مقتضى الشهادة بأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله أن نؤمن بأن الله سبحانه و تعالى أرسل نبيه لجميع الخلائق ليعبدوا الله تعالى وحده و لا يعبدون من دونه شيئا .. و يبين لهم شرائع الدين
و التصديق بالنبوة لا يتجاوز أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبد الله و لا يجوز مدحه بصفات الله تعالى .فعن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رضِي الله عنهما أنه سَمِعَ عُمَر بنَ الخَطَّابِ رضِي اللهُ عنه يقولُ وهو على المِنْبرِ: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((لا تُطْرُوني كما أَطْرَتِ النَّصارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فإنَّما أنا عَبْدُه؛ فقولوا: عبدُ اللهِ ورسولُه)). رواه البخاري.
و لتكون هذه الشهادة عن حق و إيمان تستلزم ثلاثة أصول :
1-محبة الرسول صلى الله عليه و سلم , و تفوق مكانة محبته على مكانة النفس و الأهل و الولد
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضِي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يُؤْمِنُ أحَدُكم حتى أكونَ أحَبَّ إليه من وَلَدِه ووَالِدِه والناسِ أجْمَعينَ)). متفق عليه.
2-تصديق كل ما صدر عنه من أمور الغيب و ذلك تصديقا لقوله تعالى : " و ما ينطق عن الهوى " .
3-طاعته صلى الله عليه و سلم و تتمثل فى الاتزام بأوامره و اجتناب نواهيه " و اطيعوا الله و اطيعوا الرسول "
و هذه الشهادة أصل من أصول الدين فلا يدخل العبد فى الاسلام الا بعد ان يشهد أن محمدا رسول الله قولا و يصدق ذلك بالعمل .
ما ينقض هذه الشهادة:
1-بغض الرسوال صى الله عليه و سلم و الاستهزاء بما جاء به من تعاليم و شرئع الدين . و من فعل ذلك فهو كافر
قال اللهُ تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: ٦٥].
2-تكذيب النبى و الشك فى صدق ما أتى به و من يفعل ذلك يعد غير مؤمنا به
3-عدم طاعته , و اتباع الهوى فى الأفعال و عدم الاتزام بالاوامر و النواهى
و من كان يؤمن بالله و رسوله و يرتكب بعض المعاصى و الذنوب من غير نواقض الاسلام فإنه يعد من عصاة المسلمين و ليس كافرا , و يجب نصحه خوفا عليه من العذاب الاليم
أما من يرتكب شيئا من هذه النواقض فانه يخرج من دائرة الايمان بالرسول صلى الله عليه و سلم حتى و ان كان ينطق الشهادة بلسانه فهو كالمنافقين الذين قال اللهُ فيهم: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١]. فلا تصح هذه الشهادة الا بعد تصديقها بالفعل و الطاعة
والشهادة هى ليست كلمة ينطق بها العبد وإنما هى منهج تدور فيه تصرفاته و أفعالة وبتحقيق هذا المنهج والاستقامة عليه يتحقق نجاحه وسعادته . والله تعالى لا يقبل أى عمل إلا لو كان صحيحا على منهج الإسلام و على سنة النبى صلى الله عليه وسلم .
فالإخلاص هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله و الاتباع هو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله .
و العبد لا يكون متبعا إلا بالإخلاص لله تعالى واتباع هدى وسنة النبى صلى الله عليه وسلم , وكل عمل فى الدين ليس على سنة النبى صلى الله عليه وسلم هو باطل ومردود , لقول النبى صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو
رد ) رواه مسلم .
وفي صحيحِ مُسلمٍ أيضًا من حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في خُطْبتِه: (( أما بعدُ، فإنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحمَّدٍ، وشرَّ الأمورِ مُحْدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ ))
والمبتدع عاص للنبى صلى الله عليه وسلم و هو ضال ببدعته , والبدع نوعان : ( بدع مكفرة - بدع مفسقة )
أولا البدع المكفرة : وهى إرتكاب ناقض من نواقض الإسلام وتكون إما بصرف العبادة لغير الله تعالى أو بتكذيب الله أو النبى أو غير ذلك من النواقض وصاحبها كافر مرتد عن دين الإسلام , ومثال ذلك : دعوى بعض الفرق بنقص القرآن الكريم أو تحريفه , ودعوى بعضهم بعلم من يعظموهم بالغيب . قال تعالى : ( قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ) .
ثانياالبدع المفسقة : وهى إرتكاب أفعال لا تتضمن ناقض من نواقض الإسلام , مثل ربط العبادات بزمان أو مكان لم يرد تخصيصا له بمثل ذلك مثل الموالد و الأضرحة .
وهدى النبى صلى الله عليه وسلم هو خير للعالمين وفيه صلاحهم وفلاحهم فى الدنيا والآخرة , فلم يأمر النبى بشئ إلا وكان فيه النفع والخير ولم ينهى عن شئ إلا وكان فيه المفسدة والشر . ولابد من كبح جماح النفس عن الشهوات والمفاسد وحملها على الاتباع وإلا تعرض الإنسان للعقاب فى الدنيا والعذاب فى الآخرة . قال الله تعالى : (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) , ففعل المعاصى قد يجر الإنسان إلى الفتنة فى دينه وقد لا يثبت فى هذه الفتنة فيضل ويكون بها هلاكه , وقد تصيبه الذنوب بعذاب أليم فى الدنيا أو فى قبره أو فى الآخرة .
أما من اتبع هدى النبى صلى الله عليه وسلم فهو فى أمان وسلامة ولا يحزن ولا يشقى فى لدنيا ولا الآخرة , قال تعالى : ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)﴾ [المائدة: ١٥–١٦].
وقد فرض الله تعالى على رسوله تبليغ الرسالة فبلغها مكا أمر , قال تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) .. وأوجب الله تعالى علينا طاعته فقال عز وجل : (﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٥٤].
والرسول قد حمله ربه أمانة تبليغ الرسالة وقد أدها كما أراد الله تعالى , فسأل الناس فى حجة الوداع " ألا هل بلغت " فقالوا نعم فقال " اللهم اشهد " .
ونحن نشهد أن رسولنا صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد فى الله حق جهاده حتى آتاه اليقين .
ولقد حملنا نحن المسلمين أمانة إتباع النبى صلى الله عليه وسلم قولا وعملا , فمن أراد الفوز فى الدنيا والآخرة فعليه أدآء الأمانة بحق , ومن لم يؤدها فقد خسر خسرانا عظيما .
قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧].