التطبيق الأول من دورة تلخيص الدروس العلمية
التطبيق الأول: تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...) المطلوب: تلخيص شرح الحديث بالاستفادة من الشروح المدرجة ( هنا ) باتّباع خطوات التلخيص المشروحة في الدورة ، وتحقيق معايير جودة التلخيص. درجة التطبيق: عشرون درجة. معايير تقويم التطبيق: 1: الشمول [ 3 درجات ] 2: الترتيب. [ 3 درجات ] 3: التحرير العلمي. [ 8 درجات ] 4: حسن الصياغة [ 3 درجات ] 5: حسن العرض. [ 3 درجات ] توزيع الدرجات: التطبيق الأول: عشرون درجة. التطبيق الثاني: عشرون درجة. الاختبار: ستون درجة. تعليمات: - تدرج التطبيقات في هذا الموضوع. - يوصى الطالب بأن لا يطّلع على تطبيقات زملائه حتى يدرج تطبيقه، وذلك لأجل أن لا يحرم نفسه من التعرّف على مواضع الإجادة والتميز، ومواضع القصور والتقصير لديه. - بعد أن يدرج الطالب تطبيقه يوصى بالاطّلاع على تطبيقات زملائه والاستفادة منها، والتعرف على مواضع النقص والخلل في تلخيصه ليكون أداؤه في التطبيق التالي أحسن وأكمل. - بعد أداء التطبيقين الأول والثاني يسجّل الطالب استعداده للاختبار في هذه الدورة، وسيكون الاختبار مغلقا في صفحة اختبارات الطالب. تعليمات: - ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس. - لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته. - يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة. - يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق. - تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم السبت القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب. تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة: أ+ = 5 / 5 أ = 4.5 / 5 ب+ = 4.25 / 5 ب = 4 / 5 ج+ = 3.75 / 5 ج = 3.5 / 5 د+ = 3.25 / 5 د = 3 هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة. معايير التقويم: 1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ] 2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص] 3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد] 4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية. 5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض. نشر التقويم: - يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب. - تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها. - نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم. _________________ وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم |
عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ.
العناصر: 1. راوي الحديث. 2. موضوع الحديث. 3. تعريف المنكر. 4. مراتب تغيير المنكر. 5. فوائد مستنبطة من الحديث. ............................................................................................................................... 1. راوي الحديث: هو أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، غزا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام اثنتى عشرة غزوة وكان من فضلاء الصحابة وعلمائهم، مروياته ألف ومائة وسبعون حديثا، مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وله أربع وتسعون سنة. 2. موضوع الحديث: الحديث قاعدة من قواعد الدين وواضح أن الإنسان يلزمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة. 3. تعريف المنكر: المنكر هو كل ما أنكره الشرع، ويكون في الفعل أو القول، وقول العبد وفعله هما ثمرتا الإيمان. 4. مراتب تغيير المنكر: العمل ثمرة الإيمان، وأعلى ثمرة للإيمان في باب النهي عن المنكر أن ينهي بيده، وعليه أن يصب على الأذى لقوله تعالى: "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك" فقد قرن الله النهي عن المنكر بالصبر. أما غير المستطيع فيجب عليه النهي باللسان وإن لم يسمع منه، أما أضعف المراتب فهي الإنكار بالقلب فلا يرضى ويشتغل بذكر الله وقد مدح الله العاملين بذلك: "وإذا مروا باللغو مروا كراما". 5. فوائد مستنبطة من الحديث: 1-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قواعد الدين. 2- وجوب تغيير المنكر كل بحسب استطاعته. 3- التكليف يكون بقدر الاستطاعة فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. 4- مراتب تغيير المنكر ثلاثة. 5- النهي عن المنكر من وسائل صلاح المجتمع. 6- يجب على ولاة الأمور تغيير المنكر باليد. 7- المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. 8- يجب على العلماء والناصحين للأمة تغيير المنكر باللسان. 9- أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بتقوى الله قدر الاستطاعة. 10- من يعجز عن التغيير فلا يفوته الثواب وحسبه الإنكار بالقلب. 11- العمل ثمرة الإيمان. 12- الإيمان يزيد وينقص. |
بِسْم الله الحمن الرحيم
التطبيق الأول: تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري:( من رأى منكم منكرا فليغيره....) عناصر التلخيص: •تخريج الحديث •موضوع الحديث •قصة الحديث •منزلة الحديث •الشرح الإجمالي للحديث شرح قوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكر فليغيره....) •معنى قوله: ( رأى منكر) •أنواع الرؤية •معنى المنكر •ضابط إنكار المنكر •مسألة: ما شروط الواجب توفرها في المنكر؟ •معنى قوله: ( فليغيره) •مراتب تغير المنكر •معنى قوله:( بيده) •مسألة من يقوم بإنكار المنكر باليد •معنى قوله:( فإن لم يستطيع فبلسانه) •معنى قوله:( فإن لم يستطيع فبقلبه) •معنى قوله:( وذلك أضعف الإيمان) •مسألة: حكم تغير المنكر •مسألة: خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. •فوائد الحديث ****************************************** التلخيص: •تخريج الحديث: هذا الحديث خرجه مسلم من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد •موضوع الحديث: وجوب تغير المنكر •قصة الحديث: عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل صلاة مروان بن الحكم، فأنكر عليه رجل فعله فأبى، فقال أبو سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:ثم ذكر الحديث. •منزلة الحديث: هذا الحديث شأنه عظيم، لأنه نص على وجوب إنكار المنكر، وهذا كما قال النووي:( باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عمّ عقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعذاب:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}, فينبغي لطالب الآخرة أن يسعى في تحصيل رضى الله عزوجل، أن يعتني بهذا الباب، فإن نفعه عظيم) اهـ. •الشرح الإجمالي للحديث (( من رأى منكم)) يا معشر المكلفين. (( منكراً)) شيئا أنكره الشرع ومنع عنه. (( فليغيره بيده)) إن كان مما يمكن تغييره باليد؛ غيرة لله، وقياما بحقه (( فإن لم يستطيع فبلسانه)) إنكاره بلسانه لعجزه (( فإن لم يستطيع فبقلبه)) فلينكره فبقلبه ،وليكرهه كراهة شديدة، لأن فيه مخالفة الله (( وذلك)) الرجل الذي لا يقدر إلا على الإنكار بالقلب (( أضعف)) أهل (( الإيمان)) إيماناً * شرح قوله صلى الله عليه وسلم ( من رأى منكم منكرا فليغيره...) معنى قوله:( من رأى منكر) المراد من علم وإن لم يره بعينيه فيشمل من رأى بعينيه وسمع بأذنه ومن تيقنه بخبره، وإن كان ظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن ما دام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه. " منكم": أي من أمة الإجابة الذين يطبقون الأوامر، ويتركون النواهي، ويدعون إلى العمل الذي عملوه فهم قدوة، ولا يأمرون بالشيء الذي يتركونه ، ولا ينهون عن شيء يقعون فيه. قال تعالى :{ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم...} البقرة: 44 •أنواع الرؤية: الرؤية رؤيتان: بصرية / قلبية -بصرية: تشترك فيها جميع المخلوقات، وهي بالعينين -قلبية:تسمى بصيرة أو رؤية علمية يقينية، وهذه للمؤمنين الذين يؤمنون بالغيب، ويمثلون أوامر أوامر الله ويعملون للآخرة كأنما يرونها. •معنى قوله المنكر: المنكر هو ما نهى الله عنه ورسوله •ضوابط إنكار المنكر: -أن لا يكون إنكار المنكر بإفراط وتفريط. -أن لا يؤ دي إنكار إلى ما هو أعظم. -أن لا يكون إنكارالمنكر بطريقة منكرة. -أن تمون مصلحة فيه راجحة على المفسدة. -أن لا يتعدى على أهل المعاصي بزيادة على المشروع. -أن يقوم بالإنكار على وجه المشروع. •مسألة: شروط الواجب توفرها في المنكر: أمور التي يشترط في المنكر، هي:- -1- الإسلام -2- التكليف -3- الاستطاعة -4- العدالة -5- وجود المنكر ظاهرا -6- العلم بما ينكر وبما يأمر •معنى قوله: ( فليغيره): " فليغيره":أي يحوله ويبدله من صورة إلى صورة آخر. •مراتب تغير المنكر: الأول :الإنكار باليد الثاني: الإنكار باللسان الثالث: الإنكار بالقلب •معنى قوله: (بيده): اليد تطلق على الجارحة ويراد بها اليمني واليسرى، وهي من رؤس الأصابع الى الكتف، وخصت لأنها قوة الإنسان في الأخذ والعطاء والكف والمدافعة. •مسألة: من يقوم بإنكار المنكر باليد: الإنكار باليد يكون من قبل ولي الأمر صاحب السلطة لقوته وهيئته، ولأب على أولاده، وللسيد على عبده، هذا الإنكار هو أقوى درجات، لأنه إزالة للمنكر بالكلية وزجر عنه. ولا يكون هذا الإنكار ممن لا يملك سلطة حتى لا يفسد و يقع فيما هو أنكر منه. وعلق هذا المنكر لولي الأمر في الولايته العامة والخاصة. •معنى قوله :(فإن لم يستطيع فبلسانه): هذه الدرجة الثانية لتغير المنكر وهو اللسان عند من لا يملك السلطة. وهذا يكون من تذكير وترغيب وترهيب، وهو في مقدور أهل العلم الذين هم أئمة العقول والأفكار، ولا يعذر عنه إلا من لا يملك القدرة والفصاحة بالكلام. •معنى قوله:( فإن لم يستطيع فبقلبه): هذه الدرجة الثالثة لتغير المنكر، وهي واجبة على الجميع، إذ هي تغير داخلي لا يتعدى صاحبها، وهي تألم القلب لهذا المنكر وكراهيته له ولأهله وتمني زواله والدعاء لصاحبه بالسلامة منه، هذه أضعف درجة ليس بعدها شيء من الإيمان. •معنى قوله:( وذلك أضعف الإيمان): سميت هذه الدرجة ضعفاًلإنها هذه دلالة على ضعف وعدم وجود الغيرة، والكراهة لهذا المنكر. •مسألة : حكم تغير المنكر: انكار المنكر باليد واللسان له حالتان: -الحالة أولى: فرض كفاية. قال تعالى:{ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}. قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية( المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشإن) وقال ابن العربي في تفسيره لهذه الآية:(في هذه الآية والتي بعدها- يعني{ كنتم خير أمته أخرجت للناس...}- دليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة الدين بإقامة الحجة على المخالفين) اهـ. يجب على إمام المسلمين أن يفرغ مجموعة من الناس، ممن لديهم الكفاءة والاستعداد لهذه المهمة، وذلك أن هناك من المنكر ما لا يقوي على تغير إلا فئة معينة من لديها من العلم والفهم والحكمة في معالجة هذا المنكر، فإذا قامت هذه الهيئة بواجبها سقط عن الباقين. -الحالة الثانية: فرض عين وهو فرض عين لقوله صلى الله عليه وسلم:( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده...) دل عموم هذا الحديث على وجوب إنكار المنكر على كل فرد مستطيع علم بالمنكر أو رأه. •مسألة: خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إذا قصر المسلمون حكما ومحكومين في هذه المهمة، شاعت الفاحشة، وعمت الرذيلة، وتسلط الفجار على الأخيار، ويصبح الحق باطلا والعكس، وتعرض الأمة إلى: 1-الطرد من رحمة الله كما طرد الله أهل الكتاب من رحمته لما تركوا هذه المهمة، فقال تعالى:{ لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان دَاوُدَ وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه..} 2- الهلاك في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم:( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهوا على سفينةفأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها.....) 3- عدم استجابة الدعاء، عن حُذيفة رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( والذي نفسي بيده، لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليو شكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعمه فلا يستجيب لكم). •فوائدالحديث: -أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. -هذا الحديث يدل على أن الإيمان ينقص ويزيد. -التقوى حسب الاستطاع. -إذا لم ينكر المنكر ينشر الفساد في الأمة. -لابد التأكد من وجود المنكر قبل إنكاره. -بيان مراتب تغير المنكر. -المؤن القوي خير من المؤمن الضعيف. **************************************** والله تعالى أعلم |
التطبيق الأول: تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...)
العناصر: ● ترجمة الصحابي راوي الحديث ● تخريج الحديث ● موضوع الحديث ● قصة إيراد الحديث ● منزلة الحديث ● المعنى الإجمالي للحديث ● ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ● شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) -بيان معنى (المنكر) -المراد بالرؤية في الحديث ● هل الإنكار متعلق بالرؤية؟ ● معنى قوله: (فليغيره) - معنى الأمر في الحديث - معنى التغيير -الفرق بين التغيير والإزالة ● تنبيه: تغيير المنكر غير معاقبة فاعله. ● حكم إنكار المنكر: ● تَفاوتُ مسئوليَّةِ النَّاسِ في إنكارِ المنكَرِ ● التحذير من التهاون في إنكار المنكر ● متى يتعين الإنكار؟ ● شروط وجوب إنكار المنكر ● آداب إنكار المنكر ● ضابط المنكر الذي يجب إنكاره ● حكم الإنكار في مسائل الخلاف ● حكم إنكار المنكر المستور ● حكم التجسس لاكتشاف المنكر ● مراتب إنكار المنكر 1- المرتبة الأولى: الإنكار باليد -معنى الإنكار باليد 2- المرتبة الثانية: الإنكار باللسان 3- المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب ● شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يستطع فبلسانه) ● شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يستطع فبقلبه) -معنى الإنكار بالقلب ● خطر التهاون في إنكار القلب للمعاصي ● الراضي بالمنكر كفاعله ● أقوال السلف في معرفة القلب بالمعروف والمنكر وأن إنكاره له فرض لا يسقط عن أحد ● هل يكتفى بالإنكار بالقلب؟ -مسألة: هل يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول:أنا كاره بقلبي؟ ● شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وذلك أضعف الإيمان) ● تنبيه: جملة (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) من حديث ابن مسعود وليست من هذا الحديث ● دوافعُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ ● تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) -تنبيه على الفهم الخاطئ لمعنى الآية ● مسألة: هل يشترط لإنكار المنكر غلبة الظن بانتفاع المنكر عليهم بالإنكار ● أحوال المنكَر عليهم مع المنكِر ● مسألة: الفرق بين النصيحة والإنكار ● مسألة: الإنكار على ولاة الأمر: ● ضوابط الإنكار على ولاة الأمر: ● التغيير باليد لا يستلزم القتال والخروج: ● من فوائد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه التلخيص: ● ترجمة الصحابي راوي الحديث: هو أبُو سعيدٍ سَعْدُ بنُ مالكِ بنِ سِنَانٍ الخُدْرِيُّ الأنْصَارِيُّ الخَزْرَجِيُّ، هُوَ مِنْ أَفْقَهِ الصَّحَابَةِ، وَأَعْلَمِهِمْ بالحديثِ، مَاتَ بالمدينةِ يومَ الجُمُعَةِ سَنَةَ أربعٍ وَسِتِّينَ وَدُفِنَ بالبَقِيعِ. ● تخريج الحديث: -أخرجه مسلم من رواية قيس بن مسلم, عن طارق بن شهاب, عن أبي سعيد. - ومنْ روايَةِ إِسماعيلَ بنِ رَجَاءٍ، عنْ أبيهِ، عنْ أَبِي سَعِيدٍ. ● موضوع الحديث: - بيان وجوب تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. ● قصة إيراد الحديث: - كان أوَّلُ مَنْ خَطَبَ في العيدِ قبلَ الصلاةِ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، فقامَ إليهِ رَجُلٌ فقالَ: الصَّلاةُ قبلَ الخُطْبَةِ، فقالَ: قدْ تُرِكَ ما هُنَالِكَ، فَقَالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا، فقدْ قَضَى ما عليهِ، ثمَّ رَوَى هذا الحديثَ. ● منزلة الحديث: هذا الحديثُ عظيمُ الشَّأنِ؛ لأنَّهُ نصَّ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ، وهذا كما قالَ النَّوويُّ: (بابٌ عظيمٌ به قِوَامُ الأمرِ ومِلاكُهُ، وإذا كثُرَ الخبثُ، عمَّ العقابُ الصَّالحَ والطَّالحَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. ● المعنى الإجمالي للحديث: يبين الحديث وُجُوبِ إنكارِ المُنْكَرِ باليد مع القُدْرَةِ عليهِ، فإن لم يستطع فباللسان, فإن لم يستطع فبالقلب, وأنَّ إِنْكَارَهُ بِالقَلْبِ لا بُدَّ منهُ، فمَنْ لمْ يُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ دَلَّ على ذَهَابِ الإِيمانِ مِنْ قَلْبِهِ. ● ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: - خَرَّجَ مُسْلِمٌ منْ حديثِ ابنِ مسعودٍ: عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوارِيُّونَ وَأَصْحابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)). - ورَوَى سالمٌ المُرَادِيُّ عنْ عمرِو بنِ هَرِمٍ، عنْ جابرِ بنِ زيدٍ، عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((سَيُصِيبُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلاءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ، لا يَنْجُو مِنْهُ إِلا رَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ السَّوَابِقُ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَصَدَّقَ بِهِ، وَلِلأَوَّلِ عَلَيْهِ سَابِقَةٌ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَسَكَتَ، فَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِخَيْرٍ أَحَبَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِبَاطِلٍ أَبْغَضَهُ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَنْجُو عَلَى إِبْطَائِهِ)). وهذا غَرِيبٌ، وإسنادُهُ مُنْقَطِعٌ. وخرَّجَ الإِسْمَاعِيلِيُّ منْ حديثِ أبي هارونَ العَبْدِيِّ - وهوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - عنْ مَوْلًى لِعُمَرَ، عنْ عُمَرَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((تُوشِكُ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَهْلِكَ إِلا ثَلاثَةَ نَفَرٍ: رَجُلٌ أَنْكَرَ بِيَدِهِ وَبِلِسَانِهِ وَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِيَدِهِ، فَبِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِلِسَانِهِ وَبِيَدِهِ فَبِقَلْبِهِ)). وخرَّجَ أيضًا منْ روايَةِ الأَوْزَاعِيِّ عنْ عُمَيْرِ بنِ هانئٍ، عنْ عَلِيٍّ، سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((سَيَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ لا يَسْتَطِيعُ الْمُؤْمِنُ فِيهَا أَنْ يُغَيِّرَ بِيَدٍ وَلا بِلِسَانٍ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قالَ: ((يُنْكِرُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَنْقُصُ ذَلِكَ إِيمَانَهُمْ شَيْئًا؟ قالَ: ((لا، إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْقَطْرُ مِنَ الصَّفَا)). وهذا الإسنادُ مُنْقَطِعٌ. وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مَعْنَاهُ منْ حديثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ عَن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. ● شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) -بيان معنى (المنكر) المُنْكَرُ ضِدُّ المعروفِ، وهوَ ما عُرِفَ قُبْحُهُ شَرْعاً وَعُرْفاً، وَيَشْمَلُ تَرْكَ الأوامرِ, مِثْلُ تَرْكِ الصلاةِ في المسجدِ أَوْ تَرْكِهَا بالكُلِّيَّةِ، وَالوقوعَ في النواهيِ, مِثْلُ شُرْبِ الخمرِ, وَالزِّنَا وَغَيْرِهَا، وَسُمِّيَ مُنْكَراً؛ لأنَّ العقولَ وَالفِطَرَ تُنْكِرُهُ وَتَأْبَاهُ. -المراد بالرؤية في الحديث: المراد من علم وإن لم يرَ بعينه فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه سماعا محققا, ومن بلغه خبر بيقين, وإن كان الظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه. ● هل الإنكار متعلق بالرؤية؟ ظاهرالحديث يدل على أن وجوب الإنكار متعلق بالرؤية، وكذلك أنزل العلماء السماع المحقق, والعلم عن طريق الثقات منزل الرؤىة, فهو في حكمها. ● معنى قوله: (فليغيره) ((فَلْيُغَيِّرْهُ)): الفاءُ وَاقعةٌ في جوابِ الشرطِ، وَ(اللامُ) لامُ الأمرِ. ((يُغَيِّرْهُ))؛ أيْ: يُحَوِّلْهُ وَيُبَدِّلْهُ مِنْ صُورَتِهِ التي هوَ عليها إِلى صورةٍ أُخْرَى حَسَنَةٍ. - معنى الأمر في الحديث: الأمرُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ لِعَدَمِ وُجُودِ صارِفٍ يَصْرِفُهُ عَن الوجوبِ. - معنى التغيير: التَغْيِيرُيشمل تَرْكِ الأمرِ إِلى فِعْلِهِ، وَفِعْلِ النهيِ إِلى تَرْكِهِ، وَهكذا. وَالتغييرُ إِصلاحٌ وَحِفْظٌ وَأَمْنٌ وَثوابٌ وَطاعةٌ. -الفرق بين التغيير والإزالة: التغيير: اسمُ يشمل الإزالةَ، ويشمل الإنكارَ باللسان بلا إزالة، ويشمل أيضاً الاعتقاد أنَّ هذا مُنكر ومُحرّم، ولهذا جاء في هذا الحديث بيان هذه المعاني الثلاث. ● تنبيه: تغيير المنكر غير معاقبة فاعله. ● حكم إنكار المنكر: -إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ سواءٌ كانَ فرضًا عينيًّا أو فرضَ كفايَةٍ يكونُ علَى حسبِ القدرةِ والاستطاعةِ. -أمَّا إنكارُ المنكرِ بالقلبِ فمنَ الفروضِ العينيَّةِ, فهو واجبٌ لا يسقطُ عن أحدٍ مهما كانتِ الحالُ. -الرِّضَا بالمنكرِ مِن أقبحِ الذُّنوبِ والخطايا. ● تَفاوتُ مسئوليَّةِ النَّاسِ في إنكارِ المنكَرِ: -المسلمُ العامِّيُّ يَأمرُ أهلَهُ وأبناءَهُ ما يعلمُ مَن أمورِ الدِّينِ الَّتي يَسْمَعُهَا علَى المنابرِ وفي دروسِ الوعظِ. -العلماءُ عليهِمْ مَن الواجبِ ما ليسَ علَى غيرِهِم، وذلك أنَّهُمْ ورثةُ الأنبياءِ، فإذا تساهلُوا بهذهِ المهمَّةِ دخلَ النَّقصُ علَى الأمَّةِ. -الحكَّامِ واجبهم في هذه المهمَّةِ عظيمٌ؛ لأنَّ بيدِهِم الشَّوكةَ والسُّلطانَ الَّتي يرتدِعُ بها السَّوادُ الأعظمُ مَن النَّاسِ عن المنكرِ؛ لأنَّ الَّذينَ يتأثَّرونَ بالوعظِ قلَّةٌ. ● التحذير من التهاون في إنكار المنكر: إذا قصَّرَ المسلمونَ حكَّامًا ومحكومين في هذه المهمَّةِ، شاعتِ الفاحشةُ، وعمَّتِ الرَّذيلةُ، وتسلَّطَ الفجَّارُ علَى الأخيارِ، ويصبحُ الحقُّ باطلاً والباطلُ حقًّا، وبهذا تُعَرِّضُ الأمَّةُ نفسَهَا إلَى: 1 - الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ. 2 - الهلاكِ في الدُّنيا. 3 - عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ. ● متى يتعين الإنكار؟ -يتعين الإنكارعلَى كلِّ فردٍ مستطيعٍ علمَ بالمنكرِ أو رآهُ. -إذا عرفَ المرءُ مَن نفسِهِ صلاحيَّةَ النَّظرِ والاستقلالِ بالجدالِ، أو عُرِفَ ذلك منه. -قالَ القاضي ابنُ العربيِّ: (وقد يكونُ فرضَ عينٍ إذا عرفَ المرءُ مَن نفسِهِ صلاحيَّةَ النَّظرِ والاستقلالِ بالجدالِ، أو عُرِفَ ذلك منه)اهـ. -إذا كانَ في موضِعٍ لا يَعلمُ به إلاَّ هو، أو لا يتمكَّنُ مِن إزالتِهِ إلاَّ هو. قالَ النَّوويُّ: (ثمَّ إنَّهُ قد يَتعيَّنُ - يعني: الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ - كما إذا كانَ في موضِعٍ لا يَعلمُ به إلاَّ هو، أو لا يتمكَّنُ مِن إزالتِهِ إلاَّ هو، وكمن يرَى زوجتَهُ أو ولدَهُ أو غلامَهُ علَى منكرٍ أو تقصيرٍ في معروفٍ). ● شروط وجوب إنكار المنكر: الشرط الأول: الإِسلامُ. الشرط الثاني: التكليفُ، ويشمل: العقل والبلوغ. الشرط الثالث: الاستطاعة. الشرط الرابع: العلم بكونه منكراً. الشرط الخامس: رؤية المنكر. ● آداب إنكار المنكر: - أن يكون المنكِر مجتنباً للمنكَر. - أن ينصح للمنكَر عليه ويرفق به. - أن يراعي الحكمة في أسلوب الإنكار ووقته وطريقته. - أن يرشد المنكر عليه إلى البدائل الشرعية. ● ضابط المنكر الذي يجب إنكاره: هو المنكر المجمع عليه أو ما كان الخلاف فيه ضعيفاً. ● حكم الإنكار في مسائل الخلاف: - إذا كان المنكر من الأمور الخلافية, وكان الخلاف ضعيفا, ينكر على فاعله. -وإنْ كانَ الخلافُ قويًّا والتَّرجيحُ صعبًا لا يقوَى عليهِ إلاَّ الجهابذةُ مَن العلماءِ فمِثلُ هذا - واللهُ أعلمُ - لا يُنكَرُ علَى فاعلِهِ. ● حكم إنكار المنكر المستور: -دل عموم الحديث على أن الإنكار متعلق بالرؤية. -المنكر المستور إذا لم يره وَلَكِنْ عَلِمَ بهِ، فالمنصوصُ عنْ أحمدَ في أكثرِ الرواياتِ أنَّهُ لا يَعْرِضُ لهُ، وأنَّهُ لا يُفَتِّشُ عنه. -وعنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أنَّهُ يَكْشِفُ الْمُغَطَّى إذا تَحَقَّقَهُ. ونَصَّ أحمدُ على أنه : إذا لمْ يَعْلَمْ مَكَانَ المنكرفلا شَيْءَ عليهِ. ● حكم التجسس لاكتشاف المنكر: -ليسَ للآمرِ البحثُ والتَّفتيشُ والتَّجسُّسُ وتَسَوُّرُ جدرانِ البيوتِ واقتحامُهَا بحجَّةِ البحثِ عن المنكَرِ. - أنكرَ العلماءُ هذا، مثلُ سفيانَ الثَّوريِّ وغيرِهِ, وهوَ دَاخِلٌ في التَّجَسُّسِ المَنْهِيِّ عنهُ. -وقالَ القاضِي أبو يَعْلَى في كتابِ (الأحكامِ السُّلْطَانِيَّةِ): (إنْ كانَ في المُنْكَرِ الذي غَلَبَ على ظَنِّهِ الاسْتِسْرَارُ بهِ بإِخْبَارِ ثِقَةٍ عنهُ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا كالزِّنَى والقَتْلِ، جَازَ التَّجَسُّسُ والإِقْدَامُ على الكَشْفِ والبَحْثِ؛ حَذَرًا منْ فواتِ ما لا يُسْتَدْرَكُ من انْتِهَاكِ المَحَارِمِ. وإنْ كانَ دُونَ ذلكَ في الرُّتْبَةِ، لَمْ يَجُز التَّجَسُّسُ عليهِ، ولا الْكَشْفُ عَنْهُ). ● مراتب إنكار المنكر: - المرتبة الأولى: الإنكار باليد. -معنى الإنكار باليد: إِنْكَارُ المُنْكَرِ باليدِ يعني إزالته والزجر عنه, مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الأمرِ صَاحِبِ السُّلْطَةِ لِقُوَّتِهِ وَهَيْبَتِهِ، وَالأبِ على أَوْلادِهِ، وَالسَّيِّدِ على عَبْدِهِ، وَهذا الإِنكارُ هوَ أَقْوَى دَرَجَاتِ الإِنكارِ. - شروط الإنكار باليد: الشرط الأول: العلم بكونه منكراً. الشرط الثاني: أن يكون للمنكِر ولاية. الشرط الثالث: ألا يترتب على الإنكار منكر أعظم منه. - المرتبة الثانية: الإنكار باللسان. - المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب. ● شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يستطع فبلسانه): هذهِ الدرجةُ الثانيَةُ مِنْ دَرَجَاتِ تَغْيِيرِ المنكرِ. -التغييرُ باللسانِ يكون عندَ مَنْ لا يَمْلِكُ سُلْطَةً. -التغييرُ يكون بالقولِ؛ مِنْ تَذْكِيرٍ وَتَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ،وتوبيخ، وزجر وما أشبه ذلك,ويكون بالكتابة؛ كالنشر في الصحف وتأليف الكتب وما أشبه ذلك. - لابد من استعمال الحكمة. -التغير باللسان في مقدور أهل العلم الذين هم أئمة العقول والأفكار. -حاجَةُ الناسِ لِهَذِهِ المَرْتَبَةِ شَدِيدَةٌ جِدًّا؛ لكثرةِ الأخطاءِ، وَوُجُودِ الغَفْلَةِ وَقَسْوَةِ القُلُوبِ وَكَثْرَةِ الفِتَنِ وَانْغِمَاسِ الناسِ في الدنيا وَنِسْيَانِ الآخرةِ. ● شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يستطع فبقلبه): -هذهِ الدرجةُ الثالثةُ لِتَغْيِيرِ المُنْكَرِ. -الإنكار بالقلب وَاجب على الجميعِ. -معنى الإنكار بالقلب: هو تَغْيِيرٌ دَاخِلِيٌّ لا يَتَعَدَّى صَاحِبَهَا، وَهو تَأَلُّمُ القلبِ لهذا المنكرِ وَكَرَاهِيَتُهُ لهُ وَلأهلِهِ, وعدم الرضا به, وَتَمَنِّي زِوَالِهِ, وَ● الدُّعاءُ لِصَاحِبِهِ بالسلامةِ منهُ. ● خطر التهاون في إنكار القلب للمعاصي: إذا قصَّرَ المسلمونَ حكَّامًا ومحكومين في هذه المهمَّةِ، شاعتِ الفاحشةُ، وعمَّتِ الرَّذيلةُ، وتسلَّطَ الفجَّارُ علَى الأخيارِ، ويصبحُ الحقُّ باطلاً والباطلُ حقًّا، وبهذا تُعَرِّضُ الأمَّةُ نفسَهَا إلَى: 1 - الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ. 2 - الهلاكِ في الدُّنيا. 3 - عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ. ● الراضي بالمنكر كفاعله: عن العُرْسِ بنِ عَمِيرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)). ● أقوال السلف في معرفة القلب بالمعروف والمنكر وأن إنكاره له فرض لا يسقط عن أحد: -قالَ عَلِيٌّ: (إنَّ أَوَّلَّ مَا تُغْلَبُونَ عليهِ مِن الجِهادِ: الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ، ثُمَّ الجِهَادُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ثمَّ الجهادُ بِقُلُوبِكُم. فمَنْ لمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ المعروفَ، ويُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ، نُكِسَ فجُعِلَ أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ). -وَسَمِعَ ابنُ مسعودٍ رَجُلاً يقولُ: هَلَكَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ، ولمْ يَنْهَ عن المُنْكَرِ. فقالَ ابنُ مسعودٍ: (هَلَكَ مَنْ لمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ المعروفَ والمُنْكَرَ). ● هل يكتفى بالإنكار بالقلب؟ لا تبرأُ ذمَّةُ العبدِ بالإِنكارِ بالقلبِ حتَّى يعجزَ عن الإنكارِ باليدِ أو اللسانِ بسببِ ضرٍّ يلحقُهُ في بدنِهِ أو مالِهِ، ولا طاقةَ له علَى تحمُّلِ ذلك. -مسألة: هل يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول:أنا كاره بقلبي؟ فالجواب :لا، لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم إلا إذا أكرهوه، فحينئذ يكون معذوراً. ● شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وذلك أضعف الإيمان): -أي أن هذا أقلُّ درجات الإيمان؛ لأنه هو الذي يَجبُ على كلِّ أحد, ولا يعذر من تخلف عنه. -دلالة ذلك على تفاضل الإيمان. -الدلالة أيضا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان, وأنَّ مَنْ قَدَرَ على خَصلةٍ منْ خِصَالِ الإِيمانِ وَفَعَلَهَا كانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ تَرَكَهَا عَجْزًا عنها. ● تنبيه: جملة (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) من حديث ابن مسعود وليست من هذا الحديث. ● دوافعُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: للأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ دوافعُ كثيرةٌ منها: 1 - كسبُ الثَّوابِ والأجرُ. 2 - خشيَةُ عقابِ اللهِ. 3 - الغضبُ للهِ. 4 - النُّصحُ للمؤمنينَ والرَّحمةُ بهم رجاءَ إنقاذِهِم. 5 - إجلالُ اللهِ وإعظامُهُ ومحبَّتُهُ. ● تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم): -قالَ النَّوويُّ: الْمَذهبُ الصَّحيحُ عندَ المحقِّقينَ في معنَى الآيَةِ: (إنـَّكم إذا فعلتـُمْ ما كُلِّفْتُم به فلا يضرُّكُمْ تقصيرُ غيرِكُمْ)، مثلُ قولِهِ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى},وممَّا كُلِّفَ به الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ. -وكذلكَ رُوِيَ عنْ طائفةٍ من الصحابةِ في قولِهِ تَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، قالُوا: لمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، إنَّمَا تَأْوِيلُهَا في آخرِ الزمانِ. وعن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: (إذا اخْتَلَفَت القُلُوبُ والأهواءُ، وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَيَأْمُرُ الإِنسانُ حِينئذٍ نفسَهُ، حينئذٍ تَأْوِيلُ هذهِ الآيَةِ). -تنبيه على الفهم الخاطئ لمعنى الآية: يُخطِئُ كثيرٌ مَن المسلمينَ في فهم هذه الآيَةِ, فيُبرِّرونَ عجزَهُم وتقصيرَهُم في إنكارِ المنكرِ بها. -وقد قوَّمَ الصِّدِّيقُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ - فهْمَ هؤلاءِ حيثُ قالَ: (يا أيـُّها النـَّاسُ، إنَّكُم تقرءونَ هذه الآيَةَ وتضعونَهَا علَى غيرِ مواضعِهَا، {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَمْ}، وإنَّا سمعْنَا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). ● مسألة: هل يشترط لإنكار المنكر غلبة الظن بانتفاع المنكر عليهم بالإنكار: القول الأول: -وهو قول الجمهور- على أنه يجبُ مُطلقاً، سواءً غلب على الظن أم لم يغلب على الظن؛ لأنَّ إيجاب الإنكار لحق الله جل وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبةُ الظن. والقول الثاني: وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة: من أنَّهُ يجبُ مع غلبة الظن، فيكتفى عندئذ بالإنكار بالقلب من جهة الوجوب، ويبقى الاستحباب في أنَّهُ يستحب أن تبقى هذه الشعيرة وأن يفعلها من أراد فعل المستحب. ● أحوال المنكَر عليهم مع المنكِر: الحالة الأولى: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكرُ منهُ حكمها: الإنكار في هذه الحالة حرامٌ بالإجماع الحالة الثانية: أن ينتقلوا إلى ما هو أخف منه أو يتركوا المنكر حكمها: هنا يجب الإنكار الحالة الثالثة: أن ينتقلوا منه إلى منكرٍ يساويه حكمها: هذه الحالة محل اجتهاد الحالة الرابعة: أن ينتقلوا منه إلى منكرٍ آخر لا يعلم قدره حكمها: لا يجوز الإنكار. ● مسألة: الفرق بين النصيحة والإنكار: -الإنكار أضيق من النصيحة، فالنصيحةُ اسم عام يشمل أشياء كثيرة ومنها الإنكار. -أنَّ الإنكار الأصل فيه أن يكون وهذا بشرط رؤية المنكر. ● مسألة: الإنكار على ولاة الأمر: -الولاة ينكر عليهم إذا فعلوا المنكر بأنفسهم، ورآه من فعل أمَامه ذلك الشيء. -كان من هدي السلف أن فرقوا بين حصول المنكر منه أمام الناس علناً وبين ما يُجريه في ولايته، فجعلوا ما يُجريه في ولايته باباً من أبواب النصِيحة، وما يفعَلهُ عَلناً يأتي هذا الحديث فـ(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..) مع الحكمة في ذلك. مثاله: كحال الأمير الذي قدَّم خُطبتي العيد على الصلاة. ● ضوابط الإنكار على ولاة الأمر: - ينكر بيده ما أحدثوه من منكرات حسب الاستطاعة. - إذا خشي على نفسه الضرر سقط عنه أمرهم ونهيهم. - إذا خشي أذية أهله وجيرانه لم ينبغ له التعرض لهم. ● التغيير باليد لا يستلزم القتال والخروج: -الخروجُ عليهِمْ بالسَّيفِ فهذا لا يَجوزُ، لثبوتِ الأحاديثِ النَّاهيَةِ عن ذلِكَ. مثال لجهادِ الحكَّامِ باليدِ: مثلُ أن يريقَ خمورَهُم، ويكسِّرَ آلاتِ اللهوِ الَّتي لهم. ● من فوائد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه 1- أَهَمِّيَّةُ الأمرِ بالمعروفِ وَالنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ. 2-النَّهيَ عن المنكرِ مِن خصالِ الإيمان 3- وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. 4- التَّأَكُّدُ مِنْ وُجودِ المُنْكَرِ عندَ إِنكارِهِ. 5- بيَاَنُ مَرَاتِبِ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. 6- عَدَمُ صلاحِ المجتمعِ إِلاَّ بِزَوَالِ المُنْكَرِ. 7- يَجِبُ على الإِمامِ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ باليدِ. 8- التَّمْكِينُ في الأرضِ بالسلامةِ مِن المُنْكَرِ. 9- المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ مِن المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. 10- يَجِبُ على العُلَمَاءِ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ باللسانِ. 11- اللسانُ أَحَدُ مُوجِبَاتِ الجَنَّةِ. 12- التَّقْوَى على الاسْتِطَاعَةِ. 13- المُجْتَمَعُ المُسْلِمُ مُجْتَمَعٌ صحيحٌ. 14- وُجُوبُ إِنكارِ المنكرِ بالقلبِ لِمَنْ لمْ يَسْتَطِعْ باللِّسَانِ. 15- سلامةُ القلبِ مَنْعٌ للآثامِ. 16- زيادةُ الإِيمانِ وَنُقْصَانُهُ. 17- مَن خافَ علَى نفسِهِ الضَّربَ أو القتلَ، أو خافَ علَى مالِهِ الضَّياعَ، سقطَ عنهُ التَّغييرُ باليدِ واللسانِ. 18- الخروجُ على الحكام بالسَّيف لإنكار المنكر لا يَجوزُ. |
عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ. عناصر الدرس : تخريج الحديث منزلة الحديث موضوع الحديث سبب ورود الحديث شرح الحديث إجمالا شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) المراد بالرؤية تقسيم آخر للرؤية تعريف المنكر المراد بالمنكر المراد تغييره متعلق الإنكار شروط المُنْكِرِ حكم إنكار المنكر الرضا بالمنكر من شاهد المنكر إنكار المنكر المختلف فيه مراتب إنكار المنكر خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الرفق في إنكار المنكر شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( فليغيره بيده ) المراد بيغيره المراد باليد شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطع فبلسانه ) المراد بتغيير اللسان شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطع فبقلبه ) المراد بإنكار القلب شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( وذلك أضعف الإيمان ) حكم مناصحة ولاة الأمور الفرق بين النصيحة والإنكار التلخيص : تخريج الحديث - الحديث خرجه مسلم من رواية قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد . - وخرجه مسلم أيضا من رواية إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد . وروي معناه من وجوه أخر : - فخرجه مسلم من حديث ابن مسعود . - وخرجه الإسماعيلي من حديث أبي هارون العبدي - وهو ضعيف جدا - عن مولى لعمر عن عمر . - وخرجه أيضا الإسماعيلي بإسناد منقطع من رواية الأوزاعي عن عمير بن هانئ عن علي . - وخرجه الطبراني من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد ضعيف . منزلة الحديث - هو حديث عظيم في بيان وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . موضوع الحديث - وجوب تغيير المنكر . سبب ورود الحديث - أن مروان بن الحكم خطب العيد قبل الصلاة فأنكر عليه رجل فأبى فقال أبو سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول … وذكر الحديث . وفي رواية أخرى للبخاري أن الذي أنكر هو أبو سعيد رضي الله عنه . شرح الحديث إجمالا - يا معشر المكلفين من رأى منكم شيئا أنكره الشرع ومنع عنه, وعرف المنكر ومراتب الإنكار فليغيره بيده إن كان مما يمكن تغيره باليد , فإن لم يستطع فلينكر بلسانه , فإن لم يستطع لعجزه فليغير بقلبه وليكره المنكر كراه شديدة وذلك أضعف الإيمان . شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرا فليغيره ) المراد بالرؤية - أي من رأى بعينه وسمع بأذنه ومن بلغه خبر يقين , وهي أشمل من رؤية العين . - مثاله من رأى مع شخص آلة لهو لا يحل استعمالها أبدا فيكسرها . تقسيم آخر للرؤية - رؤية بصرية : بالعينين ويشترك فيها جميع المخلوقات . - رؤية قلبية : وتسمى بصيرة أو رؤية علمية , وهذه للمؤمنين . تعريف المنكر - المنكر : اسم لما يعرف في الشريعة قبحه والنهي عنه . المراد بالمنكر المراد تغييره - لابد أن يكون المنكر واضحا يتفق عليه الجميع , أي المنكر و المنكر عليه . - أن يكون مخالفة المنكر عليه مبنية على قول ضعيف . متعلق الإنكار - متعلق الإنكار الرؤية البصرية - أما المستور ففيه خلاف عن الإمام أحمد على روايتين : الأولى : أن لا يعرض له ولا يفتش على ما استراب به . الثانية : أنه يكشف المغطى إذا تحققه . شروط المُنْكِرِ - الإسلام , التكليف , الاستطاعة , العدالة . - وجود المنكر ظاهرا , العلم بما ينكر وبما يأمر . - أن يكون ممن عرف الله حق المعرفة , وعلم حقه الجليل , و أحبه من صميم قلبه . حكم إنكار المنكر - أولا : باليد واللسان له حالتان : الأولى : فرض كفاية لقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون ), وتكون لإمام المسلمين أو من ينوبه . الثانية : فرض عين وذلك لدلالة الحديث على وجوب إنكار المنكر على المستطيع . قالَ النَّوويُّ: ثمَّ إنَّهُ قد يَتعيَّنُ - يعني: الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ - كما إذا كانَ في موضِعٍ لا يَعلمُ به إلاَّ هو، أولايتمكَّنُ مِن إزالتِهِ إلاَّ هو، وكمن يرَى زوجتَهُ أو ولدَهُ أو غلامَهُ علَى منكرٍ أو تقصيرٍ في معروفٍ. - ثانيا : بالقلب : إنكار المنكر بالقلب فرض عين فالقلب الذي لا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر قلب خرب خاو من الإيمان . رُوِيَ عنْ أبِي جُحَيْفَةَ قالَ: قالَ عَلِيٌّ: (إنَّ أَوَّلَّ مَا تُغْلَبُونَ عليهِ مِن الجِهادِ: الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ، ثُمَّ الجِهَادُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ثمَّ الجهادُبِقُلُوبِكُم. فمَنْ لمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ المعروفَ، ويُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ، نُكِسَ فجُعِلَ أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ). الرضا بالمنكر - الرضا بالمنكر يعد من أقبح الذنوب و الخطايا . من شاهد المنكر - من شاهد المنكر فكرهه بقلبه كان كمن لم يشهدها إذا عجز عن الإنكار بيده ولسانه . - ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها . إنكار المنكر المختلف فيه - فيه خلاف بين الأصحاب : فمنهم من قال : لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدا فيه , أو مقلدا لمجتهد تقليدا سائغا . والمنصوص عن الإمام أحمد الإنكار في كل مختلف فيه , ضعف الخلاف فيه لدلالة السنة على تحريمه , ولا يخرج فاعله المتأول من العدالة بذلك . مراتب إنكار المنكر الأول : أن ينتقل من المنكر إى ما هو أنكر منه , فهذا حرام بالإجماع . الثاني : أن ينتقل من المنكر إلى ما هو خير ودين , فهذا الذي يجب معه الإنكار . الثالث : أن ينتقل منه إلى منكر يساويه , فهذا محل اجتهاد . الرابع : أن ينتقل منه إلى منكر آخر , وهذا حرام . خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ كما طردَ اللهُ أهلَ الكتابِ مِن رحمتِهِ عندَما تَرَكُوا هذه المهمَّةَ، قالَ تَعالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. - الهلاكِ في الدُّنيا، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)). - عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ، عن حذيفةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((وَالـَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لكُمْ)). الرفق في إنكار المنكر - يتعين الرفق في الإنكار قالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: (لا يَأْمُرُ بالمعروف ويَنْهَى عن المُنْكَرِ إلا مَنْ كانَ فيهِ خِصَالٌ ثَلاثٌ: رَفِيقٌ بِمَا يَأْمُرُ، رَفِيقٌ بِمَا يَنْهَى، عَدْلٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَدْلٌ بما يَنْهَى، عالِمٌ بما يَأْمُرُ، عَالِمٌ بما يَنْهَى). شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( فليغيره بيده ) - الفاء واقعة في جواب الشرط و( اللام ) لام الأمر, والأمر يقتضي الوجوب . المراد بيغيره - أي : يحوله ويبدله من صورته التي هو عليها إلى صورة أخرى حسنة . المرادباليد - اليد : تطلق على الجارحة ويراد بها اليمنى و اليسرى , وهي من رؤوس الأصابع إلى الكتف . شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطع فبلسانه ) - أي : إن لم يستطع أن ينكر بيده فلينكر بلسانه . المراد بتغيير اللسان - أي : التذكير , والترغيب والترهيب . شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم يستطع فبقلبه ) - أي : فإن لم يستطع أن ينكر بيده ولا بلسانه فلينكر بقلبه . المراد بإنكار القلب - أي : يكره المنكر ويبغضه ويتمنى أن لم يكن . شرح قوله صلى الله عليه وسلم : ( وذلك أضعف الإيمان ) - أي : أن كتم الإنكار وعد إظهاره يدل على الضعف و عدم وجود الغيرة والكراهية لهذا المنكر يدل على الإيمان . - أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان . - من قدر على خصلة من خصال الإيمان وفعلها كان أفضل ممن تركها عجزا . حكم مناصحة ولاة الأمور - أن ينكر عليهم إذا فعلوا المنكر بأنفسهم و رآه من فعل أمامه ذلك الشيء . - على هذا يحمل هدي السلف في ذلك و كل الأحاديث التي جاءت في هذا الباب أنهم أنكروا شيئا رأوه من الأمير أمامهم - لم يَكُن هدْي السَّلف أن يُنكروا على الوالي شيئاً أجراهُ في وِلايته، ولهذا لمّا حصَل من عثمان -رضي الله عنه- بعض الاجتهادات، وقيل لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: ألا تنصَح لعثمان! ألا ترى إلى ما فَعل! قال: (أما إني بذلتُه له سِراً؛ لا أكونُ فاتِحَ باب فتنة) . - فرق السلف في المنكر الذي يفعل أمام الناس علنا , وما يجريه في ولايته . الفرق بين النصيحة والإنكار - أن الإنكار علق بالرؤية و الأصل فيه أن يكون علنا , والإنكار حال من أحوال النصيحة . - أما إذا علم بالمنكر ولم يره فهذا يدخل في النصيحة . والله أعلم |
عَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رِسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: (مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ). رواه مسلم.
1| موضوعُ الحديثِ: وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. 2| قِصَّةُ الحديثِ أوَّلُ مَنْ خَطَبَ في العيدِ قبلَ الصلاةِ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِعْلَهُ فَأَبَى، فَقَالَ أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ..... وَذَكَرَ الحديثَ. 3| مَنْزِلَةُ الحديثِ: هذا الحديثُ عظيمُ الشَّأنِ؛ لأنَّهُ نصَّ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ، وهذا كما قالَ النَّوويُّ: (بابٌ عظيمٌ به قِوَامُ الأمرِ ومِلاكُهُ، وإذا كثُرَ الخبثُ، عمَّ العقابُ الصَّالحَ والطَّالحَ، وإذا لم يأخذُوا علَى يدِ الظَّالمِ أوشكَ أنْ يعمَّهُم اللهُ بعذابٍ. في روايَةِ البخاريِّ أنَّ الَّذِي أنكرَ علَى مروانَ، أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ. فقالَ أبو سعيدٍ: فلم يزلِ النَّاسُ علَى ذلك حتَّى خرجْتُ مع مَرْوانَ وهو أميرُ المدينةِ في أضحًى أو فطرٍ، فلمَّا أتيْنَا المصلَّى إذا منبرٌ بناهُ كُثَيِّرُ بنُ الصَّلْتِ، فإذا مَرْوانُ يريدُ أن يرتقيَهُ قبلَ أن يصلِّيَ فجبذْتُهُ بثوبِهِ فجبذَنِي، فارتفعَ فخطبَ قبلَ الصَّلاةِ، فقلْتُ له: غيَّرْتُم واللهِ، فقالَ: أبا سعيدٍ، قد ذهبَ ما تَعْلَمُ. فقلْتُ: ما أَعْلَمُ واللهِ خيرٌ ممَّا لا أَعْلَمُ. فقالَ: إنَّ النَّاسَ لم يكونُوا يجلسُونَ لنا بعدَ الصَّلاةِ فجعلْتُهَا قبلَ الصَّلاةِ. والجمعُ بينَ الرِّوايتينِ: فيُحتملُ أن الرَّجلَ أنكرَ بلسانِهِ وحاولَ أبو سعيدٍ أنْ يُنْكِرَ بيدِهِ، ويُحتملُ تَعدُّدُ الواقعةِ. 4| حكمُ إنكارِ المنكَرِ إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ له حالتانِ: 1 - فرضُ كفايَةٍ: قالَ تعالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ هذه الآيَةِ: (والمقصودُ مَن هذه الآيَةِ أن تكونَ فرقةٌ مَن الأمَّةِ متصدِّيَةً لهذا الشَّأنِ) اهـ. 2 - فرضُ عينٍ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ))، دلَّ عمومُ هذا الحديثِ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ علَى كلِّ فردٍ مستطيعٍ علمَ بالمنكرِ أو رآهُ. قالَ القاضي ابنُ العربيِّ: (وقد يكونُ فرضَ عينٍ إذا عرفَ المرءُ مَن نفسِهِ صلاحيَّةَ النَّظرِ والاستقلالِ بالجدالِ، أو عُرِفَ ذلك منه)اهـ. وقالَ ابنُ كثيرٍ: وإن كانَ ذلك واجبًا علَى كلِّ فردٍ مِن الأمَّةِ بِحَسْبِهِ كما ثبَتَ في (صحيحِ مسلمٍ): عن أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ…))، ثمَّ ساقَ الحديثَ. وقالَ النَّوويُّ: ثمَّ إنَّهُ قد يَتعيَّنُ - يعني: الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ - كما إذا كانَ في موضِعٍ لا يَعلمُ به إلاَّ هو، أو لا يتمكَّنُ مِن إزالتِهِ إلاَّ هو، وكمن يرَى زوجتَهُ أو ولدَهُ أو غلامَهُ علَى منكرٍ أو تقصيرٍ في معروفٍ. تَفاوتُ مسئوليَّةِ النَّاسِ في إنكارِ المنكَرِ: تَقدَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أوجبَ علينا جميعًا الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ حَسْبَ القدرةِ، ولكنْ ممَّا يَنْبَغِي التَّنبيهُ عليهِ أنَّ النَّاسَ يَتفاوتُونَ في هذا الواجبِ، فالمسلمُ العامِّيُّ عليهِ القيامُ بهذا الواجبِ حسبَ قدرتِهِ وطاقتِهِ، فيَأمرُ أهلَهُ وأبناءَهُ ما يعلمُ مَن أمورِ الدِّينِ الَّتي يَسْمَعُهَا علَى المنابرِ وفي دروسِ الوعظِ. والعلماءُ عليهِمْ مَن الواجبِ ما ليسَ علَى غيرِهِم، وذلك أنَّهُمْ ورثةُ الأنبياءِ، فإذا تساهلُوا بهذهِ المهمَّةِ دخلَ النَّقصُ علَى الأمَّةِ، كما حدثَ لبني إسرائيلَ. وأمَّا واجبُ الحكَّامِ في هذه المهمَّةِ فعظيمٌ؛ لأنَّ بيدِهِم الشَّوكةَ والسُّلطانَ الَّتي يرتدِعُ بها السَّوادُ الأعظمُ مَن النَّاسِ عن المنكرِ؛ لأنَّ الَّذينَ يتأثَّرونَ بالوعظِ قلَّةٌ. 5|إنكارُ المنكَرِ بالقلبِ: إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ سواءٌ كانَ فرضًا عينيًّا أو فرضَ كفايَةٍ يكونُ علَى حسبِ القدرةِ والاستطاعةِ، أمَّا إنكارُ المنكرِ بالقلبِ فمنَ الفروضِ العينيَّةِ الَّتي لا تسقطُ مهما كانتِ الحالُ، فالقلبُ الَّذي لا يعرفُ المعروفَ ولا يُنكِرُ المنكَرَ قلبٌ خرِبٌ خاوٍ مِن الإِيمانِ. سمعَ ابنُ مسعودٍ رجلا يقولُ: هلَكَ مَن لم يأمُرْ بالمعروفِ ولم ينهَ عن المنكرِ؛ فقالَ ابنُ مسعودٍ: ((هلكَ مَن لم يعرفْ بقلبِهِ المعروفَ والمنكرَ))، يقصدُ رَضِي اللهُ عَنْهُ: معرفةُ المنكرِ والمعروفِ بالقلبِ واجبٌ لا يسقطُ عن أحدٍ، أمَّا باللسانِ واليدِ فوفقَ الاِستطاعةِ. والرِّضَا بالمنكرِ مِن أقبحِ الذُّنوبِ والخطايا، ولا تبرأُ ذمَّةُ العبدِ بالإِنكارِ بالقلبِ حتَّى يعجزَ عن الإنكارِ باليدِ أو اللسانِ بسببِ ضرٍّ يلحقُهُ في بدنِهِ أو مالِهِ، ولا طاقةَ له علَى تحمُّلِ ذلك. وإنكارُ المنكرِ بالقلبِ قليلُ الثَّمرةِ، بعكسِ التَّغييرِ باليدِ أو اللسانِ فإنَّهُ عظيمُ الفائدةِ. فهمٌ خاطئٌ: يُخطِئُ كثيرٌ مَن المسلمينَ في فهم هذه الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فيُبرِّرونَ عجزَهُم وتقصيرَهُم في إنكارِ المنكرِ بها، ولقدَ قوَّمَ الصِّدِّيقُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ - فهْمَ هؤلاءِ حيثُ قالَ: (يا أيـُّها النـَّاسُ، إنَّكُم تقرءونَ هذه الآيَةَ وتضعونَهَا علَى غيرِ مواضعِهَا، {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَمْ}، وإنَّا سمعْنَا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). إنكارُ المنكَرِ الظَّاهرِ المعلومِ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا)) يدلُّ الحديثُ أنَّ المنكَرَ الَّذي أُمِرْنَا بإنكارِهِ ما كانَ معلومًا ظاهرًا، وليسَ للآمرِ البحثُ والتَّفتيشُ والتَّجسُّسُ وتَسَوُّرُ جدرانِ البيوتِ واقتحامُهَا بحجَّةِ البحثِ عن المنكَرِ، لذلك أنكرَ العلماءُ مثلَ هذا، مثلُ سفيانَ الثَّوريِّ وغيرِهِ. إنكارُ المنكَرِ الْمُجْمَعِ عليهِ: المنكَرُ الَّذي يجبُ علينا إزالتُهُ ما كان مجمَعًا عليهِ بينَ المسلمينَ علَى أنَّهُ منكَرٌ، مثلُ: الرِّبا، والزِّنَا، وشربِ الخمرِ، والتَّبَرُّجِ، وتركِ الصَّلاةِ، وغيرِهَا. 6|دوافعُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: للأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ دوافعُ كثيرةٌ منها: 1 - كسبُ الثَّوابِ والأجرُ، وذلك أنَّ مَن دلَّ النَّاسَ علَى المعروفِ وقامُوا به يكونُ له مثلُ أجورِهِم مِن غيرِ أن ينقصَ مِن أجورِهِم شيءٌ، قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)). 2 - خشيَةُ عقابِ اللهِ، وذلك أنَّ المنكرَ إذا فشَا في أمَّةٍ تكونُ بذلك مهدَّدَةً بنزولِ عقابِ اللهِ عليها، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). 3 - الغضبُ للهِ، مَن خصالِ الإيمانِ الواجبةِ، وسبقَ ذكرُ غضبِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للهِ أثناءَ شرحِ الحديثِ السَّادسَ عشرَ. 4 - النُّصحُ للمؤمنينَ والرَّحمةُ بهم رجاءَ إنقاذِهِم. إذا وقعَ العبدُ في المنكرِ يكونُ بذلك عرَّضَ نفسَهُ لعقابِ اللهِ وغضبِهِ، لذلك وجبَ علَى المسلمِ أن ينقذَ أخاهُ مَن عقابِ اللهِ وغضبِهِ، وذلك بنهيِهِ عن المنكرِ الَّذِي وقعَ فيهِ، وهذا مِن أعظمِ الرَّحمةِ بهِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)). 7|مُراعاةُ الحكمةِ بإنكارِ المنكَرِ والأمرِ بالمعروفِ: قالَ تَعالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ومِن الحكمةِ مراعاةُ حالِ المأمورِ، ففي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مِن اللينِ والمداراةِ والرِّفقِ، كما قالَ تَعالَى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، وفي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مَن الغلظةِ والقسوةِ، كما قالَ تَعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}، وقالَ تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} لذلكَ يَجِبُ علَى مَن يتصدَّى لهذهِ المهمَّةِ أن يلمَّ بصفاتٍ معيَّنَةٍ، كما قالَ سفيانُ الثَّوريُّ: (لا يأمرُ بالمعروفِ ولا ينهَى عن المنكرِ إلاَّ مَن كانَ فيهِ ثلاثُ خصالٍ: رَفِيقٌ بما يأمرُ رفيقٌ بما ينهَى، عدلٌ بما يأمرُ وعدلٌ بما يَنهَى، عالمٌ بما يأمرُ عالمٌ بما ينهَى). وقالَ أحمدُ: (يأمرُ بالرِّفقِ والخضوعِ، فإن أسمعُوهُ ما يكرَهُ لا يغضَبُ، فيكونَ يريدُ أن ينتصرَ لنفسِهِ). وقالَ أحمدُ كذلك: (النَّاسُ محتاجُونَ إلَى مداراةٍ ورفقٍ، والأمرُ بالمعروفِ بلا غلظةٍ، إلاَّ رجلٌ معلِنٌ بالفسقِ، فلا حرمةَ لهُ). كذلك ممَّا يَنْبَغِي مراعاتُهُ أن يكونَ الأمرُ أو الإنكارُ بانفرادٍ وبالسِّرِّ؛ لأنَّ هذا يؤدِّي لقبولِ النَّصيحةِ. قالَ الإمامُ الشَّافعيُّ: (مَنْ وعظَ أخاهُ سرًّا فقدْ نصحَهُ وزانَهُ، ومَن وعظَهُ علانيَةً فقدْ فضحَهُ وعابَهُ). 8|فوائدُ مَن الحديثِ: 1| يدلُّ الحديثُ أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ مِن خصالِ الإيمانِ، لذلك أخرجَ مسلمٌ هذا الحديثَ في كتابِ الإيمانِ، بابُ بيانِ كونِ النَّهي عن المنكرِ مِن الإيمانِ. 2| مَن قدرَ علَى خصلةٍ مِن خصالِهِ وقامَ بها كانَ خيرًا ممَّنْ تركَهَا عجزًا وإن كانَ معذورًا في ذلك، فالمرأةُ مثلا معذورةٌ في تركِ الصَّلاةِ أثناءَ الحيضِ، ومعَ ذلك عَدَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذلك نقصانًا في دينِهَا. 3| مَن خافَ علَى نفسِهِ الضَّربَ أو القتلَ، أو خافَ علَى مالِهِ الضَّياعَ، سقطَ عنهُ التَّغييرُ باليدِ واللسانِ. 4|كما فيهِ أنَّ الصَّلاةَ قبلَ الخطبةِ يومَ العيدِ، وهذا ما عليهِ سلفُ الأمَّةِ. 5| في الحديثِ دَلالةٌ علَى جهادِ الحكَّامِ باليدِ، مثلُ ما فعل أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، مثلُ أن يريقَ خمورَهُم، ويكسِّرَ آلاتِ اللهوِ الَّتي لهم، أمَّا الخروجُ عليهِمْ بالسَّيفِ فهذا لا يَجوزُ، لثبوتِ الأحاديثِ النَّاهيَةِ عن ذلِكَ |
عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ.
العناصر: 1. راوي الحديث. 2. موضوع الحديث. 3. تعريف المنكر. 4. مفهوم رؤية المنكر. 5. معنى اللفظ النبوي "فليغيره". 6. مراتب تغيير المنكر: - تغيير المنكر باليد. - تغيير المنكر باللسان. - تغيير المنكر بالقلب. 7. الرفق في تغيير المنكر. 8. خطورة ترك النهي عن المنكر على المجتمع. 9. فوائد مستنبطة من الحديث. ............................................................................................................................... 1. راوي الحديث: هو أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه، غزا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام اثنتى عشرة غزوة وكان من فضلاء الصحابة وعلمائهم، مروياته ألف ومائة وسبعون حديثا، مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وله أربع وتسعون سنة. 2. موضوع الحديث: الحديث قاعدة من قواعد الدين وواضح أن الإنسان يلزمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة، ويتطرق الحديث إلى المراتب الثلاثة لتغيير المنكر، وقد دل الحديث على نقص إيمان من لم ينكر النكر بأضعف المراتب وهي القلب. 3. تعريف المنكر: المنكرضد المعروف فهو كل ما أنكره الشرع ونهى عنه مثل الربا والزنا وغيرها، ويشمل كذلك مخالفة أوامر الله مثل ترك الصلاة أو افطار رمضان بدون عذر، وسمي منكرا لأن العقول والفطر السليمة تنكره ولا تقر به، ويكون في الفعل أو القول، وقول العبد وفعله هما ثمرتا الإيمان. 4. مفهوم رؤية المنكر: المراد من علم بوقوع المنكر فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه سماعا محققا عن طريق الثقات، وإن كان الظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه. 5. معنى اللفظ النبوي "فليغيره": "فَلْيُغَيِّرْهُ": الفاءُ وَاقعةٌ في جوابِ الشرطِ، وَ(اللامُ) لامُ الأمرِ، والتغيير هو التبديل والتحويل مما هو عليه إلى صورة أخرى. والأمر هنا يفيد الوجوب لعدم وجود دليل صارف. ويقصد بالتغيير الترك في حالة النهي عن الفعل، والإنقياد في حالة الأمر بالفعل، والتغيير قد يتضمن الإزالة وقد لا يتضمنها بحسب مراتبه، فالتغيير باليد يشمل الإزالة عادة، والتغيير باللسان يشمل إنكارا بلا إزالة، والتغيير بالقلب يشمل الاعتقاد بأن الفعل منكر وحرام وهو ما سيتم إيضاحه. 6. مراتب تغيير المنكر: - تغيير المنكر باليد العمل ثمرة الإيمان، وأعلى ثمرة للإيمان في باب النهي عن المنكر أن ينهي بيده، ومأمور بهذه الدرجة ولاة الأمور، وعليه أن يصبر على الأذى لقوله تعالى: "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك" فقد قرن الله النهي عن المنكر بالصبر. وقد وضع الشرع ضوابط للإنكار باليد أهمها 1. العلم بكونه منكراً بلا خلاف. 2. أن يكون للمنكِر ولاية كالأب على أولاده والسيد على عبده. 3. ألا يترتب على الإنكار منكر أعظم منه. - تغيير المنكر باللسان هي الدرجة الثانية من درجات تغيير المنكر الواردة في الحديث النبوي الشريف، وينتقل العبد من المرتبة الأولى وهي التغيير باليد إلى مرتبة التغيير باللسان في حالة عدم امتلاكه للسلطة الكافية للتغير باليد، ويكون في هذه الحالة التغيير بالقول من تذكير وترهيب وترغيب، ويشمل ذلك البرامج الدعوية وتأليف الكتب العلمية، ويجب أن يتسلح الداعي بالعلم والحكمة والقدرة على الجدال المحمود الذي يهدف إلى إقرار الحق. "وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". ولعل الحاجة قد زادت إلى ذلك و خاصة مع انغماس الناس فيما يلهيهم عن عباداتهم ويجذبهم إلى الدنيا وملذاتها، فيكاد لا يخلو بيت حاليا من وسائل التواصل الحديثة، التي يجب على العلماء التعاطي معها لجعلها منبرا دعويا حديثا. - تغيير المنكر بالقلب هذه الدرجة واجبة على الجميع، ومعناها تألم القلب لهذا المنكر وكراهيته هو وأهله، وعدم الرضا عنه فالراضي عن المنكر كفاعله، مع تمني زواله والدعاء لصاحبه بالهداية، وقد حدثنا الرسول عليه الصلاة والسلام عن بني اسرائيل أن من أسباب غضب الله عليهم أنهم كانوا لا يتناهون عن المنكر، بل يشاركون مرتكبه المأكل والمشرب.، وهذا من أسباب شيوع الفاحشة في المجتمع، ويصبح الحق بالطلا والباطل حقا، مما يؤثر على المجتمع بأسره. 7. الرفق في تغيير المنكر على من يتصدى لإنكار المنكر أن يتمتع بالرفق، فيبدأ أولى خطواته بالنصيحة، فالدين النصيحة، ويراعي الحكمة في أسلوب الإنكار ووقته، مع إرشاد مرتكب المنكر إلى البدائل الشرعية التي تتفق وضوابط الشرع. وهذا أحرى بالاستجابة له، فالرفق ما كام في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. 8. خطورة ترك النهي عن المنكر على المجتمع يتعرض المجتمع الذي لا يتناهى أفراده عن المنكر إلى خطر شديد يقوض أركانه بالكامل ولعل أهم هذد الأخطار: 1 - الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ. 2 - الهلاكِ في الدُّنيا. 3 - عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ. 4- شيوع الفاحشة. 5- فقدان الأمن والأمان. عن العُرْسِ بنِ عَمِيرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)). -وَسَمِعَ ابنُ مسعودٍ رَجُلاً يقولُ: هَلَكَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ، ولمْ يَنْهَ عن المُنْكَرِ. فقالَ ابنُ مسعودٍ: (هَلَكَ مَنْ لمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ المعروفَ والمُنْكَرَ) 9. فوائد مستنبطة من الحديث: 1-الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قواعد الدين. 2- وجوب تغيير المنكر كل بحسب استطاعته. 3- التكليف يكون بقدر الاستطاعة فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. 4- مراتب تغيير المنكر ثلاثة. 5- النهي عن المنكر من وسائل صلاح المجتمع. 6- يجب على ولاة الأمور تغيير المنكر باليد. 7- المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير. 8- يجب على العلماء والناصحين للأمة تغيير المنكر باللسان. 9- أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بتقوى الله قدر الاستطاعة. 10- من يعجز عن التغيير فلا يفوته الثواب وحسبه الإنكار بالقلب. 11- العمل ثمرة الإيمان. 12- الإيمان يزيد وينقص. |
34- عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ.
موضوعُ الحديثِ: وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. تخريج الحديث : هذا الحديثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ منْ روايَةِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عنْ طارقِ بنِ شهابٍ، عنْ أبي سعيدٍ. ومنْ روايَةِ إِسماعيلَ بنِ رَجَاءٍ، عنْ أبيهِ، عنْ أَبِي سَعِيدٍ. وعندَهُ في حديثِ طارقٍ قالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بالخُطْبَةِ يَوْمَ العيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ، فقامَ إليهِ رَجُلٌ فقالَ: الصَّلاةُ قبلَ الخُطْبَةِ، فقالَ: قدْ تُرِكَ ما هُنَالِكَ، فَقَالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا، فقدْ قَضَى ما عليهِ، ثمَّ رَوَى هذا الحديثَ. مَنْزِلَةُ الحديثِ: - هذا الحديثُ عظيمُ الشَّأنِ؛ لأنَّهُ نصَّ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ. سببُ إيرادِ أبي سعيدٍ للحديثِ: أن مروان بن الحكم كان أول من خطب في العيد قبل الصلاة ، فذّكر في ذلك روايتان الرواية الأولى : أن رجل أنكر عليه فأبى ، فقال أبو سعيد الخدري : سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول ….و ذكر الحديث . الرواية الثانية : أن الذي أنكر أبو سعيد الخدري نفسه بأن جذب مروان بن الحكم ليمنعه من الخطبة قبل الصلاة . و بالجمع بين الروايتين : قد يكون الرجل أنكر بلسانه و أبو سعيد أنكر بيده ، أو أن الوقعتان مختلفتان . شرح قوله صلى الله عليه و سلم " من رأى منكم منكرا " : "مَنْ" اسم شرط جازم، و: "رأى" فعل الشرط الجملة الشرطية : تدل على اشتراط وجود المنكر لتغييره ، فلا يتكلف الأمر أو يفترضه . رأى : زيادة تأكيد على التثبت ، و على أن يكون المنكر ظاهرا فلا يُبحث عنه ، و لا يتجسس على من يُظن به فعل المنكر من سماع أصوات و غيرها ، و لكن إذا علم به و تأكد ، فإن كان مما يمكن تداركه وجب الدخول و المنع كمن علم بحدوث زنى قبل وقوعه و إلا فلا . وَالرُّؤْيَةُ رُؤْيَتَانِ: بَصَرِيَّةٌ: وَتَشْتَرِكُ فيها جَمِيعُ المخلوقاتِ، وَهيَ بالعَيْنَيْنِ. وَقَلْبِيَّةٌ: وَتُسَمَّى بَصِيرةً أَوْ رُؤْيَةً عِلْميَّةً يَقِينِيَّةً، وَهذهِ للمؤمنينَ الذينَ يُؤْمِنُونَ بالغيبِ، وَيَمْتَثِلُونَ أَوَامِرَ اللَّهِ وَيَعْمَلُونَ بها؛ وَلِذَا يَعْمَلُونَ للآخرةِ كَأَنَّمَا يَرَوْنَهَا. فتَكُونُ الرؤيَةُ بَصَرِيَّةً بالبَصَرِ، أَوْ عِلْمِيَّةً بالعلمِ اليَقِينِيِّ بإِخبارِ الثِّقَاتِ. المراد بالرؤية هنا (رأى) هنا بصرية لأنها تعدت إلى مفعول واحد. ظاهرُ الحديث على أنهُ لا يجب الإنكار حتى يرى المنكر بالعين ، و لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه ، فيُنزَّل السمع المحقق منزلة الرأي بالعين . إما العلم بالمنكر فإنه لا يدخل في الإنكار، وإنما يدخُل في النصيحة . الفرق بين الإنكار و النصيحة : -الإنكار أضيق من النصيحة، فالنصيحةُ اسم عام يشمل أشياء كثيرة ومنها الإنكار. - الإنكار حالٌ من أحوال النصيحة، ولهذا كان مقيداً بقيود، وله ضوابطهُ، فمِن ضوابطه: أنَّ الإنكار الأصل فيه أن يكون عَلناً لقوله: (من رأى منكم منكراً فليغيرهُ بيده فإن لم يستطع فبلسانه) وهذا بشرط رؤية المنكر. " منكم ": أي يا معشر المكلفين مِنْ أُمَّةِ الإِجابةِ . " منكرا " : المراد بالمنكر : هو ما نهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر على فاعله أن يفعله. ضِدُّ المعروفِ، فهوَ ما عُرِفَ قُبْحُهُ شَرْعاً ، وَيَشْمَلُ تَرْكَ الأوامرِ وَالوقوعَ في النواهيِ . شرح قوله صلى الله عليه و سلم " فليغيره " : جملة "فَليُغَيرْه بَيَدِه" جواب الشرط. الفاءُ وَاقعةٌ في جوابِ الشرطِ، وَ(اللامُ) لامُ الأمرِ، وَالأمرُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ لِعَدَمِ وُجُودِ صارِفٍ يَصْرِفُهُ عَن الوجوبِ. ((يُغَيِّرْهُ))؛ أيْ: أي يُحَوِّلْهُ وَيُبَدِّلْهُ مِنْ صُورَتِهِ التي هوَ عليها إِلى صورةٍ أُخْرَى حَسَنَةٍ. وَالقصدُ تَغْيِيرُ تَرْكِ الأمرِ إِلى فِعْلِهِ، وَفِعْلِ النهيِ إِلى تَرْكِهِ، وَهكذا. وَالتغييرُ إِصلاحٌ وَحِفْظٌ وَأَمْنٌ وَثوابٌ وَطاعةٌ ؛ و يشمل 1- الإزالةَ. 2- الإنكارَ باللسان بلا إزالة، يعني أن يُقال: هذا حرام، وهذا لا يجوز. 3-الاعتقاد أنَّ هذا مُنكر ومُحرّم. ولهذا جاء في هذا الحديث بيان هذه المعاني الثلاث. شرح قوله صلى الله عليه و سلم " فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان " ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم درجات تغيير المنكر و هي : ((بِيَدِهِ)): هذه هي الدرجة الأولى لتغيير المنكر ، اليدُ تُطْلَقُ على الجارحةِ وَيُرَادُ بها اليُمْنَى وَاليُسْرَى وَهذا الإِنكارُ هوَ أَقْوَى دَرَجَاتِ الإِنكارِ؛ لأنَّهُ إِزالةٌ للمُنْكَرِ بالكُلِّيَّةِ وَزَجْرٌ عنهُ. و هذه الدرجة تجب على وَلِيِّ الأمرِ في الولايَةِ العامَّةِ وَالخاصَّةِ ،فتكن من صَاحِبِ السُّلْطَةِ لِقُوَّتِهِ وَهَيْبَتِهِ، وَالأبِ على أَوْلادِهِ، وَالسَّيِّدِ على عَبْدِهِ . و لا يَكُونُ هذا التَّغْيِيرُ مِمَّنْ لا يَمْلُكُ سُلْطَةً لعدم تمكنه من الاستطاعة ، و لِتَرَتُّبِ المفاسدِ العظيمةِ على ذلكَ ، و لكن تبقى النصيحة لمن هذا تحت ولايته ليغيره من هو تحت ولايته. وأمَّا واجبُ الحكَّامِ في هذه المهمَّةِ فعظيمٌ؛ لأنَّ بيدِهِم الشَّوكةَ والسُّلطانَ الَّتي يرتدِعُ بها السَّوادُ الأعظمُ مَن النَّاسِ عن المنكرِ؛ لأنَّ الَّذينَ يتأثَّرونَ بالوعظِ قلَّةٌ. وتقصيرُ الحكَّامِ بهذه المهمَّةِ طامَّةٌ كبرَى، حيثُ بسببِ ذلك يفشُو المنكَرُ، ويَجترِئُ أهلُ الباطلِ والفسوقِ بباطلِهِم علَى أهلِ الحقِّ والصَّلاحِ. شرح قوله صلى الله عليه و سلم " فإن لم يستطع فبلسانه " : الاستطاعة : الوجوب مشروط بالاستطاعة ، وهذه قاعدة عامة في الشريعة،قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: الآية16] وقال عزّ وجل:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: الآية286] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا نَهَيتُكُم عَنهُ فَاجتَنِبوهُ،وَمَا أَمَرتُكُم بِهِ فَأتوا مِنهُ مَا استَطَعتُم"(2) وهذا داخل في الإطار العام أن الدين يسر، و ليس فيه حرج . " فليغيره بلسانه " : و هذه هي الدرجة الثانية من درجات تغيير المنكر ،و يقصد بها التغييرُ بالقولِ مِنْ تَذْكِيرٍ وَتَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ ، و يقاس عليه الكتابة الكتابة . وَحاجَةُ الناسِ لِهَذِهِ المَرْتَبَةِ شَدِيدَةٌ جِدًّا؛ لكثرةِ الأخطاءِ، وَوُجُودِ الغَفْلَةِ وَقَسْوَةِ القُلُوبِ وَكَثْرَةِ الفِتَنِ وَانْغِمَاسِ الناسِ في الدنيا وَنِسْيَانِ الآخرةِ. و تجب تلك الدرجة على : وَهوَ في مَقْدُورِ أهلِ العلمِ الذينَ همْ أَئِمَّةُ العقولِ وَالأفكارِ، وَلا يُعْذَرُ عنهُ إِلاَّ مَنْ لا يَمْلِكُ القُدْرَةَ الكلاميَّةَ، أَوْ لا يَسْتَطِيعُ التَّغْيِيرَ لوجودِ موانعَ تَمْنَعُهُ . والعلماءُ عليهِمْ مَن الواجبِ ما ليسَ علَى غيرِهِم، وذلك أنَّهُمْ ورثةُ الأنبياءِ، فإذا تساهلُوا بهذهِ المهمَّةِ دخلَ النَّقصُ علَى الأمَّةِ، كما حدثَ لبني إسرائيلَ. حكمُ إنكارِ المنكَرِ: إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ له حالتانِ: 1 - فرضُ كفايَةٍ: قالَ تعالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ هذه الآيَةِ: (والمقصودُ مَن هذه الآيَةِ أن تكونَ فرقةٌ مَن الأمَّةِ متصدِّيَةً لهذا الشَّأنِ) اهـ. فيجبُ علَى إمامِ المسلمينَ أن يفرِّغَ مجموعةً مَن النَّاسِ، ممَّن لديهم الكفاءةُ والاستعدادُ لهذه المهمَّةِ، وذلك أنَّ هناك مَن المنكرِ ما لا يقوَى علَى تغييرهِ إلاَّ فئةٌ معيَّنةٌ مَن النَّاسِ لديها مِن العلمِ والفهمِ والحكمةِ في معالجتِهِ، مثلُ الردِّ علَى الفرقِ الباطنيَّةِ وفضحِهَا وإبطالِ معتقداتِهَا، كذلك بيانُ ما يستجدُّ مِن الأمورِ المحظورةِ وخاصَّةً في المعاملاتِ، فإذا قامتْ هذه الهيئةُ بواجبِهَا سقطَ عن الباقينَ. 2 - فرضُ عينٍ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ))، دلَّ عمومُ هذا الحديثِ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ علَى كلِّ فردٍ مستطيعٍ علمَ بالمنكرِ أو رآهُ. و قد يكون وجوبا عينيا في حق فرد معين في أحوال معينة ، منها : 1-إذا عرفَ المرءُ مَن نفسِهِ صلاحيَّةَ النَّظرِ والاستقلالِ بالجدالِ، أو عُرِفَ ذلك منه . 2- إذا كانَ في موضِعٍ لا يَعلمُ به إلاَّ هو، أو لا يتمكَّنُ مِن إزالتِهِ إلاَّ هو، وكمن يرَى زوجتَهُ أو ولدَهُ أو غلامَهُ علَى منكرٍ أو تقصيرٍ في معروفٍ. حكم الإنكار على ولاة الأمور : 1- الإنكار عليهم باللسان : فرَّق السّلف في المنكر الذي يُفعل أمام الناس، كحال الأمير الذي قدَّم خُطبتي العيد على الصلاة وكالذي أتى للناس وقد لبسَ ثوبين وأحوال كثيرة في هذا، فرقوا بين حصول المنكر منه أمام الناس علناً وبين ما يُجريه في ولايته، فجعلوا ما يُجريه في ولايته باباً من أبواب النصِيحة، وما يفعَلهُ عَلناً يأتي هذا الحديث فـ(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..) مع الحكمة في ذلك، ولهذا لمّا حصَل من عثمان -رضي الله عنه- بعض الاجتهادات، وقيل لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: ألا تنصَح لعثمان! ألا ترى إلى ما فَعل! قال: (أما إني بذلتُه له سِراً؛ لا أكونُ فاتِحَ باب فتنة) لهذا قال رجلٌ لابن عباس -رضي الله عنهما-: ألا آتي الأمير فآمرهُ وأنْهاهُ؟ قال: (لا تفعل، فإن كان ففيما بينك وبينه)، قال: أرأيت إن أمرني بمعصية قال: (أمَّا إن كان ذاك فعليك إذاً) فدلَّ هذا على أنَّ الأمر والنهي المتعلق بالوالي إنَّما يكون فيما بين المرْء وبينه فيما يكون في ولايته؛ وأمّا إذا كان يفعلُ الشيء أمام الناس فإنَّ هذا يجبُ أنَّ ينكره من رآه بحسب القدرة وبحسب القواعد التي تحكم ذلك. عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)). وَخَرَّجَ ابنُ مَاجَهْ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أبي أُمَامَةَ. وفي (مُسْنَدِ الْبَزَّارِ) بإسنادٍ فيهِ جَهَالَةٌ، عنْ أبي عُبَيْدَةَ بنِ الْجَرَّاحِ قالَ: قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَيُّ الشُّهداءِ أَكَرمُ عَلَى اللَّهِ؟ قالَ: ((رَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَأَمَرَهُ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، فَقَتَلَهُ)). وقدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ، كُلُّهَا فيها ضَعْفٌ. وأمَّا حديثُ: ((لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ))، فإنَّما يَدُلُّ على أنَّهُ إذا عَلِمَ أنَّهُ لا يُطِيقُ الأَذَى، وَلا يَصْبِرُ عليهِ، فإنَّهُ لا يَتَعَرَّضُ حِينَئِذٍ لِلآمِرِ، وهذا حقٌّ، وإنَّمَا الكلامُ فيمَنْ عَلِمَ مِنْ نفسِهِ الصَّبْرَ. كذلكَ قالَهُ الأئمَّةُ؛ كَسُفْيَانَ وأحمدَ والفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ وغيرِهِم. 2- الإنكار عليهم باليد : الأصل أنه يمنع الخروج عليه بالسيف فأحاديث النبي صلى الله عليه و سلم فيها الحث على الصبر على جور الأئمة ، و لكن قد يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات ، مثل : إرقاة خمورهم ، أو كسر آلات الملاهي التي لهم ، و نحو ذلك ، و هذا الراجح من فهم حديثَ ابنِ مسعودٍ الذي فيهِ: ((يَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ)) . و اختلف العلماء في حكم ترك الإنكار عليهم إذا خيف من سطوتهم : - فذهب مَالِكٌ وأحمدُ وإسحاقُ وَغَيْرُهُمْ ، أن الإنكار عليهم يكون حين الأمن من أذاهم ، فَمَتَى خافَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ السَّيْفَ، أو السَّوْطَ، أو الحَبْسَ، أو القَيْدَ، أو النَّفْيَ، أوْ أَخْذَ المالِ، أوْ نحوَ ذلكَ مِن الأَذَى، سَقَطَ أَمْرُهُم وَنَهْيُهُم.وقدْ رُوِيَ عنْ أحمدَ ما يَدُلُّ على الاكتفاءِ بالإنكارِ بالقلبِ، قالَ في روايَةِ أبي داودَ: نَحْنُ نَرْجُو إنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ، وإنْ أَنْكَرَ بِيَدِهِ فهوَ أَفْضَلُ، وهذا مَحْمُولٌ على أنَّهُ يَخَافُ، كَمَا صَرَّحَ بذلكَ في روايَةِ غيرِ واحدٍ ، قالَ أحمدُ: (لا يُتَعَرَّضُ للسُّلْطَانِ؛ فإنَّ سَيْفَهُ مَسْلُولٌ). -و ذهب ابنُ شُبْرُمَةَ إلى أن : (الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المُنْكَرِ كالجهادِ، يَجِبُ على الواحدِ أنْ يُصَابِرَ فيهِ الاثنَيْنِ، ويَحْرُمُ عَليهِ الفرارُ مِنْهُمَا، ولا يَجِبُ عليهم مُصَابَرَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذلكَ). فإنْ خَافَ السَّبَّ، أوْ سَمَاعَ الكلامِ السَّيِّئِ، لم يَسْقُطْ عنهُ الإِنْكَارُ بذلكَ، نَصَّ عليهِ الإِمامُ أَحْمَدُ. وإن احْتَمَلَ الأَذَى وَقَوِيَ عليهِ، فهوَ أَفْضَلُ، نَصَّ عليهِ أحمدُ أَيْضًا. وقيلَ لهُ: أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ))، أَنْ يُعَرِّضَهَا مِن البلاءِ لِمَا لا طاقةَ لَهُ بهِ؟ قالَ: ليسَ هذا منْ ذلكَ. وَيَدُلُّ على ما قَالَهُ ما خَرَّجَهُ أبو داودَ وابنُ مَاجَهْ والتِّرْمِذِيُّ مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ، وقدْ حَكَى القاضِي أبو يَعْلَى رِوَايَتَيْنِ عنْ أحمدَ في وجوبِ إنكارِ المُنْكَرِ على مَنْ يَعْلَمُ أنَّهُ لا يُقْبَلُ منهُ، وَصَحَّحَ القولَ بِوُجُوبِهِ، وهوَ قولُ أكثرِ العلماءِ. وقدْ قِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ في هذا، فقالَ: يكونُ لكَ مَعْذِرَةٌ، وهذا كما أَخْبَرَ اللَّهُ عن الذينَ أَنْكَرُوا على المُعْتَدِينَ في السَّبْتِ أنَّهُم قالُوا لِمَنْ قَالَ لَهُمْ: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164]. شرح قوله صلى الله عليه و سلم " فإن لم يستطع فبقلبه " : هذهِ الدرجةُ الثالثةُ لِتَغْيِيرِ المُنْكَرِ الإنكار بالقلب ، و يقصد بها تَأَلُّمُ القلبِ لهذا المنكرِ و اعتقاد تحريمه ، فيكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن، وَالدُّعاءُ لِصَاحِبِهِ بالسلامةِ منهُ ، مع عزيمته على أنه متى قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل ، وَهذهِ أَضْعَفُ درجةٍ؛ إِذْ لَيْسَ بَعْدَهَا شَيْءٌ مِن الإِيمانِ. والرِّضَا بالمنكرِ مِن أقبحِ الذُّنوبِ والخطايا، ولا تبرأُ ذمَّةُ العبدِ بالإِنكارِ بالقلبِ حتَّى يعجزَ عن الإنكارِ باليدِ أو اللسانِ بسببِ ضرٍّ يلحقُهُ في بدنِهِ أو مالِهِ، ولا طاقةَ له علَى تحمُّلِ ذلك. وإنكارُ المنكرِ بالقلبِ قليلُ الثَّمرةِ، بعكسِ التَّغييرِ باليدِ أو اللسانِ فإنَّهُ عظيمُ الفائدةِ. هل للقلب عمل ؟ دل الحديث على أن للقلب عملاً، لقوله: "فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ" عطفاً على قوله: "فَليُغَيرْهُ بيَدِهِ" وهو كذلك. فالقلب له قول وله عمل، قوله عقيدته، وعمله حركته بنية أو رجاء أو خوف أو غير ذلك. هل يجوز للمغير بقلبه البقاء في مكان المنكر الذي لا يستطيع تغييره : لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم إلا إذا أكرهوه، فحينئذ يكون معذوراً ، وهذا ظاهر في قوله جل وعلا: {فلا تقعدوا معهم إنكم إذاً مثلهم}، وفي الآية الأخرى: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظلمين} فمن جلسَ في مكانٍ يستهزأ فيه بآيات الله وهو جالس لا يُفارق ذلك المكان فهو في حكم الفاعل من جهة رضاه بذلك؛ لأنَّ الرّاضي بالذنب كفاعله ،كما جاء في (سُنَنِ أبي دَاوُدَ): عن العُرْسِ بنِ عَمِيرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)). شرح قوله صلى الله عليه و سلم " و ذلك أضعف الإيمان " : أي أضعف مراتب الإيمان في هذا الباب أي في تغيير المنكر ، ويفهم من تلك العبارة عدة أمور : 1-أنَّ كَتْمَ الإِنكارِ وَعَدَمَ إِظْهَارِهِ يَدُلُّ على الضعفِ وَعَدَمِ وُجُودِ الغَيْرَةِ، وَالكراهيَةُ لهذا المُنْكَرِ. 2- هذا أقلُّ درجات الإيمان؛ لأنه هو الذي يَجبُ على كلِّ أحد ،((وليس وراءَ ذلك من الإيمان حبةُ خرْدل)) لأن المنكر المجمع عليه إذا لم يعتقد حرمته ولم يبغضه مع اعتقاد حرمته فإنه على خطر عظيم في إيمانه. 3- يَدُلُّ على أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهْيَ عن المُنْكَرِ منْ خصالِ الإِيمانِ، وَيَدُلُّ على أنَّ مَنْ قَدَرَ على خَصلةٍ منْ خِصَالِ الإِيمانِ وَفَعَلَهَا كانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ تَرَكَهَا عَجْزًا عنها. 4- أن الإيمان عمل ونية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان، والتغيير باليد عمل، وباللسان عمل، وبالقلب نية، وهو كذلك، فالإيمان يشمل جميع الأعمال وليس خاصاً بالعقيدة فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمَانُ بِضعٌ وَسَبعُونَ شُعبَة، أو قال: وَستونَ شُعبَة، أَعلاهَا: قَولُ لاَ إِلهَ إِلا الله، وَأَدناهَا إِماطَةُ الأَذَى عَنِ الطَريقِ"(3) وَنَجِدُ مَرَاحِلَ الدعوةِ قدْ مَرَّتْ بهذهِ المراحلِ، فقدْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ وَالدعوةُ سِرِّيَّةٌ، ثمَّ بِلِسَانِهِ وَالدعوةُ جَهْرِيَّةٌ بِمَكَّةَ، ثمَّ بِيَدِهِ وَالدعوةُ جَهْرِيَّةٌ في المدينةِ. و تجب تلك الدرجة على : الجميعِ؛ إِذْ هيَ تَغْيِيرٌ دَاخِلِيٌّ لا يَتَعَدَّى صَاحِبَهَا ، وَسَمِعَ ابنُ مسعودٍ رَجُلاً يقولُ: هَلَكَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ، ولمْ يَنْهَ عن المُنْكَرِ. فقالَ ابنُ مسعودٍ: (هَلَكَ مَنْ لمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ المعروفَ والمُنْكَرَ). يُشِيرُ إلى أنَّ مَعْرِفَةَ المعروفِ والمُنْكَرِ بالقَلْبِ فَرْضٌ لا يَسْقُطُ عنْ أحدٍ، فمَنْ لمْ يَعْرِفْهُ هَلَكَ. وَأَمَّا الإِنكارُ باللسانِ واليدِ، فإنَّمَا يَجِبُ بِحَسَبِ الطاقةِ. وقالَ ابنُ مسعودٍ: (يُوشِكُ مَنْ عَاشَ منكمْ أَنْ يَرَى مُنْكَرًا لا يَسْتَطِيعُ لهُ غيرَ أنْ يَعْلَمَ اللَّهُ منْ قَلْبِهِ أَنَّهُ لهُ كَارِه). الفهم الصحيح لأية المائدة : يُخطِئُ كثيرٌ مَن المسلمينَ في فهم هذه الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فيُبرِّرونَ عجزَهُم وتقصيرَهُم في إنكارِ المنكرِ بها، ولقدَ قوَّمَ الصِّدِّيقُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ - فهْمَ هؤلاءِ حيثُ قالَ: (يا أيـُّها النـَّاسُ، إنَّكُم تقرءونَ هذه الآيَةَ وتضعونَهَا علَى غيرِ مواضعِهَا، {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَمْ}، وإنَّا سمعْنَا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). وقالَ النَّوويُّ: الْمَذهبُ الصَّحيحُ عندَ المحقِّقينَ في معنَى الآيَةِ: (إنـَّكم إذا فعلتـُمْ ما كُلِّفْتُم به فلا يضرُّكُمْ تقصيرُ غيرِكُمْ)، مثلُ قولِهِ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وإذا كانَ كذلِكَ: فممَّا كُلِّفَ به الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ، فإذا فعلَهُ ولم يمتثلِ المخاطَبُ فلا عتبَ بعدَ ذلك علَى الفاعِلِ، لكونِهِ أدَّى ما عليهِ، فإنَّمَا عليهِ الأمرُ والنَّهيُ لا القبولُ، واللهُ أعلمُ. شروط التغيير : هناك شروط خاصة بالمنكَر ، و شروط في المنكِر ، و شروط في المنكَر عليه . شروط المنكَر الذي يجب تغييره : 1- أن يكون إنكاره مجمَعًا عليهِ بينَ المسلمينَ ، مثلُ: الرِّبا، والزِّنَا، وشربِ الخمرِ، والتَّبَرُّجِ، وتركِ الصَّلاةِ، وغيرِهَا. أمَّا الأمورُ الَّتي اختلفَ العلماءُ في حرمتِهَا أو وجوبِهَا، فإنْ كانَ الخلافُ فيها ضعيفًا والحجَّةُ لمَنْ قالَ بالحرمةِ، فإنَّ مثلَ هذا يُنكَرُ علَى فاعلِهِ. وإنْ كانَ الخلافُ قويًّا والتَّرجيحُ صعبًا لا يقوَى عليهِ إلاَّ الجهابذةُ مَن العلماءِ فمِثلُ هذا - واللهُ أعلمُ - لا يُنكَرُ علَى فاعلِهِ. 2- وجُودُ المُنْكَرِ ظَاهِرا ، فلا يتجسس على الناس و يتلمس أخطائهم لينكر عليهم . 3- ألا يكون سبب تغيير المنكر منكر أكبر منه أو فتنة ، لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها ، لقوله تعالى: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [الأنعام: الآية108] ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم قاعدة: وهي أنه لا يجوز إنكار منكر حتى تتيقن أنَّهُ لن ينتقل المنكَرُ عليه إلى منكرٍ أشد منه ،و هذا له عدة أحوال : حالتان يحرم فيها الإنكار الأول: أن بإنكار المنكر يتحول إلى ما هو أنكرُ منهُ، فهذا حرامٌ بالإجماع ، كانتقاله من منكر قاصر إلى منكر متعدي . والثاني : أن ينتقل منه إلى منكرٍ آخر لا يُعلم قدره . و حالة يجب فيها الإنكار : و هي أن ينتقل إلى ما هو خيرٌ ودين . و حالة محل إجتهاد : وهي أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه . شروط تتعلق بالمنكَر عليه : 1- التيقن أن الأمر منكر في حق الفاعل ، فقد يكون الشيء منكراً في حد ذاته ، لكنه ليس منكراً بالنسبة للفاعل ، كمن يأكل في نهار رمضان لأنه على سفر . 2- يجبُ الإنكار إذا غلب على الظن أن ينتفع المُنكَر عليه باللسان فيما لا يدخل تحت ولايته، أما إذا غلب على ظنَّه أنَّهُ لا ينتفع فإنَّه لا يجب الإنكار، وذلك لظاهر قول الله جل وعلا: {فذكر إن نفعت الذكرى} فأوجب التذكير بشرط الانتفاع، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهُ. و هذا هو الراجح خلافا لرأي الجمهور الذي يرى وجوب إنكار المنكر مُطلقاً، سواءً غلب على الظن أم لم يغلب على الظن؛ لأنَّ إيجاب الإنكار لحق الله جل وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبةُ الظن ، و ذلك : أ-لدلالة النص عليه " فمن لم يستطع …." ، وعدم الاستطاعة هذه تشمل عدة أحوال ويدخل فيها غلبة الظن ألا ينتفع الخصم . ب- لفعل الصحابة ، فقد تركوا إنكار المنكر في أوقات كثيرة غلب فيها الظن على عدم انتفاع المنكر عليه ، كابن عمر وابن عباس وغيرهما لمَّا دخلوا على الولاة وأُمراء المؤمنين في بيوتهم وكان عندهم بعض المنكرات في مجالسهم فلم يُنْكروها، وذلك لِغَلبةِ الظن أنَّهم لا ينتفعون بذلك . مع التنبيه على أن الخلاف هنا على الوجوب ويبقى الاستحباب في أنَّهُ يستحب أن تبقى هذه الشعيرة وأن يفعلها من أراد فعل المستحب. ويُشْتَرَطُ في المُنْكِرِ أُمُورٌ، وَهيَ: 1- الإِسلامُ. 2- التكليفُ؛ لِرَفْعِ القَلَمِ عَنْ غيرِ المُكَلَّفِ . 3- الاستطاعةُ، وَهيَ الواردةُ في الحديثِ ، لأن وجوب الإنكار متعلقٌ بالقدرة بالإجماع . 4- العَدَالَةُ ، أن يكونَ الآمرُ قدوةً للآخرينَ ، فإذا أمرَ بالمعروفِ كانَ أوَّلَ الممتثلِينَ له، وإذا نَهَى عن منكرٍ كانَ مِن أبعدِ النَّاسِ عنه؛ لأنَّ اللهَ يمقُتُ الآمرَ الَّذِي يقعُ في ما ينكِرُهُ علَى الآخرينَ، قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} ؛ولكنَّ هذا لا يعني أنَّ مَنْ كانَ مقصِّرًا في امتثالِهِ لأوامرِ اللهِ أن يدعَ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ؛ لأنَّ اللهَ أنكرَ عليهِمْ مخالفةَ قولِهِم لفعلِهِمْ ولم ينكرْ عليهِمُ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكَرِ، قالَ النَّوويُّ: قالَ العلماءُ: ولا يُشْتَرَطُ في الآمرِ والنَّاهِي أن يكونَ كاملَ الحالِ ممتثلا ما يأمرُ به، مجتنِبًا ما نهَى عنه، بل عليهِ الأمرُ وإن كان مخلاًّ بما يأمرُ بهِ، والنَّاهي وإن كان متلبِّسًا بما ينهَى عنه فإنَّهُ يجبُ عليهِ شيئانِ: أن يأمرَ نفسَهُ وينهاهَا، ويأمرَ غيرَهُ وينهَاهُ، فإذا أخلَّ بأحدِهِما كيفَ يُبَاحُ له الإخلالُ بالآخرِ؟!. 6- العِلْمُ بِمَا يُنْكِرُ وَبِمَا يَأْمُرُ مع مُراعاةُ الحكمةِ في ذلك ، قالَ تَعالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ومِن الحكمةِ مراعاةُ حالِ المأمورِ، ففي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مِن اللينِ والمداراةِ والرِّفقِ، كما قالَ تَعالَى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، وفي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مَن الغلظةِ والقسوةِ، كما قالَ تَعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}، وقالَ تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} . 7- قالَ سفيانُ الثَّوريُّ: (لا يأمرُ بالمعروفِ ولا ينهَى عن المنكرِ إلاَّ مَن كانَ فيهِ ثلاثُ خصالٍ: رَفِيقٌ بما يأمرُ رفيقٌ بما ينهَى، عدلٌ بما يأمرُ وعدلٌ بما يَنهَى، عالمٌ بما يأمرُ عالمٌ بما ينهَى). وقالَ أحمدُ: (يأمرُ بالرِّفقِ والخضوعِ، فإن أسمعُوهُ ما يكرَهُ لا يغضَبُ، فيكونَ يريدُ أن ينتصرَ لنفسِهِ). وقالَ أحمدُ كذلك: (النَّاسُ محتاجُونَ إلَى مداراةٍ ورفقٍ، والأمرُ بالمعروفِ بلا غلظةٍ، إلاَّ رجلٌ معلِنٌ بالفسقِ، فلا حرمةَ لهُ). 8- أن يكونَ الأمرُ أو الإنكارُ بانفرادٍ وبالسِّرِّ؛ لأنَّ هذا يؤدِّي لقبولِ النَّصيحةِ. قالَ الإمامُ الشَّافعيُّ: (مَنْ وعظَ أخاهُ سرًّا فقدْ نصحَهُ وزانَهُ، ومَن وعظَهُ علانيَةً فقدْ فضحَهُ وعابَهُ). متى يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد و اللسان و يكتفى بالقلب ؟ وردت كثير من الأدلة على أن الأمرِ والنَّهْيِ يسقط عندَ عَدَمِ القَبُولِ والانتفاعِ بهِ ، منها 1- ما ورد فِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وابنِ مَاجَهْ، والتِّرْمِذِيِّ): عنْ أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أنَّهُ قِيلَ لهُ: كيفَ تَقُولُ في هذهِ الآيَةِ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] فقالَ: أَمَا واللَّهِ لقدْ سَأَلْتُ عنها رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْتَهُوا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَوَامِّ)). 2- وفِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ): عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ حولَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إذْ ذَكَرَ الفِتْنَةَ فَقَالَ: ((إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا))، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ؛ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: ((الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ)). 3- وكذلكَ رُوِيَ عنْ طائفةٍ من الصحابةِ في قولِهِ تَعَالَى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، قالُوا: لمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، إنَّمَا تَأْوِيلُهَا في آخرِ الزمانِ. وعن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: (إذا اخْتَلَفَت القُلُوبُ والأهواءُ، وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَيَأْمُرُ الإِنسانُ حِينئذٍ نفسَهُ، حينئذٍ تَأْوِيلُ هذهِ الآيَةِ). وعن ابنِ عُمَرَ قالَ: (هذهِ الآيَةُ لأَِقْوَامٍ يَجِيئُونَ منْ بَعْدِنَا، إنْ قَالُوا لمْ يُقْبَلْ منهمْ). وقالَ جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ: (عنْ جماعةٍ من الصَّحابةِ قَالُوا: إذا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَإِعْجَابَ كلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، لا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتَ). وعنْ مَكْحُولٍ قالَ: (لمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، إذا هَابَ الواعظُ، وأَنْكَرَ المَوْعُوظُ، فَعَلَيْكَ حينئذٍ بنفسِكَ لا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتَ). وعن الحسنِ أنَّهُ كانَ إذا تَلا هذهِ الآيَةَ قالَ: يا لَهَا مِنْ ثِقَةٍ مَا أَوْثَقَهَا! ومِنْ سَعَةٍ ما أَوْسَعَهَا! وهذا كُلُّهُ قدْ يُحْمَلُ على أنَّ مَنْ عَجَزَ عن الأمرِ بالمعروفِ، أوْ خَافَ الضَّرَرَ، سَقَطَ عَنْهُ. وكلامُ ابنِ عُمَرَ يَدُلُّ على أنَّ مَنْ عَلِمَ أنَّهُ لا يُقْبَلُ مِنْهُ، لمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، كما حُكِيَ رِوَايَةً عنْ أحمدَ. قالَ الأَوْزَاعِيُّ: مُرْ مَنْ تَرَى أنْ يَقْبَلَ مِنْكَ. المعنى الإجمالي للحديث: يرشدنا النبي صلى الله عليه و سلم إلي ضرورة تغيير المنكر سواء باليد أو اللسان أو القلب ، على حسب ما يستطيعه المرء ،فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور التي فضلت بها الأمة على سائر الأمم ، قال تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ …} [آل عمران:110] للأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ دوافعُ كثيرةٌ منها: للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقامات من لحظها هانَ عليهِ كلُّ مَا يَلْقَى من الأَذَى في اللَّهِ تَعَالَى، وَرُبَّمَا دَعَا لِمَنْ آذَاهُ، منها : 1- رَجَاءُ ثَوَابِهِ. 2 - خشيَةُ عقابِ اللهِ، وذلك أنَّ المنكرَ إذا فشَا في أمَّةٍ تكونُ بذلك مهدَّدَةً بنزولِ عقابِ اللهِ عليها، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)). 3-الغَضَبُ لِلَّهِ على انْتِهَاكِ مَحَارِمِهِ ، فهو مَن خصالِ الإيمانِ الواجبةِ . 4- النَّصِيحَةُ للمُؤْمِنِينَ والرَّحْمَةُ لهم، وَرَجَاءُ إِنْقَاذِهِمْ مِمَّا أَوْقَعُوا أَنْفُسَهُمْ فيهِ من التَّعَرُّضِ لِغَضَبِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ في الدُّنيا والآخرةِ ، لذلك وجبَ علَى المسلمِ أن ينقذَ أخاهُ مَن عقابِ اللهِ وغضبِهِ، وذلك بنهيِهِ عن المنكرِ الَّذِي وقعَ فيهِ، وهذا مِن أعظمِ الرَّحمةِ بهِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)). و كما قالَ ذلكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ويقولُ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)). 4 - النُّصحُ للمؤمنينَ والرَّحمةُ بهم رجاءَ إنقاذِهِم ، فالعبدُ الواقع في المنكرِ يكونُ بذلك عرَّضَ نفسَهُ لعقابِ اللهِ وغضبِهِ، 5 - إجلالُ اللهِ وإعظامُهُ ومحبَّتُهُ ، فاللهُ عزَّ وجلَّ أهلُ التَّقوَى وأهلٌ أنْ يُطَاعَ ويعظَّمَ، وذلك بإقامةِ أوامرِهِ بينَ العبادِ، والنَّهيِ مِن الوقوعِ في حدودِهِ؛ لأنَّ الواقعَ في المنكرِ مجترئٌ علَى ربِّهِ عزَّ وجلَّ، فيجبُ علَى المسلمينَ أن يفدُوا اللهَ بالغالي والنَّفيسِ لإقامةِ أمرِهِ في النَّاسِ، كما فعلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد أوذِيَ في سبيلِ اللهِ ولم يُؤْذَ أحدٌ مثلَ أذاهُ، وهكذا ضحَّى أنبياءُ اللهِ السَّابقينَ. 6 - كسبُ الثَّوابِ والأجرُ، وذلك أنَّ مَن دلَّ النَّاسَ علَى المعروفِ وقامُوا به يكونُ له مثلُ أجورِهِم مِن غيرِ أن ينقصَ مِن أجورِهِم شيءٌ، قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)). خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: إذا قصَّرَ المسلمونَ حكَّامًا ومحكومين في هذه المهمَّةِ، شاعتِ الفاحشةُ، وعمَّتِ الرَّذيلةُ، وتسلَّطَ الفجَّارُ علَى الأخيارِ، ويصبحُ الحقُّ باطلاً والباطلُ حقًّا، وبهذا تُعَرِّضُ الأمَّةُ نفسَهَا إلَى: 1 - الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ كما طردَ اللهُ أهلَ الكتابِ مِن رحمتِهِ عندَما تَرَكُوا هذه المهمَّةَ، قالَ تَعالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} 2 - الهلاكِ في الدُّنيا، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)). 3 - عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ، عن حذيفةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((وَالـَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لكُمْ)). 4- العقوبة قبل الموت ، قال النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا فَلا يُغَيِّرُوا، إِلا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ)). خَرَّجَهُ أبو دَاوُدَ بهذا اللفظِ وقالَ: قالَ شُعْبَةُ فيهِ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ)). وخَرَّجَ أَيْضًا منْ حديثِ جَرِيرٍ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، يَقْدِرُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلا يُغَيِّرُونَ، إِلا أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا)). وَخَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ، فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، إِلا عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ)). وَخَرَّجَ أَيْضًا منْ حديثِ عَدِيِّ بنِ عَمِيرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلا يُنْكِرُونَهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ)). 5-السؤال أمام الله عزوجل يوم القيامة ، وَخَرَّجَ ابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ قالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ: مَا مَنَعَكَ إِذَا رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ، فَإِذَا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قَالَ: يَا رَبِّ، رَجَوْتُكَ، وَفَرَقْتُ النَّاسَ)). فأمَّا مَاخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ أيضًا، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ في خُطْبَتِهِ: ((أَلا لا يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ)). وَبَكَى أبو سعيدٍ وقالَ: (قَدْ واللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا). وَخَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ، وَزَادَ فيهِ: ((فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يُقَالَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكَّرَ بِعَظِيمٍ)). وكذلكَ خَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ))، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قالَ: ((يَرَى أَمْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ، ثُمَّ لا يَقُولُ فِيهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِيَّ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: خَشْيَةُ النَّاسِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: إِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى)) فهذانِ الحديثانِ مَحْمُولانِ على أنْ يكونَ المَانِعُ لهُ من الإِنكارِ مُجَرَّدَ الْهَيْبَةِ، دُونَ الخوفِ المُسْقِطِ للإِنكارِ. معنى الحديث له شواهد من أحاديث أخرى ، منها : ما خَرَّجَه مُسْلِمٌ منْ حديثِ ابنِ مسعودٍ: عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوارِيُّونَ وَأَصْحابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)). ورَوَى سالمٌ المُرَادِيُّ عنْ عمرِو بنِ هَرِمٍ، عنْ جابرِ بنِ زيدٍ، عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((سَيُصِيبُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلاءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ، لا يَنْجُو مِنْهُ إِلا رَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ السَّوَابِقُ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَصَدَّقَ بِهِ، وَلِلأَوَّلِ عَلَيْهِ سَابِقَةٌ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَسَكَتَ، فَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِخَيْرٍ أَحَبَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِبَاطِلٍ أَبْغَضَهُ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَنْجُو عَلَى إِبْطَائِهِ)). وهذا غَرِيبٌ، وإسنادُهُ مُنْقَطِعٌ. وخرَّجَ الإِسْمَاعِيلِيُّ منْ حديثِ أبي هارونَ العَبْدِيِّ - وهوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - عنْ مَوْلًى لِعُمَرَ، عنْ عُمَرَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((تُوشِكُ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَهْلِكَ إِلا ثَلاثَةَ نَفَرٍ: رَجُلٌ أَنْكَرَ بِيَدِهِ وَبِلِسَانِهِ وَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِيَدِهِ، فَبِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِلِسَانِهِ وَبِيَدِهِ فَبِقَلْبِهِ)). وخرَّجَ أيضًا منْ روايَةِ الأَوْزَاعِيِّ عنْ عُمَيْرِ بنِ هانئٍ، عنْ عَلِيٍّ، سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((سَيَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ لا يَسْتَطِيعُ الْمُؤْمِنُ فِيهَا أَنْ يُغَيِّرَ بِيَدٍ وَلا بِلِسَانٍ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قالَ: ((يُنْكِرُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَنْقُصُ ذَلِكَ إِيمَانَهُمْ شَيْئًا؟ قالَ: ((لا، إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْقَطْرُ مِنَ الصَّفَا)). وهذا الإسنادُ مُنْقَطِعٌ. وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مَعْنَاهُ منْ حديثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ عَن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ. فَدَلَّتْ هَذِهِ الأحاديثُ كُلُّها على وُجُوبِ إنكارِ المُنْكَرِ بِحَسَبِ القُدْرَةِ عليهِ، وأنَّ إِنْكَارَهُ بِالقَلْبِ لا بُدَّ منهُ، فمَنْ لمْ يُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ دَلَّ على ذَهَابِ الإِيمانِ مِنْ قَلْبِهِ. وقدْ رُوِيَ عنْ أبِي جُحَيْفَةَ قالَ: قالَ عَلِيٌّ: (إنَّ أَوَّلَّ مَا تُغْلَبُونَ عليهِ مِن الجِهادِ: الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ، ثُمَّ الجِهَادُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ثمَّ الجهادُ بِقُلُوبِكُم. فمَنْ لمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ المعروفَ، ويُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ، نُكِسَ فجُعِلَ أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ). فوائدُ مَن الحديثِ: 1-أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى جميع الأمة إذا رأت منكراً أن تغيره . 2-أن المراتب ثلاث: دعوة، أمر، تغيير، فالدعوة أن يقوم الداعي في المساجد و في أي مكان يجمع الناس ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم فيه. والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس ويقول: افعلوا ،أو ينهاهم ويقول لهم : لا تفعلوا . ففيه نوع إمرة. والمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره ونهيه . 3- وَلاَ يَتَأَتَّى الإنكارُ كَمَا يَنْبَغِي إلاَّ مِمَّنْ عَرَفَ اللهَ حَقَّ المَعْرِفَةِ، وَعَلِمَ حَقَّهُ الجَلِيلَ وَأَحَبَّهُ مِنْ صَمِيمِ قَلْبِهِ، وَرَأَى أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِهِ، وَلَمْ يُبَالِ بِمَا سِوَاهُ . 4- أَهَمِّيَّةُ الأمرِ بالمعروفِ وَالنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ. 5- وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. 6- التَّأَكُّدُ مِنْ وُجودِ المُنْكَرِ عندَ إِنكارِهِ. 7- بيَاَنُ مَرَاتِبِ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ. 8- عَدَمُ صلاحِ المجتمعِ إِلاَّ بِزَوَالِ المُنْكَرِ. 9- يَجِبُ على الإِمامِ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ باليدِ. 10- التَّمْكِينُ في الأرضِ بالسلامةِ مِن المُنْكَرِ. 11- المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ مِن المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. 12- يَجِبُ على العُلَمَاءِ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ باللسانِ. 13- اللسانُ أَحَدُ مُوجِبَاتِ الجَنَّةِ. 14- التَّقْوَى على الاسْتِطَاعَةِ. 15- المُجْتَمَعُ المُسْلِمُ مُجْتَمَعٌ صحيحٌ. 16- وُجُوبُ إِنكارِ المنكرِ بالقلبِ لِمَنْ لمْ يَسْتَطِعْ باللِّسَانِ. 17- سلامةُ القلبِ مَنْعٌ للآثامِ. 18- زيادةُ الإِيمانِ وَنُقْصَانُهُ. 19 - يدلُّ الحديثُ أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ مِن خصالِ الإيمانِ، لذلك أخرجَ مسلمٌ هذا الحديثَ في كتابِ الإيمانِ، بابُ بيانِ كونِ النَّهي عن المنكرِ مِن الإيمانِ. 20 - مَن قدرَ علَى خصلةٍ مِن خصالِهِ وقامَ بها كانَ خيرًا ممَّنْ تركَهَا عجزًا وإن كانَ معذورًا في ذلك، فالمرأةُ مثلا معذورةٌ في تركِ الصَّلاةِ أثناءَ الحيضِ، ومعَ ذلك عَدَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذلك نقصانًا في دينِهَا. 21 - مَن خافَ علَى نفسِهِ الضَّربَ أو القتلَ، أو خافَ علَى مالِهِ الضَّياعَ، سقطَ عنهُ التَّغييرُ باليدِ واللسانِ. 22 - في الحديثِ دَلالةٌ علَى جهادِ الحكَّامِ باليدِ، مثلُ ما فعل أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، مثلُ أن يريقَ خمورَهُم، ويكسِّرَ آلاتِ اللهوِ الَّتي لهم، أمَّا الخروجُ عليهِمْ بالسَّيفِ فهذا لا يَجوزُ، لثبوتِ الأحاديثِ النَّاهيَةِ عن ذلِكَ. |
بسم الله و الحمدلله و الصلاة و السلام على رسول الله؛
أما بعد: التطبيق الأول: تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...) عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ. * عناصر الدرس: • تخريج الحديث: • موضوع الحديث: • قصة الحديث: • منزلة الحديث: • راوي الحديث: • قوله، صلى الله عليه و سلم:{من رأى منكم منكرا فليغيره بيده}: • تعريف المنكر: • مراتب الإنكار: الإنكار باليد، و ما يقوم مقامها. الإنكار باللسان و ما يقوم مقامه. الإنكار بالقلب. • الرؤية التي يتعلق بها الإنكار: تحمل على الرؤية بالعين: تحقيق القول: أن الرؤية رؤيتان: مسائل تتعلق بالرؤية: • تغيير المنكر: معنى قوله، صلى الله عليه و سلم:{فليغيره بيده}: معنى التغيير: الفرق بين التغيير و الإزالة: • حكم تغيير المنكر باليد: • قوله، صلى الله عليه و سلم:{فإن لم يستطع فبلسانك}: الشرح: حد الاستطاعة في الإنكار: • قوله، صلى الله عليه و سلم:{فإن لم يستطع فبقلبه}: الشرح: تسمية الدرجة الثالثة بالضعف: شروط إنكار المنكر بالقلب: • حكم إنكار المنكر و شروطه: • هل تغيير المنكر لكل إنسان؟: • حكم إنكار المنكر باعتبار أنه فرض عين، أو فرض كفاية: فرض كفاية: فرض عين: مراتب الإنكار بين فرض العين و فرض الكفاية: من يتعذر عليه إنكار المنكر: • يشترط في المنكر أمور إجمالا، هي: • حكم إنكار المنكرسرا : لعامة الناس: للحكام: • حكم إنكار المنكر على الحكام: حكم الإنكار باليد على الحاكم: • مراعاة الحكمة بإنكار المنكر و الأمر بالمعروف: و من الحمكة مراعاة حال الأمور: و من الحكمة على من يتصدى لهذه المهمة: مسألة من ينكر المنكر و يأتيه، و يأمر بالمعروف و لا يأتيه: • الفرق بين النصيحة و الإنكار: • عدم إنكار المنكر مع القدرة على إنكاره: • تفسير قوله تعالى:{لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا}: • إنكار المنكر من الإيمان: • دوافع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: • مسائل تتعلق بالإنكار: و جوب الإنكار متعلق بالقدرة بالإجماع، و متعلق بظن الانتفاع عند كثير من أهل العلم: أحوال إنكار المنكر: أربعة أحوال: • تخريج الحديث: خرجه مسلم من طريقين: - من رواية قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد. - و من رواية إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد. تعددت طرق الحديث؛ التي جائت في معنى الحديث أو بزيادات عليه: - فخرج مسلم من حديث ابن مسعود، عن النبي، صلى الله عليه و سلم. - و روى سالم المرادي، بإسناد غريب و فيه انقطاع، عن عمرو بن وهم، عن جابر بن زيد، عن عمر بن الخطاب، عن النبي، صلى الله عليه و سلم. - و خرج الإسماعيلي ، في معنى الحديث، بإسناد ضعيف جدا، من حديث أبي هارون العبدي. - و جاء بسند فيه انقطاع من رواية الأوزاعي عن عمير ابن هاني. - و جاء الحديث من روايات أخرى بزيادة {و ليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان}. • موضوع الحديث: بيان وجوب النهي عن المنكر. • قصة الحديث: قصة و سبب إيراد ابي سعيد الخدري، رضي الله عنه،الحديث جائت على روايتين: عن طارق بن شهاب قال: أن مروان ابن الحكم، أول من صلى قبل خطبة العيد، فقام رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال مروان: قد ترك ما هنالك؛ فذكر ابن مسعود الحدبث. و في رواية البخاري؛ أن الذي أنكر على مروان هو أبي سعيد الخدري، فقال:{فجذبته بثوبي فجذبني}، ثم ذكر الحديث. الجمع بين الروايتين: - احتمال إنكار الرجل باللسان و إنكار ابي سعيد باللسان. - أو احتمال تعدد الواقعة. • منزلة الحديث: حديث عظيم الشأن، نص على وجوب إنكار المنكر. النووي:{باب عظيم به قوام الأمر و ملاكه}. في عدم الانكار و عدم الأخذ على يد الظالم سبب للتعرض إلى عذاب الله: - النووي:{إذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعذاب}. - قال تعالى:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أم يصيبهم عذاب اليم}. • راوي الحديث: هو ابي سعيد بن مالك بن سنان الخدري الأنصاري الخزرجي. من أفقه الصحابة و أعلمهم بالحديث. مات بالمدينة يوم الجمعة، سنة أربع و ستين، و دفن بالبقيع. • قوله، صلى الله عليه و سلم:{من رأى منكم منكرا فليغيره بيده}: الشرح: - {من}: اسم شرط جازم. {رأى}: فعل الشرط. {فلغيره بيده}: جواب الشرط. - النكرة في سياق الشرط؛ يفيد العموم، أي: يعم كل من رأى لكل لمنكر. - ظاهر الأمر الوجوب، لقوله:{فليغيره بيده}. - الغالب أن الأعمال باليد، لذلك تضاف الأعمال إلى الأيدي في النصوص الشرعية، فتطلق و يراد بها الجوارح كلها. -الرؤية لها شروطها، كما أن تغيير المنكر له شروطه . • تعريف المنكر: ما نهى الله تعالى عنه و رسوله، صلى الله عليه و سلم. لأنه ينكر على فاعله. و وه اسم لما عرف في الشرعة قبحه و النهي عنه. فلا يكون منكرا حتى يكون محرما في الشريعة. • مراتب الإنكار: الإنكار باليد، و ما يقوم مقامها. الإنكار باللسان و ما يقوم مقامه. الإنكار بالقلب. • الرؤية التي يتعلق بها الإنكار: تحمل على الرؤية بالعين: - لقول النبي، صلى الله عليه و سلم:{من رأى منكم}. - {من}: شرطية؛ تدل على أنه يشترط في الإنكار وجود المنكر. - فإن لو يوجد لا يجب الإنكار. - لأن افتعال الشيء مع عدو وجوده تكلف. - التأكيد على مزيد التثبت في هذه الأمور. و تحمل على الرؤية بالعين و ما يقوم مقامها كمن سمع بأذنه، و من بلغه بخبر يقين، و ما أشبه ذلك: - يمكن أن تكون الرؤية قلبة و تسمى البصيرة. تحقيق القول: أن الرؤية رؤيتان: - بصرية. - و قلبية: و هي البصيرة؛ هي الؤية العلمية اليقينية. - و التحقيق: أن تحمل عليهما الُنين؛ ما دام أن اللفظ يحمل معنى أعم فيحمل علبه و إن كان ظاهر الحديث رؤية العين. مسائل تتعلق بالرؤية: - الإنكار متعلق بالرؤية البصرية و البصيرة و ما يقوم مقامه. - ليس من إنكار المنكر تسور الجدران و كشف عوررات بيوت المسلمين. - النهي عن التجسس، إلا لمصلحة تقتقي قيام المنكربيقين و بغلبة الظن. • تغيير المنكر: معنى قوله، صلى الله عليه و سلم:{فليغيره بيده}: - هنا أوجب التغيير باليد. - الأمر مقيدا بما إذا كان قادرا على التغيير. - و لا يجب في الغير مقدور عليه. معنى التغيير: - أي يحوله و يبدله من صورته التي هو عليها إلى صورة أخرى حسنة. - القصد تغيير ترك الأمر إلى فعلهن و فعل النهي إلى تركه. - التغيير يكون على المنكر و على صاحب المنكر. الفرق بين التغيير و الإزالة: - التغيير في الشرع ليس بمعنى الإزالة. - التغيير يشمل الإزالة، و يشمل الإنكار بلا إزالة. - و يشمل أيضا اعتقاد حرمة المنكر. •حكم تغيير المنكر باليد: واجب: - إذا كان التعيير مقدورا عليه. - و في كان له ولاية عليهم. عدم الوجوب: - إذا كان غير مقدور عليه تغييره. - و خارج عن ولاية العبد. الاستحباب - في النصيحة -: - من كان تحت ولاية غيره. • قوله، صلى الله عليه و سلم:{فإن لم يستطع فبلسانك}: الشرح: - {فإن لم يستطع}:أي: لم يستطع أن ينكره بيده. - قاعدة عامة في الشريعة: قال تعالى:{اتقوا الله استطعتم}، و قال تعالى:{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}. - قول النبي، صلى الله عليه و سلم:{وما أمرتكم به فاتوا منه ما استطعتم}. - من الإنكار باللسان الكتابة، و هذا لأهل العلم و الكتابة؛ فتقاي الكتابة على اللسان. حد الاستطاعة في الإنكار: - أن يكون قادرا على تغيير المنكر. - و أن يكون له استطاعة على الإنكار باليد. - التغيير باللسان عند عدم امتلاك السلطة. - أن لا توجد موانع تمنعه. - فإن لم يستطع باليد فباللسان: و هذا في مقدور أهل العلم. - فإن لم يستطع فبالقلب، كما سيأتي البيان فيه. • قوله، صلى الله عليه و سلم:{فإن لم يستطع فبقلبه}: الشرح: - {فبقلبه}؛ أي: فلينكره بقلبه. - أي يبغضه و يتألم بقلبه، و يتمنى أن لم يكن. - أن يكرهه كراهة شيدية لما فيه مخالفة لله تعالى. - هذه الدرجة الثالثة من تغيير المنكر، و هي واجبة على الجميه. - تعيير داخلي لا يتعدى صاحبها. تسمية الدرجة الثالثة بالضعف: - لقوله النبي،صلى الله عليه و سلم:{و ذلك أضعف الإيمان}. - عدم الإنكار و عدم إضهاره؛ يدل على الضعف. - و أما كراهيته المنكر يدل على الإيمان. شروط إنكار المنكر بالقلب: - أن تكون بالكراهة للمنكر بقلبه. - العزيمة على أنه متى قدر على إنكاره بلسانه، أو بيده فعل. - لا يكفي في الإنكار بالقلب؛ أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكرن و يقول: أنا كاره بقلبي. - علامة صدق القلب: مفارقة و هجران المنكر و أهله؛ إن لم يكن فيه أذية و كراهة عليه؛ فيعذر لذلك. • حكم إنكار المنكر و شروطه: لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر، و ذلك من وجهين: أن يتيقن أنه منكر. أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل: - لأنه قد يكون منكرا في حد ذاته، لكنه ليس منكرا بالنسبة للفاعل. -كإفطار المسافر في نهار رمضان. لا بد أن يكون المنكر منكرا لدى الجميع. أما إذا كان في المسائل الخلافية؛ فهو أيضا على وجهين: + إن كان الخلاف في المنكر قويا بين أهل العلم: - فلا يجب الإنكار. + أما إذا كان في مسالة الخلاف فيها ضعيف: - وجب الإنكار. - و ليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلافا له حظ من النظر. أما إذا كان من عوام الناس: لا يقال لهم اتبعوا ما شئتم من أقوال الناس، و لا ينكر عليهم. الصواب أن يكون سبيلهم سبيل علمائهم. الإنكار عليهم و النصيحة لهم. • هل تغيير المنكر لكل إنسان؟: ليس عاما لكل إنسان: بل من كانت له الأهلية. العلم و البصيرة بأمور الدعوة و الحكمة في الإنكار. و لو فتح الباب لكل إنسان لعمت الفوضى، لأنه سينكر ما يعتقده هو منكر. • حكم إنكار المنكر باعتبار أنه فرض عين، أو فرض كفاية: فرض كفاية: - قال تعالى:{و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلون}. - قال ابن كثير في تفسيرها:( و المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن). - و ذهب إلى هذا القول كثير من أهل العلم كابن عربي. فرض عين: - لدلالة عموم حديث النبي، صلى الله عليه و سلم:{من رأى منكم منكم منكرا فليغيره}، الحديث. - ابن عربي قال:(قد يكون فرض عين؛ إذا عرف من نفسه صلاحية النظر و الاستقلال و الجدال، أو عرف ذلك عنه). - قال النووي:(يتعين كما إن كان في موضع لا يعلم به إلا هو). - تفاوت الناس في هذا الواجب؛ كل بحسب استطاعته: o المسلم العامي: عليه القيام بهذا الواجب بحسب قدرته فيمن تحت سلطانه بما يعلم من أمور الدين التي يسمعها في الدروس و المنابر و عن طريق سؤال أهل العلم. o العلماء: عليهم من هذا الواجب ماليس لغيرهم، لأنهم أهل العلم و هم ورثة الأنبياء. o الحاكم و السلطان: الواجب في حقهم أن تكون لهم شوكة يرتدع يها السواد الأعظم، و عدم الاقتصار على الوعظ؛ بل وجب إنكار المنكر لما فيه من الردع الذي يضمن السلامة و الأمن و الاستقرار للأمة. مراتب الإنكار بين فرض العين و فرض الكفاية: - إنكار المنكر باليد و بالسان: يكون فرض عين تارة،و يكون فرض كفاية تارة أخرى؛ وذلك بحسب الاستطاعة. - إنكار المنكر بالقلب: من الفروض العينية التي لا تسقط بأي حال من الأحوال. من يتعذر عليه إنكار المنكر: - من خاف على نفسه الضرب أو القتل. - أو خاف على أهله من الهلاك. - أو خاف على ماله من الضياع. - و يدخل في هذا غلبة الظن . - أن يكون مكرها إكراها تاما. • يشترط في المنكر أمور إجمالا، هي: الإسلام. التكليف؛ لرفع القلم عن غير المكلف. الاستطاعة. العدالة. و جود المنكر ظاهرا. العلم بما ينكر و بما يأمر. • حكم إنكار المنكرسرا : لعامة الناس: - و ذلك من باب ستر أخاه المسلم، و عدم التشهير به. - لأنه أبلع في تغيير المنكر و محوه. - و هو من الحكمة و قراءة العواقب. - و لأن هذا يؤدي إلى قبول النصيحة. - قال الشافعي: (من وعظ أخاه سرا فقد نصحه و زانه، و من نصحه علانية فقد فضحه و عابه). للحكام: - درءا للفتنة؛ لقول ابن عباس: (لا تكن له فتنة). - و عدم التأليب عليه. - خشية الفوضى و عدم استقرار الدولة. حكم الإنكار باليد على الحاكم: - ذهب بعض أهل العلم أنه جائز، أن ينكر على الحاكم باليد، و على جهاد الأمراء باليد، لقول النبي، صلى الله عليه و سلم:{فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن}. - و ذهب بعضهم إلى خلاف ذلك؛ منهم الإمام أحمد فقد استنكر ، ذلك لأنه خلاف أحاديث الصبر على جور السلطان. - التحقيق: o أن التغيير باليد لا يستلزم القتال؛ و لقد جاء عن أحمد: (التغيير باليد ليس بالسف و السلاح). o و الإنكار باليد؛ معناه أن يزال ما فعلوه من المنكرات باليد؛ كإراقة الخمور، و أن يبطلوا ما أمروا به من ظلم. o و هذا التغيير باليد ليس من الخروج عنهم. o و هذا التغيير وجب أن يكون منوطا بالقدرة و عدم وقوع الضرر من ورائه. o و هو ليس من باب الخروج عليهم بالسلاح لأن هذا منهي عنه و هو من باب إثارة الفتنة و إشعالها بين أهل الإسلام. • مراعاة الحكمة بإنكار المنكر و الأمر بالمعروف: قال تعالى:{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة}. الحِكْمَة: (اسم لإحكام وضع الشيء في موضعه)، و قيل: (فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي). و من الحمكة مراعاة حال الأمور: - في بعض الأحيان لا بد من اللين و المداراو و الرفق؛ قال تعالى:{اذهبا إلى فرعون فقولا له قولا لينا}. - و في بعض الأحيان لا بد من الغلظة، و القسوة، قال تعالى:{يا أيها النبي جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليهم}ن و قال تعالى:{و اصدع بما تؤمر}. و من الحكمة على من يتصدى لهذه المهمة: - أن يكون رفيق بما يأمر، رفيق بما ينهى. - عدل بما يأمر، عدل بما ينهى. - عالم بما يأمر عالم بما ينهى. - و أن يكون قدوة للآخرين: o فإذا أمر بالمعروف كان أول الممتثلين إليه. o و إذا نهي عن المنكر كان أبعد الناس عنه. مسألة من ينكر المنكر و يأتيه، و يأمر بالمعروف و لا يأتيه: -قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}. - و كما جاء في الحدبث:{يؤتي بالرجل يوم القيامة فليقى في النار فتندلق أقطاب بطنه، فيدور كما يور الحمار في الرحاء}، فيقال له:{ألم تكن تنهي عن المنكر و تأمر بالمعروف}، فيقول:{بلى كنت آمر بالمعروف و لا آتيه، و آمر بالمنكر و آتيه}. • الفرق بين النصيحة و الإنكار: هناك فرق بين النصيحة و الإنكار في الشريعة. أن الإنكار أضيق من النصيحة. الدين النصيحة، و منه الإنكار. إذا تعذرت الإنكار، تكون النصيحة بحسب الحال. • عدم إنكار المنكر مع القدرة على إنكاره: علامة أهل النفاق. من عاب عن المنكر و رضيه؛ فهو كمن شهده. قال النبي، صلى الله عليه و سلم:{من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها، و من غاب عنها فأحبها فكأنه حضرها}. و أنه سبب للتعرض لسخط الله تعالى و أليم عقابه؛ لقول النبي، صلى الله عليه و سلم:{إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، و هو قادرون على أن ينكروه فلا ينكرونه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة و العامة}. سبب للعقوبات القدرية. و أن عدم إنكار المنكر من تحقير النفس. • تفسير قوله تعالى:{لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا}: و جوب إنكار المنكر حتى على من يعلم أنه لا يقبل منه. أن الأية ليست دليل على ترك الإنكار. بل وجب إنكار المنكرو النتيجة لا تضره سواء منه استجابوا أم لم يستجيبوا. أن القيام بإنكار المنكر ما كان ‘لى ذلك سبيلا. عند توغل الفتنة و عندم العجز عن إنكار المنكرعلى المنكر أن يجتنب الفتنة و يفر، لقول للنبي، صلى الله عليه و سلم، لما سئل عن قوله تعالى:{عليكم أنفسكم}، قال:{بل اتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا، و هوى متبعا، و دنيا مءثرة، و إعجاب كل ذي راي برأيه، فعليك بنفسك، و دع عنك أمر العوام}. • إنكار المنكر من الإيمان: لقول النبي، صلى الله عليه و سلم، آخر الحدبث:{و ذلك أضعف الإيمان}، و في رواية:{ليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان}. أنه من ترم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر؛ ليس بمؤمن. و لأن الإيمان عمل و نبيه، و منها إنكار المنكر بالقلب لأن للقلب عمل و قول. التغيير باليد عمل، باللسان عمل، و بالقلب نية، و كذالك الإيمان: يشمل القول و العمل. قول النبي:{الإيمان بضع و ستون شعبة}. • دوافع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر: كسب الثواب و الأجر؛ لقوله، صلى الله عليه و سلم:{من دل على خير فله مثل أجر فاعله}. خشية عقاب الله تعالى؛ لقوله، صلى الله عليه و سلم:{إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعذاب منه}. الغضب لله تعالى. النصح للمؤمنين و الرحمة بهم؛ رجاء إنقاذهم؛ لقوله، صلى الله عليه و سلم:{الراحمون يرحمهم الرحمان}. إجلال الله تعال و إعظامه. • مسائل تتعلق بالإنكار: و جوب الإنكار متعلق بالقدرة بالإجماع، و متعلق بظن الانتفاع عند كثير من أهل العلم: - طائفة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام، قالوا: يجب إنكا المنكر مع غلبة الظن أن ينتفع المنكر عليهن و إذا غلب على ظنه أنه لا ينتفع فإنه لا يجب. - و الجمهور: هلى أنه يجب الإنكار مطلقا، سواء غلب الظن أو لم يغلب. - التحقيق: أن قول الجمهور هو الصواب؛ لأن أدنى مراتب الإنكار تكون بالقلبو هذا القدر واجب على الجميع. أحوال إنكار المنكر: اربعة أحوال: - الأولى: الإنتقال من المنكر إلى منكر أشد منه: فهذا محرم بالإجماع. - الثانية: الانتقال منه إلى ما هو خير و دين: هذا واجب بالإجماع. - الثالثة: الأنتقال منه إلى منكر آخر: الحكم فيه بحسب درجة التغيير إلى منكر دونه، أو مساو، أوأشد. |
التطبيق الأول لدورة التلخيص: تلخيص حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد فهذا تلخيص لشرح حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه(من رأى منكم منكرا فليغيره....) وقد قسمت الكلام على هذا الحديث من وُجُوه: أولها: في التعريف براويه. ثالثها: في تخريجه. ثانيها: موضوعه. رابعها: في تخريجه. خامسها: في منزلته. سادسها: في سبب إيراده. سابعها: شرح الحديث. ثامنها: فوائد الحديث. التلخيص: · التعريف براويه هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر، أبو سعيد الخدري الأنصاري، هو وأبوه صحابيان استشهد أبوه يوم احد، والخدري نسبة إلى جده الأبجر كان يسمى خدرة، وقيل إن خدرة هي أم الأبجر. غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة أولها الخندق واستصغر يوم أحد وكان ممن بايع تحت الشجرة كان من فقهاء الصحابة وهو يعد من المكثرين في رواية الحديث مات سنة أربع وسبعين بالمدينة. · تخريجه هذا الحديث أخرجه مسلم من حديث سفيان –هو الثوري-وشعبة عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري ومن طريق الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري. وأخرجه ابن ماجة وأحمد في المسند وابن حبان في صحيحه. · موضوعه وجوب إنكار المنكر لمن قدر عليه ودرجات ذلك · منزلته هذا حديث عظيم الشأن ففيه بيان كيفية إقامة شعيرة عظيمة من شعائر الدين وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتركها يترتب عليه كثرة الخبث وانتشار الفساد . وهذا الحديث يرجع إلى قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } فقد ذكرت حيثية الخيرية لهذه الأمة بسبب إقامتها مع الإيمان بالله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن أمما ممن كان قبلنا تركوا وتهاونوا في هذا الشأن فمقتهم الله عز وجل ولعنهم في القرآن قال تعالى{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } · سبب إيراده هذا الحديث ذكره أبو سعيد لما أخرج مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقال رجل: يا مروان، خالفت السنة، أخرجت المنبر في هذا اليوم ولم يكن يخرج، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، ولم يكن يبدأ بها. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رأى منكم منكرا......) وذكر الحديث وفي رواية البخاري أن الذي أنكر على مروان هو أبو سعيد نفسه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ - وَهُوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ - فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ، فَلَمَّا أَتَيْنَا المُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ، فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلاَةِ»، فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ، فَقَالَ أَبَا سَعِيدٍ: «قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ»، فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ أَعْلَمُ، فَقَالَ: «إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ الصَّلاَةِ» فيجوز أن تكون واقعتان مختلفتين، أو أنهما واقعة واحدة فأنكر الرجل بلسانه وحاول أبو سعيد أن يغيِّرَه بيده والله أعلم. · شرح الحديث: ألفاظه - (من) اسم شرط جازم(رأى)فعل الشرط، وجوابه (فليغيره) - (منكرا) المنكر هو كل فعل قبيح منعه الشارع، وهو يشمل ترك المأمورات وفعل المنهيات، فترك الأوامر مثل ترك الصلاة في المساجد أو تركها بالكلية، وفعل النواهي كشرب الخمر والزنا. - (فليغيره) اللام فيه لام الأمر وهو يفيد الوجوب مع عدم وجود صارف يصرفه عنه. - (بيده) هي العضو المعروف من الإنسان، وخصت بالذكر لأنها مصدر القوة في الإنسان وبه يكون الأخذ والإعطاء والدفع. الشرح التحليلي قوله صلى الله عليه وسلم (من رأي منكم منكرا) يؤخذ منه أمرين: أولهما أن يثبت فعلا وجود المنكر عند من أراد الإنكار أخذت من قوله صلى الله عليه وسلم (من رأى) والرؤية هنا أعم من الرؤية البصرية وإن كان ظاهر اللفظ عليها إلا أن إدخال العلم بالمنكر عن طريق إخبار أحد الثقات أو عن طريق السمع وما أشبه ذلك يحتمله أيضا. وثانيهما: أن يتحقق من أن هذا الفعل من المنكر الواضح المتفق على كونه منكرا، وأن يكون متيقنا من أنه منكر في حق الفاعل، لأن الشيء قد يكون منكراً في حد ذاته، لكنه ليس منكراً بالنسبة للفاعل، كالأكل والشرب في نهار رمضان لا شك أنه منكر في ذاته لكنه قد يكون منكرا بالنسبة لشخص معين كأن يكون مسافرا أو مريضا يحل له الفطر. ويُشْتَرَطُ في المُنْكِرِ أُمُورٌ، وَهيَ: 1- الإِسلامُ. 2- التكليفُ؛ لِرَفْعِ القَلَمِ عَنْ غيرِ المُكَلَّفِ. 3- الاستطاعةُ، وَهيَ الواردةُ في الحديثِ. 4- العَدَالَةُ. 5-وجُودُ المُنْكَرِ ظَاهِرا. 6- العِلْمُ بِمَا يُنْكِرُ وَبِمَا يَأْمُرُ. قوله صلى الله عليه وسلم (فليغيره) أي: يحوله ويبدله من صورته التي هو عليها إلى صورةٍ أخرى حسنةٍ، وغاية المقصود أن يتغير ترك الأمر إلى فعله، وفعل النهي إلى تركه، وهكذا. فإذا حصل هذا حصل الإصلاح وتميز الحق من الباطل وبه وتأمن الأمة بأسرها من الهلاك في الدنيا، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين خطورة تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ أن الهلاك لا يقتصر على فاعله بل يتعداه ليشمل جميع أفراد المجتمع فضرب في هذا مثلا فقال صلوات الله وسلامه عليه (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا). قوله صلى الله عليه وسلم (بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ) اشتمل هذا الحديث على ذكر درجات تغيير المنكر وعلقت هذه الدرجات بحسب الاستطاعة من الأعلى إلى الأدنى: الدرجة الأولى: الإنكار باليد وهي أعلى الدرجات، وهذه الدرجة تكون لولى الأمر صاحب السلطة لقوته وهيبته ومن الأب على ولده، أو ولى ُّعلى أيتام لهم عليه طاعة أو في مكان تقع مسئولية من فيه عليه فحينئذ يجب عليه تغيير المنكر ويأثم بتركه، وهذا الإنكار هو أقوى درجات الإنكار لأن فيه إزالة المنكر بالكلية والزجر عنه. - وحكم هذه الدرجة أنها إما فرض كفاية لقوله تعالى {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ابنُ العربيِّ في تفسيرِهِ لهذه الآيَةِ: (في هذه الآيَةِ والَّتي بعدَهَا - يعني{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس.....} دليلٌ علَى أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ فرضُ كفايَةٍ، ومن الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ نصرةُ الدِّينِ بإقامةِ الحجَّةِ علَى المخالِفينَ وإما فرض عين لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ) قالَ القاضي ابنُ العربيِّ: وقد يكونُ فرضَ عينٍ إذا عرفَ المرءُ مَن نفسِهِ صلاحيَّةَ النَّظرِ والاستقلالِ بالجدالِ، أو عُرِفَ ذلك منه - ويشترط لوجوب الإنكار باليد 1- القدرة على إزالة المنكر 2- ألا يترتب علي إزالته منكر أشد 3- وزاد بعض أهل العلم شرطا ثالثا أن يظن المنكر أن المنكرَ عليه ينتفع بهذا الإنكار، أما إذا غلب على ظنَّه أنَّهُ لا ينتفع فإنَّه لا يجب الإنكار، وذلك لظاهر قول الله جل وعلا{فذكر إن نفعت الذكرى}فأوجب التذكير بشرط الانتفاع، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهُ. الإنكار الأصل فيه ان يكون علنا بشرط رؤية المنكر فإذا رأى بنفسه المنكر منهم فله الإنكار حينئذ عنده ولم يَكُن هدْي السَّلف أن يُنكروا على الوالي شيئاً أجراهُ في وِلايته، ولهذا لمّا حصَل من عثمان -رضي الله عنه- بعض الاجتهادات، وقيل لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: ألا تنصَح لعثمان! ألا ترى إلى ما فَعل! قال: (أما إني بذلتُه له سِراً؛ لا أكونُ فاتِحَ باب فتنة) ففرَّق السّلف بين المنكر الذي يُفعل أمام الناس، كحال الأمير الذي قدَّم خُطبتي العيد على الصلاة ، وبين ما يُجريه في ولايته، فجعلوا ما يُجريه في ولايته باباً من أبواب النصِيحة، وما يفعَلهُ عَلناً يأتي هذا الحديث فـ(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..) مع الحكمة والرفق في ذلك. ويدل عليه أثر ابن عباس قَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: آمُرُ السُّلْطَانَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُ عَن الْمُنْكَرِ؟ قالَ: إنْ خِفْتَ أنْ يَقْتُلَكَ فلا. ثُمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذلكَ، ثمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مثلَ ذلكَ، وقالَ: إنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلاً، فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. وصورة تغيير ما فعلوه من المنكر لا يكون بقتالهم والخروج عليهم وإنما، وقد نص الإمام أحمد على أن ذلك يكون باليد لا بالسيف وكيفيته ان يزيل ما فعلوه من المنكرات بيده، مثل أن يريق خمورهم أو يكسر آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلكَ، وكل هذا جائز، وليس هو من باب قتالهم، ولا مِن الخروج عليهم الذي وَرَدَ النهي عنه فإن هذا أكثرُ ما يخشى منه أن يُقْتَلَ الآمر وحدهُ. وأمَّا الخروجُ عليهم بالسَّيفِ، فَيُخْشَى منهُ الفِتَنُ التي تُؤَدِّي إلى سَفْكِ دِمَاءِ المسلمينَ. الدرجة الثانية: الإنكار باللسان وهي لمن لم يقدر على الدرجة الأولى الدرجة الثالثة: الإنكار بالقلب وهي لمن لم يقدر على الدرجة التي قبلها وبيان هاتين الدرجتين فيما يلي من الحديث. -قوله صلى الله عليه وسلم (فإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ) هذهِ الدرجةُ الثانية من درجات تغيير المنكر، وهو التغيير باللسان عند من لا يملك سلطة، وهذا التغيير بالقول منْ باب التذكير والترغيب والترهيب، وهو في مقدور أهل العلم، وحاجة الناسِ لهذه المرتبة شديدة جدا؛ لكثرة الأخطاء، ووجود الغفلة وقسوة القلوب وكثرة الفتن وانغماس الناسِ في الدنيا ونسيان الآخرة. - قوله صلى الله عليه وسلم(فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) هذهِ الدرجة الثالثة لتغيير المنكر، وهي واجبة على الجميع؛ إذ هي تغيير داخلِي لا يتعدى صاحبها، وهي تألُّمُ القلب لهذا المنكر وكراهيَته له ولأهله وتَمَنِّي زواله والدعاء لصاحبه بالسلامة منه، وهذه أضعف درجة، إذ ليس بعدها شيء من الإيمانِ. وسمِّيت الدرجة الثالثة ضعفا؛ لأن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدل على الضعفِ وعدم وجود الغيرة، وَالكراهيَةُ لهذا المُنْكَرِ يَدُلُّ على الإِيمانِ. · فوائد الحديث 1- أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطورة تركه 2- التثبت من حقيقة وجود المنكر وكونه منكرا في حق من أتى به 3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصلة عظيمة من خصال الإيمان ويترتب على الإتيان بها صلاح سائر المجتمع 4- أن من عجز عن خصلة أعلى من خصاله فأتى بالأدنى خير ممن ترك ذلك بالكلية 5- أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف 6- إنكار المنكر بالقلب دليل على سلامة القلب، ومنعة من الإثم 7- فيه دليل على زيادة الإيمان ونقصانه وتفاوت درجاته. |
عناصر الدرس .
تَرْجَمَةُ الصَّحابيِّ رَاوِي الحدِيثِ. تخريج الحديث . موضوعُ الحديثِ . قِصَّةُ الحديثِ. مَنْزِلَةُ الحديثِ. سببُ إيرادِ أبي سعيدٍ للحديثِ. معنى المنكر. الفرق بين إنكار المنكر والنصيحة . حكمُ إنكارِ المنكَرِ. نوع المنكر الذي ينكر . التفريق بين المنكر والواقع فيه من جهة تغييره باليد . فيما يكون تغيير اليد ؟ . معنى التغيير . متى يجب إنكار المنكر على الولاة والأمراء ؟ . دوافعُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ. مُراعاةُ الحكمةِ بإنكارِ المنكَرِ والأمرِ بالمعروفِ. خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ. متعلق المنكر . الفرق بين الإنكار والنصيحة . أحوال الإنكار على الولاة . شروط وجوب إنكار المنكر. * آداب إنكار المنكر. مراتب إنكار المنكر. تلخيص الحديث : تَرْجَمَةُ الصَّحابيِّ رَاوِي الحدِيثِ: أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ تخريج الحديث : هذا الحديثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ منْ روايَةِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عنْ طارقِ بنِ شهابٍ، عنْ أبي سعيدٍ. ومنْ روايَةِ إِسماعيلَ بنِ رَجَاءٍ، عنْ أبيهِ، عنْ أَبِي سَعِيدٍ. وقدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ. موضوعُ الحديثِ: بيان وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قِصَّةُ الحديثِ: أوَّلُ مَنْ خَطَبَ في العيدِ قبلَ الصلاةِ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِعْلَهُ فَأَبَى، فَقَالَ أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ..... وَذَكَرَ الحديثَ. مَنْزِلَةُ الحديثِ: هذا الحديثُ عظيمُ الشَّأنِ؛ لأنَّهُ نصَّ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ،. سببُ إيرادِ أبي سعيدٍ للحديثِ: عن طارقِ بنِ شهابٍ قالَ: أوَّلُ مَن بدأَ بالخطبةِ يومَ العيدِ قبلَ الصَّلاةِ مَروانُ، فقامَ إليهِ رجلٌ فقالَ: الصَّلاةُ قبلَ الخطبةِ، فقالَ: قد تُرِكَ ما هنالِكَ. فقالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا فقد قَضَى ما عليهِ، سمعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ثمَّ ذكرَ الحديثَ. وفي روايَةِ البخاريِّ أنَّ الَّذِي أنكرَ علَى مروانَ، أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ. معنى المنكر: اسم لما عرف في الشريعة قُبحه والنهي عنه الفرق بين إنكار المنكر والنصيحة : فإذا علم بمنكر فإنه هنا لا يدخل في الإنكار، وإنما يدخُل في النصيحة؛ لأنَّ الإنكار عُلِّق بالرؤية في هذا الحديث، وينزّل -كما قال العلماء- السماع المحقق فقط منزلة الرؤية. حكمُ إنكارِ المنكَرِ: إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ له حالتانِ: 1 - فرضُ كفايَةٍ: قالَ تعالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. 2 - فرضُ عينٍ: (2) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ))، دلَّ عمومُ هذا الحديثِ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ علَى كلِّ فردٍ مستطيعٍ علمَ بالمنكرِ أو رآهُ. نوع المنكر الذي ينكر : المنكَرُ الَّذي يجبُ علينا إزالتُهُ ما كان مجمَعًا عليهِ بينَ المسلمينَ علَى أنَّهُ منكَرٌ، مثلُ: الرِّبا، والزِّنَا، وشربِ الخمرِ، والتَّبَرُّجِ، وتركِ الصَّلاةِ، وغيرِهَا. التفريق بين المنكر والواقع فيه من جهة تغييره باليد : فالحكم بالأمر بالتغيير باليد، هذا راجع إلى المنكر، أما الواقع في المنكر فهذا له بحثٌ آخر. فيما يكون تغيير اليد ؟ ((فليغيره بيده)) هنا أوجب التغيير باليد، وهذا مقيدٌ بما إذا كان التغيير باليدِ مقدوراً عليه، وأما إذا كان غير مقدور عليه؛ فإنه لا يجب . معنى التغيير : والتغييرُ في الشرع ليس بمعنى الإزالة؛ التغيير: اسمُ يشمل الإزالةَ، ويشمل الإنكارَ باللسان بلا إزالة . متى يجب إنكار المنكر على الولاة والأمراء : والجمهور على أنه يجبُ مُطلقاً، سواءً غلب على الظن أم لم يغلب على الظن والقول الثاني: وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية -كما ذكرت لكم- وجماعة: من أنَّهُ يجبُ مع غلبة الظن . دوافعُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: 1 - كسبُ الثَّوابِ والأجرُ 2 - خشيَةُ عقابِ اللهِ 3 - الغضبُ للهِ 4 - النُّصحُ للمؤمنينَ والرَّحمةُ بهم رجاءَ إنقاذِهِم. 5 - إجلالُ اللهِ وإعظامُهُ ومحبَّتُهُ. مُراعاةُ الحكمةِ بإنكارِ المنكَرِ والأمرِ بالمعروفِ: ومِن الحكمةِ مراعاةُ حالِ المأمورِ، ففي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مِن اللينِ والمداراةِ والرِّفقِ، وفي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مَن الغلظةِ والقسوةِ، خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ: 1 - الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ كما طردَ اللهُ أهلَ الكتابِ مِن رحمتِهِ عندَما تَرَكُوا هذه المهمَّةَ 2 - الهلاكِ في الدُّنيا 3 - عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ، متعلق المنكر : وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا))، يَدُلُّ على أنَّ الإنكارَ مُتَعَلِّقٌ بالرُّؤْيَةِ الفرق بين الإنكار والنصيحة : وذلك أن الإنكار أضيق من النصيحة، فالنصيحةُ اسم عام يشمل أشياء كثيرة -كما مر معنا في حديث (الدين النصيحة) ومنها الإنكار. فالإنكار حالٌ من أحوال النصيحة . أحوال الإنكار على الولاة : الأول: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكرُ منهُ الحالة الثانية: أن ينتقل إلى ما هو خيرٌ ودين، فهذا هو الذي يجبُ معه الإنكار. والثالث: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه، فهذا محل اجتهاد. والرابع: أن ينتقل منه إلى منكرٍ آخر. شروط وجوب إنكار المنكر: الشرط الأول: الإِسلامُ الشرط الثاني: التكليفُ، ويشمل: العقل والبلوغ الشرط الثالث: الاستطاعة الشرط الرابع: العلم بكونه منكراً الشرط الخامس: رؤية المنكر * آداب إنكار المنكر: - أن يكون المنكِر مجتنباً للمنكَر - أن ينصح للمنكَر عليه ويرفق به - أن يراعي الحكمة في أسلوب الإنكار ووقته وطريقته - أن يرشد المنكر عليه إلى البدائل الشرعية مراتب إنكار المنكر: - المرتبة الأولى: الإنكار باليد - المرتبة الثانية: الإنكار باللسان - المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب |
الساعة الآن 02:19 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir