![]() |
أنوار التنزيل ... أسرار و عبر
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته هنا في هذا الموضوع ... سأضع كل يوم بإذن الله شرحاً مفرغاً لتفسير آية من كتاب الله من شرح شيخنا : أحمد معزوز حفظه الله تعالى من الجزائر الشقيق . لنستحضر معاً روعة بديع القرآن و جمال مقاصده . |
القاريء :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { و أقيموا الصلاة و ءاتوا الزكاة و اركعوا مع الراكعين} [الآية 43: سورة البقرة ] شرح الشيخ حفظه الله تعالى : { و أقيموا الصلاة } : في هذه الآية الكريمة توضيح لأسرار الصلاة , فلا يجب فقط أن نفكر في إعمار المساجد بالصلاة رغبةً فقط في ثوابها أو لأداء حركاتها فحسب؛ فلصلاة أسرار يجب أن نعلمها لنتقن فن الخشوع . فقد افتتح المولى سبحانه و تعالى الصلاة بالتكبير, و التكبير علامة على الجهاد . المجاهدون يجاهدون من إجل إعلاء راية الحق :فراياتهم الله أكبر , و يحمسون أنفسهم للقتال بالله أكبر , و ينقضون على عدوهم بالله أكبر ,و ينتصرون بالله أكبر . ففي صلاتك مجاهدة لوسواس الشيطان و النفس ؛ فكأنك تقسمها بسيف الله أكبر. فإذا عشت هذا المعنى تقت إلى الصلاة , و رجعت إليها , ولم تقف عند ثوابها وحركاتها بل عند من يقال لأجله سبحانه . و لذا سئل أحد الصالحين : هل يحضرك أمر من أمور الدنيا في الصلاة ؟ قال رحمه الله : لا في الصلاة و لا في غير الصلاة !. و من هنا نعلم أن من أسرار الخشوع تهيأة النفس للصلاة؛ فإذا سمعت المنادي ذهبت إلى المسجد مستحضراً أنك في حال الصلاة , لا كما يفعل البعض يتحدث عن الدنيا حتى يدخل من عتبة المسجد . اذهب إلى المسجد متهيأ للصلاة , قلبك خالٍ مما عداها . { و ءاتوا الزكاة} : لاحظ بديع المولى سبحانه في كتابه؛ فقد أمر سبحانه بالصلاة ثم ثنى بالزكاة لتعلم أن الدين : عبادة و معاملة . و لذا قالوا : إن من أعظم ما يعظم على النفس إخراج المال . و لاحظوا الرابط العجيب؛ فمن لم يدرب نفسه على الصلاة لن يستطيع أبداً إخراج المال . فالله قدم الصلاة لتطهير القلب , فحينما يطهر القلب يسهل إخراج المال . {و اركعوا مع الراكعين } : هي الصلاة ؛ فلما ذكرها المولى سبحانه مرة أخرى ؟؟ نعم ؛ نقول لمعنيين : المعنى الضيق : لليهود ؛ لأنهم كانوا يصلون في المدينة لكن صلاتهم لا ركوع و لا سجود فيها ؛ فلو اكتفى المولى سبحانه بقوله : {و أقيموا الصلاة } ؛ لقالوا : إنا نقيمها , و لكن من بديع دقائقه سبحانه أن قال : { و اركعوا مع الراكعين }, و هذا لم يكن يفعله اليهود . المعنى الواسع : لكل أحدٍ من المسلمين ؛قال الله له : { واركعوا مع الراكعين} ؛ ليشير المولى سبحانه إلى صلاة الجماعة . و لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم :(( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع و عشرين درجة)) فكلٌ منا إذا صلى منفرداً يحدث في صلاته نقص ؛ فكأنه بمعية الجماعة يجبر هذا النقص . و معية الجماعة تضمن أن تكون الصلاة مقبولة حيث أنه لابد أن هناك فرد في الجماعة صلاته مقبولة ؛فيقبل المولى سبحانه صلاة الجماعة بشفاعة صلاة الفرد . فكأن كلٌ منا يشفع في أخيه إذا اجتمعنا في بيوت الله على صلاة الجماعة . |
القاريء :
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :{أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون .و استعينوا بالصبر و الصلاة و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين. الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم و أنهم إليه راجعون } [ سورة البقرة : 44-46] شرح الشيخ حفظه الله تعالى : {أتاأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون } : أمر الله سبحانه و تعالى من يأمر بالمعروف , و ينهى عن المنكر ألا ينسى نفسه من هذا الخير . فالنهي هنا ليس لأمرهم بالمعروف و نهيهم عن المنكر ؛ و إنما نهاهم عن الأمر مع عدم الفعل و النهي مع الوقوع في الفعل . فلا تنسوا أنفسكم , و طهورها حتى إذا حدثتم الناس سمعوا منكم . {و استعينوا بالصبر و الصلاة} : لأنك إذا تصدرت للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فإنك قد تأمر و تنهى من هو أقرب القريب لك , و قد تنهى من هو غارق في المعاصي , فتسمع السباب و الشتم و عدم الطاعة. فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل و كما صبر سيد الرسل صلى الله عليه و سلم . و قيل : المراد بالصبر هنا شهر الصوم و قد عطفه على الصلاة و المعنى هنا مقبول لأن الصائم إذا صام طهرت نفسه . فالعالم الذي لا يصم ناقص لأنه إذا صام فإذا أمر و نهى خرج الأمر منوراً بنور الصبر . و الصبر هنا على الطاعات لأن فيها مشقة , و عن المعاصي لأن النفس ترغب بقوتها الشهوانية في المعصية . فإذا استعنت بالصبر , و شفعت ذلك بالصلاة ؛ طهر القلب,و إذا طهر القلب طهر اللسان , و خرج الوعظ في محله . {و إنها لكبيرة إلا على الخاشعين} : و الصلاة كبيرة و شاقة و متعبة من الديمومة إلا من ذاق حلاوته ؛ لذا استثنى المولى سبحانه و تعالى الخاشعين . و لذا قال صلى الله عليه و سلم : (( حفت الجنة بالمكاره )), و قال صى الله عليه و سلم : (( بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة )).في البداية يرونها شاقة ؛ فإذا صبروا بعد ذلك وجدوا حلاوتها . فالخشوع محله القلب , فإذا حل الخشوع في القلب , فالقلب سلطان الجوارح فلا تشعر الجوارح بالتعب الذي يشعر به البعيد عن المولى سبحانه . دخل أعرابي المسجد و أخذ يلعب بلحيته و هو يصلي , فقال سيد الرسل صلى الله عليه و سلم :(( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه )). فلا تكون الصلاة عليه كبيرة و لا شاقة , و قال فيها الأمام البصيري : إذا حلت الهداية قلباً= نشطت للعبادة الأعضاء {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم و أنهم إليه راجعون} : الظن هنا هو اليقين , فالذي يخشع في صلاته يوقن بلقاء الله . قال صلى الله عليه و سلم في الحديث القدسي على لسان رب العز جل جلاله : (( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء )). {و أنهم ملاقوا ربهم و أنهم إليه راجعون } : أليس الرجوع لقاء .. فلما ذكرلقاء المولى سبحانه مرتين ؟. نقول :{ أنهم ملاقو ربهم }: هذ اللقاء الأول في الدنيا في الصلاة , { و أنهم إليه راجعون }: هذا اللقاء الثاني يوم القيامة . فمن دام على لقاء الدنيا لم يجد في الآخرة إلا الجزاء المضاعف و زيادة و هي رؤية المولى سبحانه . |
القاريء : {إن الذين آمنوا و الذين هادوا و النصارى و الصابئين من ءامن بالله و اليوم الآخر و عمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوفُ عليهم و لا هم يحزنون} [ سورة البقرة :الآية62] شرح الشيخ حفظه الله تعالى : حكت الآيات السابقة عن بني اسرائيل , و ما وقع عليهم من الذل و الهوان لقبح ما كان منهم , و هو الكفر بآيات الله و قتل النبيين{ ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله و يقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون}الآية , و قد أجرى الله على يد سيدنا موسى معجزاتٍ يؤمن بها من كان له أدنى حظ من العقل , و مع ذلك جحدوا و سيأتينا بعد ذلك : { أتطمعون أن يؤمنوا لكم }الآية ؛ لأن حال الخلف من حال السلف , و هذه الآية عن يهود المدينة , و قد كفروا ببعثة رسول الله صلى الله عليه و سلم كما فعل أسلافهم في هذه الآية من كفر برسالة أنبياء الله . و هنا لابد من وقفة : ألم يكن الأنبياء من عند الله و ما أرسلوا به الحق , فلما أراد الله لهم أن يقتلوا على يد هؤلاء السفلة ؟ نقول لعدة أمور : 1- إذا قضى الله ذلك على أحد أنبيائه لرفع منزلته عنده . 2- كما قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه : إن من أومر من الأنبياء بقتال لم يقتل, و من لم يؤمر بقتلٍ قتل؛ لترتفع منزلتهم بذلك . فجل أنبياء بني إسرائيل إما قتلوا و إما عذبوا من قبل بني إسرائيل. {بغير الحق} : و هل يمكن أن يكون الأنبياء بحق ؟ !..النفس قد تقتل بحق لكن الأنبياء لا . و لكن قالها المولى عز و جل بغير الحق ليبين شناعة فعلهم هذا ؛ لأنهم لو قاتلوا الأنبياء على ظن أنهم على حقٍ في قتلهم , تكون كبيرة عظمى . و لكنهم كانوا يقتلون الأنبياء , و هم على يقين من أن قتل الأنبياء باطلو بالتالي , فهم يقتلونهم مع تعمد القتل لمن أرسله الله ؛ لأن الأنبياء كانوا يأمرونهم بما يخالف هواهم , لذلك ضربت عليهم الذلة و المسكنة . {إن الذين آمنوا } : من سنة الحق عز و جل أنه إذا ذكر أهل العناد و الكفر , ذكر من آمن منهم ليسير المؤمن بين جناحي الخوف و الرجاء . سبب نزول هذه الآية : أن سيدنا سلمان الفارسي سئل النبي صلى الله عليه و سلم فقال : كنت مع قومٍ يصومون, و يصلون , و يؤمنون بأنك ستبعث, و لكن ماتوا على ذلك, فنزلت الآية . {إن الذين آمنوا }: بالنبي صلى الله عليه و سلم , و بأنبيائهم الذين أرسلوا إليهم . {و الذين هادوا }: من آمن من اليهود بأنبيائه من الأسلاف , و من شهد البعثة المحمدية , و اتبع دين الإسلام من الخلف , و اليهود سموا كذلك نسبةً إلى يهوذا بن يعقوب . {و النصارى} : من آمن لسيدنا عيسى عليه السلام في زمانه . {و الصابئين}: الصابئة : هم قوم كانوا من اليهود و النصارى , و رأوا التحريف ؛ فخرجوا عن أحبار اليهود و النصارى المحرفين و ظلوا على التوحيد . { من ءامن بالله و اليوم الآخر فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون}: فمن كان من هذا , و اتبع أنبياء زمانه أو شهد مولانا محمد صلى الله عليه و سلم و اتبعه , أو آمن بأنه آخر الأنبياء و اتبع رسالته و عمل صالحاً فلاخوف عليهم و لا هم يحزنون . |
القاريء : {وإذ أخذنا ميثاقكم و رفعنا فوقكم الطور خذوا ما أتيناكم بقوةٍ و اذكروا ما فيه لعلكم تتقون .ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم و رحمته لكنتم من الخاسرين } [ سورة البقرة : الآية 61-62] شرح الشيخ حفظه الله تعالى : { وإذ أخذنا ميثاقكم }: أخذنا العهود و المواثيق بالإيمان لسيدنا موسى , و أعظم العهد على الإيمان بذلك النبي محمد صلى الله عليه و سلم الذي وردت صفته في كتبهم . و كانوا كلما واثقوا النبي صلى الله عليه و سلم على ميثاق نقضوه, و حاولوا قتله صلى الله عليه و سلم . و هذه العبرلكي ننتبه لأحوال الخديعة, و الغدر , و المكر منهم لذا ورد في الحديث الصحيح : (( ما خلا يهودي بمسلمٍ إلا فكر بقتله )). خانوا الله في عهده , فكيف لا يخونوا عهدَ المسلمين ؟!. { و رفعنا فوقكم الطور}: سجدوا قهراً خوفاً من أن يسقط الجبل على ظهورهم لأنهم أبوا , و رفضوا الدخول ساجدين . { خذوا ما آتيناكم }: و أمروا أن يأخذوا ما في التوراة من أحكام, و ما ترك اليهود العمل بالتوراة إلا لأن أحكام التوراة نزلت عليهم جملةً واحدة, أما الأمة المحمدية فإ ن الله من رحمته بها أنه سبحانه أنزل الأحكام متدرجة و لم ينزلها جملةً واحدة . فاليهود سجدوا قهراً , و أخذوا ما في التوراة قهراً. { بقوةٍ}: القوة هنا هي قوة القلب . {و اذكروا ما فيه}: أي: اقرأوا , و الخطاب هنا عن التوراة الأصلية . و الخطاب فيه جزء ليهود المدينة لأن التوراة على ما فيها من تحريفٍ كان فيها صفات النبي صلى الله عليه و سلم , و صفة دخوله المدينة و لكن لم يرد في التوراة أنه عربي فظنوا أنه منهم . و كان يتفخرون على الأنصار بذكر صفة هذا النبي المنتظر ظانين أنه منهم و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم : (( إن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر )). { لعلكم تتقون}: لأنكم ستتقون فعلاً إذا أخبرتم بحقيقة ما عندكم من صفة رسول الله صلى الله عليه و سلم في التوراة . فيصح الخطاب للأسلاف باتباعهم التوراة الصحيحة التي أنزلت عليهم في زمن موسى عليه السلام , و ليهود المدينة الأخلاف فيتبعوا الرسول صلى الله عليه و سلم . { ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم و رحمته لكنتم من الخاسرين }: فبعد أن أعطوا المواثيق ؛ خانوا تلك المواثيق , و العهود, و كفروا, و قتلوا الأنبياء , و مع ذلك أرسل الله لهم رسلاً آخرين , و أبقاهم , و هذا فضل من الله سبحانه . و أتى سبحانه بكلمة خاسر هنا للدلالة على التجارة مع الله ... فقد أعطاهم الله أسباب الربح , فلو بقيوا على العهد لأخذوا الربح الوفير . كنتم تجاراً فخسرتم مع الله في الدنيا الآخرة , و كذا كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم لأن فرصتهم الأخيرة كانت معه , فمن آمن منهم كعبد الله بن سلام و غيره نجا و من عاند و كفر هلك مع الهالكين . |
الساعة الآن 11:37 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir