تفسير قوله تعالى (قد أفلح المؤمنون *الذين هم في صلاتهم خاشعون)
ماورد من آثار في فضلها:
1/عن قتاده قال : في قوله تعالى(قد أفلح المؤمنون) ثمقال :قال:كعب لم يخلق الله بيده إلا ثلاثه:خلق آدم بيده. وكتب التوراه بيده، وغرسجنةعدن بيده، ثم قال لها:تكلمي:فقالت:(قد أفلح المؤمنون) لما علمت من الكرامه. (1)
2/عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي سمع عند وجهه كدوي النحل، وأنزل عليه يوما فمكثنا ساعه فسري عنه فاستقبل القبله فرفع يديه،وقال اللهم زدنا ولا تنقصنا وأرضنا وأرض عنا ثم قال:أنزل على عشر آيات من أرقامهن دخل الجنه ثم قرأ قد أفلح المؤمنون حتى ختم عشر آيات....) (2)
سبب نزول قوله تعالى (الذين هم في صلاتهم خاشعون)
نزلت من أجل أن القوم كانوا يرفعون أبصارهم فيها إلى السماء قبل نزولها. فنهوا بهذه الايه عن ذلك.
تفسير الايات:
افتتح الله الايات بزف البشرى العامه بالفلاح للمؤمنين الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاءهم به من عندالله وعملوا بما بما دعاهم إليه في هذه السوره فكأنه قال لهم قد أفلحتم في كل ما رغبتم فيه وأبشروا برضى الله عنكم وتحقيق أمنياتكم.
وأكد هذه البشرى بحرف قد الذي إذا دخل على الماضي أفاد التحقيق والتوكيد.
قال الفراء: قد هاهنا يجوز أن تكون تأكيد لفﻻح المؤمنين ويجوز أن تكون تقريبا للماضي من الحال فهي تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه.
أﻻ تراهم يقولون قد قامت الصﻻة قبل حال قيامها ويكون المعنى في اﻵية أن الفﻻح حصل لهم وأنهم عليه في الحال. (3)
معنى الفﻻح :
هو الظفر بالمراد والنجاة من المكروه وقيل البقاء في الخير وأفلح إذا دخل في الفﻻح وعلق الفﻻح باﻹيمان لﻹشارة إلى أنه أعظم اﻷسباب في الفﻻح. (4)
المراد بالخاشع :
الذي ذلل نفسه وكسر سورتها وعودها أن تطمئن إلى أمر الله وتطلب حسن العواقب وأﻻ تغتر بما تزينه الشهوة الحاضرة فهذا الذي كانت تلك صفته قد استعدت نفسه لقبول الخير. (5)
منزلة الخشوع :
من الناس جعلوه من أفعال القلوب كالخوف والرهبة ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك اﻹلتفات واختلف فيه هل هو من فرائض الصﻻة أو من فضائلها الصحيح الأول وقيل الثاني واستدلوا بقوله تعالى :(أفﻻ يتدبرون القرآن) وقوله تعالى :(وأقم الصﻻة لذكري) والغفلة ضد الذكر ولهذا قال :(ولا تكن من الغافلين) ونهى السكران عن الصﻻة :(حتى تعلموا ما تقولون) والمستغرق في هموم الدنيا بمنزلته.
لماذا كان الخشوع سبب لفﻻحهم ؟
ﻷن الخشوع من لوازم التقوى وقيده في اﻵية بكونه في الصﻻة ليبين أنهم أكثر ما يكونوا خاشعين حال الصﻻة وﻷن المصلي ليس له من صﻻته إﻻ ما عقل منها وﻷن المصلي يستشعر أنه يناجي ربه فيستلزم التأدب مع الله حال صﻻته فﻻ يلتفت بقلبه.
وقد قيل إما أن تصلي صﻻة تليق بإلهك أو تتخذ إلها يليق بصﻻتك ولهذا قدم هذا الوصف على سائر صفات المؤمنين وقدم في صﻻتهم على خاشعون للإهتمام بالصﻻة لبيان تعلق المؤمنين بالصﻻة تعلقا شديدا.
والصﻻة التي ﻻ خشوع فيها كالبدن بﻻ روح ﻷن الخشوع هو روح الصﻻة.
أكثر الناس خشوعا :
أكثر الناس خشوعا النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال عليه الصﻻة والسﻻم :(جعلت قرة عيني في الصﻻة) وقال :(أرحنا بها يا بﻻل) وكان إذا بكى في الصﻻة سمع له صوت كأزيز المرجل.
وكان عمر بن الخطاب في وجهه خطان أسودان من البكاء.
قول الحسن البصري :
)يوشك أن تدخل مسجد جماعة فى تجد فيه خاشعا) كأنه يتحدث عن زماننا إﻻ من رحم ربي.
قول ابن القيم رحمه الله :
(للعبد موقفان إن صلح الأول صلح اﻵخر وإذا فسد اﻷول فسد اﻵخر قالوا: وما هما؟ قال: صﻻته في الدنيا وحسابه عند الله في اﻵخرة).
_________________________
1- الطبري، محمد بن جرير الطبري، المحقق أحمد محمد شاكر، الناشر مؤسسة الرسالة، الطبعة اﻷولى 1420ه/2000م.
2- القرطبي، الجامع ﻷحكام القرآن، أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر شمس الدين القرطبي، تحقيق أحمد البردوني وإبراهيم أطفش، الناشر دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية 1384ه/1964م.
3- ابن عاشور، التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن محمد بن محمد بن عاشور التونسي، الناشر الدار التونسية للنشر، تونس، 1984ه.
4- الشوكاني، فتح القدير، أحمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة، 1403ه/2004م، رقم الطبعة -، عدد اﻷجزاء جزء واحد.
المراجع الصوتية :
1- شرح نبيل العوضي للآية.
الطريقة المتبعة :
اﻹستنتاج والوعظ.