معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   منتدى المستوى الثامن (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=1018)
-   -   المجلس الخامس: مجلس مذاكرة مقدمة تفسير ابن عطية (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=38568)

هيئة الإدارة 18 شعبان 1439هـ/3-05-2018م 02:44 AM

المجلس الخامس: مجلس مذاكرة مقدمة تفسير ابن عطية
 
مجلس مذاكرة مقدمة تفسير ابن عطية الأندلسي


س: استخلص المسائل التي اشتملت عليها مقدّمة تفسير ابن عطية الأندلسي، ثم لخّص بأسلوبك ما قيل في كل مسألة.


تعليمات:
- ننصح بقراءة موضوع " معايير الإجابة الوافية " ، والحرص على تحقيقها في أجوبتكم لأسئلة المجلس.
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- يسمح بتكرار الأسئلة بعد التغطية الشاملة لجميع الأسئلة.
- يمنع منعًا باتّا نسخ الأجوبة من مواضع الدروس ولصقها لأن الغرض تدريب الطالب على التعبير عن الجواب بأسلوبه، ولا بأس أن يستعين ببعض الجُمَل والعبارات التي في الدرس لكن من غير أن يكون اعتماده على مجرد النسخ واللصق.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.



تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________

وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم.

عباز محمد 20 شعبان 1439هـ/5-05-2018م 02:28 PM

بسم الله الرحمن الرحيم
المسائل التي اشتملت عليها مقدّمة تفسير ابن عطية الأندلسي مع ملخص كل مسألة:

- خطبة الحاجة
أثنى القاضي رحمه الله على الله تعالى و بين فضل علم تفسير على سائر العلوم، و ذلك أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم، فلما كان كلام الله تعالى أشرف الكلام كان العلم به من أشرف العلوم.

- فضل القرآن
و قد أورد في ذلك أحاديث و آثارا عديدة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
وقال قوم من الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا رسول الله ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة يزهر فيها وحولها أمثال المصابيح فقال لهم: ((فلعله قرأ سورة البقرة)) فسئل ثابت بن قيس فقال: نعم قرأت سورة البقرة.
وروى عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).

- طرق الإعتصام بالقرآن
قال صلى الله عليه السلام: ((اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه)).
وقال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.

- فضل علم تفسير القرآن
قال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.

- فضل الكلام على لغة القرآن والنظر في إعرابه
الشرع مبناه على معاني القرآن، و معاني القرآن مبنية على إعرابه، فقد روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).

- الجرأة في تفسير القرآن
كان النبي صلى الله عليه و سلم لا يتكلم في غيب القرآن إلا إذا علمه الله، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)). و هذا خاص بمن يفسر القرآن دون اللجوء إلى كلام العلماء.

- مراتب المفسرين
أفضل المفسرين أقربهم للعهد النبوي، فالصحابة رضوان الله عليهم هم أعلم الخلق بالتفسير، و هم فيما بينهم يتفاضلون، فأعلمهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتبعه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، ثم عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم. فقد قال ابن عباس ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب. وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحث على الأخذ عنه.
و يلي الصحابة التابعين و من أبرزهم الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة، ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وإن كان لم يلق ابن عباس وإنما أخذ عن ابن جبير.
أما المتأخرون فقد أحسنوا التفسير و ألفوا فيه و أجادوا كعبد الرزاق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري و ابن جرير الطبري و أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي و غيرهم.

- معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه))
اختلف في معنى الحديث اختلافا كبيرا:
فقيل: الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونها كتعال وأقبل وإلي ونحوي و ضعف هذا القول ابن عطية.
و قيل: هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام. و احتمل هذا القول القاضي.
و قيل: هي معاني كتاب الله تعالى وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال. و ضعف هذا القول ابن عطية لأن المعاني لا تطلق على الأحرف.
و قيل: هي وجوه الاختلاف في القراءة.
و قيل: هي أن كل كلمة تختلف القراءة فيها فإنها على سبعة أوجه.
و قيل: هي عدد لغات قبائل العرب المختلفة و هو اختيار القاضي.

- جمع القرآن
كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال، و لكن بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم و موت العديد من القراء جمع أبو بكر القرآن دون ترتيب سوره، و لما انتشرت في خلافة عثمان الصحف و اختلف الناس جمع عثمان الناس على مصحف واحد وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق.

- ترتيب السور
ترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد ومن كان معه مع مشاركة من عثمان رضي الله عنه في ذلك. و قد ذكر القاضي أن ظاهر الآثار تدل على أن السبع الطوال والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام، أما ما لم يكن مرتبا في زمن النبي صلى الله عليه و سلم فرتب في زمن عثمان رضي الله عنه.

- تشكيل القرآن و تنقيطه
روي أن عبد الملك بن مروان أمر به ونفذ الأمر الحجاج، و قيل أن تشكيل المصحف كان على يد أبي الأسود الدؤلي، و قيل: نصر بن عاصم.

- تحزيب القرآن و تعشيره
قيل: أن المأمون العباسي أمر بذلك وقيل إن: الحجاج فعل ذلك.

- القرآن كله عربي
اختلف في هذه المسألة: فقيل أنه يحوي بعد الألفاظ الأعجمية و هو قول أبو عبيدة وغيره، و قيل: أنه نزل بلسان عربي مبين فلا عجم فيه و هو قول الطبري و ابن عطية، و استدل القاضي أن العرب خالطت العجم فأخذت بعض الألفاظ و استعملتها في أشعارها فعربتها.

- إعجاز القرأن
الإعجاز يظهر في نظم القرآن و فصاحته وصحة معانيه، لذلك عجز كفار قريش و هم فرسان الفصاحة عن الإتيان بسورة مثله، فتبين أن هذا الكلام ليس من عند بشر بل من رب البشر.

- الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى
إسناد الأفعال إلى الله تعالى بغرض إيجاز العبارة كأن يقال حكى الله أو ما جرى مجراه هي طريقة كثير من المفسرين و الفقهاء و المحدثين، وذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز.

- معاني أسماء القرآن
هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر.
فالقرآن مصدر من قولك: قرأ الرجل إذا تلا، و قيل: معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا وبهذا فسر قتادة قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17] أي تأليفه.
وأما الكتاب فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها.
وأما الفرقان فهو مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر.
وأما الذكر فقيل: لأنه يذكر الناس بآخرتهم و يوقظهم من غفلتهم وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمن اهتدى بهداه.

- معنى السورة
السورة هي القطعة، يقال سورة البناء أي القطعة منه لأن كل بناء فإنما يبنى قطعة بعد قطعة، فكأن سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن. كما أن السورة تطلق على المنزلة الرفيعة من المجد والملك.

- معنى الآية
الآية قيل: هي العلامة، فهي علامة على صدق قائلها و علامة على عجز المتحدي بها، و قيل: هي جملة وجماعة كلام، و قيل: سميت آية لأنها تفصل ما قبلها عما بعدها.

فداء حسين 21 شعبان 1439هـ/6-05-2018م 12:15 AM

العناصر:
خطبة تفسير ابن عطية:
• اسم ابن عطية ونسبه.
• خطبة الاستفتاح.
• سبب اختيار ابن عطية علم التفسير.
• طريقة ابن عطية في التفسير.


باب ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وعن نبهاء العلماء في فضل القرآن المجيد وصورة الاعتصام به:
• ما ورد في السنة في فضل القرآن.
• ما ورد عن السلف في فضل القرآن.
• ما جاء في وجوب الاعتصام بالقرآن.
• بيان ما ورد من وعيد على ترك العمل بالقرآن.


باب في فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه:
• فضل تفسير القرآن.
• العلم بالعربية شرط لتفسير القرآن.
• فهم دقائق القرآن.


باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن، والجرأة عليه، ومراتب المفسرين:
• بيان ما فسره الرسول-عليه الصلاة والسلام-من القرآن.
• التحذير من تفسير القرآن بالرأي.
• ورع السف في التفسير.
• أهم المفسرين من الصحابة.
• من فسر القرآن من التابعين الذين أخذوا عن الصحابة.
• التأليف في التفسير ومراتب المفسرين.


باب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه»:
الأحاديث في الأحرف السبعة.

• معنى الحرف.
• الغرض من نزول القرآن على أحرف سبعة.
• الخلاف في المراد بالأحرف السبعة.
• ترجيح ابن عطية.
• ضوابط القراءة بالأحرف السبعة.
• الجمع الأول للقرآن.
• سبب الجمع الثاني للقرآن.
• منهج عثمان في جمع القرآن.
• موقف ابن مسعود من الجمع.
• ظهور القراءات السبع.


باب ذكر جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره :
• ترتيب سور القرآن.
• ترتيب الآيات.
• أول من نقط المصحف.
• أول وضع الأعشار.

باب في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق:
• هل توجد كلمات أعجمية في القرآن؟
•ترجيح ابن عطية.

نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن
• بماذا كان إعجاز القرآن.
• ترجيح ابن عطية.
• وجه الإعجاز في القرآن.
•اختلاف مواقف الناس في القرآن.


باب في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى:
• مسألة: حكم إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع.

باب في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية:
• أسماء القرآن.
• معنى السورة.
• معنى الآية.


التلخيص:

خطبة تفسير ابن عطية:
• اسم ابن عطية ونسبه:
- الشيخ الإمام الفقيه القاضي أبو محمد عبد الحق ابن الفقيه الإمام الحافظ أبي بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن عطية وهو الداخل إلى الأندلس ابن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكرم المحاربي من ولد زيد بن محارب بن خصفة بن قيس عيلان من أهل غرناطة رحمه الله ونفعه والمسلمين بما دون.

• خطبة الاستفتاح.
• سبب اختيار ابن عطية لعلم التفسير:

- بعد أن طاف بالعلوم يأخذ منها ما قدر الله له, رأى أن يستقر على علم منها يقيم عليه, يضبط مسائله, ويتقنه ليكون مرجعا لم ياتي بعده.
- لأن التفسير مرجع جميع العلوم, فلا بد من اتقانها جميعها قبل الولوج إليه.
- أراد بفعله هذا خدمة كتاب الله.
- ابتغاء الثواب وهربا من العقاب.
- دعوة الناس للحق وبيانه, والأمر به والنهي عن الباطل.
- تقييد ما علم من معاني الكتاب, وما جال بخاطره من فوائد استخرجها من آيات كتاب الله.

• منهج ابن عطية في التفسير:
- قصد أن يكون جامعا وجيزا محررا.
- أعرض عن ذكر القصص إلا ما دعت الحاجة في تفسير الاية إليه.
- الاستدلال بأقوال العلماء مع نسبة القول إلى قائله.
- الإعراض عن الأقوال المبتدعة في التفسير.
- التنبيه على م في أقوال المفسرين من كلام قد يبدو ظاهره إنه يخدم اقوال المبتدعة
- ترتيب الأقوال بحسب قائلها.
- إيراد القراءات مستعملها وشاذها.
- بيان المعاني مع بيان الوجوه المحتلمة لظاهر اللفظ.
- الإيجاز وحذف فضول القول.

باب ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وعن نبهاء العلماء في فضل القرآن المجيد وصورة الاعتصام به:

• ما ورد في السنة في فضل القرآن :
- قال عليه الصلاة والسلام: «أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه».
- وقال: "من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن" .
- وقال: "اتلوا هذا القرآن؛ فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات، أما إني لا أقول «الم» حرف، ولكن الألف حرف، واللام حرف، والميم حرف" .
- وقال: من قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن .
- وقال: «إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران، والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة».
- ومرت امرأة على عيسى ابن مريم عليه السلام فقال: طوبى لبطن حملك، ولثديين رضعت منهما، فقال عيسى: طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبع ما فيه.

• ما ورد عن السلف في فضل القرآن:
- قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني، فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا فأرعها سمعك؛ فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه.
- قال عبد الله بن عمرو بن العاص: «من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه، إلا أنه لا يوحى إليه».
- روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا). فقال: «سابقكم سابق، ومقتصدكم ناج، وظالمكم مغفور له».
- ومر أعرابي على عبد الله بن مسعود وعنده قوم يقرءون القرآن، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقال له ابن مسعود: يقتسمون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم.
- وقال رجل لأبي الدرداء: إن إخوانا لك من أهل الكوفة يقرئونك السلام ويأمرونك أن توصيهم، فقال: أقرئهم السلام، ومرهم فليعطوا القرآن خزائمهم؛ فإنه يحملهم على القصد والسهولة، ويجنبهم الجور والحزونة.

• ما جاء في وجوب الاعتصام بالقرآن:
- قال عليه الصلاة والسلام: "إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم، قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: كتاب الله تعالى، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو فصل ليس بالهزل، من تركه تجبرا قصمه الله...)الحديث.
- قال أنس بن مالك في تفسير قوله تعالى: (فقد استمسك بالعروة الوثقى ) قال: هي القرآن.

• بيان ما ورد من وعيد على ترك العمل بالقرآن:
- قال عليه السلام: «اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه».
- وروى أبو هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن، فقال: «الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى».
- وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: «أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا، إن أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد أسقط العمل به».
- قال القاضي عبد الحق رضي الله عنه: قال الله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر), وقال تعالى: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) أي: علم معانيه، والعمل به، والقيام بحقوقه ثقيل، فمال الناس إلى الميسر، وتركوا الثقيل، وهو المطلوب منهم.
- قرأ رجل القرآن على بعض العلماء، قال: فلما ختمته أردت الرجوع من أوله فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا. اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه فاعمل به.

باب في فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه:
كان ابن عطية يرى بأن إعراب القرآن أصل في الشريعة, لأن معانيه الشرعية لا تفهم إلا بهذا.

• فضل تفسير القرآن:
- قال ابن عباس: «الذي يقرأ ولا يفسر كالأعرابي الذي يهذ الشعر».
- ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم، فقال له رجل: جعلت فداك، تصف جابرا بالعلم وأنت أنت؟ فقال: إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد).
- قال مجاهد: «أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل».
- وقال الحسن: «والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيمن أنزلت وما يعني بها».
- وقال الشعبي: رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية، فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام، فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها.

• العلم بالعربية شرط لتفسير القرآن:
- روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عربيته فالتمسوها في الشعر».
- وقال: «أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه؛ فإن الله يحب أن يعرب».
- وقال الحسن: «أهلكتهم العجمة، يقرأ أحدهم الآية فيعيى بوجوهها حتى يفتري على الله فيها».

• فهم دقائق القرآن:
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة».
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «ما من شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن رأي الرجل يعجز عنه».
- قال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا)، قال: «الحكمة» الفهم في القرآن.

باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن، والجرأة عليه، ومراتب المفسرين
• بيان ما فسره الرسول-عليه الصلاة والسلام-من القرآن:
- قال ابن عطية في معنى قول عائشة رضي الله عنها:«ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل».
أي: في مغيبات القرآن، وتفسير مجمله، ومما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى.

• التحذير من تفسير القرآن بالرأي:
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ».
قال ابن عطية في معنى الحديث: (هو أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه، دون نظر فيما قال العلماء، أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو، والأصول...).
- أما من فسر القرآن على علم كتفسير اللغويين لغته، والنحاة نحوه، والفقهاء معانيه، عن اجتهاد مبني على قوانين علم ونظر؛ فهذا قال في القرآن بعلم لا بمجرد الراي.

• ورع السف في التفسير:
- منهم من توقف عن التفسير من شدة تعظيمهم للقرآن تورعا واحتياطا لأنفسهم مع شدة علمهم وتمكنهم من الفن,كسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي.
- أكثرهم قاموا بتفسيره للمسلمين بغرض نشر الدين والنفعة العامة.

• أهم المفسرين من الصحابة:
- تصدر علي بن أبي طالب رضي الله عنه- للتفسير.
- وتبعه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما, والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال ابن عباس: «ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب».
قال عبد الله بن مسعود: «نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس»، وهو الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم فقهه في الدين» وحسبك بهذه الدعوة.
- ثم عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص.

• من فسر القرآن من التابعين الذين أخذوا عن الصحابة:
- مجاهد: قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية.
- سعيد بن جبير, الحسن بن أبي الحسن، وعلقمة.
- عكرمة، والضحاك بن مزاحم الذي أخذ عن ابن جبير.
- أما السدي وأبي صالح, فكان عامر الشعبي يطعن عليهما لأنه كان يراهما مقصرين في النظر.

• التأليف في التفسير ومراتب المفسرين:
- ممن كان له السبق في التأليف: عبد الرزاق، والمفضل، وعلي بن أبي طلحة، والبخاري، وغيرهم.
- ثم جمع محمد بن جرير الطبري أشتات التفسير، وقرب البعيد وشفى في الإسناد.
- ومن المبرزين في المتأخرين في التفسير: أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي.
- وممن استدرك عليهم الناس في التفسير: أبو بكر النقاش، وأبو جعفر النحاس، ومكي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأبو العباس المهدوي.

باب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه»
• الأحاديث في الأحرف السبعة:
- قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف». رواه البخاري.
- قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، نهي، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وائتمروا، وانتهوا، واعتبروا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه».
- روى أبيا رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا أبي، إني أقرئت القرآن على حرف أو حرفين، ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلا شاف وكاف؛ إن قلت: غفور رحيم، سميع عليم، أو عليم حكيم، وكذلك ما لم تختم عذابا برحمة، أو رحمة بعذاب».
قال ابن عطية: وقد أسند ثابت بن قاسم نحو هذا الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر من كلام ابن مسعود نحوه.
- وقال: إذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه.

• معنى الحرف:
الجهة والطريقة، كقوله تعالى: (ومن الناس من يعبد الله على حرف)أي: على وجه وطريقة.

• الغرض من نزول القرآن على أحرف سبعة:
- التسهيل على الناس لاختلاف ألسنتهم.

• الخلاف في المراد بالأحرف السبعة:
- قال بعضهم إن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونها، كتعال، وأقبل، وإلي، وقد ضعف ابن عطية هذا القول.
- قال ابن شهاب في كتاب مسلم: «بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام», قال الباقلاني: وهذا كلام محتمل.
- قال بعض العلماء: إن المراد بالسبعة الأحرف معاني كتاب الله تعالى، وهي: أمر، ونهي، ووعد، ووعيد، وقصص، ومجادلة، وأمثال. وضعفه ابن عطية وقال: لأن هذه لا تسمى أحرفا، وأيضا: فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال، ولا في تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.
- وقال بعضهم إن ظاهر الحديث يدل على أن كل كلمة تختلف القراءة فيها فإنها على سبعة أوجه، فتعرف بعض الوجوه بمجيء الخبر به، وما لم يأت به خبرلم يعرف. قاله الباقلاني.
- وقال بعضهم: ظاهر الحديث يوجب أن يوجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرآن على سبعة أوجه، فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث. ذكره الباقلاني أيضا.
- و زعم بعضهم أن معنى الحديث أنه نزل على سبع لغات مختلفات؛ ورد هذا القول الباقلاني وقال: وهذا باطل إلا أن يريد الوجوه المختلفة التي تستعمل في القصة الواحدة.
ودليله إن لغة عمر بن الخطاب، وأبي بن كعب، وهشام بن حكيم، وابن مسعود، واحدة، وقراءتهم مختلفة، وخرجوا بها إلى المناكرة.
وعلق ابن عطية على هذا القول بقوله: ما استعملته قريش في عبارتها وما استعملته الأنصار وما استعملته هذيل قد يختلف، لأن مناكرتهم كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم وقد يكون أقرأه ما ليس من لغته واستعمال قبيلته.
- وقال بعض العلماء: وجوه الاختلاف في القراءة سبعة:
*منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته, {هن أطهرُ} وأطهرَ.
*ومنها ما لا تتغير صورته، ويتغير معناه بالإعراب, مثل: {ربنا باعِد} وباعَد.
*ومنها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف, مثل (ننشرها) و{ننشزها}..
*ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه, مثل{كالعهن المنفوش} و(كالصوف المنفوش) .
*ومنها ما تتغير صورته ومعناه, مثل: {وطلح منضود} [الواقعة: 29] و(طلع منضود) .
*ومنها بالتقديم والتأخير, {وجاءت سكرة الموت بالحق}و(سكرة الحق بالموت)..
*ومنها بالزيادة والنقصان, مثل: (تسع وتسعون نعجة أنثى)..
قاله البقلاني, وذكره صاحب الدلائل عن بعض العلماء.
- رجح الباقلاني بأن القرآن منزل على سبعة أحرف من اللغات، والإعراب، وتغيير الأسماء والصور، وإن ذلك مفترق في كتاب الله ليس بموجود في حرف واحد، وسورة واحدة، يقطع على اجتماع ذلك فيها. .
ودليله: قول الناس: حرف أبي، وحرف ابن مسعود.

• ترجيع ابن عطية:
- معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة.
دليله: قراءة عمر بن الخطاب لسورة الفرقان وقراءة هشام بن حكيم لها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة كل منهما لما اختلفا: "هكذا أقرأني جبريل"فدل ذلك على أنه أقرأه بهذه مرة وبهذه مرة.
- هي لغات كلا من: قريش, وكنانة, أسد, هذيل, تميم, ضبة وألفافها, قيس, ولما بعثه الله أنزل القرآن بلغاتهم على اختلاف عباراتهم, تيسيرا عليهم.
مثاله: قال عمر بن الخطاب، وكان لا يفهم معنى قوله تعالى: (أو يأخذهم على تخوف)فوقف به فتى فقال: «إن أبي يتخوفني حقي» فقال عمر: «الله أكبر، أو يأخذهم على تخوف؛ أي: على تنقص لهم».

• السبب في اختيارها:
- كونها انتهت إليها الفصاحة.
- سلمت لغاتها من الدخيل.
- يسرها الله لذلك ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه.

• ضوابط القراءة بالأحرف السبعة:
- أن تكون القراءة ثبتت في العرضة الأخيرة.
- أن يقرأ الصحابي كما سمع من النبي عليه الصلاة والسلام, فلا يبد لفظة بلفظة من تلقاء نفسه.

• الجمع الأول للقرآن:
- كان القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال، ومنه ما كتب في صحف، وجريد، وظرر وفي لخاف وغيرها.
- لما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- بجمع القرآن، خوفا من موت القراء.
- اختارا زيد بن ثابت.
- جمع زيد القرآن غير مرتب السور.
- بقيت الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر بن الخطاب بعده، ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان.
- انتشرت صحف كتبت عن الصحابة:كمصحف ابن مسعود, ومصحف أبي وغير ذلك.
- وكان اختلاف المصاحف بحسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها, مازال موجودا.

• سبب الجمع الثاني للقرآن:
- ذكر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه؛ إنهم لما اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كل طائفة بما روي لها، فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: «أنا كافر بما تقرأ به» فأشفق مما رأى منهم. فلما قدم المدينة دخل إلى عثمان بن عفان قبل أن يدخل بيته، فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك، قال: فيما ذا؟ قال: في كتاب الله؛ إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق، ومن الشام، ومن الحجاز، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى، قال عثمان رضي الله عنه: أفعل.

• جمع عثمان للقرآن:
- جمع العلماء الفصحاء وأمرهم أن يكتبوا القرآن.
- وكل بالجمع زيد, وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن الزبير.
- جعلت الصحف التي كانت عند حفصة إماما في هذا الجمع الأخير.
- أمرهم أن يجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفصح اللغات، وقال لهم: «إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش»فاختلفوا في التابوه والتابوت، قرأه زيد بن ثابت بالهاء والقرشيون بالتاء، فأثبته بالتاء.
قال ابن عطية: أي: إذا اختلفتم فيما روي، وإلا فمحال أن يحيلهم على اختلاف من قبلهم؛ لأنه وضع قرآن فكتبوا في القرآن من كل اللغات السبع، مرة من هذه، ومرة من هذه، وذلك مقيد بأن الجميع مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ عليه.
- نسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق.
- أمر عثمان بحرق المصاحف التي خرجت عما كتب في الجمع الثاني.
- كان المصحف غير مشكول ولا منقوط.

• موقف ابن مسعود من الجمع:
- أبى أن يزال مصحفه فترك سدا للذريعة، وقيل لأنه كتب في مصحفه أشياء على جهة التفسير فظنها قوم من التلاوة فتخلط الأمر فيه.
- لم يسقط فيما ترك معنى من معاني القرآن؛ لأن المعنى جزء من الشريعة.

• ظهور القراءات السبع:
- القراء في الأمصار تتبعوا ما روي لهم من اختلافات فيما وافق خط المصحف، فلذلك ترتب أمر القراء السبعة وغيرهم.
- استقر الأمر على قراءة السبعة وبها يصلى؛ لأنها ثبتت بالإجماع.
- وأما شاذ القراءات فلا يصلى به؛ وذلك لأنه لم يجمع الناس عليه.
- وأما ما يؤثر عن أبي السمال ومن قاربه فلا يوثق به.

باب ذكر جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره
•ترتيب سور القرآن:
- قيل إن ترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد ومن كان معه, بمشاركة من عثمان. ذكره الباقلاني وذكره مكي في تفسير سورة «براءة».
- قال ابن عطية: وظاهر الآثار أن السبع الطول والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام، وكان في السور ما لم يرتب، فذلك هو الذي رتب وقت الكتب.

• ترتيب الآيات:
- ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم، ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة.

• أول من نقط المصحف:
- قيل بأمر عبد الملك بن مروان به, فتجرد لذلك الحجاج بواسط, وزاد تحزيبه, وأمر الحسن ويحيى بن يعمر بنقطه.
- قيل إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي . أسند هذا القول الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد.
- ذكر أبو الفرج أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.
- ذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف وكان يقال له نصر الحروف.
- بدأ بعد ذلك التأليف في القراءات، فألف بواسط كتابا فيها جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط، ثم ألف ابن مجاهد كتابه في القراءات.

• أول وضع الأعشار:
- قيل أمر به المأمون العباسي.
- وقيل بأن الحجاج فعل ذلك.
ذكر أبو عمرو الداني عن قتادة أنه قال: بدأوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا، وهذا كالإنكار.

باب في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق

•هل توجد كلمات أعجمية في القرآن؟
اختلف العلماء:
- قال أبو عبيدة وغيره: إن في كتاب الله تعالى من كل لغة.
- قال الطبري وغيره إن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة, أما ما جاء مما ينسب إلى لغات أخرى إنما هي مما تكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد, مثل قوله تعالى: (إن ناشئة الليل)قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة: قام من الليل.
ورده ابن عطية لأن احتمال الاتفاق قليل شاذ.

• ترجيح ابن عطية:
- إن القرآن نزل بلسان عربي مبين، وليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب، أما الألفاظ التي قيل بأنها أعجمية فقد أخذتها العرب من مخالطتها للأمم في رحلات التجارة, غيرت بعضها بالنقص من حروفها، وخففت ما أثقلته العجمة، واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرت مجرى العربي الصريح، وعلى هذا الحد نزل بها القرآن.

نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن

• بماذا كان إعجاز القرآن:
- قال قوم: «إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات، وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق، وفيه وقع عجزها».
- وقال آخرون: «إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة، والغيوب المسرودة».
وعلق ابن عطية على هذين القولين بقوله: وهذان القولان إنما يرى العجز فيهما من قد تقررت الشريعة ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم في نفسه.

• ترجيح ابن عطية:
- إن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه. وهو قول الجمهور والحذاق كما ذكر.

• وجه الإعجاز في القرآن:
- إن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما، وأحاط بالكلام كله علما، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى.
- البشر فيحصل منها النفص والنسيان, ولم يعلم عن بشر الإحاطة أبدا.
- الفصيح من البشر يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها, فإذا أعطيت لآخر, بدل فيها ونقح, ثم لا يزال فيها مواضع للنظر والبدل.
- أما كتاب الله فلو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد.
- وفي هذا إبطال قول من قال إن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل القرآن،لكنهم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.
- والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين.
- قال الوليد بن المغيرة عن القرآن: «والله ما هو بالشعر، ولا هو بالكهانة ولا بالجنون»
- قامت الحجة على العالم بالعرب؛ إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة، ومع هذا عجزوا.

• اختلاف مواقف الناس في القرآن:
- منهم من آمن وأذعن.
- منهم من حسد, كأبي جهل وغيره ففر إلى القتال, حتى أظهر الله دينه، ودخل جميعهم فيه.

باب في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى
• إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع:
- كقول بعض المفسرين: خاطب الله بهذه الآية المؤمنين, وشرف الله بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون، وحكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت: «قصيه» ونحو هذا.
- ذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال: حكى الله، ولا ما جرى مجراه.

• ترجيح ابن عطية:
- قال ابن عطية عدم الجواز يحمل على تقرير الصفة وإثباتها كغيرها من الصفات, أما استعمال هذه الألفاظ في سياق الكلام فهو استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس.
مثاله: قول أم سلمة: فعزم الله لي في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال الله لها منه رسول الله.
وكذلك قول سعد بن معاذ: «عرق الله وجهك في النار» يقول هذا للرامي الذي رماه، وقال: «خذها وأنا ابن العرقة».
- أما عن استعماله هو لهذه الألفاظ فقال:(وأنا أتحفظ منه في هذا التعليق جهدي، لكني قدمت هذا الباب لما عسى أن أقع فيه نادرا، واعتذارا عما وقع فيه المفسرون من ذلك).

باب في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية

• أسماء القرآن:
القرآن: مصدر من قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا وقراءة.
وقال قتادة: «القرآن معناه التأليف؛ قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا», ورجح ابن عطية المعنى الأول.
الكتاب: مصدر من كتب إذا جمع.
الفرقان: هو مصدر؛ لأنه فرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر، فرقا وفرقانا.
الذكر: سمي به لأنه ذكر بما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم.
وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء.
وقيل: سمي بذلك؛ لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.

معنى السورة:
- من يقول (سؤرة)فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى. ومنه: «سؤر الشراب».
- أما من لا يهمز فاحتلفوا: فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها. ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه.
قال أبو عبيدة: «إنما اختلفا في هذا فكأن سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتى كمل منها القرآن».

• معنى الآية:
- هي العلامة في كلام العرب.
- قالوا سميت آية لأن الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها.
- وقيل: سميت بذلك لما كانت جملة وجماعة كلام كما تقول العرب: «جئنا بآيتنا» أي: بجماعتنا.
- وقيل: لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها سميت آية.

مها محمد 21 شعبان 1439هـ/6-05-2018م 01:38 AM

بسم الله الرحمن الرحيم
المسائل التي اشتملت عليها مقدّمة تفسير ابن عطية الأندلسي، مع تلخيص ما قيل في كل مسألة.
خطبة ابن عطية في افتتاح الكتاب:
اشتملت على ما يلي:
1- اسمه ونسبه:
هو الإمام الفقيه القاضي أبو محمد عبد الحق ابن الفقيه الإمام الحافظ أبي بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن عطية وهو الداخل إلى الأندلس ابن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكرم المحاربي من ولد زيد بن محارب بن خصفة بن قيس عيلان من أهل غرناطة رحمه الله ونفعه والمسلمين بما دون.
2- سبب اختيار ابن عطية لعلم التفسير :
بعد ما حمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ورسوله الكريم تحدث عن سببه اختياره للتأليف في علم التفسير وذلك لأن شرف العلم على قدر شرف المعلوم، فنظر في العلوم فوجد أن علم كتاب الله الذي جعله الله للشرع قواماً هو أشرف العلوم ، بل أن باقي العلوم له خدام ، فهو أعظم العلوم التي تقرب إلى الله تعالى وتنهى عن الباطل ،كما أنه رجى أن الله تعالى يحرم على النار فكره ولسانه ونفسه عندما يجعله شغله الشاغل.
3-منهجه في كتابه وسبب تسميته بالمحرر الوجيز:
قال أنه لما سلك سبل هذا العلم بفضل الله وبلغ فيه من الفهم مبلغاً ، رأى أن نكته وفوائده تغلب قوة الحفظ ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسل ( قيدوا العلم بالكتاب) ، فكتب ما يختار من أجوده في كتابه، وقصد أن يكون جامعاً وجيزاً ، لا يذكر فيه من القصص إلا ما لا تنفك الآية إلا به ، وأثبت أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم ، وسرد التفسير بحسب ترتيب ألفاظ الآية ، فيذكر الحكم، أو النحو ،أو اللغة ،أو القراءة ، ولا يقفز إلى لفظة حتى ينتهي من التي قبلها حتى لا يحدث عدم تتبع لألفاظ الآية كما في كثير من كتب المفسرين.
كما أنه قصد إيراد جميع القراءات مستعملها وشاذها، واعتمد تبيين المعاني وجميع محتملات الألفاظ على غاية من الإيجاز وحذف فضول القول ، وسأل الله أن يكون ذلك خالصاً لوجه الكريم وأن يبارك فيه وينفع به.
ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وعن نبهاء العلماء في فضل القرآن المجيد وصورة الاعتصام به:
لا شك أن العبد لن يكون من أهل القرآن حتى يفهم معانيه ، ويدرك مقاصده، لأن تلك هي الثمرة المرجوة من قراءته وتلاوته لينتفع به علماً وعملاً .
1- الأدلة على أن النجاة في الاعتصام بكتاب الله والعمل به:
- قال أنس في تفسير قوله تعالى( فقد استمسك بالعروة الوثقى) قال هي القرآن.
- قال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر خطبة خطبها وهو مريض : (أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين إنه لن تعمى أبصاركم ولن تضل قلوبكم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وأحلوا حلاله وحرموا حرامه ألا وعترتي وأهل بيتي هو الثقل الآخر فلا تسبعوهم فتهلكوا).
-مرت امرأة على عيسى ابن مريم عليه السلام فقال طوبى لبطن حملك ولثديين رضعت منهما فقال عيسى: طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبع ما فيه.
- قال محمد بن كعب القرظي في قول تعالى: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان} [آل عمران: 193] قال: هو القرآن ليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقال بعض العلماء في تفسير قول تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته} [يونس: 58] قال: الإسلام والقرآن.
-وقال عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: ((عليكم بالقرآن)) ، وغير ذلك من الأدلة.
2- أدلة فضل قراءة القرآن وتلاوته:
-قال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف)).
- وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله)) وقال عليه السلام: ((ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك)).
-وقال عليه الصلاة والسلام: ((أفضل عبادة أمتي القرآن)).
- وقال عبد الله بن عمرو بن العاصي من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.
- أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن)).
- وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشراف أمتي حملة القرآن)).
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن أصفر البيوت بيت صفر من كتاب الله)).
وغير ذلك من الأدلة التي تدل على فضل تلاوة القرآن وتعاهده وحفظه.
3-الأدلة على فضل من يقرأ القرآن بفهم وتدبر:
- قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
- وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: ((الذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى)).
- قال عليه السلام: ((اقرؤوا القرآن قبل أن يجيء قوم يقيمونه كما يقام القدح ويضيعون معانيه يتعجلون أجره ولا يتأجلونه)).
- ويروى أن أهل اليمن لما قدموا أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه سمعوا القرآن فجعلوا يبكون فقال أبو بكر: هكذا كنا ثم قست القلوب.
- وقال الحسن بن أبي الحسن البصري إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.
- وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول أنزل عليهم القرآن ليعملوا به فاتخذوا درسه عملا إن أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يسقط منه حرفا وقد أسقط العمل به.
ثمرة ذلك وخلاصته:
قال الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر: 17، 22، 23، 40].
وقال تعالى: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} [المزمل: 5] أي علم معانيه والعمل به والقيام بحقوقه ثقيل فمال الناس إلى الميسر وتركوا الثقيل وهو المطلوب منهم.
وقيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن قال: أستغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته وتذكرت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.
وقرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته أردت الرجوع من أوله فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه فاعمل به.
ما جاء في فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه:
1- الأدلة على فضل تفسير القرآن:
-وقال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
- وذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم فقال له رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت فقال: إنه كان يعرف تفسير قول تعالى: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} [القصص: 197].
- وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له: إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها، وهذا يدل على أهمية علم التفسير .
- وقال إياس بن معاوية مثل الذين يقرؤون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرؤوا ما في الكتاب.
-وقال ابن عباس: الذي يقرأ ولا يفسر كالأعرابي الذي يهذ الشعر.
- وقال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.
2- أهمية العلم بلغة القرآن والنظر في إعرابه ودقائق معانيه:
من المعلوم أن معرفة معاني القرآن تتوقف على معرفة اللغة والإعراب ، وقال ابن عباس : إذا أشكل عليكم شيء من القرآن فالتمسوه في الشعر فإنه ديوان العرب .
وإعراب القرآن أصل في الشريعة ، لأن معانيه -التي هي الشرع- لا تقوم إلا بذلك ، وقد قال الحسن عن أقوام :( أهلكتهم العجمة ، يقرأ أحدهم الآية فيعي بوجوهها حتى يفتري على الله فيها) ، ومعنى ذلك أن فهم القرآن الصحيح يتوقف على العلم بالعربية ، كما يجب حمل القرآن على أحسن الوجوه ، وعلى أحسن معانيه، وهذا لا يكون إلا بمعرفة العربية والإعراب .
ما جاء في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين:
1- هل تكلم النبي صلى الله عليه وسلم في مغيبات القرآن؟ :
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.
ومعنى هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يتكلم في مغيبات القرآن ،أوتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ، ومن جملة مغيباته ما لم يُعلِمه الله به كوقت قيام الساعة ونحوه ، ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور .
2- حكم من تكلم في تفسير القرآن برأيه المجرد بغير علم:
يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)).
ويحمل هذا أن يُسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه ؛ دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول ، وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه، ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه.
3- موقف السلف من تفسير القرآن:
وكان كثير من السلف كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم ، وكان كثير من السلف كثير عددهم يفسرونه ، وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم.
4- مراتب المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم:
صدر المفسرين والمؤيد فيهم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ويتلوه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ، وهو تجرد للأمر وكمله وتتبعه وتبعه العلماء عليه كمجاهد وسعيد بن جبير وغيرهما ، والمحفوظ عنه في ذلك أكثر من المحفوظ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال ابن عباس ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب.
وكان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحث على الأخذ عنه.
وكان عبد الله بن مسعود يقول: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس ، وهو الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم فقهه في الدين)) وحسبك بهذه الدعوة.
وقال عنه علي بن أبي طالب: ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق ، ويتلوه عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وكل ما أخذ عن الصحابة فحسن متقدم ، ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة.
قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية ، ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وإن كان لم يلق ابن عباس وإنما أخذ عن ابن جبير.
ثم حمل تفسير كتاب الله تعالى عدول كل خلف ، وألف الناس فيه كعبد الرزاق ، والمفضل ، وعلي بن أبي طلحة ، والبخاري وغيرهم.
ثم إن محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس أشتات التفسير ، وقرب البعيد وشفى في الإسناد ، ومن المبرزين أبو اسحق الزجاج ، وأبو علي الفارسي .
ما جاء في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه))
اختلاف الناس في معنى الحديث والأحرف السبعة :
1- القول الأول:
أنها سبعة أوجه فأقل فيما يختلف لفظه ويتحد معناه ، كتعال ، وأقبل ، وإلي، وقصدي ،وأقرب،وجيء، وهذا قول ضعيف.
2-القول الثاني:
أن تلك السبعة أحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحداً لا يختلف في حلال ولا حرام، أي تلك القراءات قد تكون في الكلمة الواحدة وتختلف في صفة التلاوة من مد وتفخيم وترقيق وإماله ، وغيرها ، وهذا كلام محتمل.
3-القول الثالث:
المقصود بالأحرف السبعة معاني كتاب الله ، وهي: أمر ونهي ، ووعد ، ووعيد ، وقصص، ومجادلة، وأمثال، وهذا ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفاً ، كما أن التوسعة برخصة الأحرف لم تكن في تحريم حلال ولا تغيير شيء من هذه المعاني.
4-القول الرابع:
حكاه صاحب الدلائل وحكى نحوه الباقلاني ، قال صاحب الدلائل: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل: {هن أطهرُ} وأطهرَ.
ومنها ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثل: {ربنا باعِد} وباعَد.
ومنها ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف مثل (ننشرها) و{ننشزها}.
ومنها ما تتغير صورته ويبقى معناه كقوله: {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] و(كالصوف المنفوش) ومنها ما تتغير صورته ومعناه مثل: {وطلح منضود} [الواقعة: 29] و(طلع منضود) ومنها بالتقديم والتأخير كقوله: {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] و(سكرة الحق بالموت).
ومنها بالزيادة والنقصان كقوله: (تسع وتسعون نعجة أنثى).
5- القول الخامس:
هي تبديل خواتيم الآيات ، كجعل (سميع بصير) مكان (غفور رحيم) ، وهذا قول فاسد لأن الإجماع استقر على منع تغيير القرآن ، وقال الباقلاني أن هذا كان مطلقاً ثم نسخ.
6-القول السادس:
أن السبعة أحرف هي سبع لغات للعرب مختلفات ، وقدأبطل هذا القول القاضي الباقلاني.
7-مناقشة ابن عطية للقاضي الباقلاني في إطلاقه البطلان على القول بأنها سبع لغات من لغات العرب:
خلاصة هذه المناقشة أن القاضي الباقلاني اعترض على تفسير الحديث بسبع لغات ، وفسره بسبع قراءات ، مستدلاً بأن لغة عمر ، وأبي ، وابن مسعود واحدة ، ومع ذلك اختلفت قراءاتهم ، وناقشه ابن عطية بأن اختلاف وجوه القراءات تابع لاختلاف اللغات، واختلاف اللغات ليس اختلافاً شديد التباين ، ولو فرضنا أنهم من قبيلة واحدة ولغتهم واحدة ، ما كان ذلك حجة على من قال أن معنى الحديث أن القرآن نزل بسبع لغات مختلفة ، لأن المناكرة لم تكن من حيث اللغة وإنما كانت من حيث القراءة ، ولربما أقرأه النبي خلاف لغته ، وكثير من أهل العلم كأبي عبيدة ذهبوا إلى أن معنى الحديث أن القرآن أنزل على سبعة لغات ، وهذا ما رجحه ابن عطية.
8- الأقوال في تعيين السبع لغات :
أصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي عليه السلام قرشي ، واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم، ثم ترعرع وهو يخالط في اللسان كنانة ،وهذيلا ، وثقيفا ، وخزاعة ، وأسدا ،وضبة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ، ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب فلما بعثه الله تعالى ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة ، وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف .
وقال ثابت بن قاسم: لو قلنا من هذه الأحرف لقريش ومنها لكنانة ومنها لأسد ومنها لهذيل ومنها لتميم ومنها لضبة وألفافها ومنها لقيس لكان قد أتى على قبائل مضر في مراتب سبعة ؛ تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن.
9-الحكمة من تعيين اللغات السبعة في هذه القبائل:
لأن الفصاحة انتهت إليها ، وسلمت لغاتها من الدخيل ، ويسرها الله لذلك ليظهر آية نبيه بعجز العرب عن معارضة ما أنزل عليه، وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم.
10-معنى إنزال القرآن على سبعة أحرف على هذا القول بأنها سبع لغات:
أي أن القرآن فيه عبارات بلغات سبع قبائل نزل القرآن بلغتها ، فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ،ومرة بعبارة هذيل ، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة ، ألا ترى أن (فطر) معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء ، فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قول تعالى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1، الزمر 46].
وقال أيضا ما كنت أدري معنى قوله: {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} [الأعراف: 89]. حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك أي: أحاكمك.
وكذلك قال عمر بن الخطاب وكان لا يفهم معنى قول تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} [النحل: 47] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي فقال عمر: الله أكبر {أو يأخذهم على تخوف} أي: على تنقص لهم، وغير ذلك من الأمثلة .
فأباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة، وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز ، ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: ((فاقرؤوا ما تيسر منه)) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.
11-افتراق الناس بعد دخول غير العرب في الإسلام وتنازعهم بسبب الأحرف ، مما كان سبباً في جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن:
لما انتشرت الروايات الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وافترق الصحابة في البلدان ، وجاء الخلف وقرأ القرآن كثير من غير العرب ، وقع بين أهل الشام والعراق ما ذكر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وذلك أنهم لما اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روي لها فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به فأشفق حذيفة مما رأى منهم فلما قدم حذيفة المدينة دخل إلى عثمان بن عفان قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك قال: في ماذا؟ قال: في كتاب الله إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الشام ومن الحجاز ، فوصف له ما تقدم وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى ، قال عثمان رضي الله عنه: أفعل فتجرد للأمر واستناب الكفاة العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن ، ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأفصح اللغات ، وقال لهم: "إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش".
فكتبوا في القرآن من كل اللغات السبع مرة من هذه ومرة من هذه ، وذلك مقيد بأن الجميع مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ عليه ، واستمر الناس على هذا المصحف المتخير وترك ما خرج عنه مما كان كتب سدا للذريعة وتغليبا لمصلحة اجتماع الأمة.
ما جاء في جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره:
1-جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم :
كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك.
2- جمع القرآن في زمن أبي بكر الصديق وسببه:
لما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة؛ أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة ، كأبي وزيد وابن مسعود ، فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
وروي أن في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتى وجدها عند خزيمة بن ثابت، وبقيت الصحف عند أبي بكر، ثم عند عمر بن الخطاب بعده ، ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان، وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة كمصحف ابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ومصحف أبي وغير ذلك وكان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها.
3- جمع القرآن في زمن عثمان رضي الله عنه:
لما قدم حذيفة من غزوة أرمينية ،وطلب من عثمان جمع الناس على مصحف واحد قبل أن تتفرق الأمة ، انتدب عثمان لجمع المصحف وأمر زيد بن ثابت بجمعه ، وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش سعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما.
وقال الطبري إن الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماما في هذا الجمع الأخير، وروي أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش فاختلفوا في التابوه والتابوت قرأه زيد بن ثابت بالهاء والقرشيون بالتاء فأثبته بالتاء وكتب المصحف على ما هو عليه غابر الدهر ونسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق.
4- هل ترتيب الآيات في السور توقيفي؟:
نعم ، قد ذكر ذلك مكي رحمه الله في تفسير سورة براءة ، وذكر أن ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة هذا أحد ما قيل في براءة.
5-هل ترتيب السور توقيفي؟:
قال القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني :ترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد ومن كان معه من الصحابة ، مع مشاركة من عثمان رضي الله عنه في ذلك ، وظاهر الآثار أن السبع الطول والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام وكان في السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت كتابة المصحف.
6- الأقوال في أول من شكل المصحف ووضع تنقيطه وتجزيبه:
أما من شكل المصحف ونقطه هو عبد الملك بن مروان ، أمر بذلك وعمله فتجرد له الحجاج بواسط ، وجد فيه ، وزاد تحزيبه ، وأمر وهو والي العراق الحسن ويحيى بن يعمر بذلك.
وأسند الزبيدي في كتاب الطبقات إلى المبرد أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي ، وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر.
وذكر أبو الفرج أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.
وذكر الجاحظ في كتاب الأمصار أن نصر بن عاصم أول من نقط المصاحف وكان يقال له: نصر الحروف.
وأما وضع الأعشار فيه ففي بعض التواريخ أن المأمون العباسي أمر بذلك وقيل إن: الحجاج فعل ذلك.
ما جاء في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق
1- هل في القرآن ألفاظ غير عربية؟:
اختلف الناس في ذلك على قولين:
الأول: نعم إن في كتاب الله تعالى من كل لغة ، قاله أبو عبيدة.
الثاني: ذهب الطبري وغيره إلى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة ، وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات فهي من قبيل تواردت اللغتان ؛ فتكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد ، وذلك مثل قول تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة قام من الليل ومنه قول تعالى: {يؤتكم كفلين من رحمته} [الحديد: 28]. قال أبو موسى الأشعري كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة وكذلك قال ابن عباس في القسورة إنها الأسد بلغة الحبشة إلى غير هذا من الأمثلة.
2-الخلاصة والراجح:
إن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن نزل بلسان عربي مبين ، فليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب فلا تُفهم إلا من لسان آخر، فأما هذه الألفاظ وما جرى مجراها فإنه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات ، وبرحلتي قريش ، فدخلت في العربية بهذا كله ألفاظا أعجمية، تغير بعضها بالنقص من حروفها ، أو جرى عليها تخفيف ثقل العجمة ، واستعملها العرب في أشعارهم ومحاوراتهم حتى جرت مجرى العربي الصريح ، ونزل بها القرآن ، فحقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه وما ذهب إليه الطبري من أن اللغتين اتفقتا في لفظة فذلك بعيد بل إحداهما أصل والأخرى فرع .
ما جاء في ما قال العلماء في إعجاز القرآن:
1-أقوال الناس (ممن تقرت عندهم الشريعة والنبوة ) في السبب الذي يرجع إليه إعجاز القرآن:
القول الأول: إن التحدي وقع بالكلام الأزلي الذي هو صفة من صفات الله ، وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وفيه وقع عجزها.
وقال قوم: إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة والغيوب المسرودة.
2- كيف وقع التحدي بالقرآن لمن هو في ظلمة الكفر؟:
أما من هو في ظلمة الكفر فإنما يُتحدى بما يبين له -بينه وبين نفسه - عجزه عنه ، وأن البشر لا يأتون بمثله ، فالتحدي وقع ببلاغة القرآن وفصاحته وجزالته ودقة تصويره وتأثيره في النفوس ،
فإذا وقع التحدي بذلك ، وعجز البشر عن أن يأتوا بسورة مثله، علم كل فصيح أن هذا نبي يأتي بما ليس في قدرة البشر الإتيان به ، وهذا هو القول الذي عليه الجمهور.
ووجه إعجازه أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما ، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن ؛ علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول .
3-بطلان القول بالصرفة:
ويظهر بطلان قول من قال إن العرب كان من قدرتها أن تأتي بمثل القرآن فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه.
ذلك لأن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين ، ويظهر قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا ثم تعطى لآخر نظيره فيأخذها بقريحة قوية فيبدل فيها وينقح ، ثم لا تزال كذلك فيها مواضع للنظر والبدل ، أما كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد.
فصورة قيام الحجة بالقرآن على العرب أنه لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم به وقال: {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: 23] قال: كل فصيح في نفسه وما بال هذا الكلام حتى لا آتي بمثله ، فلما تأمله وتدبره ميز منه ما ميز الوليد بن المغيرة حين قال: والله ما هو بالشعر ولا هو بالكهانة ولا بالجنون ، وعرف كل فصيح بينه وبين نفسه أنه لا يقدر بشر على مثله ، فصح عنده أنه من عند الله تعالى، فمنهم من آمن وأذعن ،ومنهم من حسد كأبي جهل وغيره ، ففر إلى القتال ورضي بسفك الدم عجزا عن المعارضة ، وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة ،كما قامت الحجة في معجزة عيسى بالأطباء ، وفي معجزة موسى بالسحرة ، فإن الله تعالى إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكأن السحر في مدة موسى قد انتهى إلى غايته، وكذلك الطب في زمن عيسى ، والفصاحة في مدة محمد عليهم الصلاة والسلام.
ما جاء في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى
1- حكم قول المفسرين (حكى الله وما جرى مجراه):
قد تكون الرغبة في إيجاز العبارة من المفسر تسوقه أن يقول: خاطب الله بهذه الآية المؤمنين ،وشرف الله بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون ، وحكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت: {قصيه}، ووقف الله ذرية آدم على ربوبيته بقوله: {ألست بربكم} [الأعراف: 172] ، ونحو هذا من إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع.
ذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال حكى الله ولا ما جرى مجراه، وقال القاضي أبو محمد عبد الحق (ابن عطية) : وهذا على تقرير هذه الصفة لله وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى، وأما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام والمراد منه حكت الآية أو اللفظ فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس ، وإن كان هو- رحمه الله- يتحفظ منه ، لكنه ذكر هذا الأمر لما عسى أن يقع فيه نادرا ، واعتذارا عما وقع فيه المفسرون من ذلك.
2-الشواهد على جواز استخدام العرب أشياء في ذكر الله تحمل على مجاز كلامها:
من ذلك قول أبي عامر يرتجز بالنبي صلى الله عليه وسلم (فاغفر فداء لك ما اقتفينا).
وقول أم سلمة فعزم الله لي في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال الله لها منه رسول الله.
ومن ذلك قولهم الله يدري كذا وكذا، والدراية إنما هي التأتي للعلم بالشيء حتى يتيسر ذلك.
وقال آخر:
وإن الله ذاق عقول تيم فلما راء خفتها قلاها، وغير ذلك من الأمثلة.
ما جاء في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية:
1- أسماء القرآن:
هو القرآن وهو الكتاب وهو الفرقان وهو الذكر.
2-معنى القرآن:
القرآن مصدر من قولك: قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا وقراءة.
وقال قتادة: القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا ، وبهذا فسر قتادة قول الله تعالى: {إن علينا جمعه وقرآنه} [القيامة: 17].
3-معنى الكتاب:
الكتاب فهو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر: (واكتبها بأسيار) أي: اجمعها .
4-معنى الفرقان:
وأما الفرقان أيضا فهو مصدر ؛ لأنه فرق بين الحق والباطل ،والمؤمن والكافر فرقا وفرقانا.
5-معنى الذكر:
وأما الذكر فسمي به لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلههم ، وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم، وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء ، وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.
6-معنى السورة:
أما السورة فإن قريشا كلها ومن جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر وكنانة يقولون سورة بغير همز ، وتميم كلها وغيرهم أيضا يهمزون فيقولون سؤر وسؤرة ، فأما من همز فهي عنده كالبقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى ومنه سؤر الشراب .
وأما من لا يهمز فمنهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء ، ويقال أيضا للرتبة الرفيعة من المجد والملك سورة .
7- معنى الآية:
وأما الآية فهي العلامة في كلام العرب ، فلما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها ،وعلى عجز المتحدى بها ، سميت آية هذا قول بعضهم ، وقيل سميت آية لما كانت جملة وجماعة كلام ،كما تقول العرب جئنا بآيتنا أي بجماعتنا ، وقيل لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها سميت آية.
----

فاطمة احمد صابر 21 شعبان 1439هـ/6-05-2018م 04:12 AM

س: استخلص المسائل التي اشتملت عليها مقدّمة تفسير ابن عطية الأندلسي، ثم لخّص بأسلوبك ما قيل في كل مسألة.
المسائل
*خطبة ابن عطية
اسمه
الحمد والثناء على الله
اختياره لفن التفسير وبذله فيه
طريقة ابن عطية ومنهجه في التفسير
*ما ورد عن النبي والصحابة ونبهاء العلماء في فضل القرآن المجيد
صورة الاعتصام به
*فضل
تفسير القرآن
النظر في دقائق معانيه
العناية بلغة القرآن
*التحذير من الجرأة على تفسير القرآن بغير علم
مراتب المفسرين
معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
*جمع القرآن
ترتيب السور
شكل المصحف ونقطه
الأعشار

*الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق
*وجه الإعجاز في القرآن
*الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله
*أسماء القرآن
معنى القرآن
معنى الكتاب
معنى الفرقان
معنى الذكر
معنى السورة
معنى الآية

التلخيص
*خطبة ابن عطية
تعريف به
الشيخ الإمام الفقيه القاضي أبو محمد عبد الحق ابن الفقيه الإمام الحافظ أبي بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن عطية وهو الداخل إلى الأندلس ابن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكرم المحاربي من ولد زيد بن محارب بن خصفة بن قيس عيلان من أهل غرناطة .
الحمد والثناء على الله
ثم ثنى بسبب اختياره لفن التفسير وجهده في الوصول إلى منهجه والفهم في القرآن وتقييده للمسائل
طريقة ابن عطية ومنهجه في التفسير
1-قصد كونه جامعا وجيزا محررا على غاية من الإيجاز وحذف فضول القول.
2-لا يذكر من القصص إلا ما لا تنفك الآية إلا به
3-أثبت أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم على ما تلقى السلف الصالح رضوان الله عليهم كتاب الله من مقاصده العربية
4-سرد التفسير بحسب رتبة ألفاظ الآية من حكم أو نحو أو لغة أو معنى أو قراءة
5-قصد تتبع الألفاظ حتى لا يقع طفر كما في كثير من كتب المفسرين
6- صنف التفسير كما صنع المهدوي رحمه الله مفرق للنظر مشعب للفكر
7-أورد جميع القراءات مستعملها وشاذها
8-اعتمد تبيين المعاني وجميع محتملات الألفاظ

*ما ورد عن النبي والصحابة ونبهاء العلماء في فضل القرآن المجيد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} [فاطر: 32].
فقال سابقكم سابق ومقتصدكم ناج وظالمكم مغفور له وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا إن أصفر البيوت بيت صفر من كتاب الله))

وقيل لجعفر بن محمد الصادق: لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منها والقرآن لا يمل؟ فقال: لأن القرآن حجة على أهل الدهر الثاني كما هو حجة على أهل الدهر الأول فكل طائفة تتلقاه غضا جديدا ولأن كل امرئ في نفسه متى أعاده وفكر فيه تلقى منه في كل مرة علوما غضة وليس هذا كله في الشعر والخطب
صورة الاعتصام به

-اتباع أوامره وترك نواهيه
قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
- تلاوته وقراءته

حدث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن)).
-تعلمه
روى عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).
_ التعبد به

قيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن قال: أستغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته وتذكرت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.
*فضل تفسير القرآن
قال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
النظر في دقائق معانيه
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة)).
وقال الحسن: أهلكتهم العجمة يقرأ أحدهم الآية فيعيى بوجوهها حتى يفتري على الله فيها.
العناية بلغة القرآن
روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
التحذير من الجرأة على تفسير القرآن بغير علم
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض.
ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)).

وكان جلة من السلف كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم.
مراتب المفسرين
على فابن عباس فابن مسعود
وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو بن العاص وكل ما أخذ عن الصحابة فحسن متقدم ومن المبرزين في التابعين الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وعلقمة ويتلوهم عكرمة والضحاك بن مزاحم وفي السدي كلام
ومحمد بن جرير جمع أشتات التفسير وشفى في الإسناد
ومن المتأخرين الزجاج وأبو علي الفارسي وكذلك أبو العباس المهدوي وضعف النقاش والنحاس ومكي أبو طالب
معنى نزول القرآن على سبعة أحرف
اختلفوا في ذلك على أقوال
1- أنها فيما يتق أن يقال سبعة أوجه فما دونها كتعال وأقبل وإلي ونحوي .... وضعفه ابن عطية
2- أنها في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال أو حرام قال عنه محتمل
3- أنها في معاني كتاب الله : الأمر والنهي والوعد والوعيد والقصص والأمثال والمجادلة ضعفه أيضا
4- أنها تظهر فيما يختلف في القراءات من تغيير حرف فيغير الصورة او المعنى أو لا على أوجه ذكروها
5- المراد بها ما جاء في الحديث
((يا أبي إني أقرئت القرآن على حرف أو حرفين ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلا شاف وكاف إن قلت: غفور رحيم سميع عليم أو عليم حكيم وكذلك ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب)). وضعف ابن عطية كون المراد بذلك الأحرف السبعة التي هي وجوه وطرائق
6- أنه نزل على سبع لغات مختلفة ورجحه ابن عطية بشرط أن تصح القراءة به عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الكلام عن لغات قريش وسبب اختيار تلك اللغات

جمع القرآن

-كان القرآن في مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي وزيد وابن مسعود فيذهب فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
وبقيت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر بن الخطاب بعده ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان وانتشرت في خلال ذلك صحف كتبت عن الصحابة كمصحف ابن مسعود
فلما قدم حذيفة انتدب عثمان لجمع المصحف وأمر زيد بن ثابت بجمعه وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش سعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما وجعلوه بلغة قريش وكتب نسخا إلى الآفاق وأحرق ما سواها
ترتيب السور
اختلف فيها
1- كانت من تلقاء زيد ومن معه في جمع عثمان
2- أنها كانت من عمل النبي ( صلى الله عليه وسلم )
جمع ابن عطية بينهما بأن السبع الطوال والحواميم والمفصل كان مرتبا من زمن النبي وفيها ما لم يرتب فرتب وقت الجمع وهذا ظاهر الآثار

شكل المصحف ونقطه
اختلف فيه
1- أمر عبدالملك بن مروان وقام به الحجاج قيل أمر به الحسن ويحي بن يعمر وقيل بل نصر بن عاصم
2- أبو الأسود الدؤلي بأمر من زياد بن أبي سفيان
الأعشار

قيل المأمون العباسي
وقيل الحجاج
وكره التعشير أبو عمرو الداني

الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق
اختلف المفسرون فيها على قولين
1- أن في كتاب الله من كل لغة وهو قول أبو عبيده وغيره
2- القرآن ليس فيه لفظه إلا وهي عربية صريحة (وما اتفقا فيه يكون مما تتفق فيه اللغات ) وهو قول ابن جرير
عقب ابن عطية بأن القاعدة أن القرآن نزل بلسان عربي مبين لا تخرج لفظة منه لا يفهمها العرب
أما الألفاظ فقد تكون نتجت من مخالطة العرب لغيرهم في أسفار أو رحلتي الصيف والشتاء ثم إن العرب غيرت في نطقها ويسرتها وصارت من جملة العربية الصريحة
ولا تتفق اللغات في الأصل بل أحدها أصل والآخر فرع

*وجه الإعجاز في القرآن
قيل : التحدي وقع ب (الكلام القديم )
وقيل : التدي بالأنباء الصادقة والغيوب المسرودة
وهذا في المؤمنين
والصحيح أن التحدي وقع بنظمه ومعانيه وتوالي فصاحة ألفاظه مما يعجز البشر عن الإتيان بمثله وعليه الجمهور لأنه به تقوم الحجة على من كفر به
وهذا ظاهر في كل من قرأه ككقول الوليد بن المغيرة : والله ما هو بالشعر ...
وكذلك لأن معجزات الأنبياء تكون بأبرع ما يكون في زمن النبي كالطب مع عيسى والسحرة مع موسى
الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله
(خاطب -حكى- وقف .....) قال استعمالها في سياق الكلام مراد به حكت الآية ونحوه كاستعمال عربي شائع كما ورد عن ام سلمة فعزم الله لي
أسماء القرآن :الكتاب والفرقان والذكر
معنى القرآن :من قرأ أي تلا
أو من قرأ الرجل أي جمع وألف والأول أولى

معنى الكتاب :من الكتب وهو الجمع والضم
معنى الفرقان :لأنه فرق بين الحق والباطل
معنى الذكر:
لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه ولأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به
معنى السورة :بالهمز سؤر :
البقية من الشيء والقطعة منه
وقيل سورة 1-للرتبة الرفيعة من المجد والملك سورة ومنه قول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر: [الطويل]
ألم تر أن الله أعطاك سورة = ترى كل ملك دونها يتذبذب
2-مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه
معنى الآية
: العلامة
سميت بذلك :كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية
وقيل لما كانت علامة للفصل بين ما قبلها وما بعدها سميت آية

مريم أحمد أحمد حجازي 23 شعبان 1439هـ/8-05-2018م 02:47 AM

تلخيص مسائل مقدمة تفسير ابن عطية رحمه الله تعالى , بسم الله الرحمن الرّحيم و به أستعين
*أولاً: خطبة تفسير ابن عطية :
-بدأ خطبة كتابه بحمد الله و الثناء عليه و شكره على نعمه و منها إنزال كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه
-ثم أردف بالصّلاة و السّلام على رسول الله الكريم صلّى الله عليه و سلّم و ذكر فضائله و مكارمه
-ثم تكلّم عن : طريق أخذ العلم ,و بأن العلوم فنون كثيرة , و أن من أراد تحصيل العلم و عزم على الوصول أن يبدأ بأخذ طرف من كل علم , و يتحلّى بالصبر و الجد و الاجتهاد
و بعدها يتخيّر من هذه العلم علمًا يكون فيه مرجعًا و حذوًا يحتذى به .
-و بيّن أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم , و علم كتاب الله أعظم العلوم تقريبًا إلى الله تعالى و تخليصًا للنيّات و نهيًا عن الباطل و حضًّا على الصّالحات , و هو سبب اختياره لهذا العلم
-ثمّ بيّن منهجه -رحمه الله في تفسيره ؛ بذكر عدّة أمورٍ في مقدمته و هي :
1-أن يكون جامعًا و جيزًا محررًا
2-ليس فيه من القصص إلّا ما لا تنفك الآية إلّا به
3-إثبات أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم على ما تلقّى السلف الصالح -رضوان الله عليهم - من مقاصده العربيّة السليمة من إلحاد أهل القول بالرموز , و أهل القول بعلم الباطن و غيرهم
4-التنبيه على ما قد يقع لأحد من العلماء -الّذين حازوا حسن الظن بهم- من لفظ ينحو إلى شيء من أغراض الملحدين
5-سرد التفسير بحسب رتبة ألفاظ الآية من : حكم , أو نحو , أو لغة , أو معنى , أو قراءة ؛ مع تتبع الألفاظ حتّى لا يقع طفر كما في كثير من كتب المفسرين
6-إيراد جميع القراءات : مستعملها و شاذّها , و تبيين المعاني و جميع محتملات الألفاظ
*ثانيًا : ما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلّم , و عن الصحابة , و عن نبهاء العلماء في فضل القرآن المجيد و صورة الاعتصام به
-فضل القرآن و صورة الاعتصام به
و يظهر من خلال الأدلة التي أوردها ابن عطية رحمه الله و هي كالتالي :
= ما ورد أنّ في تعلُّمه النجاة من الفتن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).
قال أنس بن مالك في تفسير قول تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى}. قال: هي القرآن.

=ما ورد في أنَّه جامع العلوم : قال صلى الله عليه و سلّم : (( من أراد علم الأوّلين و الآخرين فليثوِّر القرآن ))
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الأشرار ويوضع الأخيار وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أخذتموه: عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.
و قال عقبة بن عامر عهد إلينا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم في حجّة الوداع فقال : ((عليكم بالقرآن ))
= أجر تلاوة القرآن : قال صلّى الله عليه و سلّم : (( اتلو هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف و لكن الألف حرف و الام حرف و الميم حرف )) . * و حدّث أنس بن مالك عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال : (( من قرأ مائة آية كتب من القانتين , و من قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين , و من قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجّه القرآن )) . * و روي عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قرأ هذه الآية : { ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا } فقال : سابقكم سابق , و مقتصدكم ناجٍ , وظالمكم مغفورٌ له , و قال صلّى الله عليه و سلّم : (( ألا إنّ أصفر البيوت بيت صفر من كتاب الله ))
* و قال صلّى الله عليه و سلّم : (( إنّ الّذي يتعاهد هذا القرآن و يشتدُّ عليه له أجران , و الّذي يقرأه و هو خفيف عليه مع السّفرة الكرام البررة )) .
=فضل حامل القرآن : روي عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال : (( من قرأ القرآن فرأى أنّ أحدًا أوتي أفضلَ ممّا أوتي فقد استصغر ما عظّم الله ))
* و قال عليه الصّلاة و السّلام : (( ما من شفيعٍ أفضل عند الله من القرآن لا نبيٌّ و لا ملك )) . * و روي عن ابن عبّاس عن النبي صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال : (( أشراف أمتي حملة القرآن )) . * و قال عبد الله بن عمرو بن العاص : من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوّة بين جنبيه إلّا أنّه لا يوحى إليه .
= ما يجب على المسلم تجاه القرآن : قال تعالى : { إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلا } أي : علم معانيه , و العمل به , و القيام بحقوقه ؛ ثقيل فمال النّاس إلى المسير و تركوا الثقيل و هو المطلوب منهم . * و روي عنه صلّى الله عليه و سلّم أنه قال في آخر خطبة خطبها و هو مريض : (( أيّها النّاس إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين , إنّه لن تعمى أبصاركم , و لن تضلّ قلوبكم , و لن تزلّ أقدامكم , و لن تقصر أيديكم ؛ كتاب الله سبب بينكم و بينه طرفه بيده و طرفه بأيديكم فاعملوا بمحكمه و آمنوا بمتشابهه , و أحلُّوا حلاله , و حرّموا حرامه , ألا و عترتي و أهل بيتي , هو الثقل الآخر فلا تسبعوهم فتهلكوا )) . * و قال عليه الصّلاة و السّلام : (( أفضل عبادة أمتي القرآن )) .
* قال رجلٌ لعبد الله بن مسعود : أوصني فقال : إذا سمعت الله تعالى يقول : { يآ أيّها الّذين آمنوا } فأرعها سمعك , فإنّه خيرٌ يؤمر به , أو شرٌّ يُنهى عنه .
* و روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم سئل عن أحسن النّاس قراءة او صوتًا بالقرآن فقال : (( الّذي إذا سمعته رأيته يخشى الله تعالى ))
*و قال عليه الصّلاة و السّلام : (( اقرؤوا القرآن قبل أن يجئ قومٌ يقيمونه كما يُقام القدح , و يضيّعون معانيه , يتعجلون أجره و لا يتأجّلونه ))

ثالثًا : باب في فضل تفسير القرآن و الكلام على لغته و النظر في إعرابه و دقائق معانيه
= أهمية علم العربية في فهم معاني القرآن : روي عن ابن عباس أنّ رجلاً سأل النبيّ صلّى الله عليه و سلّم فقال : أيُّ علم القرآن أفضل ؟ فقال : (( عربيّته فالتمسوها في الشّعر )) .
و قال أيضًا عليه الصّلاة و السّلام : (( أعربوا القرآن و التمسوا غرائبه فإنّ الله يحبُّ أن يعرب ))
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : إعراب القرآن أصلٌ في الشّريعة لأن بذلك تقوم معانيه الّتي هي الشّرع .اه
و قال صلّى الله عليه و سلّم : (( لا يفقه الرّجل كلّ الفقه حتّى يرى للقرآن وجوهًا كثيرة )) .
و قال الحسن : أهلكتكم العجمة , يقرأ أحدهم الآية فيعيى بوجوهها حتّى يفتري على الله فيها . اه
= فضل علم التّفسير : قال أبو العالية في تفسير قوله تعالى : { و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا } قال الحكمة : الفهم في القرآن . و قال قتادة الحكمة : القرآن و الفقه فيه . و قال غيره : الحكمة تفسير القرآن . * و ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه جابر بن عبد الله فوصفه بالعلم , فقال له رجل : جعلت فداك ؛ تصف جابرًا بالعلم و أنت أنت ؟ فقال : إنّه كان يعرف تفسير قوله تعالى : { إنّ الّذي فرض عليك القرآن لرادُّك إلى معاد } . * و قال الشعبي : رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له : إنّ الّذي يفسرها رحل إلى الشّام , فتجهّز و رحل إليه حتى علم تفسيرها . * و قال إياس بن معاوية : مثل الّذين يقرؤون القرآن و هم لا يعلمون تفسيره كمثل قومٍ جاءهم كتابٌ من ملكهم ليلاً و ليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعةٌ لا يدرون ما في الكتاب , و مثل الّذي يعرف التفسير كمثل رجلٍ جاءهم بمصباحٍ فقرؤوا ما في الكتاب . * و قال ابن عبّاس : الّذي يقرأ القرآن و لا يفسر كالأعرابي الّذي يهذّ الشّعر . * و قال مجاهد : أحبّ الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل . * و قال الحسن : و الله ما أنزل الله آية إلّا أحبّ أن أعلم فيمن أنزلت و ما يعني بها . * كان ابن عبّاس يبدأ في مجلسه بالقرآن ثمّ بالتفسير ثمّ بالحديث . * و قال علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه : ما من شيء إلا و علمه في القرآن , و لكن رأي الرجل يعجز عنه .

رابعًا : باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن و الجرأة عليه و مراتب المفسّرين
= ذمّ من تكلّم في القرآن برأيه
روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : ما كان رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يفسّر من كتاب الله إلّا آيًا بعدد علمه إياهنّ جبريل .
و يروى أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : (( من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ )) .
= الفرق بين الاجتهاد في التفسير بعلم , و القول بالرأي
قال القاضي أبو محمد عبد الحق -رحمه الله- في تعليقه على الحديث السّابق : و معنى هذا الحديث في مغيّبات القرآن و تفسير مجمله و نحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى , و من جملة مغيّباته مالم يُعلِم الله به : كوقت قيام السّاعة و نحوه , و منها ما يُستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصّور , و كرتبة خلق السّموات و الأرض .
قال ابن عطيّة -رحمه الله- و معنى هذا أن يُسأل الرّجل عن معنى في كتاب الله فيتسوّر عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء , أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو و الأصول , و ليس يدخل في هذا الحديث أن يفسّر اللغويّين لغته , و النّحاة نحوه , و الفقهاء معانيه , و يقول كلّ واحدٍ باجتهاده المبنيّ على قوانين علم و نظر ؛ فإنّ القائل على هذه الصّفة ليس قائلاً بمجرد رأيه .
= موقف السّلف من تفسير القرآن
* منهم من يعظّمون تفسير القرآن , و يتوقّفون عنه تورُّعًا و احتياطًا لأنفسهم مع إدراكهم و تقدّمهم كسعيد بن المسيّب و عامر الشّعبي و غيرهم
* و منهم من يفسّرون القرآن , و كانوا جلّة من السّلف كثير , و هم أبقوا على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم
= أشهر المفسرين من الصّحابة و التّابعين و أئمة التّفسير
* طبقة الصّحابة : بدأ ابن عطيّة بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه , ثمّ عبد الله بن عبّاس و ذكر ثناء علي و ابن مسعود رضي الله عنهما عليه , و ذكر قول ابن عبّاس : ( ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب ) , و ذكر دعاء رسول الله صلّى الله عليه و سلّم له : (( اللهمّ فقهّه في الدّين )) . يليهما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه , و أبيّ بن كعب , و زيد بن ثابت , و عبد الله بن عمرو بن العاص . ثمّ قال رحمه الله : " و كلّ من أخذ عن الصّحابة فحسن متقدّم "
* طبقة التابعين : بدأ بالحسن بن أبي الحسن , و مجاهد , و سعيد بن جبير , و علقمة . قرأ مجاهد على ابن عبّاس قراءة تفهُّم و وقوف عند كلِّ آيةٍ .
و يتلوهم : عكرمة و الضّحاك بن مزاحم و إن كان لم يلقَ ابن عبّاس و إنّما أخذ عن ابن جبير .
و أما السّدِّي رحمه الله فكان عامر الشّعبي يطعن عليه و على أبي صالح لأنه كان يراهما مقصّرين في النّظر .
ثمّ حمل عدولٌ من كلّ خلفٍ و ألّف النّاس فيه : كعبد الرزّاق , و المفضل , و علي ابن أبي طلحة , و البخاري و غيرهم
* أئمة التفسير من المتأخِّرين : بدأ بذكر ابن جرير الطبري رحمه الله , و أثنى على تفسيره , ثم ذكر أبي إسحاق الزجّاج , و أبو عليّ الفارسي ؛ فإنّ كلاهما منخول , و أما أبو بكر النّقّاش , و أبو جعفر النّحّاس فكثيرًا ما استرك النّاس عليهما و على سننهما مكي بن أبي طالب. وأبو العبّاس المهدوي رحمه الله متقن التأليف
و كلّهم مجتهد مأجور رحمهم الله و نضّر وجوههم .
خامسًا : باب معنى قول النبي صلّى الله عليه و سلّم : (( إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسّر منه ))
= ما ورد من الآثار في الأحرف السّبعة :
*ذكر القاضي أبو بكر أنّ أبي رضي الله عنه روى عن النبيّ صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال : (( يا أبي إنّي أقرئت القرآن على حرف أو حرفين ثمّ زادني الملك حتّى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلّا شافٍ و كافٍ إن قلت : غفورٌ رحيم سميعٌ عليم أو عليمٌ حكيم و كذلك ما لم تختم عذابًا برحمة أو رحمة بعذاب ))
* و في صحيح البخاري عن النبيّ صلّى الله عليه و سلّم قال : (( أقرأني جبريل على حرفٍ فراجعته فلم أزل أستزيده و يزيدني حتّى انتهى إلى سبعة أحرف )) .
= بيان الأحرف السبعة و أقوال أهل العلم فيها
ذكر ابن عطيّة أن النّاس اختلفوا فيها اختلافًا شديدًا على فرق :
* * أن تلك الحروف السّبعة هي فيما يتّفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونها كتعال و أقبل و إلىّ و نحوي و قصدي و أقرب و جيء , و كاللغات الّتي في أف , و كالحروف الّتي في كتاب الله فيها قراءات كثيرة ...و هذا قولٌ ضعيف.
* * أن المراد بالسبعة أحرف معاني كتاب الله تعالى و هي : أمر و نهي و وعد و وعيد و قصص و مجادلة و أمثال ...وهذا ضعيف
دليل هذا القول : عن النبيّ صلّى الله عليه و سلّم قال : (( إنّ هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف نهي و أمر و حلال و حرام و محكم و متشابه و أمثال فأحلُّوا حلاله و حرِّموا حرامه و ائتمروا و انتهوا و اعتبروا بمحكمه و آمنوا بمتشابهه )) . علّة هذا القول : قال القاضي أبو محمد : فهذا تفسيرٌ منه صلّى الله عليه و سلّم للأحرف السّبعة و لكن ليست هذه الّتي أجاز لهم القراءة بها على اختلافهم , و إنّما: 1- الحرف في هذه بمعنى الجهة و الطريقة و منه قوله تعالى : { و من النّاس من يعبد الله على حرف } أي على وجه و طريقة هي ريب و شك فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل و تحريم و غير ذلك . و 2-الإجماع أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال و لا في تحليل حرام و لا في تغيير شيء من المعاني المذكور .
و قال ابن شهاب في كتاب مسلم : " بلغني أنّ تلك السّبعة الأحرف إنّما هي في الأمر و الذي يكون واحدًا لا يختلف في حلال و لا حرام ." قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : و هذا كلام محتمل .
* * أنّها وجوه الاختلاف في القراءة , و هي سبعة : هذا القول حكاه صاحب الدلائل عن بعض العلماء , و حكى نحوه القاضي أبو بكر بن الطّيب قال : تدبرت و جوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة :
1- ما تتغيّر حركته و لا يزول معناه و لا صورته مثل : { هنّ أطهرُ } و ( أطهرَ ).
2- ما لا تتغير صورته و يتغيّر معناه بالإعراب مثل : { ربّنا باعِد } و (باعَد ) .
3- ما تبقى صورته و يتغيّر معناه باختلاف الحروف مثل : (ننشرها) و ( ننشزها ) .
4- ما تتغير صورته و يبقى معناه مثل : ( كالعهن المنفوش ) و ( كالصوف المنفوش )
5- ما تتغيّر صورته و معناه مثل : { و طلحٍ منضود } و ( و طلعٍ منضود ) .
6- التّقديم و التّأخير كقوله : { و جاءت سكرة الموت بالحق } و ( سكرت الحق بالموت ) .
7- الزّيادة و النّقصان كقوله : ( تسعٌ و تسعون نعجة ) و ( تسعٌ و تسعون نعجة أنثى ) .
* * وذكر القاضي أبو محمد : أن أبيًّا رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا أبي إني أقرئت القرآن على حرف أو حرفين ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلا شاف وكاف إن قلت: غفور رحيم سميع عليم أو عليم حكيم وكذلك ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب)).
و ذكر ابن عطيّة الأقوال الواردة في بيان معنى الأحرف السبعة في هذا الحديث كالتالي :
* أنّها سبعة أوجه من أسماء الله تعالى , قال القاضي ابن الطيب: وهذه أيضا سبعة غير السبعة التي هي وجوه وطرائق وغير السبعة التي هي قراءات ووسع فيها وإنما هي سبعة أوجه من أسماء الله تعالى. قال ابن عطية: إذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه.
* وقال : زعم قومٌ أنّ كل كلمة تختلف القراءة فيها فإنّها على سبعة أوجه و إلا بطل معنى الحديث .
* وقال : و قال قومٌ ظاهر الحديث يوجب أن يوجد في القرآن كلمة أو كلمتان تقرآن على سبعة أوجه فإذا حصل ذلك تمّ معنى الحديث
* وقال : قال القاضي أبو بكر بن الطيب وقد زعم قومٌ أنّ معنى الحديث أنّنه نزل على سبع لغات مختلفات و هذا باطل ؛ إلّا أن يريد الوجوه المختلفة التي تستعمل في القصّة الواحدة
و الدّليل على ذلك أن لغة عمر بن الخطّاب و أبي بن كعب و هشام بن حكيم و ابن مسعود واحدة و قراءتهم مختلفة و خرجوا بها إلى المناكرة .
ردّ ابن عطيّة على هذا بقوله : إطلاق البطلان على القول الّذي حكاه فيه نظر لأنه المذهب الصحيح الّذي قرره آخرًا .
و ذكر: أن استدلاله فيه نظر لأن ما استعملته قريش في عبارتها و منهم عمر و هشام , و ما استعملته الأنصار و منهم أبي , و ما استعملته هذيل و منهم ابن مسعود قد يختلف , و من ذلك النحو من الاختلاف هو الاختلاف في كتاب الله تعالى , فليست لغتهم واحدة في كل شيء ؛ و أيضًا فلو كانت لغتهم واحدة بأن نفرضهم جميعًا من قبيلة واحدة لما كان اختلافهم حجّة على من قال : إن القرآن أنزل على سبعة لغات لأن مناكرتهم لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس في لغته فأنكره , و إنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبيّ صلّى الله عليه و سلّم و عساه قد أقراه ما ليس من لغته و استعمال قبيلته .
وقال : فكأن القاضي رحمه الله إنما أبطل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد في قوله: ((على سبعة أحرف)) عدّ اللغات التي تختلف بجملتها وأن تكون سبعا متباينة لسبع قبائل تقرأ كل قبيلة القرآن كله بحرفها ولا تدخل عليها لغة غيرها بل قصد النبي عليه السلام عنده عدّ الوجوه والطرائق المختلفة في كتاب الله مرة من جهة لغة ومرة من جهة إعراب وغير ذلك ولا مرية أن هذه الوجوه والطرائق إنما اختلفت لاختلاف في العبارات بين الجملة التي نزل القرآن بلسانها وذلك يقال فيه اختلاف لغات.
= بيان ما هي الحروف السبعة بعد ذكر الخلاف فيها
* قال ابن عطيّة : -صحيح أن يقصد عليه السلام عدّ الأنحاء والوجوه التي اختلفت في القرآن بسبب اختلاف عبارات اللغات.
-وصحيح أن يقصد عدّ الجماهير والرؤوس من الجملة التي نزل القرآن بلسانها وهي قبائل مضر فجعلها سبعة وهذا أكثر توسعة للنبي صلى الله عليه وسلم لأن الأنحاء تبقى غير محصورة - عسى أن الملك أقرأه بأكثر من سبعة طرائق ووجوه.
و ذكر ابن عطيّة أنّه مال كثيرٌ من أهل العلم كأبي عبيدة و غيره أن معنى الحديث المذكور أنّه أنزل على سبع لغات لسبع قبائل انبثّ فيه من كل لغة منها , و هذا هو القول المتقرر من كلام القاضي رضي الله عنه . "قال القاضي في كلامه المتقدم فجائز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها."
= شرط صحة القراءة
ذكر قول القاضي أبو محمد : الشرط الّذي يصح به هذا هو أن يروى عن النبي صلّى الله عليه و سلّم
= بيان القبائل السبع التي أنزل القرآن بلغتها
أصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي عليه السلام قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وعقت تمائمه وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسدا وضبة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميمًا وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب .
= سبب و رود القرآن بلغات هذه القبائل
لأنّها القبائل الّتي انتهت إليها الفصاحة و سلمت لغتها من الدخيل و يسّرها الله لذلك ليُظهر آية نبيّه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه , وسبب سلامتها أنّها وسط جزيرة العرب في الحجاز و نجد و تهامة فلم تطرقها الأمم .
= نشأة القراءات السبعة
إنّ القراء في الأمصار تتبعوا ما روي لهم من اختلافات لا سيما فيما وافق خطّ المصحف فقرؤوا بذلك حسب اجتهادهم ؛ فلذلك ترتب أمر القراء السبعة و غيرهم .
= حكم الصّلاة بالقراءات السبعة
يصلّى بها لأنّها ثبتت بالإجماع
= حكم الصّلاة بالقراءات الشّاذّة
شاذ القراءات لا يصلّى به , لأنّه لم يجمع النّاس عليها
رابعًا : باب ذكر جمع القرآن و شكله و نقطه و تحزيبه و تعشيره
= جمع القرآن في عهد النبي صلّى الله عليه و سلّم
كان القرآن في مدّة رسول الله متفرقًا في صدور الرّجال , و قد كتب النّاس منه في الصّحف و الجريد , و ظهر في لخاف و خزف و غير ذلك
= جمع القرآن في عهد أبي بكر الصّديق رضي الله عنه
لما استحّرّ القتل بالقراء في يوم اليمامة أشار عمر بن الخطّاب على أبي بكر الصّديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي و زيد و ابن مسعود فيذهب فندبا إلى زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السّور بعد تعب منه و جهد رضي الله عنه .
و روي أنّ في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتّى و جدها عند خزيمة بن ثابت , و حكى الطّبري أنّه إنما سقطت له في الجمع الأخير ؛ و الأوّل أصح و هو الّذي حكى البخاري , إلّا أنه قال فيه : مع أبي خزيمة الأنصاري , و قال إنّ في الجمع الثّاني فقد زيد آية من سورة الأحزاب : { من المؤمنين رجال } 'الأحزاب:33" فوجدها مع خزيمة بن ثابت وبقيت الصّحف عند أبي بكر ثمّ عند عمر بن الخطّاب ثمّ عند حفصة بنته في خلافة عثمان , و انتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصّحابة كمصحف ابن مسعود , و ما كتب عن الصّحابة في الشّام , و مصحف أبي و غير ذلك , و كان في ذلك اختلاف حسب السّبعة الأحرف الّتي أنزل القرآن عليها .
= جمع عثمان بن عفّان رضي الله عنه
* سبب الجمع : ما ذكر حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه أنّهم لمّا اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كلُّ طائفة بما روي لها فاختلفوا و تنازعوا حتّى قال بعضهم لبعض : أنا أكفر بما تقرأ به , فأشفق حذيفة مما رأى منهم , فلمّا قدم المدينة فيما ذكره البخاري و غيره : دخل على عثمان بن عفّان قبل أن يدخل بيته فقال : أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك . قال : في ماذا ؟ قال : في كتاب الله ؛ إنّي حضرت هذه الغزوة و جمعت ناسًا من العراق و الشّام و الحجاز فوصف له ما تقدّم و قال : إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود و النّصارى في كتبها , قال عثمان : أفعل
*المكلّفون بالجمع : أمر زيد بن ثابت بجمعه و جعل معه فيما رواه البخاري و غيره ثلاثة من قريش : سعيد بن العاصي , و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام , و عبد الله بن الزُّبير
وقال الطبري فيما روي أنّه جعل معه زيد بن أبان بن سعيد بن العاصي و حده و هذا ضعيف
و قال الطبري أيضًا : إنّ الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إمامًا في الجمع الأخير
و روي أنّ عثمان رضي الله عنه قال لهم : إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش , فاختلفوا في (التابوت ) و (التابوه) , قرأه زيد بن ثابت بالهاء , و القرشيّون بالتاء , فأثبته بالتاء
و كتب المصحف و نسخ منه نسخ و وجّه بها إلى الآفاق , و أمر بما سواها من المصاحف أن تحرق .
= ترتيب القرآن
* ترتيب الآيات و السُّور : إنّ ترتيب الآيات في السُّور و وضع البسملة في الأوائل من النبي صلى الله عليه و سلم , و لمّا لم يأمر عليه الصّلاة و السّلام بوضع البسملة في بداية سورة براءة تركت بلا بسملة كما ذكر ذلك مكي بن أبي طالب
و ظاهر الآثار أنّ السبع الطّول و الحواميم و المفصّل كان مرتّبًا في زمن النبي صلّى الله عليه و سلّم , و كان في السُّور ما لم يرتّب .
* ترتيب السّور في المصحف : إنّ ترتيب السُّور كما هو في المصحف العثماني من ترتيب زيد بن ثابت و من كان معه مع مشاركة عثمان رضي الله عنه في ذلك كما قال القاضي أبو بكر بن الطيّب , و مكّي في تفسير سورة براءة .
= شكل المصحف و نقطه
* أوّل من أمر بنقط المصحف : قيل أنّه عبد الله بن مروان أمر به و عمله , فتجرد الحجّاج لذلك بواسط و جدّ فيه و زاد تحزيبه
و قيل أنّ أوّل من أمر بنقطه زياد بن أبي سفيان , و أمر بذلك أبو الأسود الدؤلي , ذكره أبو الفرج
* أوّل من نقط المصحف : 1- قيل : الحسن و يحيى بن يعمر بأمر من الحجّاج . 2- أبو الأسود الدؤلي , أسنده الزبيدي في كتاب الطّبقات إلى المبرد
3-نصر بن عاصم , و كان يقال له : نصر الحروف , ذكره الجاحظ في كتاب الأمصار
* وضع الأعشار : قيل أنّ المأمون العبّاسي أمر بذلك , و قيل بل الحجّاج
خامسًا: باب في ذكر الألفاظ الّتي في كتاب الله و للغات العجم بها علاقة
= الاختلاف في وجود المعرب في القرآن
اختلف النّاس في ذلك على أقوال : 1- إنّ في كتاب الله تعالى من كلّ لغة , قاله أبو عبيدة و غيره
2- أنّ القرآن ليس فيه لفظة إلّا و هي عربية صريحة , و أنّ الأمثلة و الحروف الّتي تنسب إلى سائر اللُّغات إنّما اتّفق فيها أن تواردت اللغتان فتكلّمت بها العرب و الفرس , أو الحبشة بلفظ واحد , ذهب إلى هذا القول الطبري و غيره
3- أنّه توجد فيه ألفاظٌ أعجمية في الأصل , لكن استعملتها العرب و عرّبتها ؛ فهي عربية بهذا الوجه , قاله ابن عطيّة
= أمثلة على ما قيل أنّه معربٌ في القرآن و بيان معناه
1- { إنّ ناشئة اللّيل } قال ابن عباس : نشأ بلغة الحبشة قام من اللّيل
2- { يؤتكم كفلين من رحمته } قال أبو موسى الأشعري : كفلان ضعفان من الأجر بلسان الحبشة
3- { فرّت من قسورة } قال ابن عبّاس : القسورة : الأسد بلغة الحبشة
= إعجاز القرآن
اختلف النّاس في إعجاز القرآن بم هو على أقوال :
1- إنّ التّحدي وقع بالكلام القديم الّذي هو صفة الذّات , و إنّ العرب كلّفت في ذلك ما لا يطاق , و فيه وقوع عجزها
2- أنّ التّحدّي وقع بما في كتاب الله من الأنباء الصّادقة , و الغيوب المسرودة
علّة هذين القولين : أن من يرى العجز في هذين القولين من تقررت الشّريعة و نبوّة محمد صلى الله عليه وسلّم في نفسه , و التّحدي خوطب به قوم كفَّار
3- أنّ التحدّي وقع بنظمه و صحّة معانيه و توالي فصاحة ألفاظه , و هذا القول هو الّذي عليه الجمهور و الحذّاق و هو الصّحيح في نفسه .
وجه قوّة هذا القول : أنّ التّحدي خوطب به الكفّار كما قال تعالى : { و إن كنتم في ريبٍ ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله }
و من كان في ظلمة كفره فإنّما يتحدّى فيما يبين له بينه و بين نفسه عجزه عنه , و أنّ البشر لا يأتي بمثله, و يتحقق مجيئه من قبل المتحدّي , و كفار العرب لم يمكنهم قطّ أن ينكروا أنّ رصف القرآن و نظمه و فصاحته متّلقّى من قبل محمد عليه الصّلاة و السّلام . فإذا تحدّيت إلى ذلك و عجزت فيه ؛ علم كلّ فصيحٍ ضرورة أنّ هذا نبيٌّ يأتي بما ليس في قدرة البشر الإتيان به , إلّا من يخصّ الله من يشاء من عباده .
= وجه إعجاز القرآن
أنّ الله تعالى قد أحاط بكلّ شيءٍ علمًا , و أحاط بالكلام كلّه علمًا
سادسًا: باب في الألفاظ الّتي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله
= هل يجوز إسناد في حكاية التّفسير إسناد أفعال لله نحو : خاطب , حكى مما لم يرد إسنادها بتوقيف الشّرع ؟
1- جواز ذلك , لأن القصد إلى إيجاز العبارة قد يسوق المتكلم في التّفسير إلى أن يقول : خاطب الله بهذه الآية المؤمنين , و شرّف الله بالذكر الرّجل المؤمن من آل فرعون , و حكى الله تعالى عن أمّ موسى أنّها قالت : { قصّيه} , و أوقف الله ذريّة آدم على ربوبيته بقوله : { ألست بربّكم} و نحو هذا من إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقف الشّرع
و هذه الطّريقة استعملها المفسّرون و المحدّثون و الفقهاء , و استعملها أبو المعالي في الإرشاد .
2- عدم جواز ذلك , ذكره بعض الأصوليون فقالوا : لا يجوز أن يقال حكى الله , و لا ما جرى مجراه .
= استعمال الألفاظ الّتي يقتضي الإيجاز استعمالها في سياق الكلام
إذا استعمل ذلك في سياق الكلام و المراد منه : حكت الآية , أو اللفظة ؛ فذلك استعمال عربي شائع و عليه مشى النّاس
سابعًا : باب في تفسير أسماء القرآن و ذكر السّورة و الآية
= أسماء القرآن : 1- القرآن : فالقرآن مصدر : أ- إمّا من قرأ بمعنى تلا ؛ قرأ الرّجل إذا تلا , يقرأ قرآنًا و قراءة , و منه قول حسّان بن ثابت يرثي عثمان بن عفّان رضي الله عنه
ضحّوا بأشمط عنوان السّجود له يقطّع اللّيل تسبيحًا و قرآنا
أي : قراءة . ب- و إمّا من قرأ بمعنى جمع , قال قتادة : القرآن معناه التأليف , قرأ الرّجل إذا جمع و ألّف قولاً , و بهذا فسّر قتادة قوله تعالى: { إنّ علينا جمعه و قرآنه} أي :تأليفه
و هذا نحو قول الشّاعر عمرو بن كلثوم : ذراعي بكرة أدماء بكر هجان اللون لم تقرأ جنينا
أي : لم تجمع في بطنها ولدًا فهو أفرده لها
2- الكتاب : و الكتاب مصدر من كتب إذا جمع , و منه قيل كتيبة لاجتماعها , و منه قول الشّاعر :( واكتبها بأسيار) أي : اجمعها
3- الفرقان : مصدر , لأنّه فرق بين الحقّ و الباطل , و المؤمن و الكافر فرقًا و فرقانًا
4- الذّكر : سمي بذلك لأنّه * ذكّر النّاس آخرتهم و إلههم و ما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم
* وقيل : لأنّه فيه ذكر الأمم الماضية و الأنبياء * وقيل: لأنّه ذكر و شرف لمحمد صلّى الله عليه و سلّم و قومه و سائر العلماء به .
= معنى السُّورة
1- عند من ينطقها (سؤرة) : و هم تميم كلّها و غيرهم , معناها البقيّة من الشيء و القطعة منه الّتي هي سؤر و سؤرة من أسار إذا أبقى , و منه سؤر الشّراب , و منه قول الأعشى و هو ميمون بن قيس : فبانت و قد أسارت في الفؤاد صدعًا على نأيها مستطيرا
أي : أبقت فيه
2- عند من ينطقها (سورة ) : و هم قريش كلّها , و من جاورها من قبائل العرب كهذيل وسعد بن بكر و كنانة
*فمنهم من يراها بنفس معنى (سؤرة) و هو البقيّة من الشيء إلّا أنّها سهّلت همزتها
*و منهم من يراها مشبّهة بسور البناء , أي القطعة منه لأن كل بناء فإنّما يبنى قطعة بعد قطعة , و كل قطعة منها سورة , قال أبو عبيدة : إنّما اختلفا في هذا فكأنّ سور القرآن هي قطعة بعد قطعة حتّى كمل منها القرآن
*بمعنى الرتبة الرفيعة من المجد و الملك سورة , و منه قول النّابغة الذّبياني للنعمان بن المنذر :
ألم تر أنّ الله أعطاك سورة ترى كلّ ملكٍ دونها يتذبذب
فكأنّ الرتبة انبنت حتّى كملت
= معنى الآية
1- العلامة , و منه قول الأسير الموصي إلى قومه باللغز : ( بآية ما أكلت معكم حيسا)
فلّما كانت الجملة التّامّة من القرآن علامة على صدق الآتي بها , و على عجز المتحدّى بها سمّيت آية
2- و قيل سمّيت آية لمّا كانت جملة و جماعة كلام , كما تقول العرب جئنا بآيتنا ؛ أي بجماعتنا
3- وقيل لمّا كانت علامة للفصل بين ما قبلها و ما بعدها سمّيت علامة
الحمد لله , أعتذر عن التأخر بارك الله فيكم

هيئة التصحيح 11 4 رمضان 1439هـ/18-05-2018م 03:06 PM

تقويم مجلس مذاكرة مقدمة تفسير ابن عطية


أحسنتم، بارك الله فيكم ونفع بكم.

تعليقات عامة:

- خطبة الكتاب من أهم ما يُنظر إليه في المقدمة إذ فيها نجد منهج المؤلف في كتابه وسبب تأليفه له.
- من المهم استخلاص المسائل من الآثار والأحاديث الواردة وعدم الاكتفاء بسردها تحت عنوان عام، مثلا:" ما ورد في فضل القرآن "
مثال :
شفاعة القرآن في أهله يوم القيامة
وروى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته وأولى من محل به من عدل عنه وضيعه)).
ويمكن أن يصلح الحديث الواحد كشاهد في أكثر من موضع، مثلا الحديث أعلاه يصلح في بيان فضل القرآن في شفاعته لأهله، ويصلح في بيان أهمية العمل بالقرآن، أو وعيد من ضيع القرآن.
- في الأحرف السبعة : قول: " هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في الحلال والحرام " هذا تعليق عام على ما قبله وليس قولا مستقلا، أن الأحرف المختلفة للكلمة الواحدة لا تؤدي إلى اختلاف في الحكم من حيث الحلال والحرام، ويُراجع تحرير الأخت مريم حجازي، وتنظيمها للأقوال.


عباز محمد: ب+


- اختصرت كثيرًا في بيان خطبة المؤلف وعادة ما يكون في خطبة الكتاب مسائل هامة هي عماد المقدمة من بيان سبب التأليف، ومنهج المؤلف في الكتاب فلا يصلح إغفالها.
- أرجو قراءة التعليق العام، وقد اختصرت في بيان آداب تلاوة القرآن، ومنها ما وضعته تحت " طرق الاعتصام بالقرآن ".
- " الاعتصام " مصدر خماسي، ألفه ألف وصل وليست قطع، ويقاس على ذلك باقي المصادر الخماسية والسداسية المبدوءة بهمزة.
- أرجو قراءة التعليق العام الخاص بالأحرف السبعة، وقد ناقش ابن عطية الأقوال في هذه المسألة بينه وبين القاضي أبي بكر الباقلاني؛ فلا يصلح أن نقول هذا قول القاضي ونسكت، لأنه لقب يطلق على ابن عطية وعلى غيره.
- في جمع عثمان وضح سبب اختلاف الناس، وأثني على حسن اختصارك.
- أغفلت بيان ترتيب الآيات وأنه توقيفي، ثم يوازن بينه وبين ترتيب السور وأن الأخير الراجح فيه أنه اجتهادي مع التزام سنة النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة وفي الآثار عند الترتيب.
- هناك فرق بين قول ابن عطية والطبري في مسألة الألفاظ الأعجمية في القرآن فأرجو مراجعته.
- الأولى تحرير الخلاف في مسألة إعجاز القرآن ثم بيان ترجيح المؤلف.


فداء حسين: أ

- أحسنتِ عمل قائمة للعناصر قبل الشروع في التلخيص.
- أرجو قراءة النقطة الثانية في التعليقات العامة.
- يُراجع تحرير الأخت مريم للخلاف في الأحرف السبعة وتنظيمها لعرض الأقوال.
اقتباس:

• ضوابط القراءة بالأحرف السبعة:
- أن تكون القراءة ثبتت في العرضة الأخيرة.
- أن يقرأ الصحابي كما سمع من النبي عليه الصلاة والسلام, فلا يبد لفظة بلفظة من تلقاء نفسه.
هذا الكلام غير واضح؛ والقراءات السبع تختلف عن الأحرف السبع.
- اختصر ابن عطية في بيان ضابط القراءات الشاذة وقد فصله أبو شامة في المرشد الوجيز بما يبين لكم أنه ليس كل ما خالف القراءات السبع فهو شاذ.


مها محمد : أ

أرجو قراءة التعليقات العامة، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

فاطمة صابر : ب+

- لم تبيني سبب اختياره لفن التفسير.
- سبب جمع عثمان رضي الله عنه للمصحف غير واضح في تلخيصكِ.
- لم تبيني بعض المسائل مثل ترتيب السور ، والاختلاف بين القراءات السبع والأحرف السبعة.
وأرجو قراءة التعليقات العامة، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.


مريم حجازي: أ

أثني على تلخيصكِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
- في الأحرف السبعة، كان يحسن إفراد قول : " هي سبعة لغات من لغات العرب" ثم بيان مناقشة أبي بكر ابن الطيب الباقلاني وابن عطية لهذا القول ووجه ترجيح ابن عطية له.
- شروط صحة القراءة اختصرها ابن عطية؛ فلا يعتمد عليه فيها.
- ترتيب السور في المصحف:
اختار ابن عطية القول بأنه اجتهادي، لكن مع التزام بعض الآثار الواردة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الترتيب؛ فكان يحسن أن تؤخري القول :
" و ظاهر الآثار أنّ السبع الطّول و الحواميم و المفصّل كان مرتّبًا في زمن النبي صلّى الله عليه و سلّم , و كان في السُّور ما لم يرتّب "
يعد ذكر ترتيب السور.
فالأقوال ثلاثة في هذه المسألة:
- أنه توقيفي ، أنه اجتهادي، ومنهم من توسط فقال هو اجتهادي لكن مع التزام ما كان في السنة فالتزموا بعض الترتيب في الأحاديث وفي فع النبي صلى الله عليه وسلم، والأخير ما رجحه ابن عطية.
- خُصمت نصف درجة للتأخير.

نفع الله بي وبكم

هيئة التصحيح 11 4 رمضان 1439هـ/18-05-2018م 06:26 PM

تم بحمد الله...

ابتهال عبدالمحسن 1 ربيع الأول 1440هـ/9-11-2018م 11:56 PM

بسم الله الرحمن الرحيم


المسائل التي اشتملت عليها مقدّمة تفسير ابن عطية الأندلسي


خطبة تفسير ابن عطية :

- نسب الشيخ :
القاضي أبو محمد عبد الحق ابن الفقيه الإمام الحافظ أبي بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن عطية وهو الداخل إلى الأندلس ابن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكرم المحاربي من ولد زيد بن محارب بن خصفة بن قيس عيلان من أهل غرناطة رحمه الله .

- مقدمة الخطبة :
الحمد والثناء والشكر لله تعالى على مامن به على هذه الأمة ، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم.

- سبب كتابته للتفسير :
- أن يكون كتابا مرجعا لأهل العلم : قال رحمه الله : رأيت أن من الواجب على من احتبى وتخير من العلوم واجتبى أن يعتمد على علم من علوم الشرع يستنفد فيه غاية الوسع يجوب آفاقه ويتتبع أعماقه ويضبط أصوله ويحكم فصوله ويلخص ما هو منه أو يؤول إليه ويعنى بدفع الاعتراضات عليه حتى يكون لأهل ذلك العلم كالحصن المشيد والذخر العتيد يستندون فيه إلى أقواله ويحتذون على مثاله.
-مكانة التفسير وأهميته في العلوم الشرعية : لقوله: علمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم فوجدت أمتنها حبالا وأرسخها جبالا وأجملها آثارا وأسطعها أنوارا علم كتاب الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
- قوله رحمه الله : قال المفسرون أي علم معانيه والعمل بها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قيدوا العلم بالكتاب)) ففزعت إلى تعليق ما يتخيل لي في المناظرة من علم التفسير وترتيب المعاني.

-المراد من كتابته للتفسير :
- أراد به عملا صالحا للتقرب من الله تعالى ، وأن لا يكون من عمل في الدنيا يريد به نصيب.
- زكاة لعلمه وماتعلمه ، وأن يضع في الكتاب ما عُمِّر في فكره ولسانا ناطقا بآيات الكتاب.

- خطته في كتابة التفسير:
- أن يكون جامعا وجيزا محررا لا أذكر من القصص إلا ما لا تنفك الآية إلا به .
- أثبت أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم على ما تلقى السلف الصالح رضوان الله عليهم كتاب الله من مقاصده العربية السليمة .
- متى وقع لأحد من العلماء الذين قد حازوا حسن الظن بهم لفظ ينحو إلى شيء من أغراض الملحدين نبه عليه وسرد التفسير في هذا التعليق بحسب رتبة ألفاظ الآية من حكم أو نحو أو لغة أو معنى أو قراءة.
- تتبع الألفاظ حتى لا يقع طفر كما في كثير من كتب المفسرين .
- إيراد جميع القراءات مستعملها وشاذها واعتمدت تبيين المعاني وجميع محتملات الألفاظ.

- الخاتمة :
- دعا الله أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم ، وأن يغفر تقصيره وخطئه .


باب ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وعن نبهاء العلماء في فضل القرآن المجيد وصورة الاعتصام به :

- فضل القرآن :

- من أفضل العبادات :
- قال عليه السلام: ((أفضل عبادة أمتي القرآن)).
- قال عبد الله بن عمرو بن العاصي من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.

- أفضل العلوم وأشرفها :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن)).
- روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله)).
- روى عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).

- أجر حافظ القرآن :
روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشراف أمتي حملة القرآن)).

- الأجر على تلاوته :
- قال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف)).
- حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن)).
- قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة)).

- شفيع لأصحابه :
- قال عليه السلام: ((ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك)).
- روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته وأولى من محل به من عدل عنه وضيعه)).

- وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم :
روي عنه عليه السلام أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين إنه لن تعمى أبصاركم ولن تضل قلوبكم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وأحلوا حلاله وحرموا حرامه ألا وعترتي وأهل بيتي هو الثقل الآخر فلا تسبعوهم فتهلكوا)).

- حجة لهذه الأمة :
- قيل لجعفر بن محمد الصادق: لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منها والقرآن لا يمل؟ فقال: لأن القرآن حجة على أهل الدهر الثاني كما هو حجة على أهل الدهر الأول فكل طائفة تتلقاه غضا جديدا ولأن كل امرئ في نفسه متى أعاده وفكر فيه تلقى منه في كل مرة علوما غضة وليس هذا كله في الشعر والخطب.
- قيل لمحمد بن سعيد: ما هذا الترديد للقصص في القرآن فقال ليكون لمن قرأ ما تيسر منه حظ في الاعتبار.

- صور الاعتصام به :

- النجاة من الفتن :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).

- التمسك بالعروة الوثقى :
قال أنس بن مالك في تفسير قول تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256، لقمان: 22]. قال: هي القرآن.

- النجاة في يوم القيامة :
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الأشرار ويوضع الأخيار وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أخذتموه: عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.

- الانصات والاستماع للآيات :
قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} [الطور: 7] فأن أنة عيد منها عشرين يوما وقال الحسن بن أبي الحسن البصري إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.

-الاستغفار بعد تلاوة القرآن :
قيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن قال: أستغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته وتذكرت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.

- العمل به :
قرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته أردت الرجوع من أوله فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه فاعمل به.


باب في فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه :

- تعلم الإعراب :
- روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
- قال صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).
- قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه إعراب القرآن أصل في الشريعة لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع.

- تعلم التفسير :
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة)).
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما من شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن رأي الرجل يعجز عنه.
- قال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
- قال إياس بن معاوية مثل الذين يقرؤون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرؤوا ما في الكتاب.
- قال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.


باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين :

- تفسير كتاب الله والجرأة عليه :
- التوقيف في علوم الغيب عند الله تعالى :
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.
قال ابن عطية رحمه الله: ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض.

- أن من تكلم برأيه في كتاب الله دون علم فقد اخطأ:
يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)).
قال ابن عطية رحمه الله: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه.

مراتب المفسرين :
- صدر المفسرين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال ابن عباس ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب.
- عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ، كان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحث على الأخذ عنه ،وكان عبد الله بن مسعود يقول: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس وهو الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم فقهه في الدين)) وحسبك بهذه الدعوة.
- قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية.
- عكرمة والضحاك بن مزاحم وإن كان لم يلق ابن عباس وإنما أخذ عن سعيد ابن جبير.

من كتب التفاسير :
- السدي رحمه الله فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبي صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر.
- وكتب في التفسير كعبد الرزاق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم.
- محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس أشتات التفسير وقرب البعيد وشفى في الإسناد.
-أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول.
- أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس فكثيرا ما استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو العباس المهدوي رحمه الله متقن التأليف .
وكلهم مجتهد مأجور رحمهم الله ونضر وجوههم.



باب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه))

ورد في معنى أن القرآن جاء على سبعة أحرف عدة أقوال من العلماء، وهي:

القول الأول :
أن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونها كتعال وأقبل وإلي ونحوي وقصدي واقرب وجئ وكاللغات التي في أف وكالحروف التي في كتاب الله فيها قراءات كثيرة .
الحكم : هذا قول ضعيف.

القول الثاني :
أنها في الأمر الواحد ، قال ابن شهاب في كتاب مسلم: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
الحكم: كلام محتمل.

القول الثالث :
إن المراد بالسبعة الأحرف معاني كتاب الله تعالى وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال.
الحكم : هذا أيضا ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفا وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا في تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.

القول الرابع :
قول لقاضي أبو بكر بن الطيب قال: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة :
- منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل:
{هن أطهرُ} وأطهرَ.
- و ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثل:
{ربنا باعِد} وباعَد.
- ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف مثل:
(ننشرها) و{ننشزها}.
- ما تتغير صورته ويبقى معناه كقوله: {كالعهن المنفوش} و(كالصوف المنفوش).
- ما تتغير صورته ومعناه مثل: {وطلح منضود} و(طلع منضود) .
- التقديم والتأخير كقوله: {وجاءت سكرة الموت بالحق} و(سكرة الحق بالموت).
- الزيادة والنقصان كقوله: (تسع وتسعون نعجة أنثى).

القول الخامس :
مناقشة أبي عطية ماذكره القاضي أبو بكر بن الطيب في معنى هذه السبعة الأحرف ،منها :

- فقد أورد أبو بكر بن الطيب هذ الحديث : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف نهي وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وائتمروا وانتهوا واعتبروا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه)) ، فرد ابن عطية بقوله: هذا تفسير منه صلى الله عليه وسلم للأحرف السبعة ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة ، فمعنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك.

- وأورد أيضا أن أبيا رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا أبي إني أقرئت القرآن على حرف أو حرفين ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلا شاف وكاف إن قلت: غفور رحيم سميع عليم أو عليم حكيم وكذلك ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب)) ، قال القاضي ابن الطيب: وهذه أيضا سبعة غير السبعة التي هي وجوه وطرائق وغير السبعة التي هي قراءات ووسع فيها وإنما هي سبعة أوجه من أسماء الله تعالى ، فرد ابن عطية عن هذا القول : إذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه.

- قال أبو بكر :نقول في الجملة: إن القرآن منزل على سبعة أحرف من اللغات والإعراب وتغيير الأسماء والصور وإن ذلك مفترق في كتاب الله ليس بموجود في حرف واحد وسورة واحدة يقطع على اجتماع ذلك فيها ، فرد ابن عطية: إنما صح وترتب من جهة اختلاف لغات العرب الذين نزل القرآن بلسانهم وهو اختلاف ليس بشديد التباين حتى يجهل بعضهم ما عند بعض في الأكثر وإنما هو أن قريشا استعملت في عباراتها شيئا واستعملت هذيل شيئا غيره في ذلك المعنى وسعد بن بكر غيره والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم.

تلخيص ابن عطية في ماذكره أبي بكر بن الطيب :
- استدلال القاضي رضي الله عنه بأن لغة عمر وأبي وهشام وابن مسعود واحدة فيه نظر لأن ما استعملته قريش في عبارتها ومنهم عمر وهشام وما استعملته الأنصار ومنهم أبي وما استعملته هذيل ومنهم ابن مسعود قد يختلف ، فلو كانت لغتهم واحدة بأن نفرضهم جميعا من قبيلة واحدة لما كان اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات لأن مناكرتهم لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس في لغته فأنكره وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم وعساه قد أقرأه ما ليس من لغته واستعمال قبيلته.
- كأن القاضي رحمه الله إنما أبطل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد في قوله: ((على سبعة أحرف)) عد اللغات التي تختلف بجملتها وأن تكون سبعا متباينة لسبع قبائل تقرأ كل قبيلة القرآن كله بحرفها ولا تدخل عليها لغة غيرها ، صحيح أن يقصد عليه السلام عد الأنحاء والوجوه التي اختلفت في القرآن بسبب اختلاف عبارات اللغات ، صحيح أن يقصد عد الجماهير والرؤوس من الجملة التي نزل القرآن بلسانها وهي قبائل مضر فجعلها سبعة وهذا أكثر توسعة للنبي صلى الله عليه وسلم لأن الأنحاء تبقى غير محصورة فعسى أن الملك أقرأه بأكثر من سبعة طرائق ووجوه.
- أن القاضي أبو بكر أجاز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها، إلا أن الشرط الذي يصح به هذا القول هو أن تروى عن النبي عليه السلام ومال كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره.
- لما بعث الله تعالى رسوله ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافاتها في العبارات ،فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي عليه السلام قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وعقت تمائمه وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسدا وضبة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب .
- أنها اختصت هذه اللغات بهذه القبائل ، فهي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخيل ويسرها الله لذلك ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم فأما اليمن وهي جنوبي الجزيرة فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود .
- فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة ، مثل : أن (فطر) معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قول تعالى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1، الزمر 46].
-أباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الوصف ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: ((فاقرؤوا ما تيسر منه)) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.

سبب كتابة المصحف على لغة واحدة :
- ما ذكر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وذلك أنهم لما اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روي لها فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به فأشفق حذيفة مما رأى منهم فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكر البخاري وغيره دخل إلى عثمان بن عفان قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك قال: فيماذا؟ قال: في كتاب الله إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الشام ومن الحجاز فوصف له ما تقدم وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى قال عثمان رضي الله عنه: أفعل فتجرد للأمر واستناب الكفاة العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفصح اللغات وقال لهم: "إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش".
- سدا للذريعة وتغليبا لمصلحة الألفة وهي المصاحف التي أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن تحرق أو تخرق.
- أما ابن مسعود فأبى أن يزال مصحفه فترك ولكن أبى العلماء قراءته سدا للذريعة ولأنه روي أنه كتب فيه أشياء على جهة التفسير فظنها قوم من التلاوة فتخلط الأمر فيه ولم يسقط فيما ترك معنى من معاني القرآن لأن المعنى جزء من الشريعة وإنما تركت ألفاظ معانيها موجودة في الذي أثبت.
- أن القراء في الأمصار تتبعوا ما روي لهم من اختلافات لاسيما فيما وافق خط المصحف فقرؤوا بذلك حسب اجتهاداتهم فلذلك ترتب أمر القراء السبعة وغيرهم رحمهم الله ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة وبها يصلى لأنها ثبتت بالإجماع.

الحكم الصلاة بالقراءة بالأحرف السبعة :
- يجوز ماتتبع به العلماء بالطرق الصحيحة، وبها يصلى لأنها ثبتت بالإجماع.
- أما شاذ القراءات فلا يصلى به .


باب ذكر جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره

- جمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم :
كان متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك.

- جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه :
- لما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي وزيد وابن مسعود فيذهب.
- ندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
- روي أن في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتى وجدها زيد عند خزيمة بن ثابت .
- بقيت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر بن الخطاب بعده ثم عند حفصة بنته.

- جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه :
- انتشرت ماكتب من القرآن عن الصحابة كمصحف ابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ومصحف أبي وغير ذلك وكان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها.
- لما قدم حذيفة من غزوة أرمينية ،انتدب عثمان لجمع المصحف وأمر زيد بن ثابت بجمعه وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش سعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما.
- روي أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش فاختلفوا في التابوه والتابوت قرأه زيد بن ثابت بالهاء والقرشيون بالتاء فأثبته بالتاء وكتب المصحف على ما هو عليه غابر الدهر ونسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق أو تخرق وتروى بالحاء غير منقوطة وتروى بالخاء على معنى ثم تدفن، ورواية الحاء غير منقوطة أحسن.

ترتيب السور:
- ظاهر الآثار أن السبع الطول والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام.
- كان في السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت الكتب .

شكل المصحف ونقطه:
- روي أن عبد الملك بن مروان أمر به وعمله ، و تجرد لذلك الحجاج بواسط وجد فيه وزاد تحزيبه .
- أمر الحجاج وهو والي العراق الحسن ويحيى بن يعمر بذلك وألف إثر ذلك بواسط كتاب في القراءات جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط ومشى الناس على ذلك زمانا طويلا .
- ألف ابن مجاهد كتابه في القراءات.
- أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.
- أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر.
- وضع الأعشار فيه فمر بي في بعض التواريخ أن المأمون العباسي أمر بذلك وقيل إن: الحجاج فعل ذلك.
- ذكر أبو عمرو الداني عن قتادة أنه قال: بدؤوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا وهذا كالإنكار.


باب في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق


اختلف الناس في هذه المسألة ، منها :
- إن في كتاب الله تعالى من كل لغة ، قول أبي عبيدة وغيره .
- ذكره الطبري : أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغتان فتكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد ،وذلك مثل قول تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة قام من الليل .

قول ابن عطية في هذه المسألة :
- إن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن نزل بلسان عربي مبين فليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب فلا تفهمها إلا من لسان آخر.
- أن الألفاظ وما جرى مجراها فإنه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتي قريش ،فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة .
- استعملها العرب في أشعارهم ومحاوراتهم حتى جرت مجرى العربي الصريح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن فإن جهلها عربي ما فكجهله الصريح بما في لغة غيره كما لم يعرف ابن عباس معنى فاطر إلى غير ذلك.
- حقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه.
- وما ذهب إليه الطبري من أن اللغتين اتفقتا في لفظة فذلك بعيد بل إحداهما أصل والأخرى فرع في الأكثر لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا.


نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن

اختلف الناس في إعجاز القرآن بم هو ، فقال قوم :
- إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وفيه وقع عجزها.
- وقالوا : إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة والغيوب المسرودة.

رد ابن عطية على هذا القولين:
- هذان القولان إنما يرى العجز فيهما من قد تقررت الشريعة ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم في نفسه.
- أما من هو في ظلمة كفره فإنما يتحدى فيما يبين له بينه وبين نفسه عجزه عنه وأن البشر لا يأتي بمثله ويتحقق مجيئه من قبل المتحدي وكفار العرب لم يمكنهم قط أن ينكروا أن رصف القرآن ونظمه وفصاحته متلقى من قبل محمد صلى الله عليه وسلم
فإذا تحديت إلى ذلك وعجزت فيه علم كل فصيح ضرورة أن هذا نبي يأتي بما ليس في قدرة البشر الإتيان به إلا أن يخص الله تعالى من يشاء من عباده.
- وهذا هو القول الذي عليه الجمهور والحذاق وهو الصحيح في نفسه أن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه.
- وجه الإعجاز: أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره .
-أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا.
- قامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة .


باب في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى

إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع:
- قد يسوق المتكلم في التفسير إلى أن يقول خاطب الله بهذه الآية المؤمنين وشرف الله بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون وحكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت: {قصيه} ، وقد استعمل هذه الطريقة المفسرون والمحدثون والفقهاء.
-ذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال حكى الله ولا ما جرى مجراه ، قال ابن عطية: وهذا على تقرير هذه الصفة له وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى.
- أما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام والمراد منه حكت الآية أو اللفظ فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس.


باب في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية

أسماء القرآن ومعناه :
- القرآن: مصدر من قولك: قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا، قال قتادة: القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا .
- الكتاب : هو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر: (واكتبها بأسيار) أي: اجمعها.
- الفرقان : مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقا وفرقانا.
- الذكر: سمي به لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.

معنى السورة:
- تقرأ بهمز فيقال سؤر وسؤرة ، فيكون المعنى البقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى ومنه سؤر الشراب.
- تقرأ بدون همز ، ويكون المعنى منهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه.

معنى الآية :
- هي العلامة في كلام العرب.
- قال بعضهم:لما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية.


والله أعلم .

هيئة التصحيح 11 18 رجب 1440هـ/24-03-2019م 10:55 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابتهال عبدالمحسن (المشاركة 354874)
بسم الله الرحمن الرحيم


المسائل التي اشتملت عليها مقدّمة تفسير ابن عطية الأندلسي


خطبة تفسير ابن عطية :

- نسب الشيخ :
القاضي أبو محمد عبد الحق ابن الفقيه الإمام الحافظ أبي بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن عطية وهو الداخل إلى الأندلس ابن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكرم المحاربي من ولد زيد بن محارب بن خصفة بن قيس عيلان من أهل غرناطة رحمه الله .

- مقدمة الخطبة :
الحمد والثناء والشكر لله تعالى على مامن به على هذه الأمة ، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم.

- سبب كتابته للتفسير :
- أن يكون كتابا مرجعا لأهل العلم : قال رحمه الله : رأيت أن من الواجب على من احتبى وتخير من العلوم واجتبى أن يعتمد على علم من علوم الشرع يستنفد فيه غاية الوسع يجوب آفاقه ويتتبع أعماقه ويضبط أصوله ويحكم فصوله ويلخص ما هو منه أو يؤول إليه ويعنى بدفع الاعتراضات عليه حتى يكون لأهل ذلك العلم كالحصن المشيد والذخر العتيد يستندون فيه إلى أقواله ويحتذون على مثاله.
-مكانة التفسير وأهميته في العلوم الشرعية : لقوله: علمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم فوجدت أمتنها حبالا وأرسخها جبالا وأجملها آثارا وأسطعها أنوارا علم كتاب الله جلت قدرته وتقدست أسماؤه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
- قوله رحمه الله : قال المفسرون أي علم معانيه والعمل بها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قيدوا العلم بالكتاب)) ففزعت إلى تعليق ما يتخيل لي في المناظرة من علم التفسير وترتيب المعاني.
[يمكنكِ تلخيص قوله بعبارة مختصرة تغني عن نقله]
-المراد من كتابته للتفسير :
- أراد به عملا صالحا للتقرب من الله تعالى ، وأن لا يكون من عمل في الدنيا يريد به نصيب.
- زكاة لعلمه وماتعلمه ، وأن يضع في الكتاب ما عُمِّر في فكره ولسانا ناطقا بآيات الكتاب.

- خطته في كتابة التفسير:
- أن يكون جامعا وجيزا محررا لا أذكر من القصص إلا ما لا تنفك الآية إلا به .
- أثبت أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم على ما تلقى السلف الصالح رضوان الله عليهم كتاب الله من مقاصده العربية السليمة .
- متى وقع لأحد من العلماء الذين قد حازوا حسن الظن بهم لفظ ينحو إلى شيء من أغراض الملحدين نبه عليه وسرد التفسير في هذا التعليق بحسب رتبة ألفاظ الآية من حكم أو نحو أو لغة أو معنى أو قراءة.
- تتبع الألفاظ حتى لا يقع طفر كما في كثير من كتب المفسرين .
- إيراد جميع القراءات مستعملها وشاذها واعتمدت تبيين المعاني وجميع محتملات الألفاظ.

- الخاتمة :
- دعا الله أن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم ، وأن يغفر تقصيره وخطئه .


باب ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وعن نبهاء العلماء في فضل القرآن المجيد وصورة الاعتصام به :

- فضل القرآن :

- من أفضل العبادات :
- قال عليه السلام: ((أفضل عبادة أمتي القرآن)).
- قال عبد الله بن عمرو بن العاصي من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه.

- أفضل العلوم وأشرفها :
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن)).
- روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي فقد استصغر ما عظم الله)).
- روى عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه)).

- أجر حافظ القرآن :
روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أشراف أمتي حملة القرآن)).

- الأجر على تلاوته :
- قال صلى الله عليه وسلم: ((اتلوا هذا القرآن فإن الله يأجركم بالحرف منه عشر حسنات أما إني لا أقول الم حرف ولكن الألف حرف واللام حرف والميم حرف)).
- حديث أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ مائة آية كتب من القانتين ومن قرأ مائتي آية لم يكتب من الغافلين ومن قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن)).
- قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الذي يتعاهد هذا القرآن ويشتد عليه له أجران والذي يقرأه وهو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة)).

- شفيع لأصحابه :
- قال عليه السلام: ((ما من شفيع أفضل عند الله من القرآن لا نبي ولا ملك)).
- روى أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من شفع له القرآن نجا ومن محل به القرآن يوم القيامة كبه الله لوجهه في النار وأحق من شفع له القرآن أهله وحملته وأولى من محل به من عدل عنه وضيعه)).

- وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم :
روي عنه عليه السلام أنه قال في آخر خطبة خطبها وهو مريض: ((أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين إنه لن تعمى أبصاركم ولن تضل قلوبكم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم كتاب الله سبب بينكم وبينه طرفه بيده وطرفه بأيديكم فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وأحلوا حلاله وحرموا حرامه ألا وعترتي وأهل بيتي هو الثقل الآخر فلا تسبعوهم فتهلكوا)).

- حجة لهذه الأمة :
- قيل لجعفر بن محمد الصادق: لم صار الشعر والخطب يمل ما أعيد منها والقرآن لا يمل؟ فقال: لأن القرآن حجة على أهل الدهر الثاني كما هو حجة على أهل الدهر الأول فكل طائفة تتلقاه غضا جديدا ولأن كل امرئ في نفسه متى أعاده وفكر فيه تلقى منه في كل مرة علوما غضة وليس هذا كله في الشعر والخطب.
- قيل لمحمد بن سعيد: ما هذا الترديد للقصص في القرآن فقال ليكون لمن قرأ ما تيسر منه حظ في الاعتبار.

- صور الاعتصام به :

- النجاة من الفتن :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ستكون فتن كقطع الليل المظلم)) قيل: فما النجاة منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله تعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو فصل ليس بالهزل من تركه تجبرا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تتشعب معه الآراء ولا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء من علم علمه سبق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن اعتصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم)).

- التمسك بالعروة الوثقى :
قال أنس بن مالك في تفسير قول تعالى: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256، لقمان: 22]. قال: هي القرآن.

- النجاة في يوم القيامة :
قال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن من أشراط الساعة أن يبسط القول ويخزن الفعل ويرفع الأشرار ويوضع الأخيار وأن تقرأ المثناة على رؤوس الناس لا تغير قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب من غير كتاب الله قيل له فكيف بما جاء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أخذتموه: عمن تأمنونه على نفسه ودينه فاعقلوه وعليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون وبه تجزون وكفى به واعظا لمن عقل.

- الانصات [الإنصات] والاستماع للآيات :
قال رجل لعبد الله بن مسعود: أوصني فقال: إذا سمعت الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فأرعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ مرة: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع} [الطور: 7] فأن أنة عيد منها عشرين يوما وقال الحسن بن أبي الحسن البصري إنكم اتخذتم قراءة القرآن مراحل وجعلتم الليل جملا تركبونه فتقطعون به المراحل وإن من كان قبلكم رأوه رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.

-الاستغفار بعد تلاوة القرآن :
قيل ليوسف بن أسباط: بأي شيء تدعو إذا ختمت القرآن قال: أستغفر الله من تلاوتي لأني إذا ختمته وتذكرت ما فيه من الأعمال خشيت المقت فأعدل إلى الاستغفار والتسبيح.

- العمل به :
قرأ رجل القرآن على بعض العلماء قال فلما ختمته أردت الرجوع من أوله فقال لي: اتخذت القراءة علي عملا اذهب فاقرأه على الله تعالى في ليلك وانظر ماذا يفهمك منه فاعمل به.


باب في فضل تفسير القرآن والكلام على لغته والنظر في إعرابه ودقائق معانيه :

- تعلم الإعراب : [إعراب القرآن]
- روى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال أي علم القرآن أفضل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عربيته فالتمسوها في الشعر)).
- قال صلى الله عليه وسلم: ((أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه فإن الله يحب أن يعرب)).
- قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه إعراب القرآن أصل في الشريعة لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع.

- تعلم التفسير :
- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة)).
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما من شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن رأي الرجل يعجز عنه.
- قال أبو العالية في تفسير قوله عز وجل: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا} [البقرة: 269] قال الحكمة: الفهم في القرآن وقال قتادة الحكمة: القرآن والفقه فيه وقال غيره: الحكمة تفسير القرآن.
- قال إياس بن معاوية مثل الذين يقرؤون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا وليس عندهم مصباح فتداخلتهم روعة لا يدرون ما في الكتاب ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرؤوا ما في الكتاب.
- قال مجاهد: أحب الخلق إلى الله أعلمهم بما أنزل.


باب ما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسرين :

- تفسير كتاب الله والجرأة عليه :
- التوقيف في علوم الغيب عند الله تعالى :
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر من كتاب الله إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل.
قال ابن عطية رحمه الله: ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من الله تعالى ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور وكرتبة خلق السموات والأرض.

- أن من تكلم برأيه في كتاب الله دون علم فقد اخطأ:
يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)).
قال ابن عطية رحمه الله: ومعنى هذا أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء أو اقتضته قوانين العلوم كالنحو والأصول وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته والنحاة نحوه والفقهاء معانيه ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر فإن القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه.

مراتب المفسرين :
- صدر المفسرين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال ابن عباس ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب.
- عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ، كان علي بن أبي طالب يثني على تفسير ابن عباس ويحث على الأخذ عنه ،وكان عبد الله بن مسعود يقول: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس وهو الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم فقهه في الدين)) وحسبك بهذه الدعوة.
- قرأ مجاهد على ابن عباس قراءة تفهم ووقوف عند كل آية.
- عكرمة والضحاك بن مزاحم وإن كان لم يلق ابن عباس وإنما أخذ عن سعيد ابن جبير.

من كتب التفاسير :
- السدي رحمه الله فكان عامر الشعبي يطعن عليه وعلى أبي صالح لأنه كان يراهما مقصرين في النظر.
- وكتب في التفسير كعبد الرزاق والمفضل وعلي بن أبي طلحة والبخاري وغيرهم.
- محمد بن جرير الطبري رحمه الله جمع على الناس أشتات التفسير وقرب البعيد وشفى في الإسناد.
-أبو إسحاق الزجاج وأبو علي الفارسي فإن كلامهما منخول.
- أبو بكر النقاش وأبو جعفر النحاس فكثيرا ما استدرك الناس عليهما وعلى سننهما مكي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو العباس المهدوي رحمه الله متقن التأليف .
وكلهم مجتهد مأجور رحمهم الله ونضر وجوههم.


[يفضل تقسيمهم لما انتُقد ولما أثني عليه]

باب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه))

ورد في معنى أن القرآن جاء على سبعة أحرف عدة أقوال من العلماء، وهي:

القول الأول :
أن تلك الحروف السبعة هي فيما يتفق أن يقال على سبعة أوجه فما دونها كتعال وأقبل وإلي ونحوي وقصدي واقرب وجئ وكاللغات التي في أف وكالحروف التي في كتاب الله فيها قراءات كثيرة .
الحكم : هذا قول ضعيف.

القول الثاني :
أنها في الأمر الواحد ، قال ابن شهاب في كتاب مسلم: بلغني أن تلك السبعة الأحرف إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا لا يختلف في حلال ولا حرام.
الحكم: كلام محتمل.
[ هذا تعليق عام على ما قبله وليس قولا مستقلا، أن الأحرف المختلفة للكلمة الواحدة لا تؤدي إلى اختلاف في الحكم من حيث الحلال والحرام، ويُراجع تحرير الأخت مريم حجازي، وتنظيمها للأقوال]
القول الثالث :
إن المراد بالسبعة الأحرف معاني كتاب الله تعالى وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وقصص ومجادلة وأمثال.
الحكم : هذا أيضا ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفا وأيضا فالإجماع أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا في تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.

القول الرابع :
قول لقاضي أبو بكر بن الطيب قال: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة :
- منها ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل:
{هن أطهرُ} وأطهرَ.
- و ما لا تتغير صورته ويتغير معناه بالإعراب مثل:
{ربنا باعِد} وباعَد.
- ما تبقى صورته ويتغير معناه باختلاف الحروف مثل:
(ننشرها) و{ننشزها}.
- ما تتغير صورته ويبقى معناه كقوله: {كالعهن المنفوش} و(كالصوف المنفوش).
- ما تتغير صورته ومعناه مثل: {وطلح منضود} و(طلع منضود) .
- التقديم والتأخير كقوله: {وجاءت سكرة الموت بالحق} و(سكرة الحق بالموت).
- الزيادة والنقصان كقوله: (تسع وتسعون نعجة أنثى).

القول الخامس :
مناقشة أبي عطية ماذكره القاضي أبو بكر بن الطيب في معنى هذه السبعة الأحرف ،منها :

- فقد أورد أبو بكر بن الطيب هذ الحديث : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف نهي وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وائتمروا وانتهوا واعتبروا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه)) ، فرد ابن عطية بقوله: هذا تفسير منه صلى الله عليه وسلم للأحرف السبعة ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة ، فمعنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل وتحريم وغير ذلك.

- وأورد أيضا أن أبيا رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا أبي إني أقرئت القرآن على حرف أو حرفين ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف ليس منها إلا شاف وكاف إن قلت: غفور رحيم سميع عليم أو عليم حكيم وكذلك ما لم تختم عذابا برحمة أو رحمة بعذاب)) ، قال القاضي ابن الطيب: وهذه أيضا سبعة غير السبعة التي هي وجوه وطرائق وغير السبعة التي هي قراءات ووسع فيها وإنما هي سبعة أوجه من أسماء الله تعالى ، فرد ابن عطية عن هذا القول : إذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ فلا يجوز للناس أن يبدلوا اسما لله في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه.

- قال أبو بكر :نقول في الجملة: إن القرآن منزل على سبعة أحرف من اللغات والإعراب وتغيير الأسماء والصور وإن ذلك مفترق في كتاب الله ليس بموجود في حرف واحد وسورة واحدة يقطع على اجتماع ذلك فيها ، فرد ابن عطية: إنما صح وترتب من جهة اختلاف لغات العرب الذين نزل القرآن بلسانهم وهو اختلاف ليس بشديد التباين حتى يجهل بعضهم ما عند بعض في الأكثر وإنما هو أن قريشا استعملت في عباراتها شيئا واستعملت هذيل شيئا غيره في ذلك المعنى وسعد بن بكر غيره والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم.

تلخيص ابن عطية في ماذكره أبي بكر بن الطيب :
- استدلال القاضي رضي الله عنه بأن لغة عمر وأبي وهشام وابن مسعود واحدة فيه نظر لأن ما استعملته قريش في عبارتها ومنهم عمر وهشام وما استعملته الأنصار ومنهم أبي وما استعملته هذيل ومنهم ابن مسعود قد يختلف ، فلو كانت لغتهم واحدة بأن نفرضهم جميعا من قبيلة واحدة لما كان اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات لأن مناكرتهم لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس في لغته فأنكره وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم وعساه قد أقرأه ما ليس من لغته واستعمال قبيلته.
- كأن القاضي رحمه الله إنما أبطل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قصد في قوله: ((على سبعة أحرف)) عد اللغات التي تختلف بجملتها وأن تكون سبعا متباينة لسبع قبائل تقرأ كل قبيلة القرآن كله بحرفها ولا تدخل عليها لغة غيرها ، صحيح أن يقصد عليه السلام عد الأنحاء والوجوه التي اختلفت في القرآن بسبب اختلاف عبارات اللغات ، صحيح أن يقصد عد الجماهير والرؤوس من الجملة التي نزل القرآن بلسانها وهي قبائل مضر فجعلها سبعة وهذا أكثر توسعة للنبي صلى الله عليه وسلم لأن الأنحاء تبقى غير محصورة فعسى أن الملك أقرأه بأكثر من سبعة طرائق ووجوه.
- أن القاضي أبو بكر أجاز أن يقرأ بهذه الوجوه على اختلافها، إلا أن الشرط الذي يصح به هذا القول هو أن تروى عن النبي عليه السلام ومال كثير من أهل العلم كأبي عبيد وغيره. [مالوا لماذا؟]
- لما بعث الله تعالى رسوله ويسر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة وهي التي قسمها على سبعة لها السبعة الأحرف وهي اختلافاتها في العبارات ،فأصل ذلك وقاعدته قريش ثم بنو سعد بن بكر لأن النبي عليه السلام قرشي واسترضع في بني سعد ونشأ فيهم ثم ترعرع وعقت تمائمه وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة وأسدا وضبة وألفافها لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب . [هذه مسألة أخرى بعد إقرار ابن عطية أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب فأخذ يناقش تحديد هذه السبع لغات]
- أنها اختصت هذه اللغات بهذه القبائل ، فهي التي انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدخيل ويسرها الله لذلك ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة فلم تطرقها الأمم فأما اليمن وهي جنوبي الجزيرة فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود .
- فمعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) أي فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش ومرة بعبارة هذيل ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح والأوجز في اللفظة ، مثل : أن (فطر) معناها عند غير قريش ابتدأ خلق الشيء وعمله فجاءت في القرآن فلم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قول تعالى: {فاطر السماوات والأرض} [فاطر: 1، الزمر 46].
-أباح الله تعالى لنبيه هذه الحروف السبعة وعارضه بها جبريل في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الوصف ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام: ((فاقرؤوا ما تيسر منه)) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه.

سبب كتابة المصحف على لغة واحدة [حرف واحد ]:
- ما ذكر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وذلك أنهم لما اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روي لها فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به فأشفق حذيفة مما رأى منهم فلما قدم حذيفة المدينة فيما ذكر البخاري وغيره دخل إلى عثمان بن عفان قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك قال: فيماذا؟ قال: في كتاب الله إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الشام ومن الحجاز فوصف له ما تقدم وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلفت اليهود والنصارى قال عثمان رضي الله عنه: أفعل فتجرد للأمر واستناب الكفاة العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن ويجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفصح اللغات وقال لهم: "إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش".
- سدا للذريعة وتغليبا لمصلحة الألفة وهي المصاحف التي أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن تحرق أو تخرق.
- أما ابن مسعود فأبى أن يزال مصحفه فترك ولكن أبى العلماء قراءته سدا للذريعة ولأنه روي أنه كتب فيه أشياء على جهة التفسير فظنها قوم من التلاوة فتخلط الأمر فيه ولم يسقط فيما ترك معنى من معاني القرآن لأن المعنى جزء من الشريعة وإنما تركت ألفاظ معانيها موجودة في الذي أثبت.
- أن القراء في الأمصار تتبعوا ما روي لهم من اختلافات لاسيما فيما وافق خط المصحف فقرؤوا بذلك حسب اجتهاداتهم فلذلك ترتب أمر القراء السبعة وغيرهم رحمهم الله ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة وبها يصلى لأنها ثبتت بالإجماع.

الحكم الصلاة بالقراءة بالأحرف السبعة :
- يجوز ماتتبع به العلماء بالطرق الصحيحة، وبها يصلى لأنها ثبتت بالإجماع. [مراد ابن عطية أنه بقي من الأحرف السبعة ما وافق رسم المصحف إذ بقي الصحابة رضوان الله عليهم يقرئون الناس مما سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم ووافق رسم المصحف، ولأن المصحف العثماني لم يكن منقوطًا ولا مشكولا نشأت القراءات الموجودة الآن؛ فالقراءة الصحيحة هي ما وافقت رسم المصحف وما ثبتت بصحة الإسناد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولها وجه في اللغة، وما خالف هذه الشروط فهو شاذ]
- أما شاذ القراءات فلا يصلى به .


باب ذكر جمع القرآن وشكله ونقطه وتحزيبه وتعشيره

- جمع القرآن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم :
كان متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وظرر وفي لخاف وفي خزف وغير ذلك.

- جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه :
- لما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراءة كأبي وزيد وابن مسعود فيذهب.
- ندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد منه رضي الله عنه.
- روي أن في هذا الجمع سقطت الآية من آخر براءة حتى وجدها زيد عند خزيمة بن ثابت . [الصحيح كما أقر ابن عطية أن هذه الآية كانت مع أبي خزيمة الأنصاري، وأما في جمع عثمان فقدوا آية الأحزاب وكانت مع خزيمة بن ثابت]
- بقيت الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر بن الخطاب بعده ثم عند حفصة بنته.

- جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه :
- انتشرت ماكتب من القرآن عن الصحابة كمصحف ابن مسعود وما كتب عن الصحابة بالشام ومصحف أبي وغير ذلك وكان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها.
- لما قدم حذيفة من غزوة أرمينية ،انتدب عثمان لجمع المصحف وأمر زيد بن ثابت بجمعه وقرن بزيد فيما ذكر البخاري ثلاثة من قريش سعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبد الله بن الزبير وكذلك ذكر الترمذي وغيرهما.
- روي أن عثمان رضي الله عنه قال لهم: إذا اختلفتم في شيء فاجعلوه بلغة قريش فاختلفوا في التابوه والتابوت قرأه زيد بن ثابت بالهاء والقرشيون بالتاء فأثبته بالتاء وكتب المصحف على ما هو عليه غابر الدهر ونسخ عثمان منه نسخا ووجه بها إلى الآفاق وأمر بما سواها من المصاحف أن تحرق أو تخرق وتروى بالحاء غير منقوطة وتروى بالخاء على معنى ثم تدفن، ورواية الحاء غير منقوطة أحسن.

ترتيب السور:
- ظاهر الآثار أن السبع الطول والحواميم والمفصل كان مرتبا في زمن النبي عليه السلام.
- كان في السور ما لم يرتب فذلك هو الذي رتب وقت الكتب .

شكل المصحف ونقطه:
- روي أن عبد الملك بن مروان أمر به وعمله ، و تجرد لذلك الحجاج بواسط وجد فيه وزاد تحزيبه .
- أمر الحجاج وهو والي العراق الحسن ويحيى بن يعمر بذلك وألف إثر ذلك بواسط كتاب في القراءات جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط ومشى الناس على ذلك زمانا طويلا .
- ألف ابن مجاهد كتابه في القراءات.
- أن زياد بن أبي سفيان أمر أبا الأسود بنقط المصاحف.
- أن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي وذكر أيضا أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر.
- وضع الأعشار فيه فمر بي في بعض التواريخ أن المأمون العباسي أمر بذلك وقيل إن: الحجاج فعل ذلك. [فمر بي؟؟؟]
- ذكر أبو عمرو الداني عن قتادة أنه قال: بدؤوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا وهذا كالإنكار.


باب في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله وللغات العجم بها تعلق


اختلف الناس في هذه المسألة ، منها :
- إن في كتاب الله تعالى من كل لغة ، قول أبي عبيدة وغيره .
- ذكره الطبري : أن القرآن ليس فيه لفظة إلا وهي عربية صريحة وأن الأمثلة والحروف التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغتان فتكلمت بها العرب والفرس أو الحبشة بلفظ واحد ،وذلك مثل قول تعالى: {إن ناشئة الليل} [المزمل: 6] قال ابن عباس: نشأ بلغة الحبشة قام من الليل .

قول ابن عطية في هذه المسألة :
- إن القاعدة والعقيدة هي أن القرآن نزل بلسان عربي مبين فليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب فلا تفهمها إلا من لسان آخر.
- أن الألفاظ وما جرى مجراها فإنه قد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتي قريش ،فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة .
- استعملها العرب في أشعارهم ومحاوراتهم حتى جرت مجرى العربي الصريح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن فإن جهلها عربي ما فكجهله الصريح بما في لغة غيره كما لم يعرف ابن عباس معنى فاطر إلى غير ذلك.
- حقيقة العبارة عن هذه الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه.
- وما ذهب إليه الطبري من أن اللغتين اتفقتا في لفظة فذلك بعيد بل إحداهما أصل والأخرى فرع في الأكثر لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا.


نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن

اختلف الناس في إعجاز القرآن بم هو ، فقال قوم :
- إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات وإن العرب كلفت في ذلك ما لا يطاق وفيه وقع عجزها.
- وقالوا : إن التحدي وقع بما في كتاب الله تعالى من الأنباء الصادقة والغيوب المسرودة.

رد ابن عطية على هذا القولين:
- هذان القولان إنما يرى العجز فيهما من قد تقررت الشريعة ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم في نفسه.
- أما من هو في ظلمة كفره فإنما يتحدى فيما يبين له بينه وبين نفسه عجزه عنه وأن البشر لا يأتي بمثله ويتحقق مجيئه من قبل المتحدي وكفار العرب لم يمكنهم قط أن ينكروا أن رصف القرآن ونظمه وفصاحته متلقى من قبل محمد صلى الله عليه وسلم
فإذا تحديت إلى ذلك وعجزت فيه علم كل فصيح ضرورة أن هذا نبي يأتي بما ليس في قدرة البشر الإتيان به إلا أن يخص الله تعالى من يشاء من عباده.
- وهذا هو القول الذي عليه الجمهور والحذاق وهو الصحيح في نفسه أن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه.
- وجه الإعجاز: أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما وأحاط بالكلام كله علما فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره .
-أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يصنع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا.
- قامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة .


باب في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب الله تعالى

إسناد أفعال إلى الله تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع:
- قد يسوق المتكلم في التفسير إلى أن يقول خاطب الله بهذه الآية المؤمنين وشرف الله بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون وحكى الله تعالى عن أم موسى أنها قالت: {قصيه} ، وقد استعمل هذه الطريقة المفسرون والمحدثون والفقهاء.
-ذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال حكى الله ولا ما جرى مجراه ، قال ابن عطية: وهذا على تقرير هذه الصفة له وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى.
- أما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام والمراد منه حكت الآية أو اللفظ فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس.


باب في تفسير أسماء القرآن وذكر السورة والآية

أسماء القرآن ومعناه :
- القرآن: مصدر من قولك: قرأ الرجل إذا تلا يقرأ قرآنا، قال قتادة: القرآن معناه التأليف قرأ الرجل إذا جمع وألف قولا .
- الكتاب : هو مصدر من كتب إذا جمع ومنه قيل كتيبة لاجتماعها ومنه قول الشاعر: (واكتبها بأسيار) أي: اجمعها.
- الفرقان : مصدر لأنه فرق بين الحق والباطل والمؤمن والكافر فرقا وفرقانا.
- الذكر: سمي به لأنه ذكر به الناس آخرتهم وإلههم وما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم وقيل: سمي بذلك لأنه فيه ذكر الأمم الماضية والأنبياء وقيل: سمي بذلك لأنه ذكر وشرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وقومه وسائر العلماء به.

معنى السورة:
- تقرأ بهمز فيقال سؤر وسؤرة ، فيكون المعنى البقية من الشيء والقطعة منه التي هي سؤر وسؤرة من أسأر إذا أبقى ومنه سؤر الشراب.
- تقرأ بدون همز ، ويكون المعنى منهم من يراها من المعنى المتقدم إلا أنها سهلت همزتها ومنهم من يراها مشبهة بسورة البناء أي القطعة منه.

معنى الآية :
- هي العلامة في كلام العرب.
- قال بعضهم:لما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها وعلى عجز المتحدى بها سميت آية.


والله أعلم .


أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
ويؤخذ عليكِ اعتمادكِ على ألفاظ المؤلف كثيرًا حتى وقع منكِ أخطاء نبهتكِ على بعضها أعلاه.
ويمكنكِ اختصار المعنى بأسلوبكِ بما لا يخل بالمقصود أو يلغي بعض المسائل المهمة.
التقويم: ب
خُصمت نصف درجة للتأخير.


الساعة الآن 02:08 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir