المقصد الرئيسي للرسالة:
الهجرة إلى الله ورسوله أهمّ ما يحصل به التعاون على البرّ والتقوى.
المقاصد الفرعية:
- الواجبات التي على العبد:
o واجب بينه وبين الله.
o وواجب بينه وبين الخلق.
- أنواع الهجرة: هجرة بالبدن، هجرة بالقلب.
- الهجرة إلى الله تعالي.
- الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم.
o تحقيق الهجرة إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بعدة أمور منها:
تحكيم النبي صلي الله عليه وسلم في كل ما شجر من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين.
أن يكون النبي أولي بالمؤمن من نفسه.
أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
طاعة الله ورسوله واتباع هديه.
o أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي صلي الله عليه وسلم وما بعثه الله به من الهدي.
o الأتباع والمتبوعين يوم القيامة.
- زاد الهجرة إلى الله تعالي ورسوله وطريقه ومركبه.
[B]أولاً: مقدمة الرسالة
[/B] قال الله تعالي: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتّقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب (2)}.
- اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، فيما بينهم في بعضهم بعضا، وفيما بينهم وبين ربهم.
- بينت الآيه الواجبات التي على العبد: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق.
أولاً: الواجب بين العبد وبين الخلق:
أن تكون معاشرة العبد للخلق وصحبته لهم وتعاونه معهم على طاعة الله عز وجل ومرضاته وهي البر والتقوي لا علي الإثم والعدوان.
البر والتقوي
- البر والتقوي هما جماع الدين كله.
- لفظا "البر والتقوي" إذا أفرد كلّ واحد من الاسمين دخل فيه المسمّى الآخر، إما تضمنا وإمّا لزوما، ودخوله فيه تضمنا أظهر.
- حقيقة البرّ: هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، كما يدلّ عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام، ومنه "البرّ" بالضم؛ لكثرة منافعه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب، ومنه رجل بارٌ، وبرٌّ.
فالبرّ كلمة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، فيدخل في مسمى البرّ الإيمان وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، ولا ريب أن التّقوى جزء هذا المعنى .
- نظائر البر والتقوي من الألفاظ: لفظ "الإيمان والإسلام"، "والإيمان والعمل الصالح"، و"الفقير والمسكين"، و"الفسوق والعصيان"، و"المنكر والفاحشة".
فائدة: أهمية فهم ألفاظ القرآن ودلالتها:
فهم ألفاظ القرآن ودلالته، ومعرفة حدود ما أنزل الله على رسوله؛ فإنه هو العلم النافع، وقد ذمّ سبحانه في كتابه من ليس له علم بحدود ما أنزله على رسوله.
وعدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
إحداهما: أن يدخل في مسمّى اللفظ ما ليس منه؛ فيحكم له بحكم المراد من اللفظ؛ فيسوّى بين ما فرق الله بينهما.
والثانية: أن يخرج من مسمّاه بعض أفراده الداخلة تحته؛ فيسلب عنه حكمه؛ فيفرّق بين ما جمع الله بينهما، ومن هذا لفظ "الخمر"؛ فإنه اسم شامل لكل مسكر، فلا يجوز إخراج بعض المسكرات منه، وينفى عنها حكمه.
- بر القلب: أكثر ما يعبر بالبرّ عن برّ القلب، وهو وجود طعم الإيمان [فيه] وحلاوته، وما يلزم ذلك من طمأنينته وسلامته وانشراحه وقوته وفرحه بالإيمان، فإن للإيمان فرحة وحلاوة ولذاذة في القلب، فمن لم يجدها فهو فاقد للإيمان أو ناقصه.
- خصال البرّ: جمع [الله] تعالى خصال البرّ في قوله: {ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن باللّه واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّائلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك الّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون (177)}.
فأخبر سبحانه أن البرّ هو الإيمان به، وبملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وهذه هي أصول الإيمان الخمس التي لا قوام للإيمان إلا بها، وأنه الشرائع الظاهرة: من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنفقات الواجبة، وأنه الأعمال القلبية التي هي حقائقه؛ من الصبر والوفاء بالعهد.
فتناولت هذه الخصال جميع أقسام الدين: حقائقه وشرائعه، والأعمال المتعلقة بالجوارح وبالقلب، وأصول الإيمان الخمس.
- معني التقوي فى اللغة: على وزن فعلى، مشتقة من وقى يقي، وكان أصلها وقوى، فقلبوا الواو تاء، كما قالوا: تراث من الوراثة، وتجاه من الوجه، وتخمة من الوخم، ونظائره، فلفظها دالٌ على أنها من الوقاية، فإن المتّقي قد جعل بينه وبين النار وقاية.
- تعريف التقوي شرعاً: قال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فادفعوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخاف عقاب الله".
ولا ريب أن هذا جامع لجميع أصول الإيمان وفروعه، وأن البرّ داخل فى هذا المسمى.
- ضابط كون العمل طاعة وقربة لله عز وجل: ( كلّ عمل لابدّ له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لابدّ أن يكون مبدؤه محض الإيمان، وغايته ثواب الله تعالى، وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب.
و[لهذا] كثيرا ما يقرن بين هذين الأصلين في مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من صام رمضان إيمانا واحتسابًا" و"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا"... وهكذا.
- اقتران لفظ البر والتقوي: إذا اقترن لفظ البر مع التقوي فالفرق بينهما فرق بين السّبب المقصود لغيره والغاية المقصودة لنفسها؛ فإن البرّ مطلوب لذاته، إذ هو كمال العبد وصلاحه الذي لا صلاح له بدونه، كما تقدّم، وأما التقوى فهي الطريق الموصلة إلى البرّ، والوسيلة إليه.
فالوقاية من باب دفع الضرر، والبرّ من باب تحصيل النفع، فالتقوى كالحمية، والبرّ كالعافية والصحة.
الإثم والعدوان
- الإثم مقابل البر، والإثم كلمة جامعة للشرّ والعيوب التي يذمّ العبد عليها.
- العدوان: هو تعدّي حدود الله التي قال فيها: {تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود اللّه فأولئك هم الظّالمون (229)}، وقال في موضع آخر: {تلك حدود اللّه فلا تقربوها}، فنهى عن تعدّيها في آية، وعن قربانها في آية؟ وهذا لأن حدوده سبحانه هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام، ونهاية الشيء تارة تدخل فيه فتكون منه، فيكون النهي عن تعديها، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيكون لها حكم مقابله، فيأتي النهي عن قربانها.
- الإثم والعدوان في جانب النهي نظير البرّ والتّقوى في جانب الأمر.
- الفرق ما بين الإثم والعدوان: الفرق ما بين الإثم والعدوان فوق ما بين محرّم الجنس ومحرّم القدر:
فالإثم: ما كان حراما لجنسه، فالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، ونحوها إثم.
والعدوان: ما حرّم الزيادة في قدره، وتعدي ما أباح الله منه؛ مثال ذلك: نكاح الخامسة، واستيفاء المجنيّ عليه أكثر من حقه، ونحوه عدوان.
ثانياً: الواجب علي العبد فيما بينه وبين الله تعالى:
وهو إيثار طاعة الله عز وجل، وتجنّب معصيته، وهو قوله تعالى: {واتّقوا اللّه}.
ولا يتمّ الواجب الأول إلا بعزل نفسه من الوسط، والقيام بذلك لمحض النصيحة والإحسان ورعاية الأمر، ولا يتم له أداء الواجب الثاني إلا بعزل الخلق من البين، والقيام به لله إخلاصا ومحبةً وعبودية.
وهذا هو معنى قول الشيخ عبد القادر -قدّس الله روحه-: "كن مع الحقّ بلا خلق، ومع الخلق بلا نفس، ومن لم يكن كذلك لم يزل في تخبيط، ولم يزل أمره فرطا".
ثانياً: مسائل الرسالة
الهجرة إلى الله ورسوله
- الهجرة إلى الله ورسوله هي أهمّ ما يقطع به العبد منازل سفره إلى الله عز وجل، فإنها فرض عين على كلّ أحد في كلّ وقت، وأنه لا انفكاك لأحد من وجوبها، وهي مطلوب الله ومراده من العباد.
- العبد مطالب بهاتين الهجرتين فى الدنيا ومسئول عنهم فى دار البرزخ ويوم القيامة، قال قتادة: "كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ ".
- أعظم التعاون على البرّ والتّقوى التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله, باليد واللسان والقلب، مساعدةً، ونصيحةً، وتعليمًا، وإرشادًا، ومودةً.
أنواع الهجرة
الهجرة هجرتان:
- هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه انقطعت بالفتح.
- والهجرة الثانية هجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعةٌ لها.
الهجرة إلى الله تعالي
- وهي هجرة تتضمن "من" و"إلى"؛ فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذّلّ له والاستكانة له إلى دعاء ربّه وسؤاله والخضوع له والذلّ والاستكانة له.
- الهجرة إلى الله أصلها الحبّ والبغض؛ فإن المهاجر من شيء إلى شيء لابد أن يكون ما يهاجر إليه أحبّ إليه مما يهاجر منه.
- الهجرة إلى الله هي مقتضي شهادة أن لا إله إلا الله.
- الهجرة إلي الله تقوى وتضعف؛ الهجرة تقوى وتضعف بحسب قوة داعي المحبة وضعفه، فكلما كان داعي [المحبة] في قلب العبد أقوى كانت هذه الهجرة [أقوى و] أتمّ وأكمل، وإذا ضعف الداعي ضعفت الهجرة، حتى إنه لا يكاد يشعر بها علما، ولا يتحرك بها إرادة.
الهجرة إلي النبي صلى الله عليه وسلم
- هذه الهجرة شأنها شديد، وسالكها بين العباد غريب.
- الهجرة إلي النبي صلي الله عليه وسلم فرض على كل مسلم، وهي مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله.
- حدّهذه الهجرة: هو سفر الفكر في كل مسألة من مسائل الإيمان، ونازلة من نوازل القلوب، وحادثةٍ من حوادث الأحكام، إلى معدن الهدى ومنبع النور المتلقى من فم الصادق المصدوق.
تحقيق الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أولاً: أن يحكم المسلم النبي صلي الله عليه وسلم في كل ما شجر من مسائل النزاع في جميع أبواب الدين؛ وينشرح صدره بحكمه صلى الله عليه وسلم، ويسلم لحكم نبيه تسليم الراضى المحب لا تسليم المقهور المكره
قال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك فيما شجر بينهم ثمّ لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممّا قضيت ويسلّموا تسليمًا (65)}.
ثانياً: أن يكون النبي أولي به من نفسه؛ قال تعالى: {النّبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم}.
- وهذه الأولوية تتضمن:
o أن يكون أحبّ إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب.
o أن لا يكون للعبد حكمٌ على نفسه أصلًا، بل الحكم، على نفسه للرسول، يحكم عليها أعظم من حكم السيد على عبده، والوالد على ولده.
- هذه الأولوية لا تتحقق إلّا بعزل كل ما سواه، وتوليته في كل شيء، وعرض ما قاله كل أحد سواه على ما جاء به؛ فإن شهد له بالصحة قبله، وإن شهد له بالبطلان ردّه.
- تنتفي هذه الأولوية لمن كان سعيه واجتهاده ونصبه في الاشتغال بأقوال غيره وتقريرها، والغضب والحمية لها، والرضى بها والتحاكم إليها، وعرض ما قال الرسول عليها؛ فإن وافقها قبله، وإن خالفها التمس وجوه الحيل، وبالغ في ردّه.
ثالثاً: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
- من مقتضيات أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما: القيام بالقسط والعدل فى حق كل أحد ولو على الوالدين والأقربين؛ قال تعالى: {ياأيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فاللّه أولى بهما فلا تتّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإنّ اللّه كان بما تعملون خبيرًا (135)}.
- أحقّ ما قام له العبد بالقسط: الأقوال والآراء والمذاهب؛ إذ هي متعلقة بأمر الله وخبره؛ فالقيام فيها بالهوى والعصبية مضادٌّ لأمر الله, منافٍ لما بعث به رسله، والقيام فيها بالقسط وظيفة خلفاء الرسول في أمته أولئك هم الوارثون حقًا, لا من يجعل أصحابه ونحلته ومذهبه عيارًا على الحق وميزانًا له؛ يعادي من خالفه ويوالي من وافقه لمجرد موافقته ومخالفته.
- السّببين الموجبين لكتمان الحق : اللّيّ والإعراض.
فإن الحقّ إذا ظهرت حجّته، ولم يجد من يروم دفعها طريقًا إلى دفعها، أعرض عنها وأمسك عن ذكرها، فكان شيطانًا أخرس، وتارةً يلويها أو يحرّفها.
رابعاً: طاعة الله ورسوله واتباع هديه
- أمر الله تعالي بطاعته وطاعة رسوله وتحكيمهما فيما ينشئ من نزاع فى كل شئ ؛ قال تعالي: {يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلًا}.
- الشّرور الواقعة في العالم سببها مخالفة الرسول والخروج عن طاعته، وكل خير في العالم فإنما هو بسبب طاعة الرسول، وكذلك شرور الآخرة وآلامها وعذابها إنما هي موجبات مخالفة الرسول ومقتضياتها.
- كل من اتخذ خليلًا غير الرسول، يترك لأقواله وآرائه ما جاء به الرسول يتحسر يوم القيامة؛ قال تعالى: {ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول ياليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلًا (27) ياويلتى ليتني لم أتّخذ فلانًا خليلًا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني وكان الشّيطان للإنسان خذولًا (29)}.
- المتخالّين على خلاف طاعة الرسول، مآل خلتهم إلى العداوة واللعنة؛ كما قال تعالى: {الأخلّاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌّ إلّا المتّقين (67)}.
- نجاة العبد فى الدنيا والآخرة وتحقيق الكمال الإنساني، تنحصر فى أربعة أمور:
o اجتهاده في معرفة ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – علمًا.
o والقيام بما علمه عملًا.
o دعوة الخلق إليه.
o صبره وجهاده على تلك الدّعوة.
الأتباع والمتبوعين يوم القيامة
الأتباع الأشقياء يوم القيامة:
o النوع الأول: أتباع اشتركوا فى الضلالة مع متبوعيهم؛ فهؤلاء كلاهما فى النار يتبرأ كل منمهم من الآخر؛ قال تعالي: {يوم تقلّب وجوههم في النّار يقولون ياليتنا أطعنا اللّه وأطعنا الرّسولا (66) وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السّبيلا (67) ربّنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنًا كبيرًا (68)}.
o النوع الثاني: المتبوعون كانوا على الهدى، وأتباعهم ادّعوا أنهم على طريقتهم ومنهاجهم، وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم، يزعمون أنّهم يحبونهم، وأن محبّتهم لهم تنفعهم مع مخالفتهم لهم، فيتبرءون منهم يوم القيامة، قال تعالي: {إذ تبرّأ الّذين اتّبعوا من الّذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب (166) وقال الّذين اتّبعوا لو أنّ لنا كرّةً فنتبرّأ منهم كما تبرّءوا منّا كذلك يريهم اللّه أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النّار (167)}.
الأتباع السعداء يوم القيامة:
o النوع الأول: هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكل من تبعهم بإحسان، وهذا يعمّ كل من اتبعهم بإحسان إلى يوم القيامة، وهم الذين قال الله -عز وجل- فيهم: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
o النوع الثاني: فهم أتباع المؤمنين من ذريّتهم، الذين لم يثبت لهم حكم التكليف في دار الدنيا، وإنما هم مع آبائهم تبعٌ لهم، قال الله تعالى فيهم: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كلّ امرئٍ بما كسب رهينٌ (21)}.
أقسام الخلائق بالنسبة إلى دعوة النبي صلي الله عليه وسلم وما بعثه الله به من الهدى
شبّه - صلى الله عليه وسلم - العلم الذي جاء به بالغيث؛ لأن كلًّا منهما سبب الحياة، فالغيث سبب حياة الأبدان، والعلم سبب حياة القلوب.
وكما أن الأرضين ثلاثة بالنسبة إلى قبول الغيث فكذلك القلوب فى قبول العلم:
إحداها: أرضٌ زكيّةٌ قابلةٌ للشّرب والنبات؛ فهي مثل القلب الزّكي الذّكي؛ فهو قابلٌ للعلم، مثمرٌ لموجبه وفقهه وأسرار معادنه.
والثانية: أرضٌ صلبة قابلة لثبوت الماء فيها وحفظه، فهذه مثل القلب الحافظ للعلم، الذي يحفظه كما سمعه، ولا تصرّف له فيه ولا استنباط، وهو من القسم الذين قال فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه غير فقيه".
والأرض الثالثة: أرض قاعٌ؛ وهو المستوي الذي لا يقبل النبات، ولا يمسك ماءً، فهذه مثل القلب الذي لا يقبل العلم ولا الفقه والدراية فيه.
فالأول: عالمٌ معلّمٌ، داعٍ إلى الله على بصيرة، فهذا من ورثة الرّسل.
والثاني: حافظٌ مؤدٍّ لما سمعه، فهذا يحمل إلى غيره ما يتّجر به ويستثمر.
والثالث: لا هذا ولا هذا، فهو الذي لم يقبل هدى الله، ولا رفع به رأسًا.
زاد الهجرة إلى الله تعالي ورسوله وطريقه ومركبه
- زاد الهجرة إلى الله ورسوله: هو العلم الموروث عن خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -، ولا زاد له سواه.
- وأما طريقه: فهو بذل الجهد, واستفراغ الوسع ، ولا سبيل لذلك إلا بالصبر.
- وأما مركبه: فصدق اللّجأ إلى الله, والانقطاع إليه بكلّيته, وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه, والضراعة إليه, وصدق التوكل عليه، والاستعانة به.
ورأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات القرآن.