبينه ويقيم الدليل عليه فحينئذ يكتفي به.


قال المؤلف والخوض في علم الكلام علم الكلام الذي ذمه السلف الصالح يراد به الحديث في المباحث العقدية على مقتضى الطرائق اليونانية ، طرائق غير المسلمين ، فإن الكلام في التوحيد على مقتضى ما ورد في الكتاب والسنة هذا محمود مرغب فيه وسواءا كان بالأدلة الشرعية المجردة ، أو بالدلالة العقلية ، لأن القرآن قد اشتمل على أعلى الأدلة العقلية الواردة في المباحث العقدية ، انظر في آخر سورة يس حجج عقلية ترشدك إلى الإيمان بالبعث يذعن لها كل عاقل منصف.

قال المؤلف صح عن الدار قطني أنه قال ما شيء أبغض إلي من علم الكلام قلت :لم يدخل الرجل أبدايعني: الذهبي يثني على الدار قطني ، يقول : لم يدخل الدارقطني في علم الكلام ، ولا الجدال بل كان سلفيا.

ثم ذكر كلمة شيخ الاسلام أهل السنة نقاوة المسلمين يعني : صفوتهم ، هم خير الناس للناس ، لأنهم يرشدونهم إلى الحق ويحسنون إليهم ويكفون ألسنتهم عن الكلام في معايـبهم ، وبالتالي هم خير الناس للناس ، بينما بقية الطوائف يكون عندهم من الشر والأذى ما يقابلون به إحسان أهل السنة إليهم ، ولذلك من رحمة الله أن جعل أهل السنة أعلى الصفات حسنة الذين يحسنون إلى الخلق ، وكلما ابتعد الإنسان عن السنة كلما تقرب إلى الله بإيذاء الناس. نعم


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 23 ذو القعدة 1433هـ/8-10-2012م, 10:50 PM
الحارث الحارث غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: الجزائر
المشاركات: 230
افتراضي ملازمة خشية الله تعالى - دوام المراقبة

ملازمة خشية الله تعالى:

قال المصنف :

ملازمة خشية الله تعالى:
التحلي بعمارة الظاهر والباطن بخشية الله تعالى؛ محافظاً على شعائر الإسلام، وإظهار السنة ونشرها بالعمل بها والدعوة إليها؛ دالاً على الله بعلمك وسمتك وعلمك، متحلياً بالرجولة، والمساهلة، والسمت الصالح.
وملاك ذلك خشية الله تعالى ، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:"أصل العلم خشية الله تعالى". فالزم خشية الله في السر والعلن، فإن خير البرية من يخشى الله تعالى، وما يخشاه إلا عالم، إذن فخير البرية هو العالم، ولا يغب عن بالك أن العالم لا يعد عالماً إلا إذا كان عاملاً، ولا يعمل العالم بعلمه إلا إذا لزمته خشية الله.
وأسند الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى بسند فيه لطيفة إسنادية برواية آباء تسعة، فقال(1): أخبرنا أبو الفرج عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث بن سليمان بن الأسود بن سفيان بن زيد بن أكينة ابن عبد الله التميمي من حفظه؛ قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبى يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب يقول:
"هتف العلم بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل" ا هـ.
وهذا اللفظ بنحوه مروي عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى.
__________
(1) -"الجامع" للخطيب، و"ذم من لا يعمل بعلمه"(رقم 15) لابن عساكر. وراجع لإسناده:"لسان الميزان"(4،26 - 27) للحافظ بن حجر.

قال الشارح :
الأدب الثالث من حلية طالب العلم ملازمة خشية الله تعالى بحيث يمتلئ قلبك من مخافة الله التي تدفعك إلى طاعته و تبعدك عن معصيته ، والفرق بين الخوف والخشية : أن الخوف يلاحظ فيه الخائف ضعف نفسه ، والخشية يلاحظ فيه الخاشي قوة المـَخشي ، فعندما يلاحظ المرء قدرة الله جل وعلا تبدأ عنده درجة الخشية ، وكلاهما مطلوب الخشية والخوف ، قال تعالى :(إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، والخشية أيضا مطلوبة قال تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)، فإذن الخشية من الدرجات المطلوبة والخشية تدفع الإنسان إلى المحافظة على شعائر الاسلام في باطنه وظاهره. والخشية تنشأ من أمور أولها : العلم بالله تعالى وبقدرته وبصفاته ، ومن ذلك أن يعلم العبد أن الله مطلع عليه في كل أحواله. الثاني مما تنشأ عنه الخشية : معرفة العبد فإن ربه قادر عليه ، قادر على إنزال العقوبة به ، ويطالع سنن الله في الكون في الأمم السابقة ، كم أنزل بهم من العقوبات. الخشية تنشأ من ملاحظة الدار الآخرة ، وأن المرء عما قريب منتقل إليها محاسب على أعماله في الدنيا ، فإذا استحضر الإنسان ذلك زادت عنده صفة الخشية من الله تعالى. هذه الخشية ليست خاصة بالقلب بل لها مظاهر في ظاهر البدن ، منها المحافظة على شعائر الإسلام ، منها إظهار السنة ، ومنها حرص الإنسان على نشر السنة والدعوة إليها ، ومنها أن يكون المرء متخلقا بالأخلاق الفاضلة سهلا مع عباد الله ، وهذا معنى قول المؤلف والمساهلة يعنى : أن يكون هينا رفيقا مع الخلق ، و أما السمت الصالح المراد به الصفة الظاهرة السمت هو الصفة الظاهرة ، قال تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ).

ثم أورد المؤلف حديث أو أثر هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل يعني : أن صاحب العلم إذا عمل به بقي علمه ، وأما إذا لم يعمل به فإن العلم يزول ، ولكن هذا الأثر الذي ذكره المؤلف ضعيف الإسناد فيه عبد العزيز التميمي وهو متكلم فيه ، ولذلك لا يصح هذا الحديث فهو ضعيف جدا لا يصح هذا الأثر فهو ضعيف جدا.


دوام المراقبة:

قال المصنف:
دوام المراقبة:
التحلي بدوام المراقبة لله تعالى في السر والعلن، سائراً إلى ربك بين الخوف والرجاء، فإنهما للمسلم كالجناحين للطائر.
فأقبل على الله بكليتك، وليمتلئ قلبك بمحبته، ولسانك بذكره، والاستبشار والفرح والسرور بأحكامه وحكمه سبحانه.

قال الشارح :
هذه الصفة الرابعة من صفات طالب العلم فحلية طالب العلم تقتضي أنّ طالب العلم يستشعر أنّ الله يراقبه ، فهو يراقب عمله الظاهر ، وهو يراقب نيته ومقصده ، لأن الله تعالى كما وصف نفسه بقوله : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) ، وكما قال سبحانه في وصف نفسه (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) ، ومن استشعر هذه الصفة وكانت صفة ملازمة له وصل إلى أعلى مراتب الدين وهي صفة الإحسان ، فإن صفة الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، والمؤمن يراقب أو يتصف بهذه الصفة حال وجوده بين أيدي الناس وحال خلوته ، لأنه يعلم أن الله جل وعلا مطلع عليه في جميع أحواله (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) ، كذلك هذه الصفة تجعل المؤمن يستشعر الخوف ويستشعر الرجاء ، فهو يخاف على نفسه أن يعاقبه الله بسبب ذنوبه ، وهو في نفس الوقت يرجوا من الله أن يسبغ عليه نعمه ، وأن يرحمه بسبب أن الله كريم عفو رحيم متفضل ، فهو يخاف بسبب فعل نفسه وينجوا بسبب رحمة ربه .

فإنهما يعني الخوف والرجاء للمسلم كالجناحين للطائر : وهذا يدلك على خطأ أن يقول العبادة تكون بالمحبة بل لا بد في العبادة من خوف ورجاء ومحبة.

قال فأقبل على الله بكليتك يعني : بجميعك من أقبل على الله فإن الله سيكون له معينا ومؤيدا وناصرا من كان مع الله كان الله معه (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).

وليمتلئ قلبك بمحبة الله : لأن هذا من القربات قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ).

وليمتلئ لسانك بذكر الله : فإن ذكر الله سبب من أسباب طمأنينة القلب ليتمكن القلب بها من تحصيل العلم ، وذكر الله سبب من أسباب طرد الشياطين التي تلقي الوساوس في قلوب العباد ، وذكر الله سبب من أسباب إعانة الله للعبدكما قال سبحانه : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)،وقال :(وأنا مع عبدي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم)، وهذا الوقت مما يؤكد عليه خصوصا في زماننا هذا ، فإن الاكثار من ذكر الله من أعظم أسباب تحصيل العلم ، وكلما كان الإنسان مكثرا لذكر الله كلما فتح الله ذهنه للفهم الصحيح ، وجعل قلبه يحوي العلم الكثير ، وبارك الله في شأنه كله ، وكلما أقلّ الإنسان من ذكر الله كلما ابتعدت عنه البركة ، ولذلك ليكن لطالب العلم أورادا يومية وكلما خلى بنفسه اشتغل لسانه بذكر الله وترك هذه الوساوس التي تشغل قلبه في أوقات خلوته ، وإذا تأمل الإنسان الأمر بذكر الله وجد أن الله لا يأمر بالذكر إلا ويصفه بصفة الكثرة كما قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)، بينما وصف المنافقين بأنهم كانوا لا يذكرون الله إلا قليلا ، فحينئذ إذا أراد الإنسان أن يبارك له في وقته في شأنه فليكثر من ذكر الله ، ومن أعظم أنواع الذكر قراءة القرآن.

قال المؤلف أيضا من الأمور التي يتصف بها طالب العلم الإستبشار والفرح والسرور بأحكام الله وحكمه سبحانه وتعالى : فافرح بما أنعم الله عليك ، وافرح بإنزال هذا الكتاب ، وافرح ببعثة هذا النبي الكريم ، وافرح بألايجتنب شيئا من أحكام هذه الشريعة قال تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)،هذا شيء من الصفات التي ذكرها المؤلف في حلية طلب العلم فيما يتعلق بصفة طالب العلم في نفسه ، ولعلنا إن شاء الله جل وعلا أن نكمل بقية هذه الصفات في لقائنا القادم أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإياكم الأخلاق الفاضلة ، اللهم اجعلنا ممن تأدب بآداب العلم ، اللهم ارزقنا علما نافعا وعملا صالحا ، اللهم إنا نسألك فهم النبيين وحفظ المرسلين والملائكة المقربين ، اللهم وفقنا لما تحب وترضى واجعل أعمالنا على البر والتقوى ، اللهم اجعلنا ممن عمل بعلمه وأكسبته علما آخر برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم وفق ولاة أمورنا لكل خير واجعلهم من أسباب الهدى والتقى والصلاح والسعادة ، هذا والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سؤال ...
جواب : إمام يصلي من أجل أن يؤثر على المأمومين ، فنقول : لماذا يؤثر؟ ، هل ليكون له مقام؟ ، هل ليكون له منزلة ؟ ، هل ليثني عليه الناس ، ويقولوا ما أجمل صوته؟ ، حينئذ هذا رياء وسمعة ومن سمع سمع الله به ، فيقال له يوم القيامة إنما قرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل ، وأما إن كان يريد أن يكون ذلك مؤثرا في قلوب المستمعين ليتوبوا إلى الله ، ويرجعوا إليه ، ويتركوا طاعة الشيطان ، ويتصفوا بصفة الإنابة إلى الله جل وعلا ، لا لحظ نفسه وإنما يريد مصلحتهم هم ، فحينئذ هذا جائز بل يؤجر العبد عليه فإن الله جل وعلا قد أمر بالتذكير فقال : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى).

سؤال ...
جواب : التخلص من الرياء بأن يقصد العبد بعمله وجه الله والدار الآخرة ، لعلنا نقف على هذا. أسأل الله جل وعلا وإياكم أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح ، هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


رد مع اقتباس
  #21  
قديم 26 ذو القعدة 1433هـ/11-10-2012م, 08:24 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي

http://www.afaqattaiseer.com/vb/showthread.php?t=19366
في انتظاركم هنا لبدء العمل ، وفقكم الله .


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
التفريغ, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir