معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد

معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد (http://afaqattaiseer.net/vb/index.php)
-   كتاب الأيمان (http://afaqattaiseer.net/vb/forumdisplay.php?f=214)
-   -   متى يسن الحنث في اليمين؟ (http://afaqattaiseer.net/vb/showthread.php?t=8434)

عبد العزيز الداخل 12 جمادى الآخرة 1431هـ/25-05-2010م 03:42 AM

متى يسن الحنث في اليمين؟
 
و ( يُسَنُّ ) الْحِنْثُ في اليمينِ إذا كانَ خَيْرًا، ومَن حَرَّمَ حلالًا ـ سِوَى زوجتِه ـ من أَمَةٍ أو طعامٍ أو لِباسٍ أو غيرِه لم يَحْرُمْ، وتَلْزَمُه كَفَّارَةُ يمينٍ إن فَعَلَه.

محمد أبو زيد 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م 03:27 PM

المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي
 
............................

محمد أبو زيد 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م 03:27 PM

الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي
 

(ويُسَنُّ الحِنْثُ في اليَمينِ إذا كانَ) الحِنْثُ (خَيْراً)؛ كمَن حَلَفَ على فِعْلِ مكروهٍ أو تَرْكِ مندوبٍ، وإنْ حَلَفَ على فِعْلِ مندوبٍ أو تَرْكِ مكروهٍ، كُرِهَ حِنْثُهُ، وعلى فعلِ واجبٍ أو تَرْكِ مُحَرَّمٍ، حَرُمَ حِنْثُهُ، وعلى فِعْلِ مُحَرَّمٍ أو تَرْكِ واجبٍ، وَجَبَ حِنْثُهُ، ويُخَيَّرُ في مُباحٍ، وحِفْظُها فيه أَوْلَى، ولا يَلْزَمُ إبرارُ قَسَمٍ؛ كإجابةِ سُؤَالٍ باللَّهِ تعالَى، بل يُسَنُّ.
(ومَن حَرَّمَ حَلالاً سِوَى زَوْجَتِهِ)؛ لأنَّ تحريمَها ظِهَارٌ كما تَقَدَّمَ، سواءٌ كانَ الذي حَرَّمَهُ (مِن أَمَةٍ أو طعامٍ أو لِباسٍ أو غيرِهِ)؛ كقولِهِ: ما أحلَّ اللَّهُ عليَّ حرامٌ. ولا زوجةَ له، أو قالَ: طعامي عليَّ كالمَيْتَةِ. (لم تَحْرُمْ) عليه؛ لأنَّ اللَّهَ سَمَّاه يَمِيناً بقولِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} إلى قولِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}. واليمينُ على الشيءِ لا تُحَرِّمُهُ، (وتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ فَعَلَه)؛ لقولِهِ تعالَى: {فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}؛ أي: التكفيرَ، وسَبَبُ نُزُولِها أنَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لَنْ أَعُودَ إِلَى شُرْبِ الْعَسَلِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ومَن قالَ: هو يهوديٌّ أو كافرٌ أو يعبُدُ غيرَ اللَّهِ، أو بَرِيءٌ مِن اللَّهِ تعالَى، أو مِن الإسلامِ أو القرآنِ أو النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحوِ ذلك لَيَفْعَلَنَّ كذا، أو إنْ لم يَفْعَلْهُ، أو إنْ كانَ فَعَلَه – فقد فَعَلَ مُحَرَّماً، وعليه كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِحِنْثِهِ.

محمد أبو زيد 16 جمادى الآخرة 1431هـ/29-05-2010م 03:30 PM

حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم
 

(ويسن الحنث في اليمين إذا كان) الحنث (خيرا([1])).

كمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب([2]) وإن حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، كره حنثه([3]) وعلى فعل واجب، أو ترك محرم، حرم حنثه([4]) وعلى فعل محرم أو ترك واجب وجب حنثه([5]) ويخير في مباح([6]) وحفظها فيه أولى([7]) ولا يلزم إبرار قسم([8]) كإجابة سؤال بالله تعالى([9]).

بل يسن([10]) ومن حرم حلالا سوى زوجته([11]) لأن تحريمها ظهار، كما تقدم([12]) سواء كان الذي حرمه (من أمة([13]) أو طعام أو لباس أو غيره)([14]) كقوله: ما أحل الله علي حرام؛ ولا زوجة له([15]) أو قال: طعامي علي كالميتة (لم يحرم) عليه([16]) لأن الله تعالى سماه يمينا بقوله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} إلى قوله: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}([17]).

واليمين على الشيء لا تحرمه([18]).
(وتلزمه كفارة يمين إن فعله)([19]) لقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أي التكفير([20]) وسبب نزولها: أنه صلى الله عليه وسلم قال «لن أعود إلى شرب العسل» متفق عليه([21]) ومن قال هو يهودي، أو كافر([22]) أو يعبد غير الله([23]) أو برئ من الله تعالى، أو من الإسلام، أو القرآن([24]).

أو النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك([25]) ليفعلن كذا أو إن لم يفعله، أو إن كان فعله فقد فعل محرما([26]) وعليه كفارة يمين بحنثه([27]).


([1]) لقوله صلى الله عليه وسلم «ماحلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني» وقال: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفر عن يمينه.
([2]) مثل ما تتعلق به مصلحة، كصلح ودفع شر، وقال الوزير: اتفقوا على أنه لا يجوز أن يجعل اسم الله عز وجل عرضة للأيمان، يمنع من بر أو صلة، وإن كان قد حلف، فالأولى له أن يحنث، إذا حلف على ترك البر، ويكفر.
([3]) كأن حلف على فعل ما ندب إليه الشرع، أو ترك ما يكره شرعا، كالحلف في البيع والشراء، كره حنثه فيه، واستحب بره، لما يترتب على بره من الثواب الحاصل بفعل المندوب، وترك المكروه.
([4]) ووجب حل اليمين، لما في الحنث من الإثم بفعل المحرم، أو ترك الواجب وتلزمه الكفارة في هذه الصورة.
([5]) لما في بره من الإثم بفعل المحرم، أو ترك الواجب.
([6]) أي ويخير في حنثه إذا حلف على فعل مباح، أو تركه، أو حل يمينه، وكذا على الخبر بشيء هو صادق فيه، أو يظن صدقه فيه.
([7]) أي: وحفظ يمينه في المباح، أولى من الحنث لقوله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} وإن أفرط كره.
([8]) أي: ولا يلزم محلوفا عليه إبرار قسم.
([9]) أي: كما لا يلزم إجابة سـؤال بالله تـعالى، لأن الإيجـاب بالتوقيف
ولا توقيف فيه، وقال الشيخ: إنما يجب على معين، فلا تجب إجابة سائل يقسم على الناس.

([10]) أي إبرار القسم، كإجابة سؤال بالله لقوله صلى الله عليه وسلم «من سألكم بالله فأعطوه»، ولا يسن تكرار حلف، فإن أفرط كره.
([11]) لم يحرم عليه.
([12]) في باب الطلاق، وباب الظهار، وتقدم الكلام فيه موضحا.
([13]) له، لم تحرم عليه بذلك.
([14]) أو قال: علي حرام إن فعلت كذا، أو إن أكلت هذا الطعام، فهو علي حرام، أو قال: حرام علي هذا الطعام.
([15]) فإن كانت له زوجة، فتقدم حكم ذلك موضحا في بابه.
([16]) أو قال: هذا الطعام علي كالدم، أو كلحم الخنزير، لم يحرم عليه، قال الشيخ: ولا يجوز التعريض لغير ظالم، وهو قول جماعة، وهو تدليس كتدليس المبيع، نص عليه.
([17]) وروي عن ابن عباس، وابن عمر: انه صلى الله عليه وسلم جعل تحريم الحلال يمينا.
([18]) ولأنه لو كان محرما، لتقدمت الكفارة عليه، كالظهار.
([19]) أي إن فعل ما حرم على نفسه، من طعام أو شراب، أو لباس أو نحوه وقال الوزير: اتفقوا على أن الكفارة تجب عند الحنث في اليمين، على أي وجه كان، من كونه طاعة أو معصية، أو مباحا.
([20]) قال ابن القيم: لكن يمين منعقدة، وقال: إذا حلف ليفعلن كذا، فهو حظ منه لنفسه، وليس إيجاب، ولكن عقد اليمين ليفعلن، فأباح الله له حل ما عقده بالكفارة، وسماها تحلة، وليست رافعة لإثم الحنث.
([21]) وذلك لما قال له بعض نسائه، أكلت مغافير قال بل شربت عسلا.
([22]) لم يكفر وفعل محرما، قال ابن القيم: اتفق الناس أنه إن قال: إن فعلت كذا فهو يهودي، أنه لا يكفر إن قصد اليمين.
([23]) أي: أو قال هو يعبد غير الله، أو يكفر بالله، أو يعبد الصليب ليفعلن كذا.
([24]) أو لا يراه الله في موضع كذا، إن فعل كذا.
([25]) كأن يستحل الزنا، أو شرب الخمر، أو ترك الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج.
([26]) لما في الصحيحين: «من حلف على ملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال» ولأحمد: من قال إنه برئ من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما.
([27]) لما روي أنه سأل عن الرجل يقول: هو يهودي أو نصراني أو برئ من الإسلام في اليمين يحلف بها، فيحنث عليه كفارة يمين، ولأنه قول يوجب هتك الحرمة، فكان يمينا كالحلف بالله، بخلاف: هو فاسق ونحوه، وتقدم كلام ابن القيم.

ساجدة فاروق 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م 11:12 AM

الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله
 
وَيُسَنُّ الحِنْثُ فِي الْيَمِينِ إِذَا كَانَ خَيْراً،................
قوله: «ويسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً» الحنث هو ما أشار إليه من قبل، وهو أن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله.
مثاله: رجل قال: والله لا أفعل هذا، ثم جاءنا وسألنا: هل الأفضل له أن يفعل هذا الشيء ويحنث، أو الأفضل ألاّ يفعله؟
نقول: إذا كان الحنث خيراً من عدمه فاحنث، وإذا كان عدم الحنث خيراً، أو تساوى الأمران فالأفضل حفظ اليمين، وعدم الحنث.
فالمسألة لا تخلو من ثلاث حالات:
الأولى: أن يكون الحنث خيراً.
الثانية: أن يكون عدم الحنث خيراً.
الثالثة: أن يتساوى الأمران.
فإن كان الحنث خيراً حنث، وإن كان عدمه خيراً فلا يحنث، وإن تساوى الأمران خيِّر، والأفضل أن لا يحنث؛ لقوله تعالى: {{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ}} [المائدة: 89] ، أي: اجعلوها محكمة محفوظة، ولا تحنثوا فيها.
أما إذا كان الحنث خيراً فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها، إلاّ كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير»[(123)].
وقال صلّى الله عليه وسلّم لعبد الرحمن بن سمرة: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفِّر عن يمينك وائت الذي هو خير» [(124)].
فصار من قوله والتزامه صلّى الله عليه وسلّم أنه إذا كان الحنث خيراً فأْتِهِ، والخيرية في الحنث تارة تكون خيرية واجب، وتارة تكون خيرية تطوع، فإن كانت خيرية واجب صار الحنث واجباً، وإن كانت خيرية تطوع صار الحنث تطوعاً، فمثال خيرية الواجب لو قال: والله لا أصلي اليوم مع الجماعة.
فهذا حلف على ترك واجب فالحنث هنا واجب، وعليه أن يصلي مع الجماعة ويكفر عن يمينه.
ومثال خيرية التطوع، لو قال شخص: والله لا أصلي الوتر، فهنا حلف على شيء تطوع فالحنث أفضل له من عدمه، فنقول له: أوتر وكفِّر عن يمينك.
ولو تعاند رجل مع عمِّه في شيء، فقال: والله لا أكلم عمي، فهنا حلف على أمر فيه هجر مؤمن، وقطيعة رحم، فالحنث هنا واجب، لأنه يتوقف عليه فعل الواجب، فإذا توقف على الحنث فعل الواجب صار واجباً.
ولو أن رجلاً غضب على شخص فقال: والله لأضربنَّه بالحجر حتى أجرحه، فهذا يجب عليه الحنث؛ لأن ترك المحرم يتوقف على حنثه، وإذا توقف ترك المحرم على الحنث صار الحنث واجباً.
وإذا كان عدم الحنث هو الخير فهنا نقول له: لا تحنث، وذلك فيما إذا حلف على ترك محرم، أو على فعل واجب، فالحنث هنا حرام، مثال ذلك إذا قال الأب لابنه: لا تصلى مع الجماعة فقال الابن: والله لأصلينَّ مع الجماعة فالحنث حرام، ويجب عليه الصلاة مع الجماعة.
ولو قال: والله لا أسرق اليوم، فالحنث حرام، ولو هَمَّ أن يسرق ولم يسرق فهذا محرم عليه، ولو سرق لزمته الكفارة مع الإثم، وقطع اليد إن تمت الشروط.
ومثال الحنث المكروه أن يحلف على ترك المكروه، مثل لو قال: والله لا ألتفت برأسي في الصلاة، والالتفات بالرأس في الصلاة مكروه، فنقول: الحنث هنا مكروه وهو الالتفات برأسه في صلاته.
ولو قال: والله لا آكل البصل، وسوف يصلي في جماعة، وقد بقي على الأذان ثلث ساعة فالحنث هنا مكروه؛ لأن بإمكانه أن يصبر حتى يصلي، فإن أكل لئلا يصلي صار حراماً.
ومثال الحنث المباح: قال: والله لا ألبس هذا الثوب، ولألبسن هذا الثوب، فهو مخير ولكن حفظها أولى.
وإن قال له والده: يا بني، اتقِ الله، لا تلبس ثوباً ينزل عن الكعبين، فقال: والله لألبسنَّ ثوباً يضرب إلى الأرض، فالحنث واجب؛ لأنه بحنثه يترك المحرم، والعكس بالعكس؛ لأن بعض الناس يعتبون على أولادهم لو رفعوا ثيابهم فوق الكعبين، ويقول أحدهم لابنه: يجب أن تنزل الملابس تحت الكعبين، وإلا فسوف أهجرك!
فقال: والله لا ألبس ثوباً نازلاً عن الكعبين، فيحرم عليه الحنث؛ لأنه إن حنث وقع في المحرم.
بقينا في إبرار القسم، وإبرار القسم غير الحنث؛ لأن الحنث واقع من المقسِم أي: الحالف، لكن إبرار القسم بمعنى أن يحلف عليَّ شخص، فهل الأفضل أن أبر بيمينه، أو ماذا؟
نقول: الأفضل أن تبر بيمينه، بل قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنه من حق المسلم على المسلم» [(125)]، فإذا حلف عليك أخوك فإن من حقه عليك أن تبرَّ بيمنيه، وهذا ما لم يكن في ذلك ضرر عليك، أما إذا كان في ذلك ضرر عليك فإن ذلك لا يلزمك، فلو قال: والله لتخبرني كم مالك؟ وكم عيالك؟ وكيف معاشرتك لأهلك؟ ومتى تنام؟ ومتى تستيقظ؟ أقسم عليك بالله العلي العظيم أن تخبرني، فلا يلزمه أن يخبره، بل ربما يحرم عليه؛ لأنه توجد أشياء سرية لا يمكن أن يخبر بها أحداً، لكن الشيء الذي ليس عليك فيه ضرر فأنت مأمور أن تبر بيمينه، وأما ما فيه نفع لأخيك فإنه يكون أشدَّ توكيداً، وإن كان فيه دفع ضرر عنه فإنه يجب.
المهم أن إبرار المقسِم الأصل فيه أنه مشروع، وأنه من حقوق المسلم على المسلم، وقد يقترن به ما يجعله ممنوعاً، وما يجعله واجباً.
ولكن هل الكفارة تجب على الحانث أو على الحالف؟ الجواب: على الحالف، يعني لو أنك قطعت يمين الحالف، ولم تبرَّ يمينه فالكفارة عليه؛ لأنه هو الحالف، والكفارة تتعلق بالحالف.
فلو قال الحالف: أنت الذي قطعت اليمين، وتسببت في وجوب الكفارة عليَّ، فعليك الكفارة؛ لأن المتسبب كالمباشر.
يقول: بل أنت متسبب مباشر، فالذي حلف أنت، والذي فعل أنت، وأنا ما فعلت إلا ما هو شرط في وجوب الكفارة فقط، وهو الحنث، وأما المتسبب الأصلي فهو أنت.

وَمَنْ حَرَّمَ حَلاَلاً سِوَى زَوْجَتِهِ، مِنْ أَمَةٍ، أَوْ طَعَامٍ، أَوْ لِبَاسٍ، أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَحْرُمْ، وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِنْ فَعَلَهُ.
قوله: «ومن حرم حلالاً سوى زوجته، من أمة، أو طعام، أو لباس، أو غيره، لم يحرم، وتلزمه كفارة يمين إن فعله» «من» اسم شرط جازم، وفعل الشرط فيها «حرَّم» ، وجوابه «لم يحرم» فالمحرِّم لما أحل الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
الأول: أن يكون منشئاً.
الثاني: أن يكون مخبراً.
الثالث: أن يكون ممتنعاً.
الأول: إذا كان منشئاً فهذا قد يَكْفُر، فإذا قال: إن هذا الشيء الذي حرمه الله تعالى، أنا أقول: إنه حلال، ولا أوافق على أنه حرام! فهذا قد يكفر، وذلك إذا استباح ما حرم في الدين بالضرورة، مثل لو استباح الخمر، أو الزنا، أو السرقة، أو ما أشبه ذلك، وكما يُذكر عن المعري في الخمر يقول:
لئن حُرِّمت يوماً عَلَى دينِ أحمدِ
فخذها على دينِ المسيح ابن مريمِ
وإن حرم ما لم يُجمع على تحريمه، فهذا إن كان باجتهاد فله حكم المجتهدين، وإن كان بعِنادٍ فهو على خطر.
الثاني: المخبر بالتحريم، فهذا إما صادق، وإما كاذب، مثل لو قال: إن الله ـ تعالى ـ حرم هذا، لا يقول: أنا أحرمه، وأنشئ تحريمه، وإنما يخبر بأن الله ـ تعالى ـ حرمه، فهذا إما أن نقول: إنه صادق أو كاذب، وننظر إن كان الله قد حرمه، فنقول له: صدقت، وإن كان الله لم يحرمه نقول له: كذبت، ولهذا يروى عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن من قال لزوجته: أنت عليَّ حرام، أنه يقال له: كذبت، وهذا محمول على أنه مخبِر، فنقول: هذا ليس بصحيح، وليست حراماً، بل الله قد أحلها لك.
الثالث: الممتنع، بأن يحرم الشيء مانعاً نفسه منه، أو ممتنعاً منه، واللفظان بمعنى واحد؛ أي: يقصد الامتناع فقط، وهذا الأخير هو الذي يريده المؤلف ـ رحمه الله ـ في هذا الكلام.
فإذا حرم الإنسان شيئاً حلالاً بقصد الامتناع فلا يحرم، مثل لو قال: حرام عليَّ أن آكل طعامك، فنقول: الطعام حلال لك، لم يحرم، وعليه كفارة يمين، إن فعله لأن قصده هنا أن يمتنع من أكله.
والدليل قول الله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}} [التحريم: 1، 2] وهذه الآية نزلت لما حرم النبي صلّى الله عليه وسلّم على نفسه العسل في قصة مشهورة[(126)]، تنظر في تفسير ابن كثير وغيره.
وسمي تحلة؛ لأن الإنسان تحلل منه حين كفَّر، فأنا مثلاً قبل أن أُكفِّر لا يحل لي أن أفعله، إلا إذا أديت الكفارة بعد أن أحنث، فإذا أديت الكفارة انحلت اليمين، ولم يعد هناك يمين إطلاقاً، ولهذا نقول: أداء الكفارة قبل الحنث تحلة، وبعد الحنث كفارة.
وقوله: «سوى زوجته» : «سوى» أداة استثناء، يعني من حرم حلالاً سوى الزوجة، فالزوجة حلال للإنسان لقوله تعالى: {{وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ}} أي: نساؤهم.
يقول المؤلف: إن حكم الزوجة ليس كحكم غيرها، فتحريم الزوجة يكون ظهاراً على المشهور من المذهب، والظهار أغلظ من غيره؛ وذلك لأن الظهار وصفه الله ـ تعالى ـ بأنه منكر من القول وزور فهو منكر لأنه حرام، وزور لأنه كذب.
وكيفية الظهار أن يقول الرجل لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي، وكانوا في الجاهلية يجعلونه طلاقاً بائناً كالطلاق الثلاث، فبيَّن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن هذا الحكم حكمٌ باطل، وجعل على المُظاهر الكفارة المغلظة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكنياً، ومع ذلك لا يحل له أن يمس زوجته ـ أي: يجامعها ـ حتى يكفِّر؛ لقوله تعالى: {{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا}} [المجادلة: 3] ، وقد صرح الله ـ تعالى ـ بهذا الشرط في العتق والصيام، وسكت عنه في الإطعام، فاختلف العلماء في الإطعام هل يجوز أن يمس الزوجة المظاهر منها قبل الإطعام، أو لا يجوز حتى يطعم؟
اختلفوا في ذلك على قولين، وسبق لنا أن المشهور من مذهب الحنابلة، وهو قول أكثر أهل العلم، أنه لا يمسها حتى يطعم.
فإذا قال الزوج لزوجته: أنتِ عليَّ حرامٌ صار مظاهراً، فالزوجة لا تحرُم، ولكن لا يجامعها حتى يكفِّر.
وإذا قال: إن فعلتُ كذا فزوجتي عليَّ حرام، فَفَعَلَه صار ظهاراً، فلا فرق ـ على المذهب ـ بين أن يجعله صيغة قسم، أو أن يبت التحريم، فكلاهما حكمه حكم الظهار، أي: سواء علق تحريمها على شرط، أو لم يعلق تحريمها على شرط.
والتعليق على الشرط تارة يجري مجرى اليمين، وتارة يكون شرطاً محضاً.
فالشرط المحض هو الشرط الذي لا قصد للإنسان فيه، مثل أن يقول: إذا طلعت الشمس فزوجتي عليَّ حرام.
والجاري مجرى اليمين أن يقصد بذلك توكيد المنع، مثل أن يقول: إن كلمتُ فلاناً فزوجتي عليَّ حرام، فهذا ليس كقوله: إن طلعت الشمس فزوجتي عليَّ حرام؛ لأن قصده هنا ألاَّ يكلم هذا الرجل، فهذا التعليق جارٍ مجرى اليمين.
أما التحريم بلا شرط فأن يقول: أنت عليَّ حرام، والأقسام الثلاثة كلها على المذهب حكمها حكم الظهار.
والصحيح أن تحريم الزوجة كغيرها، وحكمه كحكم اليمين؛ لعموم قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}}.
فإذا قال قائل: النبي صلّى الله عليه وسلّم إنما حرم العسل؟ فالجواب: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالله ـ عزّ وجل ـ لم يقل للنبي: «يا أيها النبي لِم تحرم العسل؟»، وإنما قال: {{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}} و(ما) من صيغ العموم فتشمل حتى الزوجة.
فإذا قال لزوجته: أنت علي حرام فهو يمين، إذا جامعها وجب عليه كفارة يمين فقط، وله أن يفعل الكفارة قبل وتكون تحلة، أو بعدُ وتكون كفارة.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: {{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }} [البقرة:226] ، والإيلاء في الواقع أن يحلف أن لا يطأ زوجته، وهذا في معنى التحريم، ومع ذلك فإن عليه الكفارة.
فإن قال: أنا أردت بقولي: إنها علي حرام، الطلاقَ، قلنا: إذا أردت الطلاق، فإن هذا اللفظ قابل لهذه النية؛ لأن المطلقة حرام على زوجها، حتى وإن كانت رجعية فليست كالزوجات، فإذا أردت بهذا اللفظ ـ الصالحِ للفراقِ ـ طلاقاً صار طلاقاً؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [(127)].
وإذا قال: أردتُ به الظهار، أي: أردت به «أنت علي حرام كحرمة أمي» قلنا: هو ظهار؛ لأن اللفظ مطلق والنية قيدته، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» .
فإذا قال: أنا قلت: أنت علي حرام، ولم أنوِ الطلاق، ولا الظهار، ولا اليمين، فيُجعل يميناً؛ لأن هذا مقتضى اللفظ المطلق. فإذا أطلق كان يميناً.
فصار الذي يقول لزوجته أنت علي حرام له أربع حالات:
الأولى: أن ينوي الظهار.
الثانية: أن ينوي الطلاق.
الثالثة: أن ينوي اليمين.
الرابعة: أن لا ينوي شيئاً.
فإذا نوى الظهار فظهار، أو الطلاق فطلاق، أو اليمين فيمين، والعمدة عندنا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» .
فإذا لم ينوِ شيئاً صار يميناً، والدليل قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}} [المجادلة:2,1].
فإذا قال قائل: هل تجرون هذه الأحكام في لفظ الظهار، فتقولون: إذا قال الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، فإنه يقع ما نواه من طلاق، وظهار، ويمين، فإن لم ينوِ شيئاً فظهار؟
الجواب: لا؛ لأن اللفظ هنا صريح في الظهار، ولو جعلناه طلاقاً لكنَّا وافقنا حكم الجاهلية، وهذا لا يجوز؛ لأنه تغيير للحكم الشرعي، فنقول: إذا قلت: أنت عليَّ كظهر أمي، فهو ظهار بكل حال.
فإن قلت: وإذا أجراه مجرى اليمين، بأن قال: إن فعلتُ كذا فزوجتي علي كظهر أمي؟
الجواب: هذا حكمه حكم اليمين ما لم ينوِ الظهار؛ لأنه ظاهر فيه أن المقصود الامتناع.
وبهذا نعرف أن القول الراجح في مسألة التحريم أنه لا فرق بين الزوجة وغيرها.
ولو قال رجل لأمته التي يتسرَّاها: أنت عليَّ حرام، فهذه يمين وليست ظهاراً، حتى على المذهب لقول المؤلف: «ومن حرَّم حلالاً سوى زوجته من أمة» أو إطعام أو لباس فلا تكون الأمة كالزوجة بل يكون تحريم الأمة يميناً.
مسألة: لو قالت الزوجة لزوجها: أنت علي حرام؟ فعلى المذهب عليها كفارة يمين، وإذا قالت لزوجها: أنت علي كظهر ابني أو أبي؟ فعلى الراجح عليها كفارة يمين، ولا يكون ظهاراً؛ لأن الظهار بيد الرجل، والمذهب يقولون: عليها كفارة ظهار، وليس بظهار، فلزوجها أن يجامعها، ولكن الصحيح أن عليها كفارة يمين.
وقوله: «وتلزمه كفارة يمين إن فعله» فإن لم يفعل فلا شيء عليه.
وإذا قال الرجل: هو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو بريء من الإسلام، أو شيوعي إن فعل كذا وكذا، فهل هذا حكمه حكم اليمين، أو هو تَقوُّلٌ فقط؟
بعض العلماء يقول: حكمه حكم اليمين؛ لأن هذه الأمور مكروهة عنده، ولهذا جعل فعل هذا الشيء وكراهته له ككراهته أن يكون يهودياً، أو نصرانياً، أو شيوعياً، أو ما أشبه ذلك، وعلى هذا فيكون حكمه حكم التحريم، أي: تحريم المباح، فيلزمه كفارة يمين، وهذا هو المشهور من المذهب، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره من السلف.
وقال بعض العلماء: إنه لا كفارة عليه؛ لأن هذا ليس يميناً، وليس في معنى ما ورد من اليمين، ولكن الصحيح أن حكمه حكم اليمين.


[123] أخرجه البخاري في الأيمان والنذر/ باب قول الله تعالى: {{لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}} (6623)، ومسلم في النذر/ باب ندب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها أن يأتي الذي هو خير ويكفر عن يمينه (1649) عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه.
[124] سبق تخريجه ص(126).
[125] أخرجه البخاري في المظالم/ باب نصر المظلوم (2445)، ومسلم في اللباس والزينة/ باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة... (2066) عن البراء بن عازب رضي الله عنه.
[126] أخرجه البخاري في تفسير القرآن/ باب {{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}...} (4912)، ومسلم في الطلاق/ باب وجوب الكفارة على من حرم امرأته... (1474) عن عائشة رضي الله عنها.
[127] أخرجه البخاري في بدء الوحي/ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1)، ومسلم في الإمارة/ باب قوله: «إنما الأعمال بالنيات» (1907) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.


الساعة الآن 01:53 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir